من مظاهرة مناهضة للعنف ضد المرأة في القاهرة عام 2013. الصورة: جيجي إبراهيم- فليكر

"سايحة في دمها": لماذا تفشل دور الاستضافة في حماية النساء من العنف المنزلي؟

منشور الخميس 7 مارس 2019

لم تعتقد شادية عندما تركت بيت الزوجية بسبب الاعتداءات المتكررة من زوجها أن تظل عرضة لاعتداءاته حتى على باب المحكمة، حيث حطّم أوانٍ فخارية كانت تبيعها أمام محكمة دمنهور إمعانًا في إذلالها وكسر شوكتها. 

قصة شادية بدأت قبل 12 سنة مع تكرار اعتداءات زوجها عليها بالضرب المبرح والإهانة، مع رفضه الإنفاق على طفليها ثم إجبارها على العمل وأخذ أموالها، لتطلب الطلاق منه، ولكنها لم تجد آلية تلجأ إليها لحمايتها.    

السيدة الثلاثينية التي تعيش محافظة البحيرة ليست الوحيدة، بل هي واحدة من مليون امرأة تتعرض للعنف سنويًا وتترك بيت الزوجية وتحتاج الى منزل بديل وحماية تقف بجانبها، في دراسة أعدها جهاز التعبئة والإحصاء عن العنف ضد المرأة والتكلفة الاقتصادية الناتجة عنه 2017.

أوضحت الدراسة أن الدولة تتكلف نحو 2.17 مليار جنيه سنويًا جراء العنف الممارس ضد النساء، تشمل النفقات المدفوعة نقديًا على الخدمات الصحية والعلاج من آثار العنف، بالإضافةإلى تكلفة الإجراءات القانونية والقضائية من أجل الطلاق والحصول على حقوقها.

وزارة التضامن الاجتماعى قررت عام 2003 إنشاء أول بيت لاستضافة النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري بالتعاون مع الجمعيات الأهلية، وكان في القاهرة. زاد عدد هذه البيوت ليصل اليوم إلى ثماني بيوت في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والدقهلية وبني سويف والفيوم والمنيا والإسكندرية.

دور استضافة غير مفعلة

لجأت شادية إلى أقرب دار استضافة بجمعية مصطفى كامل في الإسكندرية، على أمل الحصول على إقامة ودعم قانوني، إلا أن الإجراءات وقفت عائقًا أمام استقبال شادية. بطاقة الرقم القومي ومستند إثبات الحالة الاجتماعية سواء شهادة الزواج أو الطلاق والبث الاجتاعية من الوحدة الاجتماعية التي تتبعها الدار، أوراق ضرورية لدخول الدار والحصول على موافقة إدارة الجمعية، البطاقة لدى الزوج ولن يمكنها الحصول عليها وكذلك مستند الحالة الاجتماعية.

ترى عايدة نور الدين، مديرة جمعية المرأة والتنمية بالإسكندرية، أن لائحة بيت الإستضافة بجمعية مصطفى كامل تتضمن عددًا من الشروط التي تحتاج إلى تعديل، كشرط بطاقة الرقم القومي، لأن نساء كثيرات يطردن من بيوتهن دون أي أوراق ثبوتية، كما طالبت نور الدين بتوفير آلية تواصل مع وزارة الداخلية بقسم الأحوال المدنية ليتم الكشف عن المرأة بالاسم الرباعي والتأكد من هويتها، واستضافة المرأة استضافة مؤقتة لحين استكمال أوراق إقامتها بالدار.

تؤكد عايدة إن مصر من الدول التي تدعم دار الاستضافة ماليًا من الموازنة العامة للدولة بنسبة 100% مقارنة بدول أخرى، ولكن رغم ذلك فإن بعض بعض الإجراءات الشكلية المشترطة تفرغ الأمر كله من مغزاه الأساسي وهو حماية المرأة التي تتعرض لأي شكل من أشكال العنف سواء الجسدي أو النفسي أو الجنسي، ليقتصر الحق في الاستضافة على النساء اللاتي يتعرضن للاعتداء المبرح "الدار بتقبل الحالات اللي سايحة في دمها بس".

مؤسسة نظرة للدراسات النسوية أجرت دراسة عام 2016 بعنوان إشكاليات بيوت الاستضافة للسيدات، كشفت أن بعض بيوت الإستضافة تستقبل فقط الحالات التي تتعرض لعنف بدني شديد وتكون آثاره واضحة على الجسد، وهو ما يعد تعسفًا ضد المرأة، وذلك لعدم وجود  تعريف محدد للعنف في اللائحة  المكتوبة وبالتالي يتبع العاملون في البيوت المختلفة تعريف الجمعية التابعين لها للعنف.

عرفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه"أي فعل من أفعال العنف القائم على النوع الاجتماعي ينتج عنه، أو يحتمل أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة، أو التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو أي حرمان من الحرية".

عادات متوارثة

تحملت ولاء (اسم مستعار) سبع سنوات من الإهانة والضرب وفقدان الثقة، بسبب الإقامة بالإكراه مع زوجة ثانية، خوفًا من تهديدات الزوج بحرمانها من أطفالها الثلاثة في حال تركت البيت، وانصياعًا من الزوجة لنصائح أمها "متخربيش البيت..عيشي وربي العيال".

تزوجت ولاء وهي ابنة 18 سنةً، وأكملت دراستها الجامعية وحصلت على ليسانس الحقوق وهي متزوجة، فلم تختلط بأحد بعد انتهاء الدراسة وتفرغت لأسرتها وتربية أبنائها "جوزي مرحمش قلة حيلتي وعدم قدرة أهلي إنهم يقفوا جنبي لمرض أمي وانشغال أخوتي الدائم وطردني من البيت".

لم تكن ولاء تعلم بوجود أماكن لحماية المرأة من العنف، وتمكنت عن طريق الجيران من التواصل مع جمعية المرأة والتنمية التي تقدم مساعدات قانونية ودعمًا نفسيًا للمرأة المعنفة، وطلبت المساعدة للتدخل والتفاوض مع الزوج للرجوع إلى المنزل والعيش مع أبنائها، وأن يترك الزوج البيت لأنها ترفض الطلاق، وأن يتم وصمها في المجتمع بإسم "مطلقة" حفاظًا على المظهر الاجتماعى وسط الأهل والجيران.

استطاعت ولاء بعد الانفصال استعادة ثقتها بنفسها من خلال جلسات دعم استمرت ثلاث سنوات، كما حصلت على وظيفة بالجمعية التى قدمت لها المساعدة، والتعامل مع حالات من السيدات تعرضوا للعنف وتوعيتهم بحقوقهم وعمل دورات تدريبية لتوعية النساء والفتيات المقبلة على الزواج بحقوقهن ورفض كل أشكال العنف التي يمكن أن يتعرضن لها.

جهل بأبسط الحقوق

"تعاني المرأة من عادات وتقاليد المجتمع خاصة فى المجتمعات ذات الطبيعة الشعبية والتي تنحاز بشكل كبير إلى الرجل، في دراسة محلية بمحافظة الإسكندرية عن وعي النساء بأشكال العنف الواقع عليهن ومدى مشاركة الرجال في أليات حماية المرأة" هذا ما أوضحه الباحث الحقوقي أحمد أبو المجد في دراسته، لافتًا إلى أن التربية في المجتمعات المحلية تؤثر في نظرة وطريقة تعامل الرجال مع النساء بنسبة 65%، والتميز في المعاملة بين الذكور والإناث يعطى للذكور إشارة خضراء للتجاوز في حق الإناث مما يؤدي إلى العنف. 

وأشار أبو المجد في دراسته إلى قلة وعي النساء بسبل اللجوء لآليات الحماية من العنف، سواء السبل القانونية أو النفسية، وأماكن تقديم هذه الخدمات في كثير من الأماكن وخاصة الأماكن الشعبية البعيدة عن العاصمة، فالكثيرات يفضلن الصمت ويلي ذلك اللجوء إلى الأهل والأقارب وطلب التدخل ومنع العنف، والخيار الأخير يكون عادةً اللجوء للقانون بإبلاغ الشرطة أو التقاضي.

صفاء، هكذا اختارت أن نسميها، تعرضت هي الأخرى لأشكال مختلفة من العنف بعد أسبوع من زواجها عرفيًا من رجل يدمن مواد مخدرة، وبينما كانت حاملًا في طفلتها الأولى طردها من البيت ورفض تسجيل الطفلة باسمه إلا إذا تنازلت عن حقوقها، مستغلًا أن الزواج عرفي وغير موثق، لأن الفتاة كانت قاصرًا ولم تبلغ السن القانوني للزواج، فوافقت صفاء خوفًا على مستقبل الرضيعة من أن تصبح مجهولة النسب.

خوف صفاء لم يحمِ ابنتها ذات الستة عشر سنة من أبيها، الذي كان يجبرها على ملازمته في بيته بحجة مساعدته ثم يتحرش بها جنسيا. لم تفصح الأم عن الأمر خوفًا من الفضيحة، فكان القرار هو تزويج الابنة عقب حصولها على "الدبلوم" مباشرة، الرجل الذي تقدم وقتها كانت يكبرها بخمسة عشر عامًا.

هربت الصغيرة من جحيم الأب، لتقع تحت يد زوج مارس ضدها عنفا آخر من الضرب والتعنيف والإهانة، غير أنها تقبلت صاغرة كل ذلك خوفا من أن تحمل اللقب ذاته الذي صاحب أمها "مطلقة".

يبلغ عدد النساء اللاتي يتعرضن للعنف في مصر سنويًا قرابة ثمانية ملايين سيدة، وفقًا لدراسة أعدها جهاز التعبئة والإحصاء بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة، الذي أشار أيضا إلى أن 2.5 مليون امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات على يد الزوج أو الأهل، كما تصاب 2.3 مليون امرأة سنويًا بأمراض نفسية نتيجة عنف تعرضت له.  

توضح نجلاء محمد عضو المجلس القومي للمرأة بالبحيرة، لـ المنصة أن قلة وعي النساء بحقوقهن هو أحد أسباب زيادة العنف ضد المرأة، فمن أهداف المركز الأساسية توعية النساء من خلال الدورات التدريبية وإقامة الندوات التعريفية بالقرى والمراكز لتعريف المرأة بحقوقها وما لها وما عليها، وتقديم الاستشارة القانونية من خلال مكتب تلقي الشكاوى بالمجلس، وانتداب محامين للحالات غير القادرة ومتابعة الإجراءات القانونية مع الحالة لضمان حصولها على حقوقها.

تشير محمد إلى أن 80% من الحالات تلجأ إلى المجلس للحصول على الدعم القانوني، ويتعاون المجلس مع وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بمديرية أمن البحيرة لمساعدة المرأة على تقديم بلاغ بقسم الشرطة في حال تعرضت للعنف.   الكثير من سيدات محافظة البحيرة لا يعرفن بوجود المجلس القومي ولا بالخدمات التي يقدمها، علاوة على كون الأرقام المعلنة بالموقع الرسمي للمجلس القومي للمرأة غير متاحة، بسبب تغيير أرقام الهواتف وعدم الاهتمام بالاعلان عن الارقام الجديدة، ما يمنع الكثير من سيدات محافظة البحيرة من التواصل مع المجلس كوسيلة لتقديم الحماية المعنوية أو النفسية أو القانونية.