من الفيديو المتداول لمحاصرة المبنى التابع لمطرانية الأقباط الأرثوذوكس بالمنيا/فيسبوك

عنف المنيا ضد مسيحييها.. صوت الطائفية فوق سيف القانون

منشور الأحد 13 يناير 2019

يمثّل الاعتداء الأخير على مسيحيين في قرية الزعفرانة بسبب إقامتهم شعائر الصلاة في أحد المباني التابعة لمطرانية الأقباط الأرثوذوكس، جزءًا جديدًا من سلسلة حوادث عنف طائفي تجعل من محافظة المنيا أكثر المحافظات المصرية تسديدًا لفاتورة التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين.

يقف جمع من الناس يتظاهرون ويحاصرون المبنى الذي قد يكون كنيسة أو بيت أحدهم وهبه ملجأ للمصلّين الذين لايجدون موقعًا آخر يصلون فيه، يتدخّل الأمن لا ليحمي المعتدى عليه ولكن ليفرض كلمة المتعدي، هذا ما حدث في الزعفرانة، بحسب بيان إيبراشية المنيا وأبي قرقاص، وهو ما يعتبر واقعة متكررة خاصة في محافظة المنيا.

 

https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Falmanassanews%2Fvideos%2F348611339306407%2F&show_text=0&width=560

بحسب رصد لحوادث العنف الطائفي من مبادرة اشهد، وقعت في المنيا 49 حادثة اعتداء على دور عبادة مسيحية منذ 2013 وحتى 2017، 27 حالة منها كانت في 2013 وحدها، بينما شهدت الأعوام 2014 و2015 و2016 انخفاضًا نسيبيًا في أعداد هذه الحوادث متمثّلاً في 12 حادثة فقط خلال السنوات الثلاث، ليتصاعد الرقم مجددًا في 2017 التي شهدت وحدها عشر حوادث اعتداء، كما شهد العام نفسه الاعتداء على أتوبيس كان متوجهًا إلى زيارة دير الأنبا صموئيل وأسفر عن مقتل 28 مصريًا جميعهم مسيحيين، ليعود ويتكرر نفس الحادث عام 2018، مسفرًا هذه المرّة عن سبعة قتلى.

بلا كنائس .. بلا أمن

يرجع تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن التوترات الطائفية بسبب بناء أو ترميم الكنائس عدم تقنين كل أماكن الصلاة الخصة بالمسيحيين إلى التضارب التشريعي الذي جعل من بعض الكنائس مقامة بموافقة أمنية شفهية، يأخذ بعضها أشكال الكنائس والبعض الآخر شكل البيوت والقاعات، ونسبة صغيرة من الكنائس فقط هي من بنيت بقرارات جمهورية بحسب التقرير.

فقد بلغ عدد القرارات الصادرة ببناء كنائس منذ 25 يناير 2011 حتى نهاية أغسطس 2016، 11 قراراً فقط، وغير معروف ما إذا كانت هذه القرارات صادرة لتوفيق أوضاع كنائس مقامة بالفعل ويصلى فيها وصدر لها الترخيص، أم كنائس جديدة صدرت لها قرارات جمهورية، حيث جرت العادة أن معظم القرارات التي تصدر تكون لكنائس قائمة بالفعل ويصلى بداخلها، بينما كان عدد محدود جدّا لكنائس جديدة، بحسب ما ذكره تقرير المبادرة.

في المقابل، فإن المسيحيين المقيمين في محافظات كالمنيا يحتاجون عددًا كبيرًا من الكنائس، إيبارشية المنيا وأبو قرقاص موقع اعتداء الجمعة الماضي مثلاً والتي تضم مركزين فقط من مراكز المحافظة يوجد بها 150 قرية وتابع ومنطقة تحتاج إلى كنائس للصلاة فيها. يقدّم أهالي هذه القرى وغيرها طلبات لبناء كنائس، لكنها بحسب التقرير غالبًا ما يتم تجميدها من قبل من قبل الأجهزة الأمنية أو نتيجة تحريض من الأهالي المعترضين على بناء الكنيسة.

محافظة المنيا أيضًا تتربع على قائمة المحافظات التي تضم كنائس مغلقة بيد قوّات الأمن "لدواعي أمنيّة"، دون ان تكون هناك حاجة فعليّة لذلك أو حتى شكوى من الجيران المسلمين. وتشمل التدخلات الأمنية والأهلية حتى قرارات بناء وهدم الكنائس، فـ 35% من التوترات الطائفية في محافظة مصر منذ عام 2011 وحتى 2016 كانت بسبب الاعتراض على إعادة بناء أو ترميم أو توسيع كنيسة قائمة.

بحسب التقرير، من بين عشر حالات حصلت على موافقات بالهدم وإعادة البناء، كنيسة واحدة فقط بنيت وبها منارة وصليب، هي كنيسة الشهيدين بقرية صول والتي هدمت على أيدي جمع من أهالي القرية في مارس/ آذار 2011، وقامت بإعادة بنائها القوات المسلحة. وفي 16 حالة، بدأت الكنيسة في الترميم أو التوسيع، تم السماح في حالة واحدة بالترميم، أما باقي الحالات، فأوقف الترميم ومنع دخول المعدات والأدوات والمؤن، وأجبرت الكنائس في عدد منها على بناء سور فاصل بين المبنى القديم والأرض الجديدة المراد ضمها.

مثّلت محافظة المنيا 42% من بؤر الاعتداءات التي منها الاعتراض على ترميم والكنائس وإعادة بنائها، فقد شهدت نحو نصف الاعتداءات الطائفية التي حدثت للمسيحيين من أصل 15 محافظة مصرية شملهم التقرير. كما يمثل العنف بسبب ممارسة الشعائر الدينية نسبة 40% من إجمالي أحداث العنف الطائفي بمحافظة المنيا.

يرصد التقرير تقاعس الأجهزة الأمنية عن القبض على المتورطين في جرائم عنف وتحريض ضد المسيحيين وكنائسهم، ناهيك عن استخدام حل جلسات الصلح العرفي بدلاً من تطبيق القانون في حالات العنف الطائفي، وتأييد القرارات الصادرة عن هذه الجلسات بما فيها التي يخالف القانون نفسه وينتهك حقوق المسيحيين، في ظل تحكّم جهاز الأمن الوطني في مسألة بناء وهدم وترميم الكنائس من خلال أمن الدولة

إضافة إلى ذلك، تفرض السلطات الأمنية شروطًا يصفها التقرير بالمجحفة على المسيحيين لبناء كنائسهم وإعادة ترميمها في الكثير من الأحيان استجابة لمطالب بعض الجماعات السياسية الإسلامية أو لمطالب جمع من الأهالي. ومن هذه الشروط عدم وجود مظاهر دينية خارجية كقباب أو منارات أو صلبان. ويصل الأمر أحيانًا إلى القبض على محالفي هذه الشروط، حتى وإن كانت مواصفات البناء تلتزم الموجود في القرارات الرسمية. وهي الحالة التي تمثّلها الحادثة الأخيرة في قرية الزعفرانة والتي تصرّف فيها الأمن لتنفيذ كلمة المتجمهرين بدلاً من حماية المصلّين.

أسابيع ما بعد رابعة

الاعتداءات على المنشآت الكنسية تحديدًا كانت نمطًا منتشرًا في محافظات الصعيد، خاصة محافظة المنيا، بحسب تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أسابيع القتل، والذي نشر بعد عام 2013 الذي شهد عددًا هائلاً من الاعتداءات على المسيحيين وكنائسهم.

رصد التقرير تعرّض 43 كنيسة على الأقل للهجوم في أنحاء الجمهورية، عقب الإعلان عن فض اعتصامي رابعة والنهضة في 13 أغسطس/ آب 2013، من بينها 27 كنيسة نهبت وحرقت بالكامل أو حرق معظم مبانيها، كما تعرضت 13 كنيسة للنهب أو التدمير أو الإتلاف الجزئي في الأبواب والنوافذ، وتم إطلاق النار على 3 كنائس. وطالت موجة الاعتداءات سبع مدارس وست جمعيات مسيحية منها مركزين طبيين وملجأ للأطفال، هذا إضافة إلى حرق سبعة مبانٍ خدمية والاعتداء على عشرة منازل لرجال دين مسيحي.

كان نصيب المنيا من الكنائس المحترقة عشر.

أغلب هذه الاعتداءات كان لها نمط واحد، يبدأ بمسيرة لمؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي تعتدي بالحرق والسلب والنهب على الكنائس، وسط غياب لقوات الأمن، يورد التقرير شهادة القمص إبراهيم عادلي خليل كاهن كنيسة ماري جرجس بالمنيا، والتي قال فيها "جت مجموعة كبيرة من الإرهابيين، إعتدوا على المكان هنا، وزي ما حضرتك شايف، تم حرق المبنى دوة بالكامل بكل ما فيه، بعد ما تم نهب ما طالته إيديهم (....) وبالرغم من ارتفاع المبنى تمن أدوار مسبولناش حتى ولو أوضة واحدة بدون تخريب وخساير، الجمعية طبعًا هنا لا تقل عن 3 مليون جنيه".


اقرأ أيضًا: بيان للكنيسة يتهم الأمن بالإذعان للمتشددين في المنيا


ذروة العنف في المنيا

الاعتداءات على المسيحيين في محافظة المنيا من المتظاهرين شملت التحرّش بهم والهتاف ضدهم في مسيرات مؤيدة لمرسي وارتكاب جرائم وانتهاكات متنوعة بحق الأقباط في المحافظة، بداية من حصار المنازل وترويع سكانها، ونهب المحال التجارية وتدمير ما يصعب نقله، وحرقها ومنع سيارات الإطفاء من الدخول لإخماد النيران المشتعلة، وإجبارهم على دفع إتاوات بحجج مختلفة من بينها حمايتهم من الاعتداء، والتهجير القسري لأقباطٍ، كما وقع في قرية دلجا جنوب محافظة المنيا، بحسب ما رصده التقرير.

الاعتداءات الطائفيّة لم تكن مرتبطة فقط بأحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، خاصة في محافظة المنيا، فالمبادرة نشرت بيانًا صحفيًا في يوليو/تموز ذكرت فيه رصدها لـ77 حالة توتّر طائفي في المنيا منذ 25 يناير 2011 وحتى يناير 2016، وهي حالات لا تتضمن تلك التي وقعت بعد اعتصام رابعة والنهضة. تفوق حالات التوتّر الطائفي والاعتداءات المتكررة على دور العبادة المسيحية في هذه المحافظة تحديدًا غيرها من المحافظات، بما في ذلك محافظة شمال سيناء التي تعاني من تواجد وانتشار للجماعات المتطرفة المسلّحة.


اقرأ أيضًا: كيف هدمت الثورة على الأقباط أسوار كنائسهم؟