"اﻹعلام بيتدارى".. كيف حرّك "جهاز سامسونج" انتفاضة "اللايف ستريم"؟

منشور الخميس 19 سبتمبر 2019

"لما تم الإساءة لجيش مصر كل الناس تتدارى، الصحافة تتدارى والإعلام يتدارى، وكله يتدارى، وكله يقول هنعمل إيه يعني؟ إيه ده". هكذا علَّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال المؤتمر الوطني الثامن للشباب، على تعامل الإعلام المصري مع فيديوهات المقاول والممثل المصري محمد علي، المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي اتهم فيها السيسي بإهدار أموال الدولة على بناء قصور واستراحات رئاسية فاخرة وفنادق خمسة نجوم دون الحاجة لها.

تلك الفيديوهات التي تحدّث فيها المقاول المصري عبر صفحته الشخصية على فيسبوك خلال بث مباشر، كانت الشرارة اﻷولى التي أطلقت عدة فيديوهات لمقاولين آخرين خرجوا في بث مباشر ليتحدثوا عن فترة عملهم كمقاولين من الباطن مع القوات المسلحة ومع محمد علي، وقالوا إنهم كانوا يتقاضون مستحقاتهم كاملة من القوات المسلحة.

في أحد الفيديوهات قال مالك إحدى شركات المقاولات إنه عمل مع محمد علي في المشروعات الثلاثة المذكورة وهي "الشويفات"،  و"استراحة المعمورة"، و"مدينة زويل"، ولكنه لم يتقاضى منه كافة مستحقاته، مطالبًا علي باﻹصلاح من نفسه أولًا قبل أن يطالب بأي شيء، وحصد هذا الفيديو قرابة النصف مليون مشاهدة.

 

رد أحد المقاولين على محمد علي

كرة الثلج

بعد ذلك بدأت كرة ثلج البث المباشر في التكوّن، بعشرات من مقاطع اللايف لنشطاء ومواطنين يتحدثون في السياسة بشكل صريح عبر صفحاتهم الشخصية، وهو ما لم يكن معتادًا منذ إطلاق فيسبوك خدمة البث المباشر للجمهور في أبريل 2016.

وقبل ظهور محمد علي، الذي حصدت فيديوهاته آلاف المشاهدات من اليوم اﻷول، كان يقتصر البث المباشر  على الفيديوهات الخفيفة أو متابعة اﻷحداث الرياضية والثقافية، ولم يكن مألوفًا بالمشهد المصري أن يخرج ناشط سياسي أو مواطن لانتقاد اﻷوضاع السياسية، سواء من داخل أو خارجها.

 

عقب لايف ستريم محمد علي الأول، خرج الناشط السياسي وائل غنيم من كاليفورنيا بالولايات المتحدة، بعد غياب عن المشهد السياسي ﻷكثر من ست سنوات. الدافع هذه المرة للحديث، وبحسب غنيم نفسه هو "محمد علي".

انتقد غنيم فيديوهات محمد علي، ووصف دعوته للثورة بأنها "عيب"، وقال إنه مستعد للعودة لمصر وتقبيل يد السيسي لعمل مصالحة وطنية.

وعلى الجهة اﻷخرى خرج الناشط السيناوي مسعد أبو فجر لينتقد اﻷوضاع في سيناء، وقال إن أهالي سيناء هم من يدفعون ثمن "الحرب على اﻹرهاب". 

بينما خرج الضابط السابق بالقوات المسلحة محمد وديع، في بث مباشر لتفنيد اتهامات محمد علي للجيش والرد عليها؛ "يا محمد انت حسبتك فلوس فانت متعرفش تشتغل من غير ما تكسب". وديع هو أحد ضباط ما يُعرف بحركة "8 أبريل"، وهم مجموعة من ضباط الجيش خرجوا تظاهروا في 8 أبريل 2011،   إبان تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد بعد تنحي حسني مبارك، وكانوا يطالبون بتطهير القوات المسلحة وتولي مجلس رئاسي مدني السُلطة.  

وكان محمد وديع قد قضى عامًا بالسجن عقب مشاركته في تلك التظاهرة، ثم أحيل إلى مستشفى اﻷمراض النفسية.   شاب مصري يدعى خالد جاد علَّق على دعوة محمد علي للنزول إلى الشارع يوم الجمعة 20 سبتمبر، واصفًا ذلك "بالانتحار الجماعي"، وحصدت فيديوهاته ملايين المشاهدات، وهي أحد الفيديوهات المنافسة بقوة لأرقام مشاهدات فيديوهات المقاول، المتزايدة بشكل متصاعد. 

 

سكرين شوت من جوجل تريندز يوضح ارتفاع معدلات البحث عن محمد علي خلال الشهر اﻷخير

في الصورة المرفقة من إحصائيات البحث على اﻹنترنت في مصر من خلال جوجل ترند عن كلمتي "محمد على والسيسي" و"فيديوهات محمد علي" يظهر اهتمام مستخدمي الإنترنت داخل مصر، بمشاهدة تلك الفيديوهات أو معرفة محتواها، وتخطت مشاهدات بعض الفيديوهات مليون ومائتي ألف مشاهدة للفيديو الواحد.

تخبط اﻹعلام التقليدي

فيديوهات محمد علي أصابت الإعلام المصري بالتخبط، واستضاف أحمد موسى والد المقاول في حلقة كاملة على قناة صدى البلد، ليرد على اتهامات ابنة، وقال الوالد "إنهم عملوا فلوس كويسة من الشغل مع الجيش"، ولكن بعدها بأيام أصبح يتجنب ذِكر أي إشارة صريحة له، ليتبعها بإشارات مبهمة إلى "المقاول إياه" والتأكيد بعدها إللي" مش عايزين نتطرق للموضوع".

ولكن بعد انتقاد الرئيس السيسي للإعلام بأنه لا يرد على تلك الاتهامات، خرج عمرو أديب في برنامجه على قناة إم بي سي السعودية، ليعرض صورًا لمحمد علي في نوادٍ ليلية بإسبانيا، مشككًا في نزاهته، قائلًا "مش عيب تنجموا واحد حرامي وحشاش ونهد البلد على اللي فيها"؟

علشان يسلمني؟

"الناس اللي بتسألني ليه مطلعتش مع إعلامي في مصر تتكلم عن مشاكلك؟" هذه أحد الأسئلة الذي وجهها أحد المشاهدين إلى المقاول محمد علي خلال قراءته للتعليقات أثناء فيديو بث مباشر له، ليجيب عليه قائلًا "علشان يسلمني؟". تلك الإجابة إلى جوار حلقة عمرو أديب تلخص حال اﻹعلام المصري، الذي تسيطر الدولة على مفاصله، عبر أذرعها اﻹعلامية المختلفة. 


اقرأ أيضًا: بقوائم الواتساب والإيميل: كيف تدير الدولة أذرعها الإعلامية؟


تلك الانتفاضة في التعبير عن الرأي في الأوضاع السياسية في مصر عبر فيديوهات بث مباشر، تتراوح مدتها من نصف ساعة إلى الساعة لا يتخللها خطوط حمراء أو قائمة  بأسماء ضيوف برامج "التوك شو"، أو أخبار ترسل عبر "الواتساب" للصحفيين، أصبحت "ترند" يومي في مصر، فليس عليك سوى البحث عن كلمات مفتاحية عبر فيسبوك مثل "ردي على محمد علي" أو "المقاول محمد علي" لترى العشرات في بث مباشر يتحدثون دون خطوط حمراء.  أصبح اللايف ستريم ساحة حرّة للنقاش السياسي على امتداد تنوعها، بين المؤيدين والمعارضين لسياسات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتم بتلقائية شديدة، بعد أن كانت تتم على استحياء في السنوات الخمس الماضية.

ويبدو أن كثيرين وجدوا ضالتهم في تلك المساحة، خاصة أن وسائل اﻹعلام التقليدية تدار بشكل مركزي، بينما يطارد الحجب ما تبقى من المواقع الإلكترونية المستقلة.


اقرأ أيضًا: فك وتركيب الإعلام: جيل جديد وإعداد مركزي لـ "التوك شو" وفصل جماعي


اهتمام الرئيس بما يتم تداوله على السوشيال ميديا ومتابعته له لا يخفى على أحد، فالأمر ينعكس في تصريحاته خلال مؤتمرات الشباب الثمانية الماضية، المحلي منها والدولي، عما يُثار على السوشيال ميديا بدءًا من تحدي كيكي و"زود البنزين يا مهندس طارق ميهمكش" مرورًا "بقى أنا تعملولي هاشتاج ارحل يا سيسي".

اهتمام المصريين الآن صار مُنصبًا بشكل كبير على متابعة فيديوهات البث المباشر عبر فيسبوك، ولكن الملفت للنظر هو بدء نقاشات جادة حول موضوعات سياسية طال منعها وحجبها، ويتعرض من يتناولها إلى السجن أو الغرامة أو الاثنين معًا، بحسب لائحة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام.

وظهرت اﻹدارة المركزية للإعلام جليّة في تغطية الصحف والقنوات الفضائية لوفاة الرئيس اﻷسبق محمد مرسي، حين ظهرت مذيعة على إحدى الفضائيات، تقرأ ما يُفترض أنه بيان، من مصدر مسؤول لم تذكر اسمه، عن الحالة الصحية لمحمد مرسي قبل وفاته، واختتمت البيان بعبارة "تم اﻹرسال من جهاز سامسونج".  

نفس اﻷمر يتضح للمتابع لما يُنشر في الصحف، مثل مقال نيوتن في صحيفة المصري اليوم بعنوان قذف المحصنين، الذي تحدث عن "الاغتيال المعنوي"، فيما تناولت صحيفة الأهرام ما يحدث بعنوان "الشيطان يعظ.. حسن بلبل يسخر من محمد علي ووائل غنيم"، بينما نفى رئيس تحرير الدستور، محمد الباز بناء السيسي لقصور رئاسية من اﻷساس.