بإذن خاص للمنصة
من داخل شركة الحديد والصلب بحلوان

عمال في مواجهة التصفية: طلبيات "الحديد والصلب" لا تزال مستمرة

منشور الأربعاء 13 يناير 2021

شهدت شركة الحديد والصلب بحلوان، اليوم، عدة وقفات احتجاجية محدودة من عشرات العُمال أمام اللجنة النقابية بمقر الشركة، ردًا على القرار الصادر بتصفيتها، رغم استمرار العمل بها حتى الآن لتنفيذ الطلبيات التي شهدت ذروتها في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول الماضيين.

كانت الجمعية العامة غير العادية للشركة، التي انعقدت مساء الإثنين الماضي، قررت بصورة رسمية تصفية نشاط الشركة وفصل نشاط المناجم في شركة أخرى مستقلة، وذلك بعد عام واحد فقط من إعلان استمرارها في العمل، مُرجعة قرارها إلى "ما تتكبده الشركة من خسائر" بلغت 982.8 مليون جنيه في الفترة من يوليو/ تموز 2019 إلى 30 يونيو/ حزيران 2020.

واتفق مع ما أعلنته الجمعية العامة، وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، بقوله في تصريحات صحفية إن هذا القرار جاء "بسبب تراكم خسائر الشركة".

في مقابل رواية متخذي قرار التصفية، كان هناك رواية أخرى لعُمال بالشركة تحدّثوا للمنصّة عما عايشوه على أرض الواقع في قلب الشركة التي يقولون إنهم يحاولون إنقاذها.

دفعة "التعيين الجديد"

منذ عام 2006، يعمل جابر السويسي* في الشركة كفني إنتاج مدرلفات، وهي الحرفة التي يتم من خلالها تشكيل الحديد لأسياخ أو زوايا وكمرات.

قبل عامين، نُقل العامل البالغ من العمر 40 عامًا إلى قسم آخر في الصُلب، بعد إغلاق القسم الذي يعمل به "دون ذكر أسباب كما يحدث الآن في قرار التصفية"، الذي يقول إنه علم به عن طريق زملائه الذين حضروا الجمعية العمومية ومن وسائل الإعلام. 

السويسي المُهدد الآن بفقدان مصدر دخله، كان واحدًا من آخر دفعة تعيينات في الشركة المعروفة بين العُمال باسم "التعيين الجديد"، الذين وقّعت معهم الشركة عقود مؤقتة في 2006، وتم تثبيتهم على قوّتها رسميًا عام 2011، ومنذ ذلك الوقت توقّف التعيين حتى الآن.

يبلغ عدد عمال الشركة حاليًا 7114 عاملًا، تقدّر قيمة أجورهم بـ827 مليون جنيه، حسبما أفاد تقرير لوكالة رويترز.

ووفقًا للسويسي، فإن التعيينات القديمة حدثت عام 1990، ثم توقّفت حتى 2006، ذلك العام الذي يقول  للمنصّة عنه "من ساعة ما اتعينت وأنا بسمع الكلام ده إن الشركة هتتقفل، بس في الفترة الأخيرة دي الكلام زاد وبقى واضح إنه هيتنفذ".

 

عدد من عُمال الحديد والصلب أمام الشركة- صورة خاصة للمنصّة

ما يزال السويسي وزملائه يعملون حتى اليوم "إحنا شغالين ومكاني فيه إنتاج وبيجي لنا طلبات، وهنفضل شغالين لغاية ما هما (الإدارة) يقولوا لنا خلاص"، ولم يبلغ العامل أي خبر عن تعويضات حتى الآن، وهو نفسه لا يريدها، فما يريده هو العمل "أنا كل اللي عايزه إني أربي عيالي بالحلال، من غير ما أمد إيدي لحد ولا آخد حاجة من حد".

بالمثل، لا يريد عامل آخر في الشركة هو عز أحمد، الرحيل عنها ولو بمكافأة، وله أسبابه التي ذكرها للمنصّة "أنا عندي 35 سنة، هأخرج من الشركة أروح فين؟ لو كبير في السن خلاص أطلع معاش، لو نقلوني لشركة تانية، ماشي. إنما هخرج دلوقت في نص عمري أروح أقعد في البيت"، يتساءل العامل عن مصيره بعد تصفية شركة يمكنها تحقيق أرباح حسبما يقول "الشركة شغالة والله ومفيش مشاكل زي ما ناس بتقول. مفيش قسم في الشركة واقف، وحتى الطوب والحديد اللي بيطلعوا من الشركة خرده بيتباعوا. وكل اللي محتاجينه بس فحم الكوك للفرن؛ وهنشتغل".

في المقابل؛ أرجعت الشركة سبب خسائرها إلى "تحرير أسعار الصرف للجنيه مقابل العملات الأجنبية، مما أدى إلى زيادة وتضاعف أسعار المستلزمات، وأهمها فحم الكوك، بالإضافة إلى زيادة أسعار الطاقة من غاز وكهرباء".

ردًا على هذا؛ قالت اللجنة النقابية للعاملين في الشركة في بيان أن قرار التصفية يأتي في وقت "تحقق فيه الشركة أعلى معدّل بيع عن شهري نوفمبر وديسمبر 2020"، معلنة استنكارها للقرار وأنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية للحفاظ على الشركة وحقوق العُمال.

صورة متداولة على فيسبوك لبيان اللجنة النقابية لعمال الحديد والصلب بخصوص الأزمة الحالية

يقول العامل عز أحمد إن للشركة مجالات عمل كثيرة من بينها "محطة ليندا لتعبئة الأكسجين للمستشفيات، تم إنشائها من 3 سنين، وبيتم فيها تعبئة اسطوانات وتنكات الأكسجين للمستشفيات حاليًا".

يبلغ حجم المبيعات المحلية للشركة خلال الفترة من يوليو/ تموز 2019 حتى نهاية يونيو/ حزيران 2020 حوالي115.1 ألف طن، بقيمة قاربت 1.1 مليار جنيه، فيما تجاوزت خسائرها 274 مليون جنيه خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى سبتمبر/ أيلول 2020.

ووفقًا لتقرير للجهاز المركزي للمحاسبات ارتفعت مديونيات الشركة، خلال العام المالي الماضي، بنحو 13% بقيمة 6 مليارات جنيه مقارنة بالعام المالي السابق.

تخسير متعمّد

ما تتحدث عنه الجهات الرسمية من خسارة، وصفه الناشط العُمالي وأحد العاملين السابقين في الشركة صلاح الأنصاري بأنه "تخسير متعمد بدأ منذ الثمانينيات والتسعينيات لشركة تعدّ نموذجًا للصناعة الوطنية منذ كانت حلم في الخمسينات تحوّل سريعًا إلى عمود فقري لصناعات عديدة منها ما يتعلق بالأمن القومي المصري".

تأسست شركة الحديد والصلب بموجب مرسوم رئاسي صدر في 14 يونيو/ حزيران 1954، وكان الهدف هو الاستفادة من مناجم الحديد وكل الأنشطة المتعلقة بصناعة الحديد والصلب والإتجار فيها للسوق المحلية والتصدير.

بدأت الشركة العمل "كأول مجمع متكامل في العالم العربي" عام 1961، وهو العام الذي شهد قيدها في البورصة، لكن ما حدث هو أنه تم توقيف خطوط إنتاج لصالح شركات القطاع الخاص، زي خط حديد التسليح (الأسياخ)، ثم حرمان الشركة من المحاجر والمناجم".

يقول الأنصاري الذي قضى 40 عامًا الشركة منذ 1968 وحتى 2008 "كنا بنوفر الخامات لشركات عملاقة زي النصر للسيارات والنصر للمواسير وأي صناعة قايمة على المعدن. وعندنا خطوط إنتاج بتمد المستشفيات بأكسجين مهم في وقت زي ده بنحارب فيه كورونا، وخطوط إنتاج للحجر الجيري اللي قايم عليه صناعة الكالسيوم للمجالات الطبية".

يشير الأنصاري، الذي كان في الفترة من 1979 إلى 1983 عضوًا في مجلس إدارة النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية، إلى ما كان لشركته من دور آخر "وطني"، ويقول "عمال الشركة دي كانوا من بين اللي رفضوا زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق نافون لمصر في السبعينات. وقبلها شركتهم هي اللي وقت حرب الاستنزاف أنتجت ما كان يحتاجه الجيش المصري لبناء منصّات الصواريخ ودُشم دبابات وملاجئ الجنود".


* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر