البرلمان السابق. الصورة: مجلس الوزراء- فيسبوك

الدين في برلمان 2015: قليل من الرقابة وكثير من التشريعات المعطَلة

منشور الثلاثاء 13 أبريل 2021

طالب حقوقيون وبرلمانيون سابقون مجلس النواب بإقرار مشروعات القوانين المعنية بتعزيز حرية الدين والمعتقد، التي كانت معروضة على البرلمان السابق، لا سيما وأن عددًا منها مُكمّل للدستور وكان يجب الانتهاء منه، مثل قانوني الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين ومفوضية منع التمييز، إلا أنها ظلت معطَّلة عن الصدور حتى انتهاء الدورة التشريعية السابقة.

جاء ذلك خلال جلسة نظمتها، مساء الأحد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بمناسبة إصدارها دراسة موسّعة بعنوان "البرلمان وقضایا الأدیان: دراسة تحلیلیة عن حریة الدین والمعتقد في مجلس النواب (2015- 2020)" شهدت مناقشة تفصيلية لمحاورها التي دارت حول البرلمان السابق وما أدّاه فيما يتعلق بملف الحقوق والحريات الدينية تحديدًا.

الجلسة، التي تابعتها المنصّة، وانعقدت بحضور النائبين البرلمانيين السابقين، الدكتورة نادية هنري ومحمد فؤاد، والباحث في برنامج حرية الدين والمعتقد إسحاق إبراهيم، وأدارها مدير وحدة الحريات المدنية في المبادرة عمرو عبد الرحمن، شهدت انتقادات للبرلمان المنتهية ولايته، لاسيما فيما يخص تعطيل بعض التشريعات الحيوية في هذا الملف.

أدوار برلمانية

في البداية طرح الباحث إسحاق إبراهيم تساؤلات عن مدى قدرة البرلمان على أداء وظائفه الثلاث، التمثيلية والتشريعية والنيابية. وأشار فيما يتعلّق بالأولى الخاصة بمدى تعبير البرلمان عن التنوع المجتمعي، إلى أن "كوتة المسيحيين أدت إلى أن تبلغ نسبة نوابهم في البرلمان 39 عضوًا، فيما يُمثّل أعلى نسبة لهم منذ عام 1952".

ومدح إبراهيم هذه النسبة "الإيجابية"، وأرجع الفضل فيها إلى عوامل كان منها "طبيعة الانتخابات التي سمح فيها تقسيم الدوائر بفرص أفضل لفوز المسيحيين أو المستقلين غير المدعومين، وعدم وجود حزب للدولة بشكل واضح، وتراجع الدعاية الدينية عما كان في انتخابات 2012".

وعلى الرغم من هذه النسبة لتمثيل المسيحيين، قال الباحث "لكن بما هو موجود من تشريعات، لم يحدث تغيير كبير يجعل المنافسة قائمة على برامج انتخابية اجتماعية واقتصادية بعيدًا عن الدعاية الدينية أو الطائفية، فتراجع تيارات الإسلام السياسي لا يعكس تراجعًا لجاذبية خطابها أو مكانتها عند الناخبين بقدر ما يرجع للسياق الذي تمت فيه الانتخابات".

بالنسبة لنواب الكوتة الأقباط، فإنهم وفقًا لإبراهيم "باستثناءات قليلة. لم يكن لهم حضور قوي في كثير من الأحداث التي كان يجب أن يتصدوا لها، كالمتعلقة بدعم مبادئ المساواة ومنع التمييز في كل المجالات".

ولفت فيما يخص الدور التمثيلي للبرلمان "ما زال يتم التعامل مع الكنيسة كممثل للأقباط؛ وهو للأسف ما قد يحرم المجتمع من كفاءات يمكن ألا تكون ذات صلة قوية بالكنيسة وليس لديها مَن يزكّيها في الدوائر الانتخابية. كما يجب الإشارة إلى أقليات أخرى مثل الشيعة أو البهائيين، لم يكن لهم وجود في عضوية البرلمان".

تشريعات "تمييزية"

عن الدور الثاني للبرلمان، الخاص بالتشريع، قال إبراهيم "كان من المفترض أن يكون لدى ذلك البرلمان مهام كبيرة في ظل دستور 2014 الذي تكلم عن حقوق كثيرة مثل بناء الكنائس وإنشاء مفوضية مناهضة التمييز. لكن الدراسة أظهرت أن البرلمان أقر 4 قوانين تمثّل أقل من 05.% مما أصدره من قوانين، وهي نسبة ضئيلة جدًا تدل على أن البرلمان لم يكن معنيًا بملف حرية الدين والمعتقد".

وأصدر البرلمان خلال دورته المنقضية 891 قانونًا، بإجمالي عدد مواد يصل إلى 10 آلاف و556 مادة.

بحسب الباحث الذي أعدّ الدراسة الحقوقية، أقر التعديلات الدستورية التي جعلت الكوتة دائمة بعد أن كانت مؤقتة، وأصدر قانون بناء الكنائس، الذي علّق عليه بقوله إنه "صدر للأسف دون حوار مجتمعي بحجة موافقة الكنيسة والمؤسسات الأمنية عليه، كما يرسخ للتمييز ويتضمن قيود شديدة تقنن الشروط الصعبة لبناء وترميم الكنائس".

 

أصدر برلمان 2015/ 2020 قوانين أخرى، هي الخاصة بتشكيل المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف، وبإنشاء هيئة أوقاف للطائفة الإنجيلية وللكنيسة الكاثوليكية، وقانون تنظيم هيئة الأوقاف للمسلمين.

وشهد هذا البرلمان مشروعات قوانين متعلقة بالحريات "أثارت جدلًا" وفقًا لإبراهيم، مثل "مشروع قانون تنظيم الفتوى، الذي سبب خلافًا بين الأزهر ووزارة الأوقاف على أحقية إدارة عملية الفتوى؛ ما أدى إلى وقف المشروع استجابة لاعتراض الأزهر. ومشروع قانون لتنظيم دار الإفتاء وتبعيتها،إذ تم تأجيل مناقشته بعد اعتراض من الأزهر على عودة الإفتاء لوزارة العدل كما كان الوضع قديمًا". 

وأخرى مُعطّلة

إن كان هناك مشروعات قوانين صدرت دون حوار مجتمعي أو أخرى أثارت جدلًا في ذلك البرلمان، فهناك مشروعات قوانين تتعلق بما لا يقل عن 10 قضايا تخص حرية الدين والمعتقد لم تصدر من الأساس، وفقًا لما رصدته دراسة المبادرة المصرية، على الرغم من إلحاح نواب مثل نادية هنري وأنيسة حسونة وغيرهما لمعرفة مصيرها.

من بين تلك المشروعات، حسبما ذكر إسحاق إبراهيم، كانت المتعلقة بإلغاء مواد ازدراء الأديان في قانون العقوبات باعتبارها "تنتهك الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان"، وهو ما تم رفضه بعد تمسّك ممثل وزارة العدل بالمادة.

بالمثل، تكرر الأمر مع مشروعات القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، لمعالجة أمور كالولاية والرؤية والنفقة، لكن تم تجاهلها، ثم أعلن الأزهر في 2019 إعداده مشروع قانون أحوال شخصية وأرسله للحكومة التي أعلنت أنها ستتبناه.

الشكوى من "تجميد" مشروعات قوانين الحقوق والحريات جاءت أيضًا من الدكتورة نادية هنري، التي كانت واحدة من نواب برلمان 2015/ 2020، وحكت عمّا تعرّضت له في آخر دوراته. وقالت "ما تم في الملف كان مبادرات فردية وشخصية من الرئيس فيما يخص أمور كبناء الكنائس مثلًا. فأين قوة البرلمان للخروج إلى النور بتشريعات قوية؟ يعني مثلًا أنت عندك حق دستوري إنك تناقش مفوضية التمييز، و أنا كل سنة كنت بقدم مشروع القانون، دون ردّ".

وعقّبت "لم يصدر في برلمان 2015 قانون ذو أثر على الحريات الدينية كلها. وهذا أمر يحتاج وقفة. ويؤسفني القول إن هناك إحجام ومنع للبرلمان من أن يقوم بدوره التشريعي فيما يخص الحقوق والحريات التي لها باب كامل في الدستور"، مُطالبة البرلمان الحالي بتلافي ما كان مع سابقه وحدوث انفراجة و"إعادة النظر من كل من يتدخل لمنع إطلاق البرلمان للقيام بدوره".

أفادت دراسة المبادرة بأنه "لم يتم إقرار أي تشريعات تخص حُرية الدين والمعتقد مقدمة من أعضاء المجلس. وفي الحالات التي تقدم فيها النواب بتشريعات؛ تم تجميدها أو الادعاء بأن الحكومة ستقدم صياغة جديدة لها، وهو ما لم يحدث خلال المناقشات".


اقرأ أيضًا: مشروع قانون الأحول الشخصية: رِدّة تشريعية إلى "القرون الوسطى"


 بين قوانين الحقوق والحريات، خصت نادية هنري بالذكر مشروع قانوني الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين، وقالت "هذه نصوص تهتم بكيان لا بد وأن تهتم به الدولة، وهو الأسرة"، مناشدة المشرّع حين وضع القانون الخاص بالمسيحيين النظر إلى المادة الثالثة من الدستور "لمراعاة أمور كالمتعلقة بالتبني والميراث" عند المسيحيين.

اتفق مع هنري على أهمية قانون الأحوال الشخصية، زميلها في البرلمان السابق محمد فؤاد، قائلًا عنه "هو من الأمور التي تمس الحريات بشكل كبير، إلا أن عليه جدل مجتمعي كبير ويتم استهلاكه إعلاميًا دون الوصول إلى حل. ربما لأن ليس له تكلفة تستاهل أن يقحم أحد نفسه فيه. بينما لو كان له مكسب مالي سيعود على خزانة الدولة كان سيتم حسمه منذ وقت طويل".

عن أهمية هذا القانون قال فؤاد "نحن نظلم هذا القانون حين نصنّفه كقانون حريات، بينما هو اجتماعي جدًا وفصلت دول العالم في مواده، بينما مازلنا في مصر غير قادرين على مواجهته".

رقابة غائبة

خلال إعداده الدراسة، رصد الباحث إسحاق إبراهيم أمورًا كان أبرزها "تحكم عدد معين من الأعضاء في سير المناقشات داخل المجلس ووضع الأدوات الرقابية المقدمة من زملائهم الأعضاء على أجندة المناقشات"، وهو ما علّق عليه بالقول "وهذا يجعلنا طوال الوقت لا نعرف مَن المتحكم وصاحب القرار في سير المناقشات".

وأضاف أن الدور الرقابي للمجلس "كان ضعيف جدًا، وبشكل عام كان هناك غياب لنشر المعلومات وإتاحتها للمواطنين، فيما يتعلق بأداء النواب وسير الجلسات والمضبطة. حتى إذاعة الجلسات تم التوقف عنها".

انتقاد غياب هذا الدور جاء أيضًا من النائبة السابقة نادية هنري، وقالت "كلما كانت تقع انتهاكات وأحداث عنف، ونتقدم ببيانات عاجلة وطلبات إحاطة واستجوابات واقتراحات لمناقشة أمور مثل غلق الكنائس، كانت هيئة المكتب تمنع مناقشتها لسبب لا أعلمه".

وأضافت النائبة "مجلس نواب 2015 كان تجربة وليدة في ضوء دستور 2014 الذي يحتوي على باب كامل للحقوق والحريات، وفي المادة 101 كان الحق في تولي سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة ممنوحًا للبرلمان، والذي بدا وكأنه طفل يحبو. كان فيه عُسر هضم في تناوله لقضايا الحريات الدينية".

عوامل مُضادة

عن بعض العوامل التي ساهمت في وقوع أمور سلبية في البرلمان كتعطيل مشروعات قوانين، كان مما ألقى النائب محمد فؤاد باللوم عليه هو فكرة المكون الحزبي، قائلًا "في كل العالم يكون للأحزاب أجندة ومواقف من قضايا اجتماعية، وهذا المستوى ليس له وجود عندنا نهائيًا. فهنا الأحزاب تنافس الجمعيات الخيرية في توزيع شنط رمضان وتنظيم دوري المدارس. بينما وجود تكتل أو لوبي، من الأمور التي ستكون داعمة للقضايا المختلفة". 

عن عدم طرح موضوعات الحريات الدينية للنقاش خلال الأعوام الماضية، فسّر النائب السابق محمد فؤاد الأمر بقوله "بصرف النظر عن فكرة انسداد المجال السياسي من عدمه أو القدرة على مناقشة مثل هذه المواضيع داخل البرلمان، إلا أننا لابد وأن نعترف بأنها على المستوى المجتمعي لها حساسية شديدة في ظل مزاج شعبي يستهجنها".

واستدرك فؤاد بقوله "وعلى الرغم من ذلك، فإنني على المستوى الشخصي، أرى أننا لن نتقدم إلا إذا استطعنا التعامل بشكل قوي مع الأمور الخاصة بالحريات، وبالذات حرية العقيدة".

نظرة للمستقبل 

انتهت الدراسة الحقوقية بتوصية البرلمان الحالي بعدّة أمور، على رأسها "إقرار مشروعات القوانين المرتبطة بتعزيز حرية الدين والمعتقد المُقدمة للبرلمان السابق، وفتح حوار مع منظمات المجتمع المدني والاستماع لآرائها قبل إصدار القوانين، والالتزام بمعايير الشفافية بخصوص الوصول إلى الوثائق والمعلومات بجميع مراحل التشريع للمواطنة".

وفي إجابة عن سؤال للمنصّة حول التشريع الذي له أولوية الصدور الآن، قال إسحاق إبراهيم "القانون الخاص بمفوضية مكافحة التمييز، فهو مهم جدًا بجانب كونه من القوانين الأساسية المنصوص عليها في الدستور. وقد تأخر البرلمان الماضي في إصداره، لأنه سيساهم في حل كثير من المشاكل حتى غير المتعلقة بالبعد الديني".


اقرأ أيضًا: ميراث وطلاق المسيحيين: مشاكل عالقة تنتظر حلًا تشريعيًا


وفي إجابة عن سؤال آخر للمنصّة حول الخطط المستقبلية بشأن تشريعات الحريات الدينية وما تأمله من البرلمان الحالي، قال مدير الندوة ورئيس وحدة الحريات المدنية بالمبادرة عمرو عبد الرحمن "نعمل خلال هذا العام على موضوعين رئيسيين؛ الأول هو قانون الأحوال الشخصية سواء المتعلق بالمسلمين أو المسيحيين".

واختتم عبد الرحمن بقوله "أما البند الرئيسي الثاني، فمتعلق بمفوضية مناهضة التمييز. وكيف من خلال قرائتنا للمواثيق الدولية وللممارسات الفضلي في دول ظروفها قريبة من الظروف المصرية، أن نستخلص بعض المعايير التي تساعدنا على إنشاء مفوضية لمناهضة التمييز تتمتع بالصلاحيات التي تمكّنها من أداء مهامها".