بإذن خاص للمنصة
نبيل شعث وابنه رامي في الثمانينيات

حوار مع نبيل شعث عن وطن وابن يدفعان ثمن إغضاب الإسرائيليين والأمريكان

منشور الأحد 20 يونيو 2021

 

في التاسع من مايو/ أيّار  الماضي، ومع بدء القصف الإسرائيلي لقطاع غزّة الذي أسفر عن مقتل أكثر مئتي فلسطيني بينهم نساء وأطفال، وبينما خرجت أصوات تُدين وآراء تُحلل، لم يرَ الدبلوماسي والسياسي نبيل شعث، مستشار الرئيس محمود عباس ووزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، في العداون إلا أنه محاولة يائسة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لـ"الهروب" من قضاياه وفضائحه، وذلك قبل أن تتم الإطاحة به بالفعل يوم الأحد الماضي.

وبينما كان العدوان الإسرائيلي يتصاعد على الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر خلال الشهر الماضي، والجهود الدبلوماسية المصرية تتواصل من أجل التوصل إلى هدنة، كانت القاهرة تبذل جهودًا أخرى على مسار آخر، شغل بدوره بال الدبلوماسي الفلسطيني الكبير، مسار يتعلق بتجديد حبس ابنه رامي، الناشط في حركة BDS لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، والمحتجز منذ سنتين دون محاكمة، متهمًا في قضية "خلية الأمل"، وهي قضية يحبس على ذمتها عدد من قادة الأحزاب المدنية في مصر على خلفية اجتماعات أجروها للتنسيق من أجل المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي. 

ولكن رامي، وباستثناء نشاطه في حركة BDS EGYPT، لا يمارس أنشطة سياسية أخرى بحسب والده، الذي قال للمنصة في حوار جرى عبر الهاتف خلال وجوده في العاصمة الأردنية عمّان، إن المسؤولين في مصر أخبروه أنهم يعرفون ذلك "تحدثت مع مسؤولين في المخابرات والأمن المصريين، قالوا لي إنه مالهوش علاقة بالإخوان المسلمين. وتهمته الوحيدة الحقيقية هي أنه بيسبب لهم مشاكل مع الإسرائيليين والأمريكان أحيانًا فيما يتعلق بموضوع مقاطعة إسرائيل. دي المشكلة الوحيدة اللي انطرحت لي من حديثي معهم".

في السابع من الشهر الجاري، جددت نيابة أمن الدولة العليا حبس رامي، لتعلن حملة الحرية لرامي شعث أسبوعًا للتضامن معه من 17 وحتى 23 يونيو/ حزيران، وهو اليوم الذي يوافق عيد ميلاده. 

قبض على رامي الساعات الأولى من صباح يوم 5 يوليو/ تموز 2019، عندما فوجئ بقوات أمن تقتحم منزله وتقتاده إلى مكان يجهله، ليظهر بعدها بساعات في نيابة أمن الدولة متهمًا في قضية "خلية الأمل". وبعد القبض عليه، تقرر ترحيل زوجته الفرنسية إلى بلدها بصورة غير قانونية، ولم تسمح لها السلطات المصرية بزيارته في محبسه إلاّ بعد ذلك بشهور، كما تم وضعه على ما يُعرف باسم "قوائم الإرهابيين"، وهي قوائم تصدر عن محاكم الجنايات بأسماء من تعتبرهم المحكمة "إرهابيين" بناء على طلب النائب العام، دون أن يتاح لهم الحضور إلى المحكمة والاطلاع على الأدلة ضدهم والرد عليها والدفاع عن أنفسهم. 

نسخة من قرار إدراج رامي شعث على قوائم الإرهاب ووصفه فيها بالفلسطيني- تصوير: صفاء سرور

منذ ذلك اليوم، لم يدّخر الأب نبيل شعث جهدًا في محاولة حل مشكلة لم يكن يعلم أنها ستستمر شهورًا. والآن بعد أن كشف له مسؤولو المخابرات والأمن ما وراء القضية، ما زال كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق يُحصي الأيام متأملًا أن يفرج عن ابنه في يوليو المقبل عندما تمر سنتان على القبض عليه. 

وحركة BDS التي تأسست عام 2015 بمشاركة أحزاب ومؤسسات مدنية فلسطينية، تهدف إلى "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"، كأحد أشكال مقاومة نظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل في فلسطين المحتلة.

بعد كل تلك الشهور خلف الأسوار ما زال الأب على استعداد لاتخاذ أية إجراء يعيد الحرية إلى ابنه ولو وصل الأمر إلى أن يترك مصر ثمنًا لحريّته "يعني رامي عاش طول عمره في مصر، وصعب جدًا عليه يتركها. لكن إذا لزم للإفراج عنه ولحريته أن يتركها؛ فممكن يرجع لفلسطين. أنا قولت إني مستعد ارجعه لفلسطين. لكن ماحدش طرح عليا إنه يخرج ولو بهذا الشرط".

يبدي الأب استعداده لهذا الأمر، لكنه وبعد صمت لثوان كأنه يراجع نفسه، عاد ليؤكد "بس هو حياته كلها في مصر. اتولد وعاش واتعلم واتجوز في مصر، وأصدقائه وشغله وبيته في مصر. قضى حياته في مصر، وصعب عليه يغادرها. لكن لو أصرّوا (السلطات) على أن يغادر؛ هيغادر. هيعمل إيه يعني؟".

عرفت السوق المصرية رامي شعث كرجل أعمال ومعه شقيقه الراحل علي، عبر مؤسستهما "تيم" التي تعمل في مجال الخدمات والاستشارات الإدارية والتدريب الإداري، وقد اشتهرت في أوائل التسعينيات بتنظيم معسكرات كمبيوتر للأطفال من مختلف دول المنطقة العربية.

ونتيجة عمل الشركة الممتد على مدار ثلاثة عقود تقريبًا دون أن تثير أيّ مشكلات، يتحدث الأب الآن بمنتهى الثقة عن براءة ولده المحبوس "هو ماعندوش أي نشاطات ضد الأمن المصري. فقط كان مع الوقوف في وجه إسرائيل بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، دون أي محاولة للزج بمصر في أية خلافات".

ويرد على اتهام ابنه بالإرهاب قائلاً "هو لم يمارس الإرهاب في حياته، وليس له حقيقة أي علاقة بالإرهاب ولا علاقة بالإخوان المسلمين ولا علاقة بالحركات الإسلامية بأي شكل من الأشكال. لا اتجاهه السياسي ولا الديني".

على الصعيد السياسي، عمل رامي شعث في أواخر التسعينيات مستشارًا للرئيس الراحل ياسر عرفات، قبل أن يهجر العمل السياسي إلى عمله الخاص، قبل أن يقترب منه مجددًا ولكن من بوابة العمل على الدعوة شعبيًا لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين في واشنطن وتل أبيب.


اقرأ أيضًا: رامي شعث: مقاطعة إسرائيل قد تذهب بك إلى السجن


تحدث الأب مع المسؤولين المصريين؛ فاستطاع أن يرى الفروق بين ما يقال ببراءة ابنه مما يقال عنه ويوجّه إليه من اتهامات في المحاضر الرسمية، والتي تخالف ما يراه من رامي في الواقع "نشاطه إما مهني يتعلق بدوره في شركته في الإدارة والاستشارات والتدريب الإداري، وإما يتعلق بمقاطعة إسرائيل. ماعندوش نشاطات أخرى".

ورغم ذلك، صار رامي بقرار من السلطات المصرية واحدًا من المتهمين في قضية "خلية الأمل" رقم 930 لسنة 2019، ومن بعدها قضية أخرى 571 لسنة 2020، والتي أدرجته ولمدة 5 سنوات على ما يُعرف باسم "قائمة الكيانات والشخصيات الإرهابية"؛ وهو ما يترتب عليه آثار عديدة، منها مصادرة أمواله ومنعه من السفر ووضعه على قوائم ترقب الوصول في الموانئ والمطارات المصرية، كونه "إرهابيًا".

مواطن مصري 

لا ترى السلطات الأمنية المصرية في رامي شعث "إرهابيًا" فقط، ولكنها كذلك تُسقط عنه مصريته إذ تمتنع وزارة الداخلية عن تجديد جواز سفره بدعوى أنه "فلسطيني وليس مصريًا"، دون أن تقدم تفسيرًا لأسباب حمله بطاقة رقم قومي وجواز سفر وشهادة ميلاد وشهادة من القوات المسلحة بأنه "لم يصبه الدور" في التجنيد الإجباري الذي لا يخضع له سوى المصريين. 

ويؤكد نبيل شعث أن رامي "فلسطيني مصري، زي ما أنا فلسطيني مصري. ومصر بتسمح بتعدد الجنسية، فيه مصريين أمريكان ومصريين بريطانيين. وفيه مصريين عندهم جنسيات مختلفة.. يعني إيه الغرابة في إن هو فلسطيني الأصل وفلسطيني الأب؟".

هو فلسطيني الأصل والأب، لكنهما أيضًا مصريين، حسبما يذكر شعث "لما رامي اتولد أنا كان عندي جنسية مصرية حصلت عليها بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، لأني كنت بشتغل معاه مستشار. ووالدتي الله يرحمها كانت مصرية. فهو اتولد عن أبوين مصريين، والأوراق الرسمية عنده، شهادة ميلاده وبطاقته، عنده كل ما يثبت إن هو مصري".

نبيل شعث. صورة بإذن خاص للمنصة

أما صفاء حسين زيتون، فكانت ناشطة سياسية مصرية من الإسكندرية، نشطت خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من أجل القضية الفلسطينية، إلى أن تم اختيارها ضمن الفريق المعاون للرئيس الراحل عرفات، وعملت في مركز الدراسات الوطنية ولديها مؤلفات أدبية وسياسية عديدة، منها ما يفضح الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

هذه السيدة المصرية التي رحلت عن عالمنا في الثمانينيات، هي والدة رامي، المصري الذي لا يتبرأ والده من فلسطينيته، ويتساءل بشأن ذلك الوصف في ذلك القرار الرسمي "ولو أن رامي كان فلسطينيًا. فهل دي جريمة؟ ليست جريمة أن يكون فلسطيني مصري، لكنه لما اتولد كان أبوه وأمه مصريين"، وهو ما يمنحه، بنص الدستور، الجنسية المصرية "وهو لم يفعل ما يسمح بتجريده من الجنسية المصرية، والتي هي حق له وليست منحة، وهذا مسجّل في شهادة ميلاده وفي بطاقته. وحقيقة أن والده فلسطيني، فأنا اعترف بذلك ولا أدعى غير ذلك. عمري ما تصورت أن كون أصله فلسطيني سيكون عيبًا في مصر! وهذا لا يمنع أن تكون جنسيته مصرية".

مخاوف البقاء محبوسًا 

رغم الآمال التي يعلقها الأب على الإفراج عن ابنه بعد مرور سنتين على القبض عليه، وهو الحد الأقصى المسموح به للحبس الاحتياطي للمتهم على ذمة القضية التي يتهم فيها، فإنه لا يخفي مخاوفه كذلك من احتمالات أن يمتد حبسه أشهرًا أخرى في حال جرى تدويره على ذمة قضية جديدة مثلما يحدث مع كثير من السجناء السياسيين عقب انتهاء فترة حبسهم الاحتياطي "كل شيء ممكن للأسف الشديد. وأنا حاولت بكل جهودي".

الجهود التي بذلها شعث خلال عامين لإطلاق سراح ابنه، استرجعها وهو يتحدث عن جهود أخرى بذلها طوال حياته من أجل هذا البلد "أنا خدمت مصر طول عمري. كنت مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، وكنت دايمًا (حاضرًا) في الاتصال بين مصر وفلسطين. لكن المسألة الآن مش في إيدي، في إيد الحكومة المصرية. إن أرادوا مثلاً إن هو يتوقف عن نشاطاته السياسية......".

لا يكمل الدبلوماسي حديثه، وسرعان ما يستدرك "هو نشاطاته السياسية كلها متعلقة بمقاطعة إسرائيل. يعني نشاطات فلسطينية، حتى وهو في مصر".

يعيش الابن في مصر، وكذلك شقيقته راندا، التي تتولى مهمة زيارته والاطمئنان على أحواله، لتطمئن الأب الذي لم يتمكن من رؤيته منذ حبسه، حتى لو كانت الطمأنة على فترات متباعدة.

يقول الأب عن هذه الزيارات "كانوا بيسمحوا بزيارته كل أسبوع مرّة، وبعدين بقت كل شهر مرّة. هو موجود في ليمان طرة، و اخته بتزوره وبتاخد له أدويته وأكله وفلوس يشتري من كانتين السجن. هو صحته مش كويسة وبتزداد سوءًا، وابتدى يبقى عنده مشاكل قلب. هو صغير مش كبير".

رامي شعث، البالغ من العمر 50 عامًا، كان من الممكن أن يغادر محبسه بموجب إخلاء سبيل صحي تمنحه له السلطات بعد النظر إلى الأوراق الطبية الخاصة به، لكن هذا الأمر لم يحدث، وهو ما علّق عليه الأب بقوله "انتي عارفة إن المسائل السياسية بتتدخل في القانون"، ليختتم بتكرار ما قاله عن الابن "إنما هو بينتمي لمصر وبيحب مصر ومتجوز في مصر وحياته كلها كانت في مصر يعني. وفي كل الأحوال، المهم الإفراج عنه واستعادة حُريته".

القدس تواجه نتنياهو 

يحب رامي مصر ويعيش فيها، وهي البلد الحاضر دائمًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حسبما عاصر والده على مدار سنوات عمله، ويشهد به الآن، لا سيما بعد الاعتداء الأخير على غزة في مايو/ أيار الماضي، والذي يرى أن من بين أسبابه الرئيسية ما يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه.

يقول نبيل شعث عن ذلك الاعتداء "المشاكل القضائية اللي بتواجه نتنياهو، وبدون شك، هي أمر كان يهرب منه بالاعتداء علينا. فهو رجل بلا مبادئ، يمثّل اليمين الفاشي الإسرائيلي المتطرف، وعنده مشاكله العديدة، ولا مانع لديه كي يتهرب من مشاكله الشخصية أن يقتل الفلسطينيين ويدمر بيوتهم وأراضيهم".

خلال الشهور الماضية، واجه نتنياهو مشكلات عديدة، كان أبرزها اتهامه بـ"الفساد، والاحتيال، والرشوة، وخيانة الأمانة"، في ثلاث قضايا منفصلة، ما يزال قيد المحاكمة فيها، وذلك بخلاف ما يواجهه سياسيًا من انقسام في الائتلاف الحكومي الذي كان يتزعمه، قبل أن تتم الإطاحة به أول أمس الأحد، ليحل محلّه تلميذه نفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" الديني المتشدد.

لا جديد في الأفق بعد إسناد إدارة إسرائيل لأحد تلاميذ نتنياهو، السياسي والعسكري الذي يرى شعث أن عدوانه الأخير لم يبدأ بقطاع غزة، بل بالقدس، قائلاً "المسألة مابدأتش بغزة، المسألة بدأت أصلاً في القدس بحرمان المواطنين من التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، وهي مسألة مهمة بالنسبة للشعب الفلسطيني".

في منتصف يناير/ كانون الثاني 2021، صدر مرسوم بتحديد مواعيد الانتخابات الفلسطينية خلال هذا العام، إذ تقرر أن تجري الانتخابات التشريعية في 22 مايو، والرئاسية في 31 يوليو، والمجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب، لكن الرئيس محمود عباس أبو مازن قرر تأجيلها بعد ظهور أزمة التصويت في القدس.

في مقارنة مع ما يقع من قوات الاحتلال الآن، يستعيد شعث ما كان في السابق، ويقول "إسرائيل سمحت ثلاث مرات قبل ذلك للفلسطينيين في القدس بإنهم يصوتوا في الانتخابات الفلسطينية. طبعًا كل مرة كانت بضغوط دولية، لكن سمحت بذلك".

لهذا، يرفض ممثل الرئيس أي احتمال لاستبعاد القدس من التصويت، ولو في سبيل إتمام الانتخابات، متساءلًا "ليه إجرائها بدون القدس؟ نحن لا نريد سببًا إضافيًا لتبرير أن القدس لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني، بينما هي قلب الشعب وقلب القضية الفلسطينية، والجزء الأكبر من اهتمام العالم بفلسطين هو القدس".

يضيف شعث "الإسرائيليين يريدون تقييدنا، وذلك من خلال السماح بالتصويت في الانتخابات مقابل التخلّي عن القدس. ومش معقول الشعب الفلسطيني يقبل الكلام ده".

لكن بتأجيل الانتخابات، واجهت السلطة الفلسطينية اتهامات بمحاولة الاستيلاء على الحكم، وهو ما يردّ عليه ممثل الرئيس قائلاً "ده كلام فارغ. فبكل وضوح تم إجراء 3 انتخابات قبل ذلك، وأُجبِرَت إسرائيل في كل مرّة على السماح للفلسطينيين في القدس بالتصويت فيها. لكن الاستجابة لإصرارها الآن على عدم تصويتهم؛ سيكون تثبيتًا لفكرة حق إسرائيل في الاستيلاء على القدس الشرقية وضمها للغربية، واعتبار الاثنين (بعد الضم) العاصمة الموحّدة لإسرائيل".

طريق الوحدة

يرفض شعث إجراء أي انتخابات بدون القدس، ليس فقط بسبب ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، لكن أيضًا لما يراه في هذه الانتخابات من أهمية.

عن هذه الانتخابات يقول شعث "هذه الانتخابات الفلسطينية والعودة للديمقراطية مسألة غاية في الأهمية للشعب، لأنها أيضًا الطريق لتحقيق الوحدة بين غزة والضفة. ولذلك، إصرار إسرائيل على حرمان الفلسطينيين من التصويت في القدس كان ضربة كبيرة لمشروعنا في تحقيق الديمقراطية والوحدة".

نبيل شعث. صورة برخصة المشاع الإبداعي - فليكر

يُعقّب الدبلوماسي الفلسطيني "شيء عجيب يعني. الأمريكان الذين يدّعون أن إسرائيل دولة ديمقراطية، ويدّعون أنهم مع الديمقراطية، لا يتضامنوا ويقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذه المسألة، ويضغطوا على إسرائيل لكي تسمح للفلسطينيين بالتصويت في القدس. كل ما كُنّا نريده تصويت الشعب الفلسطيني في انتخابات ديمقراطية تسمح باستعادة الوحدة".

وعن كفّتي الميزان والقوتين الأبرز بين الفصائل الفلسطينية، حماس وفتح، ودورهما في تحقيق هذه الوحدة، يقول القيادي في هذه الثانية "بدأنا نتجهز للانتخابات بعد اتفاق القاهرة مع حماس، من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية قائمة على الأصوات التي سيمنحها الفلسطينيون لكل حزب وفصيل.  فقامت إسرائيل بكل ما قامت به من جرائم، فقط لكي توقف هذه الانتخابات. يجب أن يكون ذلك واضحًا للعالم. لكن ستتحقق الوحدة".

يتحدث شعث بثقة عن تحقق الوحدة، ويُبرئ السلطة الفلسطينية وحركة فتح التي ينتمي إليها والرئيس أبو مازن من تلك الاتهامات، بقوله "نحن على اتصال وثيق بكل الفصائل الفلسطينية، ويقوم الرئيس الآن بمحاولة وبحث مكثّف لتشكيل حكومة وحدة وطنية حتى قبل إجراء الانتخابات، كي لا يقال إننا متعلقين بالانتخابات هربًا من هذا الأمر".

ينفي الدبلوماسي عن فتح تشبثها بالسلطة. وبالمثل، ينفي عن حماس ما واجهته مؤخرًا من اتهامات بـ"استفزاز إسرائيل والبدء بالعدوان"، ويقول "من الواضح تمامًا أن ما قامت به حماس كان ردًا على ما تقوم به إسرائيل في القدس. وبالتالي، المسألة ليست اعتداء أو رغبة في استعراض العضلات، بل رغبة في الوقوف إلى جانب القدس".

بدأت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بهجوم مستوطنين إسرائيليين، بحماية من شرطة الاحتلال، على فلسطينيين من ملاك العقارات في كل من حيي الشيخ جراح وبطن الهوى بالقدس؛ في محاولة لطردهم من منازلهم، ثم ما أدى إلى ما حدث بين إسرائيل وحماس في غزة، وانتهى إلى تهدئة، كان لمصر دور محوري في الوصول إليها.

مصر والعرب

ومن الفصائل الفلسطينية إلى شريكهما في إدارة القضية، مصر، والتي دائمًا ما تكون حاضرة كما بدا خلال الاعتداء الإسرائيلي على غزة، سواء بالتدخل بمساعدات أو بالوساطة الدبلوماسية، في موقف يبدو للبعض مناقضًا لما يحدث من بعض السلطات في القاهرة بحبس داعمين للقضية الفلسطينية في مصر.

عن هذا الأمر يقول الدكتور شعث "مصر طول عمرها الزعيمة الحقيقية للعالم العربي، والأقرب لنا من أي دولة عربية أخرى. وقد تدخلت في محاولة لوقف إطلاق النار في غزة، وهي المسألة التي رحبنا بها".

أما عن حبس بعض الداعمين، فقال الدبلوماسي "نحن ندرك أن مصر حليف رئيسي واستراتيجي للشعب الفلسطيني وللقضية. أما أن يحدث احتجاز لداعمين أو لشخص يطالب بمقاطعة إسرائيل. فأحيانًا... نحن ندرك أن هناك بعض التناقضات في السياسية نتيجة المواقف السياسية العامة".


اقرأ أيضًا: ولا حتى برفع العلم: الدولة فقط من تدعم فلسطين

أعلام فلسطين ترفرف في ميدان التحرير في مايو 2011. الصورة لحسام الحملاوي برخصة المشاع الإبداعي

يتابع شعث "أنا أريد تحرير ابني من السجن في مصر، ولكن لا أريد أن أفقد مصر ودور مصر الاستراتيجي والتاريخي"، مُعربًا عن أمله في أن "تستعيد مصر كل ما يمكن لها من دور حماية للشعب الفلسطيني وللقضية العربية".

هذه الأمنية قد تكشف اعتقادًا لدى الرجل بتراجع الدور المصري، إلاّ أنه أوضح ما وراء هذه الأمنية من معانٍ، بقوله "الدور المصري مثل العربي، مرّ بظروف صعبة نتيجة الحكم الانفرادي للولايات المتحدة على هذا العالم والاستراتيجية التحالفية لها مع إسرئيل. لكن، أنا أرى أن العالم يتغير، ومصر ستبقى دائمًا زعيمة العالم العربي، وسيبقى شعبها دائمًا قريبًا من الشعب الفلسطيني وقضيته".

على العكس من الاحتفاء الذي بدا في حديث شعث عن مصر، اختلف الأمر إلى استنكار حين تحوّل الحديث إلى دول عربية أخرى، تحديدًا التي فتحت مؤخرًا أبواب التطبيع مع إسرائيل، حد رفضه توجيه أية رسالة لهم، كسياسي أو كمواطن فلسطيني.

عن تلك الدول، يقول "هل هم في حاجة إلى رسالة فعلاً؟ يقومون بتطبيع علاقاتهم بإسرائيل وفتح الأبواب لها، بينما تقوم باعتداءات في القدس والمسجد الأقصى وتدمّر غزة؟ هل المسألة محتاجة رسالة؟ لم يعد شيء مخفي، لم يعد شيء سري. كل شيء الآن علني. تدمير التجمعات السكانية الفلسطينية بكل سكانها وأطفالها ونسائها، بينما تستمر الإمارات والبحرين في تجاراتهما مع المستوطنات الإسرائيلية. شيء مخجل ومزري".

لكنه يعود ليتحدث مُحذّرًا "مطلوب إعادة تخطيط وإعادة بناء الأدوار وإعادة حسابات. الولايات المتحدة لن تبقى هي الحاكم الوحيد في هذا العالم، ولا اعتقد أنه ستمر أكثر من أربع إلى خمس سنوات قبل أن يصبح العالم متعدد الأقطاب، وستفقد الولايات المتحدة تدريجيًا من قدرتها على الاستمرار في التحكم الفردي في العالم. نحن صامدون، وأرجو من حكوماتنا العربية أن يعيدوا النظر في سياساتهم، من أجل مستقبل أفضل".  

سياسة واحدة

يتحدث ممثل الرئيس الفلسطيني عن القوة الأكبر في العالم، الولايات المتحدة، والتي يرى أن أعوام حكم ترامب لها حققت مكاسب لإسرائيل، يقول عنها "ترامب دعم إسرائيل في مزيد من الإجرام والاعتداء، و أيدّ توحيد القدس تحت سيطرتها، وبارك بشكل غير محدود التحالف الإجرامي ما بين اليمين المطلق الأمريكي واليمين المطلق الإسرائيلي، هذا شيئ واضح جدًا".

تمامًا مثل نتنياهو وبينيت، فرغم اختلاف الرئيس الأمريكي الحالي عن السابق، سواء على مستوى الأحزاب السياسية أو أيديولوجيتها، إلا أن السياسة تقريبًا واحدة، حسبما يرى شعث "كنا نتوقع أن يكون بايدن مختلف قليلاً. لكن استراتيجيًا، لن تغير موقفها أبدًا. إسرائيل هي حليفها الاستراتيجي في المنطقة ككل، ليس فقط للسيطرة على الشعب الفلسطيني، بل وللضغط على الدول العربية. حليف تستخدمه كيف شاءت ومتى شاءت لمصالحها في الشرق الأوسط. وعلينا أن نفهم ذلك ونتعامل بكل ما نستطيع لمواجهته".


اقرأ أيضًا: تحولات الموقف المصري من فلسطين على إيقاع "صفقة القرن"

ترامب يستقبل السيسي في واشنطن. الصورة من حساب البيت الأبيض - فليكر.

يتحدث شعث عن المواجهات. وكدبلوماسي، يدرك جيدًا أن إحداها تتعلق بالمجتمع الدولي، والذي تتمثل أوضح صوره في هيئة الأمم المتحدة، والتي دائمًا ما تصدر البيانات في أعقاب أي عدوان إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، بل ويصل الأمر أحيانًا إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد. ورغم هذا، تتكرر الاعتداءات من جديد.

يوضح الدبلوماسي الفلسطيني أسباب فشل هذه المساعي، قائلاً  "مثلما ندرك أن علينا فعل كل ما نستطيع لكي نحصل على دعم الأمم المتحدة لأن ذلك يدعم شرعيتنا وموقفنا دوليًا، ندرك أيضًا الحدود التي تستطيع فيها الأمم المتحدة أن تدعمنا، خصوصًا عندما يتطلب ذلك إجراءات محددة على الأرض، معناها الذهاب إلى مجلس الأمن، الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بحق الفيتو".

لهذا، حين تحدث شعث في وقت سابق عن إمكانية فرض عقوبات وحصار اقتصادي على إسرائيل لحماية الشعب الفلسطيني، أكد أن "الحماية الأكبر تأتي من الشعب وتمسكه بأرضه".

بذكر هذا الحديث، عاود شعث تأكيد وجهة نظره وقناعته. لكن كيف يتعامل شعب بلا دعم مادي أو تسليح أمام إسرائيل المدعومة لاسيما من الولايات المتحدة؟".

يردّ السياسي الفلسطيني، ويقول "هذا قضاء وقدر الشعب الفلسطيني. نحن ندرك التوازنات الدولية الحالية والصعوبات التي نواجهها. لكن هذه قضيتنا ومشكلتنا. ماذا نفعل؟ ندرك إن هناك فيتو وضغوط أمريكية على كل الدول العربية. لكن هذا قدر الشعب الفلسطيني، هذا وطننا الوحيد، وعلينا أن نستمر في الصمود إلى أن نحصل على حقوقنا".

التخلص من أوسلو

بالفيتو في مجلس الأمن وبالضغوط على الدول العربية، تدعم الولايات المتحدة إسرائيل، ما يدعو للتساؤل حول المسارات السابقة لعملية السلام، اتفاق أوسلو  وحلّ الدولتين. وهو ما يقول عنه شعث "من الصعب الاستمرار في مسار حل الدولتين. لأننا نريد السيطرة على كل الأرض الفلسطينية".

أما عن أوسلو، فيقول "المسألة مطروحة بشكل كبير في الساحة الفلسطينية، لكن حتى يمكن الخلاص من أوسلو لابد من الخلاص من كثير من القيود التي تضعها إسرائيل على الشعب الفلسطيني"، ويوضح واحدة من هذه "القيود" بقوله "كل صادراتنا وواردتنا قاصرة على إسرائيل".

ويختتم السياسي الحوار بالحديث عن القضية والسلام، ويقول "نحن نريد التخلص من أوسلو، ولكن المشكلة ليست أوسلو، المشكلة هي الاحتلال الإسرائيلي، هي الهيمنة الإسرائيلية، هي الدمار الإسرائيلي، هي السيطرة الإسرائيلية على مواردنا وعلى حدودنا، ولهذا قامت الانتفاضة الفلسطينية، في القدس وفي الضفة وغزة".