مروة مرجان- فليكر
برخصة المشاع الإبداعي.

أزمة الرقائق: أول سيارة كهربائية مصرية لن ترى النور قريبًا

منشور الاثنين 22 نوفمبر 2021

بينما كان وزير قطاع الأعمال يعلن عبر وسائل الإعلام، في يونيو/ حزيران الماضي، خطة تفصيلية لتصنيع سيارة كهربائية في مصر، لم يخطر بباله أن الشريك الصيني سيعرقل هذه العملية ليضعه في مرمى سهام كثيرة مع تعطل التوصل لاتفاق رسمي.

كان من شأن التوصل لاتفاق نهائي، مع شركة دونجفينج الصينية الحكومية، بأن يحقق للحكومة الحالية فائدة مزدوجة، بفتح الباب أمام تصنيع سيارة كهربائية لأول مرة في مصر لمواكبة التطور في هذه الصناعة والمضي في خطة التخلي عن الوقود التقليدي وتقليل استيراد البنزين، إضافة لإعادة إحياء شركة النصر التاريخية العائدة من التصفية.

وعلى مدار أكثر من عامين، أعلنت الحكومة، خطوات فعلية لإمداد بنية تحتية لإنشاء محطات شحن وتقديم دعم نقدي تتحمله وزارة المالية لمشتري السيارة الجديدة، فيما أعلنت وزارة التجارة والصناعة، تيسيرات مشروطة لاستيراد السيارات الكهربائية.

لكن تداعيات أزمة كورونا والتخبط الذي أصاب صناعة السيارات عالميًا منذ ظهرت أزمة نقص "الرقائق" وارتفاع تكلفة التصنيع مع تراجع المبيعات، ألقى بظلاله على المشروع المصري الذي تراهن عليه لنشر هذا النوع محليًا.

بحلول منتصف الشهر الجاري، أعلن هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال، الذي يأخذ على عاتق وزارته التفاوض مع الشريك الصيني، توقف المفاوضات بسبب عدم التوصل لاتفاق بشأن تسعير المكونات، وتمسك الشركة الصينية بأسعار تجارية ليست في صالح الشركة المصرية أو المستهلك المصري.

في رده على سؤال المنصّة حول نوعية هذه المكونات وكيف اختلف تسعيرها، قال توفيق إن الخلاف كان بشأن "التسعير التجاري لمجموع المكونات التي ستدخل في صناعة السيارة وليس مكونًا واحدًا".

وبحسب الوزير، فإن من شأن التغيرات التي طرأت على المفاوضات أن تؤدي إلى تغيير سعر السيارة التي تستهدف الشركة طرحها للجمهور، إضافة إلى أن سعر المكونات الجديدة "يضر بالشركة المصرية"، لكن الوزير لم يجب عن الفرق في السعر الذي طرحه الطرفان.

الوزارة تستهدف أن يكون سعر السيارة التجاري للمستهلك ما بين 300 إلى 320 ألف جنيه، بعد تقديم دعم نقدي ستتحمله وزارة المالية يصل إلى 50 ألف جنيه.

ومجموع المكونات يقصد بها الأجزاء المستوردة التي ستدخل ضمن التصنيع، خاصة وأن نسبة المكون المحلي في السيارة تبلغ نحو 55% مع خطط لزيادة هذه النسبة إلى 80% خلال 3 سنوات من بدء التصنيع.

ولفهم موقف الشركة الصينية في تسعير المكونات، علينا إلقاء نظرة على ما يحدث لقطاع إنتاج السيارات بشكل عام، منذ أزمة كوفيد 19، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الشحن عالميًا مع القفزات الأخيرة في أسعار النفط وبدء موجة التضخم.

أدى تقييد الإنتاج في مرافق تغليف واختبار الرقائق بجنوب شرق آسيا، بسبب تداعيات الوباء، إلى نقص في المعروض، فيما خلقت مشاكل الشحن أزمة إضافية أثرت على قطاع السيارات في أمريكا، كما تتجه السوق الأوروبية لعام "كارثي" في نقص المبيعات، وسط توقع بامتداد التوترات للعام المقبل.

ونتيجة للأزمات المتتابعة، خسرت صناعة السيارات العالمية 210 مليارات دولار مع اتجاه الشركات المصنعة لخفض الإنتاج لمواجهة نقص الإمدادات، كما ارتفعت أسعار السيارات بشكل كبير.

كان هاني الخولي العضو المنتدب لشركة النصر يأمل ألا تؤثر الأزمة على المشروع الذي ستتخطى استثماراته 60 مليون دولار، وقال  في تصريحات صحفية  "بالطبع ستنعكس الأزمة على صناعة السيارات الكهربائية عالميًا، ولكن نأمل أن يتم حلها خلال فترة تصنيع السيارة محليًا".

وإضافة إلى عدم توافرها، ارتفعت أسعار الرقائق وأشباه الموصلات التي تستخدم في الحوسبة والبرمجيات، وتعد أساسًا في صناعة السيارات الذكية، ما دفع الشركات الكبرى لعقد شراكات لتصنيع الرقائق لصالحها، فيما عزمت الدول المنتجة للتوسع لتلبية الطلب العالمي.

يقول الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، خالد سعد، إنه من شأن كل هذه المتغيرات أن ترفع تكلفة إنتاج السيارة المزمع تصنيعها في مصر، خاصة وأنه وفقًا للمعلن بدأت المفاوضات قبل كل هذا.

يشير سعد، في حديثه للمنصّة، إلى أن السيارات الصينية لا تُصنع بنسبة 100% في الصين، إذ أن هناك مكونات مستوردة، ولكن عند الاتفاق مع طرف آخر تكون الشركة المصنعة مسؤولة عن جميع هذه المكونات المستوردة الخاصة بالطراز التي تنتجه، إضافة للمكون المحلي الذي تتحمله الدولة المستقبلة للتكنولوجيا.

"البطارية وحدها تمثل 60% من السيارة، والـ 40% المتبقية لأنظمة التحكم والأشياء الأخرى، ربما يكون الخلاف حول البطارية، أو عن البطارية وأجزاء أخرى، لا يمكن الجزم لأنه لم يعلن عن تفاصيل التفاوض" بحسب سعد.

ويشير إلى أن "في حال تعتمد الشركة الصينية على أجزاء مستوردة، فتكلفة استيرادها ستتغير خاصة في حال تغيرت قيمة الدولار مقابل اليوان. وفي حال اتفاق الشركة الصينية مع الشركة المصرية ليس مسموحًا لنا استيراد هذه المكونات، إذ نحصل على المكون دون الدخول في تفاصيل صناعته أو استيراده".

الفرصة لا تزال سانحة

أعلنت الوزارة وقف التفاوض لكنها لم تعلن التخلي عن مشروعها لتصنيع السيارة الكهربائية، وبدأت بالفعل البحث عن بديل ليدخل في الشراكة، على أسس أوضح نسبيًا وبحدود زمنية.

لا تزال الصين خيارًا متاحًا، بحسب تصريحات توفيق، حيث اقترح المكتب الاستشاري الألماني المتعاقدة معه الوزارة خمس سيارات تصلح لتكون سيارة بديلة لطراز E70 وقال الوزير "نبحث عن سيارة قريبة من مواصفات السيارة السابقة وأسعارها. لدينا مقترحات صينية وغير صينية، وسيبدأ الاستشاري التفاوض مع الشركات".

"سيكون سعر المكونات هي الأساس في المناقشات التي ستدخل فيها الشركة مع الشريك الجديد المحتمل، سنختار بناء على ذلك". أضاف الوزير للمنصّة

دونجفينج موتور، هي شركة صينية لصناعة السيارات والشريك الصيني لشركة نيسان اليابانية ومجموعة بي إس أي، وتقع مصانعها في مدينة ووهان، لكن الصين مليئة بشركات تصنيع السيارات الكهربائية، على رأسها مجموعة جيلي القابضة، التي تطمح لمنافسة تيسلا، وBYD.


اقرأ أيضًا: محاولات جديدة للإحياء: النصر للسيارات تبحث عن أبنائها

 

سيارة E70 الكهربائية خلال مؤتمر إطلاق نصر E70. الصورة: صفحة شركة النصر للسيارات - فيسبوك

يقول سعد، إن الصين بها شركات أقوى من دونجفينج تعمل في صناعة السيارات الكهربائية، ويرى سعد أن المنتج الصيني ملائم للسوق المحلي، لأن ما يُصنع خارج الصين أسعاره مرتفعة "أسعار السيارات الكهربائية الصينية تتحرك في أقل من نصف مليون جنيه، لكن السيارات الأخرى تتخطي المليون"، لكنه يتوقع أن تظل المعضلة التي تواجه اتفاقنا مع الشركات الصينية في أنها لا تصنع بالكامل في الصين.

وتتطور صناعة السيارات الكهربائية في الصين، بشكل متسارع، مع استهداف حكومتها أن يكون أكثر من خُمس السيارات التي تُباع على أراضيها يعمل بالطاقة الكهربائية بحلول عام 2025.

وعلى الرغم من انخفاض عدد السيارات الكهربائية في مصر، يرى ملّاك لسيارات كهربائية تحدثت إليهم المنصّة، أن استيرادها من الصين أسهل من أي دولة أخرى، نظرًا للسعر، وسهولة الإجراءات، خاصة قبل قرار وزاري بعدم السماح باستيراد سيارة موديل عام سابق.

وبينما قدر سعد عدد السيارات الكهربائية في مصر بنحو 300 سيارة، نتيجة إجراءات الترخيص والاستيراد وعدم توافر الصيانة ومحطات الشحن، يرى مالكو سيارات أن الرقم الحقيقي يقترب من ثلاثة أضعاف العدد.

وبين "فقاعة" السيارة نصر E70 وآمال التوصل لبديل قبل نهاية العام الجاري، يبقى حلم تصنيع سيارة كهربائية في مصر رهن الانتظار والرقائق.