الصفحة الرسمية لوزارة الصحة
من حملة للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم لطلاب المدارس

تلقيح الأطفال بالإكراه: المدارس تُجبر "دون ورق" والأهالي تتحايل

منشور الأحد 26 ديسمبر 2021

 

على عجل، اصطحبت ميادة ابنتها إلى عيادة أحد الأطباء. لم تكن البنت البالغة ستة عشر سنة من العمر تعاني أي أعراض للتعب أو تشعر بأي توعك على الإطلاق، لكن أمها أخبرت الطبيب أنها تريد تشخيصًا لإصابة ابنتها بفيروس كورونا وشهادة تؤكد ذلك.

لجأت ميادة*، التي تدرس ابنتها في الصف الأول الثانوي بمدرسة صفية زغلول في حلوان، إلى الطبيب كحيلة للتهرب من تلقيح ابنتها ضد الفيروس، بعد أن وضعته المدرسة شرطًا لدخول الامتحان، فتؤجل عبر تلك الحيلة حصول ابنتها على اللقاح فترة بموجب البروتوكول الذي تتبعه وزارة الصحة، ويقضي بمرور ثلاثة أشهر بين ظهور أعراض الإصابة بالفيروس وتلقي اللقاح للوقاية منه.

تعتقد ولية الأمر، حسب ما تناهى إلى سمعها من شائعات، أن اللقاح يسبب العقم للسيدات، وتقول للمنصة "أنا بنتي صغيرة عايزاها تكبر وتتجوز وتخلف"، وربما لتقدمها في السن لم تلجأ للحيلة ذاته لتجاوز تلقي اللقاح، حيث اضطرت للحصول عليه كي تتمكن من دخول المؤسسة التي تعمل بها، لكنها لم تكن بالشجاعة نفسها لـ "تقامر" بابنتها، حسب اعتقادها بشأن اللقاح، حتى وإن كانت الأعراض الجانبية للقاح مجرد شائعة، حسب قولها.

أما مها* التي تدرس ابنتها في مدرسة حلوان الثانوية الفندقية، فلم تتعامل مع الأمر كما فعلت ميادة، وامتثلت لـ"إجبار" المدرسة "ماعندناش اختيار تاني، مش هيدخلوا الامتحان لو ما أخدوش اللقاح، ده قرار المدرسة".

مؤخرًا أجبرت  كثير من المدارس الطلاب في الفئة العمرية من 15 إلى 18 سنة، أي طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، على التلقيح، رغم عدم وجود قرار رسمي بإجبار طلاب المدارس للخضوع لتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، على العكس أكدت وزارتا الصحة والتعليم، في أكثر من مناسبة أن اللقاح اختياري.

لكن يوم الثلاثاء الموافق 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري عقدت وزارة التربية والتعليم اجتماعًا لجميع مسؤولي المديريات التعليمية بالمحافظات، أكدت خلاله ضرورة "استكمال عمليات التطعيم والانتهاء منها في أسرع وقت ممكن، للمعلمين والطلاب المستهدفين"، دون أن تحدد، حسبما جاء في بيان صحفي أعقب الاجتماع، كيف يمكن لمسؤولي المديريات والإدارات والمدارس، أن ينتهوا من تطعيم الطلاب "في أسرع وقت ممكن".

غير أن تلك العبارة تفسر بعضًا من التفاصيل الغائبة الخاصة بقيام الكثير من المدارس بإجبار الطلاب على تلقي اللقاح، بالمخالفة لقرار الحكومة في هذا الشأن، وتفسر أيضًا، الثقة التي يتعامل بها بعض مديري المدارس عندما يرهبون طلابهم، بأنهم إذا لم يتلقوا اللقاح، فقد يتعرضون للمنع من دخول المدارس والامتحانات.

اتصرفوا...

حاولت المنصة، البحث في خلفيات هذا التكليف الرسمي، لكن بعض الذين حضروا الاجتماع، فضّلوا عدم التطرق لما جرى من تفاصيل دقيقة، أو فحوى التكليف الصادر لهم في هذا الشأن، في حين تحدث أحدهم على استحياء.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أو الإفصاح عن هويته، إن التعليمات كانت واضحة بكلمة واحدة "اتصرفوا". مضيفًا للمنصة "نعلم أن هناك قرارات صادرة عن الحكومة بعدم إجبار أي طالب من الفئة العمرية 12 إلى 18 سنة، وهؤلاء من الإعدادية للثانوية، لكن التركيز كان على طلاب الثانوية والدبلومات الفنية تحديدًا، بأن يتم تطعيمهم بأي طريقة كانت".

وكشف المصدر، وهو مدير إحدى الإدارات التعليمية في نطاق القاهرة الكبرى، أن الوزارة شددت على مسؤولي المديريات والإدارات توزيع "الموافقة المستنيرة" على الطلاب في أسرع وقت ممكن، ليكون القرار النهائي في يد ولي الأمر، يرفض أو يوافق، مع تحفيز الطلاب على التسجيل على موقع وزارة الصحة لتلقي اللقاح، أو الاتفاق مع مسؤولي الصحة لتلقيحهم في مدارسهم.


اقرأ أيضًا| كورونا في المدارس: 80 طالبًا بالفصل والتباعد حلم يقظة

 


توحي هذه التكليفات الشفهية، أن ما تقوم به بعض المدارس بشأن إجبار طلابها على تلقي اللقاح، ليس من فراغ، ولا من باب المصادفة، خاصة وأن التلقيح الإجباري، لم يعد مجرد حالات فردية في مدارس بعينها، بل صار أشبه بالظاهرة، دون أن يكون هناك أيّ منشور حكومي بهذا الخصوص، لتستند إليه المدارس.

ولم تصدر عن وزارة التربية والتعليم، أيّة مخاطبات رسمية لمسؤولي المديريات والإدارات التعليمية بالمحافظات، بعدم إجبار الطلاب على تلقي لقاح كورونا، أو حرمانهم من دخول المدارس أو الامتحانات، لإرغامهم على التطعيم، وكل ما صدر كان عبارة عن تصريحات أدلى بها طارق شوقي وزير التعليم، إما في الإعلام، أو عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، وذلك في الوقت الذي تعتبر فيه مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فرض اللقاحات غير مقبول ومناف لاحترام حقوق الإنسان.

عشان ما نحرضش الطلاب

عندما سألت المنصة، أحد المسؤولين المقربين لوزير التربية والتعليم عن السبب وراء عدم إصدار مخاطبة رسمية، أو قرار وزاري، أو كتاب دوري، أو ما شابه، للمدارس، يطمئن الطلاب الممتنعين عن تلقي اللقاح، بأنه لا يستطيع أحد منعهم من دخول المدارس أو الامتحانات، أجاب "علشان ميتقالش إننا بنحرض الطلبة متاخدش اللقاح.. لأنها مش هتتفهم غير كده".

وأكد المسؤول ذاته، أن الوزارة لا يمكنها معاقبة أيّ مدير مدرسة لمجرد أن طلابه تلقوا اللقاح "فنحن لا نعرف هل أجبرهم أم لا، ما يعنينا هي النتيجة النهائية، ثم أن المدير الذي لديه عدد كبير ممن تلقوا اللقاح، يستحق الشكر، لا اللوم والعتاب، طالما يعمل في إطار توجيهات الحكومة، بأن هذه الفئة مستهدفة بالتطعيم، لكن لن يُمنع طالب من الامتحان بسبب اللقاح".

وغالبًا ما يتم ترهيب الطلاب بشكل شفهي، في بعض المدارس الحكومية تحديدًا، بأن عدم تلقيهم اللقاح، قد يؤثر على عدم دخولهم امتحانات نصف العام، أو عدم تسجيل استمارة امتحانات الثانوية العامة والفنية، للصفوف الثلاثة، وأمام عدم وجود قرارات رسمية صادرة للمدارس، تفند هذه التهديدات الشفهية، فإن البعض من الطلاب يقبلون تلقي اللقاح على مضض.

وإن كان سكان المدينة والحضر، أكثر دراية ومتابعة لموقف الحكومة بشأن اللقاحات الخاصة بطلاب المدارس، والكثير منهم لديه أدوات الرفض، أو التمرد على ترهيب المدرسة لأولاده، بطرق مختلفة، فإن قاطني المناطق الريفية والشعبية، والبسطاء، يتعاملون مع قرارات المدارس باعتبارها واجبة النفاذ، ويكونون مضطرين للتجاوب معها، لعدم إدراكهم ما وراء الكواليس.

يقول عماد سيد*، وهو ولي أمر طالب بالمرحلة الثانوية، ويعيش بإحدى قرى ريف محافظة البحيرة، شمال القاهرة، إنه وافق على الفور على تطعيم ابنه ضد كورونا، لأنه قيل له في المدرسة، إذا لم توافق على التطعيم، فقد تُحرم من الامتحان، وحتى لو لم يكن هناك قرار رسمي بذلك، فقد يصدر فجأة من الحكومة، ووقتها لن تستطيع إنقاذ نفسك من المنع.

مضيفًا للمنصة، أن الكثير من أبناء المنطقة التي يعيش فيها، تلقوا اللقاح بعد أن وزعت عليهم المدرسة إقرارًا بموافقة ولي الأمر على اللقاح، ووقع الطلاب على استلامه، وفي اليوم التالي طالبتهم المدرسة بالدخول من على أجهزة التابلت للتسجيل على موقع وزارة الصحة لتلقي اللقاح، وثالث يوم وجدوا قافلة طبية موجودة بالمنطقة لتلقيحهم.

كذلك لم يقتصر الإجبار على المدارس الحكومية فقط، بل امتد أيضًا إلى بعض المدارس الدولية، مثل مدرسة نيرمين إسماعيل التي أرسلت خطابًا، عبر البريد الإلكتروني لأولياء الأمور، في الأول من شهر ديسمبر، تخبرهم فيه ضرورة الموافقة على إعطاء أبنائهم اللقاح.

وهددت إدارة المدرسة باتخاذ إجراءات بمنع دخول الطلاب غير الحاصلين على اللقاح المدرسة بعد 9 يناير/ كانون الثاني المقبل، وأوضحت في خطابها أن "الطلاب غير الحاصلين على الجرعة الأولى، على الأقل لن يسمح لهم بدخول المدرسة بدءًا من يوم الأحد 9 يناير 2022".

وحتى كتابة هذه السطور كان عدد من أولياء الأمور يدرسون التحرك ضد المدرسة وتقديم شكاوى رسمية ضد إدارتها التي تجبر الطلاب على تلقي اللقاح، فيما تقول ولية أمر، رفضت نشر اسمها "مديرة المدرسة صعبة وعلاقاتها كويسة في الوزارة والإدارة التعليمية، مش عارفة الشكوى هتعمل حاجة وإلا هنضطر في الآخر ندي لولادنا اللقاح".

بينما أوضح عدد من أولياء الأمور أن الإجبار على الحصول على اللقاح، قرار خاص بالقسم الدولي في المدرسة، ولم تفعله الإدارة في القسم اللغات (الناشونال).

لماذا نخاف من اللقاح؟

لا يبدو خوف ميادة ومها وغيرهما من أولياء الأمور الذين تحدثوا للمنصة فرديًا، وإنما حالة عامة صاحبت عملية التلقيح منذ إطلاقها في العام الماضي، ومع اتجاه الحكومة إجبار الموظفين على تلقي اللقاح منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لدخول المنشآت والمؤسسات العامة، اضطر كثيرون خاصة الموظفين منهم إلى تلقي اللقاح، لكنهم لايزالون مترددين بشأن تلقي أطفالهم اللقاح رغم استمرار الجبر.

ويفسر ولي الأمر الذي يعيش في البحيرة، عماد السيد، تلك الحالة انطلاقًا من عدم ثقة المواطنين في كلام الحكومة حول أمان التطعيم، فالأب قد يتحمل الآثار الجانبية على نفسه، لكنه يخشى التجريب في أولاده، ثم أن فكرة إقرار الأب على الموافقة على تطعيم ابنه، هي نفسها مرعبة لأي ولي أمر، بأن يوافق على تطعيم ابنه بلقاح ما زالت أعراضه الجانبية مخيفة، حسب قوله.


اقرأ أيضًا| مخاوف غير علمية وحملات توعية غائبة: لماذا يخشى الكثيرون من اللقاح؟

 


ورغم عدم إجبار طفليهما على التلقيح، تستبعد منى وزوجها إخضاع ابنهما الذي يدرس في المرحلة الإعدادية طوعًا لتلقي اللقاح، وتقول للمنصة "احنا اضطرينا ناخد اللقاح علشان شغلنا كان إجباري، لكن مش هدي ابني حاجة مش متجربة ولا معروف تأثيرها عليه".

تعتمد منى على مناعة ابنها "العيال مناعتها أقوى مننا، أنا وجوزي جالنا كورونا في الموجة الأولى، والعيال الحمد لله ماحصلهاش حاجة مناعتهم كويسة". لا يطمئن منى قرارات دول أوربية أو خليجية بالسماح بمنح اللقاح للأطفال "هو إيه اللي يضمن إن اللي عندهم برة زي اللي عندنا جوة؟".

التشكيك في جودة اللقاح أو تطابقه مع اللقاح المسموح به للأطفال في الخارج، رصدته المنصة لدى أكثر من أسرة، فلمياء لم يكفها تطمينات أخيها الذي يعيش في أمريكا بعد تلقيه وأولاده اللقاح "جوزي أخد اللقاح إجباري علشان شغله لكن أنا ما بشتغلش ومش عايزة أخد حاجة مش متجربة، دي حاجة ما اتعملش عليها تجارب كفاية إزاي نطمن ناخدها، أنا هستنى لآخر لحظة لما ما يبقاش عندي حلول تانية".

اللقاح آمن.. ولكن دون توعية

الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح، قال للمنصة إن معارضة اللقاح وتخوفات الأهالي، نتيجة قرار استبعاد بعض الفئات من الحصول على اللقاح في بداية توفيره في مصر، مثل الحوامل أو الأقل من 18 سنة.

وأكد الحداد أن الدراسات العلمية أثبتت إن لقاح فايزر آمن على الأطفال، معتبرًا أن تجارب اللقاح على الأطفال استغرقت وقتًا كافيًا على عكس التجارب التي أجريت على الكبار ومحاولة توفيره وإتاحته في أسرع وقت ممكن.

وقال إن لقاح فايزر الوحيد الذي أثبت مأمونية وفعالية ووقت طويل في التجربة على مدار الفترة الماضية، وأتوقع أن اللقاحات الأخرى ستحصل على موافقات بمنحها للأطفال أيضًا خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن بعض الدول بدأت في منحه للأطفال من سن 5 سنوات بعد إثبات مأمونية وفعالية.

وحذر الحداد من إهمال اللقاح والاعتماد على المعلومات الخاصة بعدم تأثر الأطفال بالفيروس، وقال إن تحورات فيروس كورونا أصبحت تؤثر على الأطفال في بعض الأحيان، خاصة الأطفال الذين عانوا من أمراض مزمنة، ويدخلون في مضاعفات، مثل أطفال مرضى السكر والقلب، مضيفاً "واجب علينا حمايتهم، كما أنهم مصدر للعدوى ويختلطوا بكبار السن فنحميهم ونحمي ذويهم باللقاح، رأينا حالات خطيرة فعلًا في الأطفال استدعت دخول رعاية مركزة".

تقول بثينة عبدالرؤوف، الأكاديمية بمعهد البحوث التربوية جامعة القاهرة، إن التخوف من تبعات التطعيم مشروع، لكنها تعارض الترهيب المطلق، لأن الأهم من الإجبار، أن تقوم المدارس بإزالة الحاجز النفسي وتبديد مخاوف الطلاب وأولياء الأمور، وتوعيتهم وتحفيزهم وتشجيعهم، لا إكراههم على شيء لا يعرفون الكثير عنه. هذه معركة وعي في المقام الأول.

وأكدت للمنصة، أن شقيقها يعيش في بريطانيا، ولديه ابن في المدرسة لا يزال يرفض تطعيمه، مع أنه تم تهديده أكثر من مرة بأن لن يدخل المدرسة أو الامتحان، حتى أنه لا يستطيع اصطحابه إلى أي مطعم لأنه غير ملقح، وبالتالي فإن المدارس مطالبة قبل التطعيم الإجباري بأن تبدد حالة الهلع الموجودة عند الأهالي، وهذه مهمة كل المؤسسات الرسمية أيضًا، مع حتمية الرد على كل الشائعات المرتبطة بتلقي التلاميذ للقاح، والأعراض الجانبية الخيالية التي يربطها البعض بتطعيم الأطفال.


* اسم مستعار