تصميم: هشام عبد الحميد

كسر الطوق: فتيات انتصرن على الابتزاز الإلكتروني

منشور الثلاثاء 18 يناير 2022

كانت ميمي* على بُعد خطوات قليلة من أن تلقى مصير بسنت، الطالبة التي أنهت حياتها قبل أسابيع بعد أن تعرضت للابتزاز، لكن الحظ غير مسار حياتها كليًا.

تبدأ القصة من مفارقة عبثية، عندما قررت ميمي اللجوء لفيسبوك بحثًا عن عروس لأخيها، فانضمت لإحدى الجروبات التي تساعد في تحقيق ذلك الغرض، لتقع، هي من تبحث عن فرصة ود لغيرها، في الإعجاب بأحد أعضاء ذلك الجروب "من بوستاته كان باين إنه حد محترم جدًا، ساب مراته عشان مش بيحب الكذب واللف و الدوران، فأنا كنت متعاطفة معاه في الأول، لحد ما اتكلمنا خاص، وبدأت أحبه". 

تطورت العلاقة بين ميمي وذلك الرجل وسارت في إطار حميمي، تخلله قيامها بإرسال بعض الصور الخاصة إلى حبيبها "المزعوم" حتى قررت التوقف عن ذلك، وهنا بدأ وجه آخر يظهر لتلك العلاقة "لما رفضت أبعت صور جديدة أقنعني نستخدم سناب شات، وكان بيسحب الصور من السناب ما أعرفش إزاي، بدأت بصور عادية وانتهت بصور زفت، وبعتها لأهلي وصحابه".

"قاوم"

بسنت كانت فتاة في مقتبل عمرها تعرضت لابتزاز جنسي على يد شابين من قريتها، ما اضطرها لإنهاء حياتها قبل أسابيع، خوفًًا من الفضيحة والتشهير، وتتصور ميمي، التي تدرس في محافظة غير التي يعيش فيها أهلها، أنها لو كانت "موجودة قريب من أهلي كان قتلوني من زمان"، لكن ذلك لم يمنعها هي الأخرى من محاولة الانتحار ثلاث مرات، بعد أن لجأت إلى شقيقها "لكن معرفش يساعدني ماقدرش يتصرف".

وفي وقت "ما كنتش شايفة حل غير الموت" قادت الصدفة ميمي للتعرف على مبادرة قاوم، تقول للمنصة "كنت داخلة على فيسبوك أعمل صفحة علشان أفضح فيها الشخص ده اللي عامل نفسه شيخ، وطلعت لي مبادرة قاوم وبعت لهم وبدأوا يتصرفوا فورًا".

قبل التعرف على المبادرة، فكرت الفتاة في اللجوء لحل قانوني كي تواجه المبتز لكنه لم يكن مسارًا سهلًا عليها "تواصت مع محامين وفعلًا دفعت مبلغ لمحامي بس الشخص المبتز كان عنده معارف وكان بيضغط ويعطل مسار القضية"، لكن قاوم ساعدتها للمضي قدمًا في ذلك المسار.

في قضية بسنت وجهت النيابة حتى الآن الاتهام لـ17 شخصًا، أما في قضية ميمي فالمتهم الوحيد هارب لمحاولة تفادي القصاص، ولكن ينتظر هؤلاء المتهمين وأمثالهم أحكامًا بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، حيث يعاقب قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من تعدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو نشر عن طريق الإنترنت أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، كما ينص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه لا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه.

تقول ميمي "من أول ما تواصلت معاهم (قاوم) حسيت إن عندهم خبرة في القضايا دي، حسيت إني في أمان"، وربما يكون ما شعرت به  هو الذي منحها دافعًا للتطوع في تلك المبادرة كي تساعد غيرها، رغم أن قضيتها ما تزال قيد التقاضي، تقول للمنصة "أنا مريت بفترات صعبة أوي، شعور مستمر بالقلق والخوف، نفسيتي كانت متدمرة، وده خلاني أتعاطف مع الحالات اللي زيي، إني أتعامل مع واحدة مرت بظروفي اللي مريت بيها وأحاول أساعدها وأطمنها ده كان مهم جدًا لي في مرحلة استعادة التوازن، وكنت قادرة أساعد البنات اللي زيي لأني حاسة بيهم جدًا، احنا في الفترة دي محتاجين حد يسمعنا ما بنقدرش نتكلم ونحكي حتى لأصحابنا"، ولعل ما تقدمه ميمي لغيرها من الفتيات صار وسيلتها للتعافي، تقول للمنصة "قدرت أتجاوز بمساعدة الناس اللي زيي، وكمان لجأت لطبيبة نفسية، لكن شغلي كأدمن لصفحة قاوم خلاني أحس إني مش لوحدي وفي زيي كتير، وفي حالات أصعب بكتير".

.. واكسر الخوف

في 2020، وفي وقفة العيد الفطر، انتحرت طفلة تبلغ من العمر 15 سنة، لأنها تعرضت للابتزاز ولم تجد المساعدة الكافية، حاول أصدقاء لمحمد اليماني إنقاذها، وطلبوا منه التدخل، لكن البنت كانت أسرع منهم في اتخاذ قرارها، غير أن تلك الحادثة كانت السبب في أن يتخذ الشاب الذي يعمل في مجالات مرتبطة بالإنترنت منذ 2005، ويحاول فرديًا  مساعدة البنات في مواجهة مثل هذه الجرائم؛  قرارًا بإطلاق مبادرة قاوم، يقول للمنصة "في اليوم ده مالحقناش البنت، كانت ليلة عيد، قعدت أفكر في كام بنت زيها دفعت حياتها تمن جريمة زي دي، كام مجرم سعيد ومتكيف، كام أسرة بتحاول تخبي وتداري".

بدأت قاوم بهدف "مساعدة أي إنسان يتعرض لأذى أو مشكلة"، لذا لا يقتصر دورها على مساعدة الفتيات اللائي تعرضن للابتزاز الإلكتروني، يوضح اليماني "نحن نتعامل مع كل حالات الابتزاز الإلكتروني أي كان اللي بيتعرض لها؛ الدستور يكفل الحياة الخاصة للجميع، الناس مش قادرة تفهم موضوع الحرية الشخصية".

على مدار نحو سنة ونصف استقبلت المبادرة آلاف البلاغات التي انتهت في بعض الأحيان بحلول ودية، وفي أحيان أخرى في المحاكم بصدور أحكام على المجرمين الذين مارسوا الابتزاز، في النصف الثاني من عام 2021 استقبلت المبادرة أكثر من 600 بلاغ، بينما استقبلت 15 حالة في العشرة أيام الأولى من شهر يناير 2022.

عندما أطلقت الصفحة على فيسبوك لم يكن عدد ما يصلها من طلبات للمساعدة كبيرًا، لكنها في وقت قصير صارت تشهد زيادة في أعداد الحالات التي تستقبلها، يقول اليماني "طبيعي يحصل زيادة لأننا بنقول احنا بنكسر حاجز الخوف عشان نقدر نبلغ ومنسكتش وطبيعي الأرقام تزيد لزيادة وعي المجتمع بالقضية"، معتبرًا زيادة الحالات مؤشرًا إيجابيًا "نحن الآن في طريق صحيح لمعرفة ما يصيب مجتمعنا من سلوكيات سلبية وجرائم للتغلب عليها بالمستقبل ومعالجتها".

يشارك في قاوم فريق من المحامين المتطوعين الذين يتدخلوا بعد وصول المسار الودي لطريق مسدود، ويوضح اليماني طريقة التدخل "ننبه المبتز إنه يقوم بجريمة وممكن نبلغ أهله لو مافيش تجاوب نفضحه في منطقته، وأحيانًا الطريقة دي تفرق وتوصلنا لنتائج سريعة، خصوصًا في المحافظات، ونجد المجرم سلمنا كل المعلومات والصور".

 

https://www.facebook.com/watch/?v=4848045111918370

عزة سليمان، رئيس مؤسسة قضايا المرأة المصرية، تحدد خطوات أساسية على الفتاة اتباعها فور مواجهتها أي تهديد من هذا النوع "البنت تتجه لأول مصدر ثقة وتكون متأكدة إنه قادرة على مساعدتها، لا يجب أن تلجأ البنات لناس في سنها أو عندها مشكلة أو تروما، لابد أن يكون الشخص ده قادر على التفكير، لا يخاف، قادر على دعمها وسترها وإنقاذها ده مهم جدًا لأنه يغير في طريقتها لحماية نفسها".

الخطوة الثانية "الشخص اللي عرف يواجه المبتز يتواصل معاه ويكلمه، الخطوة دي تفرق في 97 % لأن الناس دول مراهنين على إن البنت مش هتقدر تتكلم، لكن أنا بمجرد ما يوصله إنها تكلمت خسر رهانه، فيتراجع ونبدأ اتفاق على اتلاف الصور أو الفيديوهات أو الرسائل".

لكن اليماني يفضل إشراك أسرة الضحية في المشكلة منذ بدايتها، أو منذ لجوء صاحبها/تها للمبادرة "أول وأهم حاجة البنت تهدأ ما تخافش، ولكن من المهم البنت تشوف حد كبير من الدائرة المقربة لها ويفضل يكون من الأهل، مش مفضل لجوء البنت لشخص من الخارج لأنه ممكن يستغل الموقف ويبتزها"، مضيفًا "خوف البنات من أسرهم معتاد، وأوقات كثيرة جدًا لما نتواصل مع الأهل يقولوا ما قالوش ليه"، لذا يعتبر مؤسس قاوم أن معرفة الأهل ضرورة وواجب "لازم الناس تشيل مسؤوليتها، الأب والأم يتدخلوا.. لازم يتدخلوا".

وفي حالة وجود فتاة في أسرة تمارس عنف ضدها "ندفع البنت الأقل من 18 سنة للتوصل مع خط نجدة الطفل 16000"، لذلك يتمنى اليماني أن يعمل الخطاب الإعلامي على تغيير فكر تلك الأسر "المجتمع لازم يدعم الأهل، بسنت انتحرت من ضغط الأهل وضغط الأهل جاء من ضغط المجتمع".

تعتبر قاوم أن الفتاة في هذه الأزمة لا تحتاج إلى اللوم ولا تتحمل الأسئلة "البنت في اللحظة دي محتاجة ندعمها ونساعدها بتدخل بعد كده في دائرة تأهيل نفسي"، لكن مؤسسها يوضح من خلال ما اختبره من تجارب أن ما يتعرضن له من ابتزاز تختلف أهدافه بين "الاستغلال مادي أو جنسي، أو إجبار على سرقة أو جلب مخدرات، في بنت أجبرها المجرم على السرقة لأنه عايز يشتري سكوتر"، لذلك غالبًا ما يكون "الابتزاز الإلكتروني مصحوبًا بجريمة أخرى"، وهو ما يغير في العقوبة التي تنتظر الفاعل.

تحت قبة الجامعة

لكن رشا* تعرضت لشكل مختلف من الابتزاز، تعكسه قصتها التي يرويها محاميها أحمد ربيع.

تدرس رشا في كلية الألسن، وفي أولى أيامها بالجامعة التقت شابًا ادعى أنه معيد بالكلية، عرض عليها فرصة للعمل في مكتبة يملكها لبيع وإعداد المحاضرات والمذكرات العلمية.

فرحت رشا بعرض العمل، متخيلة أن عائده المادي يمكن أن يساعد أسرتها "البنت من أسرة بسيطة والدها متوفي من 4 سنوات، والدتها شقيانة عليها وعلى أخواتها، البنت قالت ده شغل في مجال دراستي وهيساعدني ويساعد أمي". حسب المحامي.

كانت مهمة رشا كتابة المحاضرات على الكمبيوتر في المكتبة، ليبيعها بعد ذلك الشخص الذي ادعى أنه معيد بالكلية ويساعده في تلك المهمة أخ له، ولكن بالإضافة إلى مهمتيهما كان الشابان يستعينان في عملهما بكاميرات سرية على شكل أقلام لتصوير المحاضرات وبيعها للطلاب "لكن الكاميرات دي ما كانتش للمحاضرات بس دي كمان صوروا بيها البنت".

يستطرد المحامي "الشاب ده بدأ يقرب من البنت وهي قاعدة وأخوه بيصور بالكاميرا السرية، والموضوع تطور للمس وتحرش، لكن البنت زقته وقالت له أنا ماليش في الكلام ده".

حاول الشاب استرضاء رشا لاستكمال العمل معه في المكتبة "فقالها أنا بحبك وعايز أتجوزك وعايز أقابل ماما، وفي الوقت ده بدؤوا يهكروا تليفونها، وأصبح معاهم كل حاجة".

لكن التطاول على رشا والتحرش بها لم يتوقف عند المعيد المزيف، يحكي ربيع "أخوه تحرش بها، البنت مشيت وقالت أنا مش هشتغل معاكم، ومن هنا بدأت التهديدات لإجبارها على النزول والعمل".

اكتشفت رشا اختراق هاتفها واحتفاظ الشابين بمقاطع مصورة وفيديوهات رقص في منزلها، يستكمل المحامي "البنت كلمته وبدأت تسأله عايز إيه قالها نتجوز في السر وتعملي اللي احنا عايزينه، هدفه إن البنت تكون تحت سيطرتهم 4 سنوات الدراسة للاستفادة منها".

لجأت رشا لصديقة والدتها، التي أقنعتها بتدخل زوجها "الرجل كلمهم شتموه وقالوا مالكش دعوة وهنفضحها وهتعمل اللي احنا عايزينه".

مع فشل الحل الودي، لجأت رشا وأسرتها للمحامي أحمد ربيع الذي يوضح "لم يكن أمامنا حل سوى اتخاذ الإجراءات القانونية كاملة، فاتجهنا لقسم الوايلي".

لم يكن استقبال الشكوى مرحبًا به في البداية من قبل رئيس مباحث القسم،  لكن مع تدخل المأمور تغير الوضع تمامًا "المأمور تدخل وقال دي بنتي وبدأ بنفسه يتولى الأمر وتحرر المحضر في مكتبه وأرسل المحضر للنيابة"، لكن خرجت المعلومات من القسم وعلم الشابان بتحرير المحضر، فأطلقا صفحة على فيسبوك ورفعا عليها صور رشا، ومن خلال اختراق حساباتها أرسلا لقائمة أصدقائها الصور والفيديوهات.

ورغم انطلاق الصفحة لكن قرار النيابة كان سريعًا "بمجرد وصول المحضر للنيابة بدأت الإجراءات كاملة وصدر قرار ضبط وإحضار للمتهمين، وأصدرت النيابة قرارًا بحبسهما على ذمة التحقيقات وتحريز هواتفهم".

تشجع عزة سليمان الفتيات على اللجوء للمسار القانوني، لا تنكر سليمان وجود ميراث من عدم الثقة في مراكز الشرطة، والخوف من الفضيحة، والوصم، لكنها تستكمل "وجود طرف ثالث داعم مع الفتاة يسهل عليها هذه الإجراءات ويقويها".

تشير سليمان إلى تجربتها مع مباحث الإنترنت "فعلًا في ناس في مباحث الإنترت محترفين ومساندين جدًا، ساعدوا جدًا، وأحيانًا بعض الفنيين يوجهوا لوم للبنت"، وتطالب بتدريب العاملين في مباحث الإنترنت على مفاهيم الجندر وحقوق المرأة والتعامل مع التروما، كما تقترح ندب مجموعة من الضابطات في وحدات مكافحة العنف ضد المرأة لمباحث الإنترنت.

وتلقي سليمان العبء على الدولة، وتطالبها بضرورة خلق أدوات وفقًا لالتزاماتها باتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتزامها بالمادة السابعة من الاتفاقية، التي تنص على تغيير العادات والتقاليد التي تنال من النساء "الدولة مسؤولة عن المؤسسة الدينية والتعليمية والإعلامية الدولة وعليها وضع سياسات تطبق التزاماتها".

في الوقت نفسه تؤكد ضرورة العمل على تشريعات تضمن الحد من جرائم العنف ضد النساء "محتاجين قانون للعنف ضد المرأة بشكل عام، وقانون حماية الشهود والمبلغين يمكن من الإبلاغ في وحدات متخصصة برموز وليس أسماء لتشجيع البنات والنساء على الإبلاغ".

يتوقع المحامي أحمد ربيع أن يواجه الشابان في قضية رشا مجموعة من الاتهامات لتنوع الجرائم في الواقعة، مشيرًا إلى الابتزاز الإلكتروني، والتحرش الجنسي، بخلاف تهمة "الاتجار في البشر، الشابين دول كانوا بيستغلوها لمكاسب مادية".

وفي حال إصدار الدولة تشريعات جديدة  وسياسات تضمن الأمان الشخصي أكثر، وكذلك تفعل دور المجتمع المدني وتدعمه لتقديم المساعدات النفسية والقانونية للضحايا، ربما يشجع ذلك رشا ومثيلاتها للإبلاغ عن جرائم الابتزاز اللاتي تعرضن لها، وقد يحد من حالات الانتحار التي لم تكن بسنت خالد أولها وربما لن تكون آخرها، وكذلك قد يمثل ذلك الدعم إن حدث بابًا لتحقيق حلم مؤسس قاوم الذي يرجو أن تتحول مبادرته إلى مؤسسة أهلية مشهرة في وزارة التضامن الاجتماعي، وربما ساعتها تكون الفرصة أكبر لميمي لتقديم دعم أوسع سواء من قاوم أو عبر أي مبادرة أخرى جديدة.


* أسماء مستعارة لحماية خصوصية المصادر.