تصميم: يوسف أيمن - المنصة

من واقع مستندات القضية: من يمنع النساء من الإقامة بالفنادق؟

منشور الثلاثاء 8 فبراير 2022

 

أثار حكم الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري في يناير/ كانون الثاني 2022 بعدم قبول دعوى قضائية تطالب بالسماح للسيدات والفتيات المصريات والخليجيات دون الأربعين عامًا بالإقامة في الفنادق بمفردهن، الكثير من الجدل، بعضه نسوي يتعلق بالتمييز ضد النساء، وبعضه الآخر يتساءل عن طبيعة هذه التعليمات الأمنية "الشفوية" المخالفة للدستور والقوانين، والتي يتوارى من يصدرها عن الأنظار.

حكم المحكمة بُني على عدم وجود قرار رسمي صادر من أي جهة حكومية بمنع تسكين النساء في الفنادق يمكنها إلغاؤه، وبينما ما زالت غالبية الفنادق ترفض تسكين النساء، تنكر جميع الجهات الحكومية إصدار مثل هذه التعليمات الشفوية. 

ويصر المحامي هاني سامح مقيم الدعوى على وجود هذه التعليمات وسريانها، وهو ما جعله يؤكد في تصريحات صحفية تالية على صدور الحكم أنه سيطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا وسيطالب بإلزام تلك الوزارات بما لها من سلطات بالتنبيه على تلك الفنادق بعدم العمل بهذه التعليمات.

وتعود وقائع الدعوى إلى 19 مايو/ أيار الماضي، عندما رفعها سامح أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالب فيها بوقف تنفيذ وإلغاء القرارات والتعليمات الأمنية والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والبنسيونات وجميع المنشآت ذات الصلة، وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاث نجمات، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور.

وذكر المحامي في دعواه أنه فوجئ أثناء إجازة عيد الفطر، بأن الفنادق المصرية وبالأخص البنسيونات والثلاث نجوم وما دونها في مختلف المحافظات ترفض تسكين النساء المصريات تحت سن الأربعين بالفنادق، حتى إن مواقع حجوزات الفنادق الإلكترونية تتضمن ملاحظة بأن إتمام الحجوزات للمصريات والخليجيات ممن هن دون الأربعين لن يكون ممكنًا. 

وأكدت الدعوى التي حملت رقم 48010 لسنة 75 قضائية على مخالفة تلك القرارات للقانون والدستور، وأوضح مقيمها أنه تقدم بتظلم من تلك التعليمات لرئاسة الوزراء ووزارة الداخلية حمل رقم 3893581 يطالب بإقرار الحقوق الدستورية للمرأة ومنع التمييز على النحو السالف ذكره، مؤكدًا أن تلك الوقائع المرتكبة ضد النساء لجرائم لا تسقط بالتقادم وتمثل اعتداءً على الحقوق الدستورية للمرأة وجرائم تمييز.

وعلى الرغم من أن واقعة منع زوجة المحامي مقيم الدعوى، هي الوحيدة التي وصلت إلى ساحات المحاكم، فإنها لا تمثل الحالة الوحيدة التي تضررت من تلك التعليمات في الفنادق والبنسيونات، حيث سبق للمركز المصري لحقوق المرأة، برئاسة نهاد أبو القمصان، المحامية الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، إصدار بيان صحفي في 25 أغسطس/ أب 2020 أدانت فيه منع النساء تحت سن الأربعين من المبيت في الفنادق دون مرافق، معتبرًا أن ذلك يدخل في إطار ممارسة وصاية وإهانة للنساء ومخالف للدستور ويعارض كل سياسات الدولة في تمكين النساء.

وأوضح البيان أن عددًا من منسقات برامج المركز مُنعن بالفعل من الحجز في الفنادق لمتابعة تنفيذ برامج المركز في المحافظات المختلفة، بادعاء وجود تعليمات بمنع نزول السيدات والشابات في الفنادق دون مرافق من عائلاتهن، الأمر الذي لم يكن موجهًا للمركز أو منسقاته وإنما للنساء كافة في مصر، إذ جرى تداول قصص في وسائل التواصل الاجتماعي لبعض الفتيات اللاتي يروين منعهن من الإقامة في الفنادق بمفردهن، ورد الفنادق عليهن "نعتذر عن إقامتك بمفردك في الفندق".

من يصدر التعليمات؟

وتعليقًا على هذا التضارب بين المواقف الرسمية التي تنكر إصدار هذه التعليمات المخالفة للقانون والدستور من جهة، وجميع الفنادق التي تؤكد لنزيلاتها من النساء وجود هذه التعليمات، قال مصدر مطلع بقطاع السياحة للمنصة "قولًا واحدًا لا يستطيع فندق واحد خاضع لإشراف وزارة السياحة إقرار أو تطبيق مثل تلك التعليمات"، موضحًا أننا "أمام أزمة أكبر بكثير وأعقد من هذه التعليمات، وهي أن هناك آلاف اللوكاندات والبنسيونات المنتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية، تعمل بمعزل عن إشراف ورقابة وزارة السياحة، وتباشر عملها في استقبال النزلاء بترخيص من المحليات خلف ستار توصيفها على أنها محال عامة، على الرغم من مخالفة تلك التراخيص سواء للقوانين المنظمة للسياحة أو لقانون المحال العامة نفسه".

وأوضح المصدر أن هذه اللوكاندات تنتشر على نطاق واسع بمناطق وسط البلد بالقاهرة وبشارع الهرم بالجيزة وبالعديد من أحياء الإسكندرية والمحافظات الأخرى وتتفاوت من حيث الشكل والمساحة بحيث تكون في بعض الأحيان مجرد شقة سكنية مقسمة إلى غرف نزلاء، و تصل في أحيان أخرى  إلى اتخاذ شكل فنادق كبيرة فعليًا، إلا أنها لا تخضع للرقابة الإشرافية لوزارة السياحة.

وأضاف أن هذه المنشآت هي السبب في اندلاع تلك الأزمة بتطبيقها لتعليمات منع السيدات والفتيات دون سن الأربعين من الإقامة بها بمفردهن، لافتًا إلى أنه لا يرى أن السلطات هي التي  تقف وراء تلك التعليمات، بقدر ما يقف ورائها دوافع خوف القائمين على تلك المنشآت من تورطهم في قضايا آداب تهدد بغلق منشآتهم أو تشميعها، قائلًا "وبالتالي مسؤولي المنشآت دي بيريحوا دماغهم ويشترطوا التعليمات دي تلافيًا لوقوع قضايا من هذا النوع بفنادقهم بغض النظر عن مين هي النزيلة دي مين أو شغالة إيه".

وبينما نفى المصدر الذي يعمل في قطاع السياحة مسؤولية هذا القطاع عن هذه التعليمات، تواصلت إحدى موظفات المنصة هاتفيًا مع فندق سميراميس بالإسكندرية، وهو فندق ثلاث نجوم، لحجز غرفة منفردة، فرفض الموظف تسكينها لأن "الفندق عائلات بس وإحنا كاتبين كدا على موقعنا". 

وبعد قليل تواصل أحد محرري المنصة مع الفندق، وحجز لنفسه غرفة منفردة مطلة على البحر، مقابل 500 جنيه مصري في الليلة الواحدة. 

لا يسمح بتسجيل الوصول

وبعد 26 يومًا من تقديم الدعوى، وفي 5 يونيو/ حزيران الماضي بالتحديد، عقدت محكمة القضاء الإداري أولى جلسات نظر الدعوى، والتي خلالها  قدم المحامي مقيم الدعوى خمس حوافظ مستندات تضمنت صورة ضوئية من التعليمات الصادرة من فندق رويال كراون (كليوباترا) بالإسكندرية، حيث فوجئ أثناء محاولته حجز غرفة بملاحظة على موقع الحجوزات الشهير بوكينج، ما زالت موجودة على صفحة الفندق حتى بعد صدور الحكم، تقول "يرجى الملاحظة أنه لا يُسمح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن دون أزواجهن".

 

صورة حديثة من موقع بوكينج تظهر عند محاولة حجز غرفة أون لاين بفندق رويال كروان

وفي جلسة أخرى عقدتها المحكمة بتاريخ 4 سبتمبر/ أيلول الماضي قدم سامح خمس حوافظ مستندات أخرى تضمنت أيضًا أصل إفادة صادرة لزوجته من الفندق المذكور، مدون في الصفحة الثانية منها التعليمات ذاتها بشأن منع إقامة النساء بمفردهن، بالإضافة إلى صورة ضوئية من بلاغ قدمه لرئيس مجلس الوزراء ووزيري الداخلية والسياحة ورئيس جهاز حماية المستهلك يتهم فيه تسعة فنادق من بينها الفندق المذكور بتطبيق التعليمات المشار إليها.

وشملت قائمة الفنادق الواردة في البلاغ فندق قاعود سبورنتج، وفندق سي ستار، وفندق رويال مارشال وفندق ريكسوس شرم الشيخ.

الحكومة تظهر

يمثل أعضاء هيئة قضايا الدولة مجلس الوزراء والوزارات المختلفة أمام محاكم القضاء الإداري، وهي إحدى الهيئات القضائية المصرية، يختصها الدستور بالإنابة القانونية عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وبالتالي ففي هذه الدعوى حضر أعضاء الهيئة كمحامين عن رئيس مجلس الوزراء ووزيري الداخلية والسياحة والآثار.

ويشير ملف الدعوى إلى أن بداية التعاطي الرسمي والحكومي مع النزاع جاءت بعد أربعة أشهر كاملة من تداولها أمام المحكمة، حيث قدم محامو الدولة بجلسة 19 سبتمبر/ أيلول، حافظة مستندات تضمنت رد الجهات المشار إليها على الدعوى.

وفي الحافظة المذكورة أنكرت وزارة الداخلية إصدارها أية قرارات أو تعليمات تحول دون تسكين أي سيدة بمفردها أو اشتراط أن تكون رفقة زوجها أو أحد والديها أو أشقائها أو مرافق من الدرجة الأولى.

وفي معرض ردها على الدعوى أيضًا قالت وزارة الداخلية إنها لم تتلقَّ من إدارات وأقسام وقطاعات الجهات الأمنية المعنية ثمة بلاغات تفيد تضرر نساء سواء مصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي من عدم تسكينهن بأي من الفنادق والمنشآت السياحية الكائنة قيد إشراف الوزارة حتى ذلك التاريخ.

 

جزء من رد وزارة الداخلية على الدعوى

وبناء على ذلك الرد طالب محامو الحكومة بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، كما طلبوا أيضًا بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة استنادًا إلى أنه حتى وإن افترضنا جدلًا وجود قرار يمنع تسكين النساء بالفنادق، فإنه مقيم الدعوى لم يقدم صفته في الطعن على هذا القرار، كما لم يقدم مبررات مصلحته الشخصية القائمة أو المحتملة أو الحالة القانونية الخاصة بالنسبة لذلك القرار، تلك المبررات التي يتطلبها القانون لقبول المنازعات القضائية.

كما أكد محامو الدولة أنهم ينقلون عبء إثبات ما يدعيه مقيم الدعوى إليه، خاصة فيما زعمه من وجود تعليمات تحول دون تسكين النساء، إذ أنه وكما زعم محامو الدولة، فإن السلطات "أثبتت" عدم صحة هذا وجود هذه التعليمات، ومن ثم ارتأى محامو الحكومة أن مقيم الدعوى عجز عن إثبات دعواه بما ينتفي به ومعه الأساس القانوني للدعوى.

ولكن ماذا عن موقف وزارة السياحة هي الأخرى من الرد على الدعوى، بما لها من اختصاصات مباشرة في الإشراف والرقابة على الفنادق؟

وفي هذا السياق تضمنت مستندات القضية خطابًا واردًا للمحكمة من الإدارة العامة للرقابة والتفتيش على المنشآت الفندقية، التابعة للإدارة المركزية للمنشآت الفندقية بوزارة السياحة، قالت فيه إنها تحيط علم المحكمة بأن البنسيونات لا تخضع لإشراف وزارة السياحة، أما ما يخص المنشآت الفندقية الصادر لها تراخيص من الوزارة فهي تخضع للقانون رقم 1 لسنة 1973 بشأن المنشآت الفندقية والسياحية والتي تلزم المادة الثانية منه مستغلي المنشآت الفندقية أو السياحية في علاقتهم بالنزلاء بإتباع مجموعة من الالتزامات الأساسية منها حظر حجز الأسرّة الخالية بالفنادق أو تأجيرها إلا إذا امتنع طالب الحجز عن تقديم الضمانات أو قامت لدى المنشآت أسباب جدية، بالإضافة إلى حظر تعليق المبيت أو تناول الوجبات أو المأكولات أو المشروبات على أي شرط.

 

رد وزارة السياحة على الدعوى

كما تضمنت أوراق النزاع خطابًا آخر صادرًا للمحكمة من غرفة المنشآت الفندقية باتحاد الغرف السياحية، بوصفها هي الأخرى ضمن الجهات المختصمة في الدعوى، أكدت فيها أنها دققت وراجعت أسماء المنشآت الفندقية المرخصة من قبل وزارة السياحة وأعضاء بالغرفة، ووجدت أنهم فقط: فندق قاعود سبورتنج وفندق سي ستار وفندق رويال مارشال وفندق ريكسوس شرم الشيخ. وأوضحت الغرفة إن الفنادق الثلاثة الأُول أعضاء بالفعل بها، وأن إدارتهم أفادت بعد صحة ما تضمنته الدعوى جملة وتفصيلًا، بل وأرسلوا مستندات تسكين وإقامة للتأكيد على قيامهم باستقبال السيدات دون سن الأربعين للإقامة بتلك الفنادق.

 

خطاب من أحد الفنادق المتهمة في الدعوى ينفي تطبيق التعليمات

ونوهت الغرفة إلى أن الفندق الأخير (ريكسوس شرم الشيخ) مذكور على موقعه الإلكتروني أنه يستقبل العائلات والمتزوجين فقط وأنه فندق مناسب للبالغين +16 عامًا، ومن ثم فإنه يخرج عما ادعاه مقيم الدعوى من وجود تعليمات به تحظر إقامة السيدات والفتيات دون سن الأربعين.