تصميم: يوسف أيمن - المنصة

حياة مع إيقاف التنفيذ: نصف عودة إلى قرى الحرب في سيناء

منشور الثلاثاء 1 مارس 2022

يتذكر جهاد الكوز (47 سنة)، وهو رب لعائلة تضم خمسة أبناء وزوجة، اليوم الذي تركوا فيه قريتهم الخروبة في الشيخ زويد شمال سيناء عام 2015 هربًا من الحرب. لا يدّعي الأب أن حياتهم قبلها كانت جنّة، وسط تهديدات مسلحي تنظيم ولاية سيناء، لكنه أيضًا وغيره من الأهالي، كانوا ينتظرون "تقديرًا" أكبر من الدولة بعد تقويض التنظيمات المسلحة. وهذا لا يقلل من ألق اللحظة التي خطت فيها أقدامهم على أراضيهم بعد سنوات، حتى وهي "خراب" لا بناء فيها ولا زرع. 

مشهد يصلح للتصوير السينمائي، ما يمثله شعور "العودة إلى أرضك رغم تشكيكات حاول البعض بثها داخلنا في أن الدولة ستعيدنا" يقول جهاد وهو يصف اللحظة للمنصة "سجدنا على الأرض من شدة الفرح، حجم الدمار الذي خلفته الحرب لم يضلنا عن أراضينا، كل واحد منا كان يتوجه مباشرة إلى ركام منزله و الهدد حوله، و يبني عشة يرفع عليها العلم. نحن مصريون، متمسكون بالأرض والعرض وحب الوطن، لا يمكن أن نضع الدولة عدوًا لنا، حتى وهي تقسو علينا أحيانًا".

إرث من عدم الثقة

التأكيد على الولاء والانتماء، والبدء بعبارات شكر الرئيس والقوات المسلحة والحكومة، أمر لاحظناه عند حديثنا مع أكثر من مصدر في شمال سيناء. ديباجات لابد أن تساق كتميمة تقي صاحبها اتهامات التخوين، وبقايا نفسية تكشف إرثًا طويلًا من العلاقات المتوترة بين الحكومات المتعاقبة وأهالي سيناء، وأخيرًا اتهامات الإرهاب التي حاول البعض لصقها بهم. 

هل باتت الأمور أفضل؟ نقصد العلاقة بين الدولة وأهالي شمال سيناء؟ يلاحظ المتابع لكافة التصريحات الرسمية عبارات الشكر التي توجه للأهالي عن تحملهم الفترة الصعبة من المعارك في سيناء، والوعود بتنمية تنتظر المحافظة، لكن بالنظر إلى الممارسات على الأرض، تبرز الفجوة والتقصير، و يتضح حجم الجهود الكبيرة لتدشين "جسر الثقة" بين الطرفين. 

خسر غالبية أهالي شمال سيناء، حتى ممن لم يكونوا في نطاق العمليات الساخنة، مزارعهم، وجُرفت أراضيهم، وتحولوا من أصحاب مزارع ومشاريع إلى عاطلين يعيشون على المنح والمساعدات، يمنون أنفسهم باليوم الذي يشاهدون فيه الأخضر ، ويشمون نسيم الزرع بدلًا من رائحة مخلفات القنابل والرصاص. لكن حالهم كحال غالبية من يخضعون لتقييمات منازلهم المهدمة في مصر، يشكون من تقديرات "غير عادلة"، لا تتناسب مع القيمة الفعلية للأرض وحجم الضرر. وفي شمال سيناء تزداد المعضلة بالنظر إلى الركام الذي  يحتاج إلى إزالة، وترفع الدولة يدها عنه بدلًا من أن ترفعه.

لجان غير متخصصة 

يقول أمين عام مجلس القبائل والعائلات المصرية بشمال سيناء، عبد المنعم الرفاعي، وهو من قرية أبو الرفاعي إحدى القرى المتضررة من الحرب على الإرهاب، إن لجان تقييم الخسائر غير متخصصة، وتنتج تقيمًا "غير عادل"، إذ يتولى التقييم "موظفون حاصلون على دبلومات أو حتى بكالوريوس تجارة يعملون في المحافظة". يعتبر في حديثه إلى المنصة أن هذا "ظلم وحرام"، مطالبًا بلجنة هندسية متخصصة تضم ثلاثة أو أربعة مهندسين وخبراء.

ويضرب الرفاعي مثلًا بمنزلين، الأول رقم 351 في قرية أبو رفاعي، لصاحبه نصر الدين سليمان، الذي دُمّرت جدرانه ولم يبقَ منه سوى أعمدة وسقف، وقيّمت المحافظة تعويض الدمار الذي لحق به بـ 12 ألف جنيه، متسائلًا عما يفعله ذلك المبلغ الهزيل في جبر ضرر بهذا الحجم، "دول ميجبوش شباك". 

 

 

أما الثاني فمنزل رقم 412 لصاحبه مصطفى سليمان محمد الرفاعي، والذي حددت له المحافظة ثمانية آلاف جنيه فقط كتعويض، رغم الضرر الكبير به، وبعد التظلم رفعت المحافظة التعويض إلى 10 آلاف جنيه. ويشير أمين عام مجلس القبائل كذلك إلى الفروق الكبيرة في تقييم سعر متر الخرسانة بين الشيخ زويد والعريش"في العريش المتر يُقيم بأربعة آلاف ونصف، وفي الشيخ زويد رغم أن الضرر أكبر بـ1200 فقط، لا نرى فرق السعر إلا تمييزًا في حقنا".

 

 

ويلفت الرفاعي كذلك إلى عدم احتساب الأموال التي تحتاجها عمليات إزالة الركام وهي مبالغ كبيرة لا يملكها الأهالي "اللجنة الاستشارية تضع في حسبانها أن المنزل الذي تهدم يحتاج لآلاف الجنيهات لإزالة رُكامه، وحين يتجاهل من يُقيمون الخسائر تلك النقطة، ويحددون مبلغ 100 ألف جنيه مثلًا كتعويض عن المبنى نفسه، يكون صاحب البيت خرج صفر اليدين".

يتفق جهاد الذي خضع لتجربة التقييم، يقول"أخدنا تعويضات لا تتماشى مع حجم الدمار متوسطها من 60 إلى 70 ألف جنيه حسب المتر، ومتوسط سعر المتر في التقييم حوالي 700 جنيه، ويختلف التعويض بحجم الضرر، ووجود حوائط حاملة أو خرسانة أو أعمدة من غيره. 

طريق العودة 

كل يوم، تشد عائلة جهاد، أو جزء منها، رحالها إلى الوطن الصغير حيث قريتهم التي لا تُظهر أيًا من ملامحها السابقة، يتشابه فيها الركام، لكنه لا يعيقهم عن استعادة ذكرياتهم، والحلم بصناعة غيرها. صحيح أن الحلم يبدو بعيدًا بالنظر إلى حجم الدمار والعمل الطويل الذي تحتاجه تلك القرية وغيرها لاستعادة وجهها، وإمكانيات السكان الشحيحة وقدرات المحافظة المتواضعة، لكنهم يستمرون في الذهاب "كل يوم تقريبًا"، حسبما يؤكد جهاد. 

يجلس جهاد مع أشقائه وجيرانه في قريتهم. هو لديه أربعة أشقاء آخرين، حين نزحوا  لم يحصلوا سوى على شقة واحدة من المحافظة لاستضافتهم في العريش، "عشنا أوقاتًا صعبةً، جلسنا سويًا لفترة، كل تلك الأسر في شقة واحدة، ومن كان يستطيع توفير مبلغ يذهب ويؤجر وحدة خاصة به". 

عائلة جهاد كانت من العائلات التي تمتلك مساحة أرض كبيرة 60 فدانًا تقريبًا، يزهرون بالزيتون والفواكه، ويعيشون بسببهم في رغد، قبل أن تنقلب الأوضاع، "خلال الأعوام الماضية خسرنا عملنا الرئيسي في الزراعة، مثل غيرنا، الجميع تقريبًا يعيشون على الإعانات التي تقدمها بعض الجهات مثل بنك الطعام و الهلال الأحمر والمحافظة وهكذا".

تتصارع داخل رب الأسرة وجيرانه مشاعر عديدة، بين الحنين إلى الأرض، والفرح للعودة، لكنها فرحة ينغصها قلق من الغد. يروي جهاد أن "أحدهم (الجيران) أخذ ينزع حديدًا خرسانيًا من ركام منزله، كي يبيعه بـ200 جنيه، علهم يكفونه قوت يومه.. ليس سهلًا أن ينزع الشخص بنفسه أجزاء بيته ليقتات منه بدلًا من أن يقيمه". ويشير  إلى أن ذلك الفعل متكرر في أوضاع معيشية صعبة. 

مشهد آخر يرويه تلك المرة أحد سكان العريش، ذهب في زيارة إلى قرية الخروبة لرؤية أصدقائه. يصف عبدالله الحجاوي، وهو صاحب مزرعة زيتون المشهد بـ"الأرض المحروقة"، المصطلح الذي يصف دمار ما بعد الحروب. 

يصف الحجاوي المشهد للمنصة بـ "الصعب"، شجر الزيتون جف وهو ضارب جذوره في الأرض، الأهالي يتجولون في قريتهم، كلٌّ يحاول تنظيف ما يستطيع تنظيفه، يلتفون حول أي وافد، خصوصًا لو صاحب سلطة، لعله يحرك أوضاعهم.

حين وصل الحجاوي كان ثمة قائد عسكري يتجول في المنطقة، "يقف وسط الأهالي، يستمع إليهم، ويعدهم بتوصيل صوتهم، هم يهنونه بالقضاء على الإرهاب، ويؤكدون له أنهم عيون ساهرة على أمن الوطن جنبًا إلى جنب مع الجيش، القائد يبدي تأثرًا بحالهم، ويؤكد أن الدولة لن تتركهم. ثم يغادر ويعود الأهالي إلى حالهم".  يعلق أنه اعتبر المشهد "رسالة طمأنة"، لكنه تابع "ما سيعيد الثقة، هي الأفعال".

يقول الرجل الأربعيني جهاد إن القوات المسلحة أمنت الطريق إلى القرية وقالت لنا "اتفضلوا" لكن ما تحتاج إليه تلك القرى أكبر من طاقتنا، تحتاج إلى مجهود دولة، أخبرنا القادة بذلك فقالوا "صبرتم علينا 7 سنوات، اصبروا علينا عدة شهور أخرى". 

أطلقت القوات المسلحة المصرية العملية العسكرية الشاملة في سيناء في فبراير/ شباط من العام 2018، للقضاء على الإرهاب، وخلالها مُنع الدخول والخروج من المحافظة سوى لحالات محددة، وبإذن مسبق من المحافظة، وعاش الأهالي أجواء حرب تامة. وبينما لم تعلن الحكومة القضاء على الإرهاب بشكل رسمي، ولكن ذلك فُهم ضمنيًا من قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بإلغاء حالة الطوارئ.


اقرأ أيضًا|عام على العملية سيناء 2018.. ماذا حدث ومَن انتصر؟

 


بقاء موقوت 

لجلسة جهاد وجيرانه في الخروبة ميقات محدد، لا يفرضه عليهم صاحب سلطة أو مواعيد حظر تجوال، بل عتمة تصبغ القرية والقرى المجاورة بحلول الليل، ما يعني أنهم نظريًا عادوا إلى قراهم، ولكنها عمليًا عودة موقوتة ببضعة ساعات يقضونها في الحساب والانتظار. 

تفتقر القرى التي شهدت وقائع الحرب للكهرباء. عدد هذه القرى 15 بحسب النائبة عن محافظة شمال سيناء عايدة السواركة. وحين سألناها عن احتياجات تلك القرى سارعت بالتأكيد على أن "كافة الأهالي سعداء بالعودة ويشكرون الجيش والحكومة والمحافظة". 

قالت النائبة خلال الاتصال "أنا بالمصادفة اﻵن أمام مكتب المحافظ، أوصل طلبات الأهالي، وفي المقدمة منها، سرعة توصيل الكهرباء، وترميم المدارس التي تحتاج إلى ترميم". تشير النائبة إلى أنهم يتبنون استراتيجيةً لإنارة القرى الأقل تضررًا أولًا، بمعنى القرى التي لازال فيها منازل قائمة، فتلك بمجرد إنارتها ستكون جاهزة لاستقبال الأهالي. 

وحول عدد تلك القرى أو حالة ما سواها تقول النائبة البرلمانية إن حجم الضرر يختلف، خصوصًا أن لكل قرية توابع، وتلك التوابع في الغالب هي الأكثر تضررًا، أما القرى فنحو 50% من منازلها، بحسب النائبة، قائمة ولو بأضرار بسيطة.

ويُرجع أمين عام مجلس القبائل والعائلات المصرية بشمال سيناء عبد المنعم الرفاعي، التأخر في إنارة القرى إلى طريقة العمل التي تتبعها المحافظة، قائلًا للمنصة "بدلًا من تكليف 15 مقاولًا بالعمل وإصلاح شبكات الضغط العالي والمتوسط، يكلفون مقاولًا واحدًا فيسير العمل بسرعة السلحفاة". ويشير كذلك إلى أزمة المياه، والتي تمثل عائقًا سواء في العودة للقرى أو في الزراعة، بعدما ردمت غالبية الآبار خلال الحرب على الإرهاب، واﻵن لا يجد الأهالي في تلك القرى مياه للعيش أو الزراعة.

حتى يعود الزيتون

الحديث عن الزراعة سيحيلنا بالضرورة إلى "الزيتون"، الذي يعد الزراعة الأولى في سيناء، وارتفع سعره أضعافًا في المحافظة بعدما جُرفت آلاف الأفدنة، علمًا بأن الزيتون من الأشجار المعمرة، أي أنه لولا الحرب، لكان مزهرًا مواصلًا إنتاجه السخي والمميز في المحافظة التي يعدُّ رمزًا لها، فهو الأنسب لملوحة التربة.

 

أطلق الهلال الأحمر حملة لزراعة الزيتون تحت مسمى حتى نعود. يقول عنها رئيس مجلس إدارة الهلال الأحمر الدكتور مصطفى الملاح، للمنصة، إنها تخصص 1000 شجرة زيتون للقرى التي يعود إليها أهلها، ورغم أن الهلال الأحمر وفر بالفعل الأشجار في مقره، لكن عملية التوزيع متوقفة، في انتظار إنارة القرى وإصلاح الآبار وإصلاح الأراضي لبدء الزراعة.

ولا تضع المحافظة مواقيت محددة لعودة الخدمات، وعادة ما تأتي تصريحات المحافظ بعبارات من قبيل "في أسرع وقت"، "جاري العمل حاليًا"، "قريبًا".

يتذكر جهاد بحسرة الأفدنة الممتدة المزروعة بالزيتون في مزرعته بالشيخ زويد، وكذلك الحجاوي صاحب المزرعة في العريش. وفيما دُمرت مزرعة جهاد بالكامل، ويحتاج العمل عليها عدة سنوات حتى تطرح الزيتون مجددًا، فإن الحجاوي الذي جُرفت مزرعته أيضًا تمامًا رغم أنها ليست في نطاق عمليات المواجهة المباشرة، بل ضمن العمليات الاحترازية، يستعد لاستقبال أول طرح لها العام المقبل، بعدما أعاد زرع الأشجار  قبل أكثر من عامين.

يقول جهاد "بعد عودتنا للقرية لم نجد شجرة واحدة حية، كافة الأشجار ماتت وشاخت ولم تعد صالحة، نحتاج إلى إزالتها، وحتى تلك العملية ليست يسيرة".

يتفق المصادر الثلاثة التي رجعنا إليها في سيناء؛ الكوز، والأمين العام للقبائل، والحجاوي، على أن المحافظة لا تملك العدد المناسب من الجرارات كي يحرث المزارعون أراضيهم. يضيف الحجاوي أن المحافظة ليس لديها سوى جرار واحد ويحتاج إلى صيانة. 

ويزيد الأمين العام لتجمع القبائل أن حرث الأرض بالإيجار، يُكلف كل 1000 متر 100 جنيه تقريبًا، مطالبًا أن ترسل وزارة الزراعة على الأقل خمسة جرارات لشمال سيناء، وتقوم المحافظة بتسليم كل كبير قبيلة أو عائلة واحدًا، ليتم حرث الأرض بالتناوب، بالإضافة إلى منح المزارعين أشجار زيتون وعنب وغيرها. 

ويشير الرفاعي في الوقت ذاته إلى عائق آخر يتمثل في تأخر إجراءات الحصر للضرر، "المزارعون لا يستطيعون تنظيف الأرض وبدء الزراعة قبل أن تقوم لجنة من المحافظة بحصر الضرر الذي تعرضت له الأرض، فإذا جاءت تلك اللجنة ووجدت الأرض نظيفة، لن يمنحوا صاحبها شيئًا".

 

عمار بعد حين

يبالغ بعض المسؤولين في تصوير حقيقة تنمية سيناء كما لو كانت عملية ميكانيكية ستنتهي بضغطة زر. قال محافظ شمال سيناء اللواء محمد شوشة، في مداخلة على قناة صدى البلد بتاريخ 17 يناير / كانون الثاني الماضي، إنه خلال عام واحد سيكون كافة الأهالي عادوا إلى قراهم والزرع أزهر من جديد. 

في هذه المداخلة، أمّن المحافظ على حديث المذيعة عن "فرحة الأهالي بمنازلهم الجديدة"، في حين أن أيًا من تلك المنازل الجديدة لم يُبنَ بعد، كما أن بناءها يقع على عاتق الأهالي. وفي غضون ذلك يطالب أمين عام القبائل، بدخول برنامج حياة كريمة الي سيناء، على اعتبارهم الأولى به. وخلال ذلك البرنامج تقوم الدولة ببناء الوحدات. 

ويضيف "كان يُفترض أن تمنح الدولة كل عائلة منحة إغاثة بمبلغ كبير، ليس 5 أو 10 آلاف جنيه، وحتى تلك المبالغ الضئيلة لم يحصل عليها أحد. تلك العوائل ذاقت مرارة الحرب لسنوات وهم أولى الناس بالرعاية". وتابع باستياء "لا نريد من أي جهاز أو مؤسسة أن يدخلوا علينا بكراتين نحن لسنا شحاذين، من يرغب في مساعدة أهالي سيناء يدشن لهم منازلهم، يخصص لهم أكشاكًا أو مشاريع". وتابع: نطالب بأن تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تدشين المنازل المتأثرة من الحرب. 

نقطة ثانية تحدث عنها المحافظ في مداخلته وهي عودة المحاصيل الزراعية في غضون عام. ولكن الحجاوي، وهو خبير في الزراعة بحكم امتلاكه مزرعة زيتون في شرق العريش، يؤكد أن الأرض لن تطرح ثمارًا قبل عدة سنوات من الآن، ويقصد هنا الأراضي التي كانت مسرحًا للعمليات، إذ تحتاج إلى حرث وإزالة الأشجار الميتة، وزراعة جديدة، والانتظار حتى يأتي "الطرح"، خصوصًا الزيتون الذي يستغرق وقتًا أكثر من غيره.

حصل الحجاوي على تعويض عن الخسائر في أرضه، لكنه"لم يغطِّ حجم الخسائر"، إذ ظل لأعوام دون عمل تقريبًا يستند على أموال أدخرها من عمله في الخليج وليبيا لسنوات طويلة. وعلى كلٍّ، يعتبر الحجاوي حاله أفضل من غيره.

أما غيره فيصف أمين عام القبائل حالهم بالقول "تجولت لـ8 كيلو متر على قدمي ألتقي أهالي القرى العائدين، ممن يجلسون نهارًا ويرحلون ليلًا، نسبة 5% فقط التي تبيت في أراضيها، الحال لا يسر أحدًا، الجميع في حالة شتات، يسألونني من أين نبدأ؟ الأرض مُجرفة والبيوت مهدومة". يعلق "ليس لديهم مال ليصلحون أيًا منهما، ولا يعلمون ما يحمله الغد لهم، أما الدولة فلم تقدم لهم شيئًا". 

يُنهي جهاد جلسته مع جيرانه وأشقاءه في القرية مع غروب الشمس، يجهز أجرة السيارة التي ستقلهم، ويتساءل للمرة الألف "إلى متى سنظل نتحمل نفقة الذهاب والإياب من أرضنا؟"، قبل يمني نفسه بعودة تامة قريبة.