تصميم: يوسف أيمن - المنصة

قصة 30 كيلومترًا في "ميت برة" خارج "سيادة الدولة"

لمن الطرق اليوم؟

منشور الخميس 10 مارس 2022

اعتدنا على سماع تعبير "طريق الموت" في وصف العديد من الطرق السيئة في مصر، طريق بنها- زفتى الزراعي المعروف باسم طريق ميت برة هو أحد هذه الطرق الحيوية التي تغيب الدولة عن صيانتها وتطويرها تمامًا، رغم أنه يربط مدنًا حيوية في الدلتا ويخدم عشرات آلاف السكان.

الطريق المعروف باسم ميت برة، يعد من أضيق الطرق التي تتزاحم عليها كثافة مرورية كبيرة، ويعاني من غياب شبه تام لخدمات الدولة، ما جعل الحوادث بمثابة روتين معتاد على هذا الطريق، لدرجة أنها طالت أحد نواب البرلمان عن محافظة الغربية التي يخدمها هذا الطريق.

المنصة قامت بمعايشة لأحوال الطريق، وتحدثنا مع رفاقنا في الرحلة من سائقين ومواطنين عن مشاهدتهم اليومية لواحد من نماذج الطرق التي لا تهتم بها الدولة.

ولا يتناسب اتساع الطريق الذي يربط أربع مدن حيوية بطول ثلاثين كيلومترًا، بدءًا من بنها بالقليوبية إلى مركز قويسنا في المنوفية ثم ميت غمر بالدقهلية، انتهاءً بمدينة زفتى في محافظة الغربية، مع حجم الكثافة المرورية المتركزة عليه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تحركات سيارات نقل البضائع، فهو مكون من حارة واحدة، لا يزيد عرضها على سبعة أمتار.

وتختلف الكثافة السكانية في المنطقة، لكن وفقًا لجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2018، يصل عدد سكان قرية ميت برة إلى نحو 32.953 نسمة، وشبرا بخوم إلى نحو 25 ألف نسمة، ولا تتوقف أهمية الطريق في خدمة سكان القرى والعزب الموجودة على جانبيه، فقط وإنما هو طريق عبور إلى مدينتي زفتى وميت غمر أيضًا.

وتحد الطريق من جهة ترعة تسمى الساحل وإلى جوارها خط سكة حديد، ومن الجهة الأخرى أراضٍ زراعية ومصارفها، تسير السيارات على الطريق مقابلة لبعضها بعضًا، وبالكاد يسع سيارتين متجاورتين، خاصة مع تراكم أكوام القمامة على أحد جوانبه ما يجبر السيارات في بعض المناطق على التوقف في انتظار مرور السيارة المقابلة، وبين لحظة وأخرى يمر شخص بمفرده أو مع مواشيه قاطعًا الطريق بالعرض من هذه الجهة إلى الأخرى.

ولا يوجد بديل لسكان القرى التي تقع على جانبي الطريق إلا السكة الحديد، فيما يخدم الطريق عددًا من القرى والعزب من بينها قرية ميت برة، وشبرا بخوم، وتفهنا العزب وميت الحارون وعزبة أبو حسن، وغيرها.

مطب لكل حادثة

من بين العلامات المميزة للطريق انتشار مطبات عشوائية، من صنع أهالي القرى الموجودة على طول الطريق، فكل مائة متر تقريبًا يوجد مطب صناعي، وبينهما توجد حفرات كثيرة نتيجة لتهالك الطريق.

"كل مطب من دول مكانه كان فيه حادثة"، يقول جمال حسن أحد سكان قرية ميت برة، مشيرًا إلى أن تكرار الحوادث دفع الأهالي للتطوع بإنشاء العديد من المطبات.

وفي ظل غياب الدولة، فإن هذا التخطيط "الأهلي" يصبح في حد ذاته من مسببات الحوادث، حيث يقول إبراهيم عيد، سائق نقل تحدث إلى المنصة، "على هذا الطريق أكثر من 25 مطبًا، أغلبها أهالي (عشوائي)، وفي بعض المناطق المسافة بين كل مطب والتاني عشرة متر بس، السائق بيتفاجئ بالمطب قصاده فيحاول تفاديه فتتقلب العربية".

لا ينفي ذلك أن بعض المناطق على الطريق تخلو تمامًا من المطبات، وعندها تسير السيارات بسرعة عالية، أو كما يقول إسماعيل كامل مزارع من عزبة أبو حسن "العربيات بتطير على الطريق". يمثل ذلك تهديدًا يوميًا لكامل وغيره من الساكنين في تجمعات على جانبي هذا الطريق ويضطرون يوميًا لعبوره.

ويروي كامل كيف أصبحت الحوادث روتينًا معتادًا للساكنين على جانب الطريق "فيه أتوبيسات بتنقل عمال للمنطقة الصناعية القريبة، وبتمشي بسرعة كبيرة على الطريق، وبتتسبب في حوادث كتير، شفت من سنين انقلاب أتوبيس عمال في الترعة، الحمد لله كلهم طلعوا كويسين لكن في ناس كثيرة ماتت في حوادث تانية".

ويقول أيضًا محمد إبراهيم، وهو طالب يعبر الطريق بصفة منتظمة "بشوف الموت كل يوم بعيني".

تزداد المعاناة خاصة مع حالات مثل إبراهيم الذي يضطر لقطع مسافة كبيرة بصفة يومية للذهاب إلى الجامعة، ولا يجد بديلًا عن طريق الموت غير  قطار "قشاش"، لا يمكن الاعتماد على مواعيده دائمًا، وبالتالي كثيرًا ما يضطر للمخاطرة بركوب الميكروباص للوصول إلى جامعته في بنها.

غياب تام للدولة

ورغم انتشار أعمدة الإنارة على طول الطريق إلا أن أغلبها بدون إضاءة، وبالتالي يصبح الطريق مظلمًا عندما يحل المساء، باستثناء بعض الأعمدة التي تتواجد عند مداخل القرى، ومعظمها أضيء بالجهود الذاتية للسكان.

يقول أحمد أبو سلامة، وهو سائق تحدثت إليه المنصة، إن عدم إضاءة الطريق تجبر السائقين على إضاءة "النور العالي" للسيارة، وهو ما يعتقد أنه أمر شديد الخطورة على طريق مثل ميت برة، مدللًا على وجهة نظره بالقول إن "الطريق ضلمة فالنور العالي مهم علشان اللي السايق يشوف الطريق قدامه، بس الطريق رايح جاي وساعتها النور العالي هيؤثر على رؤية اللي جاي من الناحية التانية"، وبالتالي يتسبب ذلك أيضا في حوادث كثيرة. 

مظاهر غياب الدولة عن طريق ميت برة لم تتوقف عند تركه مظلمًا، فعلى طول الطريق لا توجد إشارات مرورية، ولا أي لافتة توضح السرعة المقررة أو تحذر من اقتراب مطب، كما هو موجود عادةً على الطرق الأخرى، وأيضا لا توجد لجان مرورية على الطريق لفحص الرخص وضبط قائدي سيارات الأجرة أو التوكتوك الذين يقودون دون رخصة، "هؤلاء يتسببون أيضًا في الكثير من الحوادث، لأن قائدي تلك المواصلات غير مؤهلين"، كما يضيف السائق.

بجانب خطورة الطريق، فضيق مساحته يسبب تزاحمًا مروريًا أحيانًا، وتزداد المشكلة مع الطابع الريفي للطريق، حيث تعتاد الباصات على الوقوف عند كل قرية في غياب لتنظيم المرور من الدولة.

ويقول أبو سلامة إنه "عند مدخل كل قرية يوجد مزلقان للسكة الحديد، ويكون من سوء الحظ إذا تصادف مرورك بمرور قطار عبر المزلقان، وقتها تتكدس السيارات في انتظار فتح المزلقان، بالإضافة إلى المواشي التي تخرج من الأراضي الزراعية والأغنام التي تمر باستمرار عبر الطريق وتكون سببًا في وقوع العديد من الحوادث، وأيضًا الجرارات الزراعية التي تفاجئ بها أمامك خارجه من تلك الأراضي دون أي اعتبارات للسيارات أو الأشخاص الذي يسيرون بالطريق".

ومن بين ضحايا طريق ميت برة النائب في مجلس النواب عن إحدى دوائر محافظة الغربية أحمد يحيى الجحش الذي تعرض لحادث مروري في يناير / كانون اﻷول2021، أثناء عودته من القاهرة إلى مدينة زفتى، فاصطدمت به سيارة من الخلف، ونجا النائب من الحادث إلا أنه تعرض لكدمات وجروح سطحية.

حاولت المنصة التواصل مع النائب، لمعرفة رد فعله بعد الحادث وما إن كان قد قام بأي تحرك برلماني بعد الحادث، فلم يجب على هاتفه، بينما قال عضو مجلس النواب، وأمين عام حزب حماة الوطن بمحافظة المنوفية، أحمد بهاء شلبي، إنه لم يسمع أي نائب يتحدث عن الطريق مؤكدًا أنه "لا علم له بالأمر". 

هل ثمة حلول؟

تكرار الحوادث على هذا الطريق لا يعني بالضرورة أنها قدر حتمي لا مفر منه، فهناك مقترحات مقدمة إلى الدولة لكن لا توجد استجابة.

النائب صقر عبد الفتاح، تقدم بطلب لوزارة النقل لتوسيع طريق زفتى بنها، من مدينة زفتى حتى حدود قرية تفهنا العزب آخر حدود مركز زفتى، ولم ترد الوزارة برد حاسم، فقد قالت في مارس/ آذار الماضي إنه تمت مخاطبة الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري لسرعة الدراسة والإفادة، على أن يتم "موافاة سيادتكم برد الجهة فور وصوله".

وفي أبريل/نيسان الماضي نشر عضو مجلس الشيوخ محمود حسين، صورة من رد وزارة النقل على طلب تقدم به إلى وزير النقل كامل الوزير لتطوير الطريق وتوسعته إلى أربع حارات بدلًا من حارتين الآن، وفي الرد أكدت الوزارة أنها خاطبت الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري، لدراسة الطلب، إلا أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ الطلب وحاولت المنصة التوصل إلى النائب لمتابعة تطورات طلبه لكنه لم يستجب إلى الاتصالات ولا الرسائل. ويحتاج تنفيذ طلب النائب إما انتزاع ملكية أراض زراعية على جانب الطريق أو تغطية الترعة على الجانب الآخر واستغلالها في توسعة الطريق.

ويقول جمال حسن، أحد سكان ميت برة، إن أعضاء مجلس النواب يقدمون وعودا بحل مشكلة الطريق "لكننا مش شايفين أي تحرك على الأرض"، لافتًا إلى أنهم منذ سنوات يسمعون عن خطة لتطوير الطريق وهو أيضا لم يحدث.

وفي نهاية 2017 نشرت بوابة الأهرام، تصريحات لمحافظ القليوبية وقتها، محمود عشماوي، يؤكد فيها أن طريق ميت برة يمثل محورًا حيويًا، ويستخدمه عشرات الآلاف من السيارات يوميًا، بالإضافة إلى أنه محور رئيسي لسيارات النقل الثقيل، لافتًا إلى أنه سيتم التنسيق مع هيئة الطرق والكباري، لإجراء معاينة لاختيار أنسب الحلول، لتمهيد الطريق بأعلى جودة وأقل تكلفة ممكنة في ذات الوقت، والبدء في تنفيذه فورًا للحد من الحوادث المرورية الكثيرة التي تحدث نتيجة تهالك الطريق، لكن من وقتها "لم يحدث أي جديد والأمور تزداد سوءًا "كما علق أبو سلامة للمنصة.

وبينما تزدهر إنشاءات الطرق والكباري شرقي القاهرة لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة، لا تزال طرق مثل "ميت برة" تنتظر أن تتذكرها الحكومة لتضعها على خريطة التطوير. 

هذه القصة من ملف  لمن الطرق اليوم؟


هل يمكن أنسنة الطريق؟

أمنية خليل_  ترتبط الأجندة العمرانية للأعوام 2015-2020 (مدبولي والسيسي) بشكل وثيق بأجندة 2005-2010 (نظيف ومبارك)، ليست أكثر من امتداد لها، المختلف فقط أن بعض الخطط منذ عام 2008 كانت محض خيالات

السادس من أكتوبر: فوق المحور.. تحت المحور

أحمد البرديني_  لأن أكتوبر من المجتمعات القديمة نسبيًا، فإن أحياء مثل الشيخ زايد استفادت بشكل متراكم على مدار وقت طويل من طريق المحور، ما جعلها في الوقت الراهن شديدة الحياة بشكل أشبه بوسط البلد

طريق العاصمة الإدارية مفروش بالكباري

محمد الخولي_  بينما يجد العاملون في العاصمة الجديدة العديد من البدائل السريعة للوصول إلى أشغالهم، فإن من تتركز حياتهم في شرق القاهرة يخوضون رحلات يومية طويلة للتعايش مع التخطيط الجديد لشوارعهم.