تصوير: خالد مشعل. بإذن خاص للمنصة.

رغم شبهات عدم الدستورية: البرلمان يُمرر للحكومة تعديلات "الإيجار القديم"

منشور الثلاثاء 22 فبراير 2022

 

بعد ثلاث سنوات من التعثر، مرر مجلس النواب اليوم، أول خطوة تشريعية تُغير منظومة الإيجار القديم، بالموافقة النهائية على تعديل أحكام الإيجار غير السكني للأشخاص الاعتبارية (مثل الشركات ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وغيرها)، بما يؤدي لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بعد خمس سنوات من صدور القانون.

وقدمت الحكومة مشروع القانون في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بنسخة تحمل نفس سمات المشروع الذي عطّله البرلمان السابق برئاسة علي عبد العال، لشبهة عدم الدستورية، فيما لم يلق المشروع الأخير معوقات تُذكر، إذ وافقت عليه لجنة الإسكان والنواب في الجلسة العامة دون تعديل في مواده، تحت عنوان "مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن بعض الإجراءات التي يتطلبها التعامل مع التداعيات التي يخلفها فيروس كورونا المستجد".

ونص مشروع القانون على "إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكني، وفقًا لأحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، بانتهاء مدة الخمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون، ما لم يتم التراضي على غير ذلك". كما وضع القانون قواعد لزيادة القيمة الإيجارية خمسة أضعاف القيمة السارية مع بدء تطبيق القانون، بالإضافة إلى زيادة سنوية بنسبة 15% من قيمة الإيجار .

ويقصد بالأشخاص الاعتبارية في تعديلات قانون الإيجار القديم كل من مؤسسات الدولة والمديريات والمدن والقرى، والهيئات والطوائف الدينية التي تعترف الدولة بشخصياتها الاعتبارية، والأوقاف، والشركات المدنية والتجارية، والجمعيات والمؤسسات المنشأة للأحكام الخاصة، وكل مجموعة من الأشخاص أو الأموال تثبت لها الشخصية الاعتبارية بمقتضى نص في القانون.

مخاوف واعتراضات

رفض ممثل الهيئة البرلمانية لحزب التجمع النائب عاطف مغاوري، مشروع القانون، قائلًا خلال الجلسة العامة إن "التعديلات لم تفرق بين الجهات الهادفة للربح وغيرها من الجهات التى لا تهدف للربح"، مضيفًا "لدينا 54 ألف جمعية، ونحن الآن في عام المجتمع المدني، هناك جهات مستأجرة فما مصيرها بعد هذا القانون؟".

أما النائب ضياء الدين داود، فامتنع عن التصويت، قائلًا "بالرغم من أننا أمام استحقاق دستوري، بموجب حكم المحكمة الدستورية بشأن قانون الإيجار القديم، لكن توجد فئات بالمجتمع ستقع عليها أعباء كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها".

وكانت المحكمة الدستورية أصدرت في العام 2018 حكمًا يقضي بضرورة تعديل أحكام قانون الإيجار القديم للأشخاص الاعتبارية، بعد دعوى قضائية نظرتها المحكمة، رفضت فيها نص المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، واعتبرتها "تأبيدًا لعقود الإيجار على خلاف طبيعتها المؤقتة". ونصت المادة غير الدستورية على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية في غير الغرض السكني". ومنحت المحكمة مهلة لمجلس النواب لتعديل القانون تنتهي بانتهاء الفصل التشريعي الرابع في يوليو/ تموز 2019.

ولفتت النائبة والكاتبة الروائية ضحى عاصي، إلى أثر تطبيق القانون على بعض الكيانات الثقافية مثل أتيليه الإسكندرية، دار الأدباء، نادي القصة.

وفي السياق نفسه، أبدى عدد من النواب المنتمين لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين اعتراضهم على مشروع القانون، وتساءل النائب علاء عصام عن مصير مقار بعض الأحزاب والنقابات "لسنا ضد حق المالك الذي يعاني فى ملكيته، ولكن في نفس الوقت يجب استثناء الأحزاب والمنظمات النقابية من تعديل هذا القانون".

أما النائب محمد عبد العزيز فقال "إن مشروع القانون يعتبر إرجاءً لتطبيق حكم المحكمة الدستورية"، موضحًا أن المحكمة حددت سريان حكمها بدءًا من 15 يوليو 2019، "بذلك أصبحنا أمام واقع دستوري بإخلاء كل العقارات المؤجرة لشخصيات اعتبارية، ما نفعله الآن هو إرجاء للحكم وليس تنفيذه".

شبهة عدم الدستورية

مازال شبح عدم دستورية التعديل قائمًا، بحسب عضو في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية فضل عدم نشر اسمه، تحدث للمنصة قائلًا "طبعًا موقف دكتور علي عبد العال كان صحيحًا، التعديل الجديد به شبهة عوار دستوري لأنه يفرق بين المالك المؤجر للشخص الطبيعي، والمالك المؤجر للشخص غير الطبيعي".

واستطرد النائب "القاعدة العامة الدستورية مجردة لا يمكن التمييز فيها بين الشخص الاعتباري والطبيعي، حكم المحكمة الدستورية أعدم النص المنظم للأشخاص الاعتبارية، وأوكل للمُشرع وضع قانون لإعادة التنظيم". واستطرد "الإيجار القديم مشكلة كبيرة في الأثر الاجتماعي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية".

واتفق معه أستاذ القانون الدستوري، عبد الله المغازي، قائلًا للمنصة إن "القاعدة الحاكمة يجب أن تكون للجميع، الإيجار بين المؤجر والمستأجر وكلاهما قد يكون شخصًا طبيعيًا أو شخصًا اعتباريًا". وبشأن إمكانية مراعاة القانون للأبعاد السياسية والاجتماعية علق "لابد أن يُراعي السلم والأمن الاجتماعي، وبعض القوانين يجب أن تطبق بشكل تدريجي لمراعاة ذلك".

وأضاف المغازي أن "الغرض من القانون تنظيم حياة الناس، التوازن المجتمعي مهم، وهو لا يعني أن الطرفين متساويان، فالملاك لا يتعدون 5%، لكن المستأجرين 95%، المواءمة في القوانين أمر طبيعي وتجب مراعاته، خاصة إذا كانت تمس الأغلبية من الشعب، وبالفعل الغالبية مستأجرين".

وتابع أستاذ القانون الدستوري "في حال صدور القانون بصورته الحالية يمكن للملاك المتضررين من عدم تطبيقه على الأشخاص الطبيعية اللجوء للقضاء، وحينها تحكم المحكمة الدستورية بموجب مجموعة من المبادئ الحاكمة مثل تكافؤ الفرص".

حين أعاقه عبد العال 

لم يكن المشروع الذي مُرر أخيرًا المحاولة الأولى لتعديل قوانين الإيجار، فسبقته محاولة مشابهة في العام 2019، حين أرسلت الحكومة مشروعًا بعد حكم المحكمة الدستورية، لكن المجلس لم يتمكن من تمريره في ظل إصرار رئيس المجلس علي عبد العال، حينها على وجود شبهة عدم دستورية، نتيجة التمييز بين المستأجرين وفقًا لشخصيتهم الاعتبارية، أو الطبيعية.

وأحال رئيس المجلس مشروع القانون للجنة الإسكان والمرافق العامة التي أجرت عليه تعديلًا يوسع نطاق تطبيقه، بحيث يشمل المستأجرين من الأشخاص الاعتبارية والطبيعية، لغير الغرض السكني، وذلك لتجنب عدم دستورية النص المقدم من الحكومة، ومساواة الأطراف ومراعاة حقوق الملاك المؤجرين سواء للشخص الاعتباري أو الشخص الطبيعي.

وفي يوليو 2019، قبيل انتهاء دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، بدأت مناقشات مشروع القانون في الجلسة العامة وشهدت خلافات شديدة بين رئيس المجلس من جهة، والأغلبية (ائتلاف دعم مصر) والحكومة من جهة أخرى، حيث انحازت الأغلبية للنص الحكومي، وبررت موقفها بضرورة مراعاة الأبعاد الاجتماعية خلال إجراء التعديل التشريعي. بينما وقف رئيس المجلس منحازًا لتطبيق القانون على الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، ومتمسكًا بموقفه الرافض لتمريره. 

وأدت الخلافات لمشادات بين رئيس المجلس والحكومة، خاصة عندما تحدث وزير شؤون المجالس النيابية آنذاك عمر مروان، مدافعًا عن عدم وجود شبهة، فقاطعه عبد العال وقال "إن المجلس فقط هو من يحدد ما هو الدستوري، وغير الدستوري".


اقرأ أيضًا: يوميات صحفية برلمانية| عودة لـ"حزب اﻷغلبية" وبقايا المعارضة تحاول التكتل

 

صورة أرشيفية لمجلس النواب. رئاسة الوزراء- فيسبوك

وأُغلقت الجلسة العامة الساخنة بتأجيل مناقشة مشروع القانون، ثم انتهى الفصل التشريعي بأكمله دون إعادة مناقشته سواء في اللجنة المعنية أو في الجلسة العامة. وتجاوز البرلمان المهلة الممنوحة له من المحكمة الدستورية، وبدأ عدد من الملاك في رفع دعاوى قضائية بموجب الحكم مكنتهم أحكامها من إخلاء وحداتهم المؤجرة لأشخاص اعتبارية.

وعلق عبد العال على تلك الأزمة، في حوار مع جريدة الوطن، قائلاً "وجدنا في المشروع شبهة عدم دستورية، لأن المالك في الحالتين قد يكون نفس الشخص، مثلًا لو أن لديّ عقارًا وهناك شركات مستأجرة لشقة به، فسينطبق عليها قانون الإيجار الحر، بينما أي شقة أخرى بنفس العقار مُستأجرة من شخص، سيطبق عليها قانون الإيجار القديم، وهو ما يمثل إخلالًا بمبدأ المساواة، والمحكمة الدستورية فى قرارها السابق تصدت للأمر في حدود النزاع المطروح عليها، وليس بشكله العام والشامل"، مشيرًا إلى أن حكم المحكمة تعامل مع حالة محددة منظورة أمامه.