تصميم: يوسف أيمن- المنصة

طريق العاصمة الإدارية مفروش بالكباري

لمن الطرق اليوم؟

منشور الخميس 10 مارس 2022

خلال الأعوام الأخيرة كان سكان أحياء شرق القاهرة القديمة يتابعون أعمال الإنشاء المتسارعة تحت نوافذ منازلهم، من إزالة أشجار لتوسعة الطريق، إلى إنشاء كباريَ وخط قطار كهربائي. والقاسم المشترك بين هذه الأعمال هو جعل الطريق إلى العاصمة الجديدة سريعًا وسهلًا.

ساهم الاهتمام السياسي بإنجاح مشروع العاصمة الجديدة في إعادة تخطيط أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة، بحيث تكون ممرًا سريعًا للعبور من وسط البلد إلى العاصمة، وهو ما يرى خبراء أنه قلل من جودة الحياة في هذه الأحياء.

تلك المليارات من استثمارات الطرق والكباري في شرق القاهرة، ساهمت في رفع أسعار العقارات في العاصمة الجديدة، وفي الوقت نفسه تغيير ملامح الشوارع القديمة.

كل الطرق تؤدي للعاصمة 

ربما تكون شرق القاهرة من أكثر المناطق التي شهدت في الآونة الأخيرة ثقافة "المحور"، والمقصود بهذا المصطلح هو التخطيط لسلسلة من الأعمال الإنشائية، طرق وكبارٍ، ترتبط ببعضها في مسار واحد يضمن الوصول بسرعة بين نقطتين.

كوبري ابن الحكم. الصورة: محمد الخولي

وفي هذا السياق، تم التخطيط مؤخرًا لعدد كبير من المحاور التي تيسر الوصول إلى شرق القاهرة ومنها إلى العاصمة الجديدة، من أضخمها محور الفريق العصار، بطول 18 كم، الذي تطلب إنشاء ثمانية كبارٍ بجانب أعمال متعددة لتوسعة الطرق، هذا بجانب محاور أخرى مثل جوزيف تيتو، الفردوس، روكسي رمسيس، ومحور شينزو آبي، وتشير تقديرات إلى أن خطة تطوير شرق القاهرة في مجملها تتكلف 22 مليار جنيه.

هذا بجانب أعمال إنشاء المونوريل، والذي سيتم افتتاح أولى مراحله في مايو/ أيار المقبل من مسجد المشير وحتى العاصمة الجديدة. "مشروعات توسعة الطرق التي تم الانتهاء منها خلال العامين الماضيين في شرق القاهرة حولت أحياء مثل مصر الجديدة ومدينة نصر إلى أحياء عبور"، كما قال لنا الباحث العمراني يحيى شوكت.

ولم تُستثن الشوارع الداخلية من أعمال التطوير التي حولتها هي الأخرى لطرق سريعة، كما يوضح شوكت، وهي الشوارع التي كانت تتميز سابقًا بالهدوء والتخطيط الجيد، على عكس الشوارع الجانبية في الأحياء الشعبية التي عادة ما تفتقر للاهتمام من الدولة.

وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عامين العديد من التدوينات التي تتحدث عن سلبيات توسعة الطرق، ربما من أبرزها الانتقادات الموجهة لإزالة مقابر أثرية والتي كانت تقف عقبة أمام محور الفردوس، ودأبت العديد من التدوينات على المقارنة بين صور الشوارع والميادين القديمة التي تم انتزاع أشجارها لتوسعة الطريق، وصار تعبير "التطوير" محل سخرية حيث أصبح مقترنًا بالتصحير والضوضاء الناتجة عن سرعة عبور السيارات.

شارع عبد العزيز فهمي في مصر الجديدة بعد توسعته. الصورة: محمد الخولي

"شوارع مثل الميرغني وأبو بكر الصديق في مصر الجديدة انخفضت فيها أسعار الوحدات، نظرًا لإزالة المساحات الخضراء منها، وإنشاء كبارٍ بها، وبالتالي سعر الوحدة التي تطل على مسطح أخضر يختلف عن سعر الوحدة التي تطل على كوبري أو طريق سريع، ما أضاع واحدة من مميزات هذه الأحياء التي كانت توصف بالهادئة". كما قال لنا الخبير العقاري أحمد عبد الفتاح. 

واتفق سمساران يعملان في مصر الجديدة ومدينة نصر تحدثا إلى المنصة على أن حركة البيع والشراء في هذه الأحياء تأثرت في الفترة الأخيرة، وقال كرم جاد، سمسار عقارات فى مصر الجديدة، إنه "توسط لبيع شقة في شارع الثورة منذ أسبوعين، وتمت عملية البيع بسعر 2.6 مليون جنيه، رغم أن المالك كان مُصرًا في البداية على ثلاثة ملايين "لكن لأن السوق نايم، وهو مستعجل وافق في النهاية على تخفيض سعر الشقة"، بحسب جاد.

ويقول محمود حسين، سمسار في مدينة نصر، إنه من الملاحظ وجود حالة ركود في التمليك في الحي، خاصة المناطق المميزة منه، كشارع عباس العقاد، ومكرم عبيد.

ويرى السمساران أن الشقق التي تطل على كباريَ كانت الأكثر تأثرًا. ويقول جاد هؤلاء هم "الأكثر تضررًا"، موضحًا أن لديه شقة في شارع أبو بكر الصديق معروضة للبيع منذ ثلاثة أشهر ولم يتم بيعها حتى الآن رغم حضور أكثر من مشترٍ ومعاينتها، مضيفًا "الزبون بيرفض يشتري شقة بتفتح بلكونتها على كوبري، رغم أن هناك مسافة كبيرة بين البلكونة والكوبري".

وبحسب بيانات محرك البحث العقاري عقار ماب عن حي مصر الجديدة، شهدت أسعار الشقق تراجعًا بنسبة 6% خلال العام الماضي، و18% في أسعار الفيلّات.

وإذا أخذنا أسعار العقارات كمعيار لتقييم جودة الحياة، فإن أسعار العقارات في العاصمة الجديدة والمناطق المحيطة بها تلقت تقديرات مرتفعة خلال الفترة الأخيرة تعكس اهتمام الدولة بها.

اربح مع العاصمة الجديدة

المحاور التي تزعج سكان الأحياء القديمة في شرق القاهرة، هي الشرايين التي تضخ الحياة في العاصمة الجديدة، التي ضخت فيها الدولة مليارات من استثمارات البنية الأساسية، ويستهدف غالبية مطوريها جمهورًا من سكان الطبقة الوسطى العليا.

ينعكس هذا الاهتمام السياسي على سعر المتر في عقارات هذا المجتمع الوليد الذي كان مجرد مساحة صحراوية معزولة عن الحياة منذ خمس سنوات فحسب.

بحسب البيانات التي يرصدها عقار ماب عن متوسط سعر المتر في الوقت الراهن، فإن متوسطات الأسعار في الوحدات السكنية بالعاصمة الجديدة أصبحت تتجاوز أسعار الوحدات في مدينة نصر ومصر الجديدة، حيث يقدر متوسط سعر المتر للشقة بالعاصمة 12.200 جنيه، ومتوسط سعر المتر للفيلا 21.100، بينما يقتصر متوسط المتر في مدينة نصر على 7450 جنيه للشقق، و 12.800 للفيلّات، وفي مصر الجديدة يبلغ متوسط المتر 8300 للشقق، و13.350 للفيلّات.

"لاشك أن تيسير المواصلات إلى العاصمة الجديدة ساهم في زيادة سعر المتر بالعاصمة، فبحسب استطلاع رأي قمنا بإعداده في 2020، فإن 35% من راغبي شراء الوحدات السكنية من الطبقى الوسطى فإن المواصلات تأتي على رأس اهتماماتهم عند اتخاذ قرار الشراء" كما يضيف عبد الفتاح.

ونالت مجتمعات قريبة من العاصمة شيئًا من حظ هذه المدينة الوليدة، والمثال الأبرز على ذلك مدينة الشروق، التي تبتعد عن العاصمة الجديدة بثلاثين دقيقة فقط، ويصل متوسط سعر متر الوحدة السكنية إلى 7250 جنيه، ومتر الفيلا يبدأ من 17 ألف جنيه، بحسب بيانات عقار ماب.

ويستهدف كثيرون من الطبقات الأقل دخلًا الانتقال للسكن في المدن القريبة من العاصمة الجديدة والتي تتيح وحدات بأسعار أقل، مع استثمار الدولة في أعمال نقل العديد من المنشآت الحكومية إلى العاصمة بجانب إنشاء حي ضخم للمال والأعمال، مايعني انتقال جزء كبير من فرص العمل إلى هذه المدينة الجديدة.

وبينما سيجد العاملون في العاصمة الجديدة العديد من البدائل السريعة للوصول إلى أشغالهم، فإن من تتركز أعمالهم وحياتهم في أحياء شرق القاهرة يخوضون رحلات يومية طويلة للتعايش مع التخطيط الجديد لشوارعهم.

وصاحبت عملية تطوير الشوارع في شرق القاهرة إعادة تخطيط المنعطفات، بحيث أصبحت العديد من السيارات تضطر لقطع مسافات أطول للوصول إلى الدوران.

بجانب ذلك، فإن مد المحاور وما تطلبه من بناء العديد من الكباري كان له تأثير سلبي على جودة الحياة في المساكن المجاورة في رأي البعض، "الطرق الجديدة تمثل فائدة عظيمة للانتقال إلى المدن الجديدة، وتساهم في توفير الوقود لمن يذهبون إلى تلك المدن، لكن في المقابل لم تتم مراعاة الجانب البيئي أثناء دراسة هذا المشروع، مما أضر بسكان العقارات المجاورة للكباري، فهم يعانون من التلوث والإزعاج بالإضافة لغياب الخصوصية". كما قال لنا أبو الحسن نصار، خبير عقاري.

ويبقى أن هذه التأثيرات التي رصدناها في أحياء كمصر الجديدة ومدينة نصر، ظهرت خلال العامين الماضيين، بداية لتأثيرات أخرى ستظهر في المستقبل، بحسب شوكت، إذ سيكون لهذه المحاور تأثيرًا على طبيعة الأحياء وعدد كبير من شوارعها، ومع الاتجاه لتحويل الأحياء السكنية ذات الطابع الهادئ إلى مناطق ذات أغراض تجارية، تخدم الطرق السريعة.

هذه القصة من ملف  لمن الطرق اليوم؟


هل يمكن أنسنة الطريق؟

أمنية خليل_  ترتبط الأجندة العمرانية للأعوام 2015-2020 (مدبولي والسيسي) بشكل وثيق بأجندة 2005-2010 (نظيف ومبارك)، ليست أكثر من امتداد لها، المختلف فقط أن بعض الخطط منذ عام 2008 كانت محض خيالات

السادس من أكتوبر: فوق المحور.. تحت المحور

أحمد البرديني_  لأن أكتوبر من المجتمعات القديمة نسبيًا، فإن أحياء مثل الشيخ زايد استفادت بشكل متراكم على مدار وقت طويل من طريق المحور، ما جعلها في الوقت الراهن شديدة الحياة بشكل أشبه بوسط البلد

طريق العاصمة الإدارية مفروش بالكباري

محمد الخولي_  بينما يجد العاملون في العاصمة الجديدة العديد من البدائل السريعة للوصول إلى أشغالهم، فإن من تتركز حياتهم في شرق القاهرة يخوضون رحلات يومية طويلة للتعايش مع التخطيط الجديد لشوارعهم.