تصميم: يوسف أيمن - المنصة

ادفع لنشيِّد الكباري: كارتة الطرق الجديدة تستنزف سكان المدينة

منشور السبت 2 أبريل 2022

قلصت بسمة محمود زيارتها إلى والدتها من أربع مرات، إلى مرة شهريًا، بعدما باتت تكلفة التنقل من حيث تقطن في مدينة الشيخ زايد في السادس من أكتوبر، إلى منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، تفوق طاقتها، إذ يتوجب عليها دفع رسوم عبور "كارتة" ثلاث بوابات تكلفها 80 جنيه ذهابًا وإيابًا.

لا تستطيع بسمة الإجابة عن تساؤل ابنها "لماذا لم نعد نذهب إلى جدتي؟"، فالصغير لا يعي تلك الكلفة، تقول للمنصة "أدفع عشرة جنيهات لعبور بوابات زايد رغم أنني لم استخدم طريق إسكندرية الصحراوي، ثم الكوبري التالي بوابة محور روض الفرج، حيث أدفع عشرة جنيهات، ثم كوبري تحيا مصر 20 جنيهًا".

تقول "كوبري تحيا مصر مساحته 20 كيلومترًا، فإذا كانوا يتعاملون معه كمزار سياحي، يُمكن أن تخصص رسوم لمن يدخل من أجل زيارته أو التصوير به، ولكن المرور منه لا يستغرق خمس دقائق". وتضيف أنها فوجئت في العودة أن إيصالات الدفع لا تعني شيئًا، ولا بد من الدفع مرة أخرى للرجوع.

وبسمة ليست الوحيدة المتضررة من فرض رسوم على الطرق الجديدة، الأمر الذي أضاف أعباءً ماليةً جديدةً على آلاف الأسر والأفراد، في تنقلات اعتيادية، ليست سفرًا أو سياحةً أو حتى لأغراض عمل تدر ربحًا مباشرًا مثل سيارات النقل، وهو ما يصيب الاستراتيجية التي تتحدث عنها الدولة ليلًا نهارًا في إعادة بناء البنية التحتية للدولة، والتخطيط العمراني،  لخدمة المواطن، في مقتل، إذ تعد الكارتة مؤشرًا على أن الدولة تتعامل مع تلك الطرق كـ"مشاريع استثمارية" يدفع ثمنها المواطن، كلما مر عليها. 

بنية تحتية أم مشاريع استثمارية؟

كان قانون الطرق الصادر في العام 1968 يستثني من أحكامه الخاصة بالرسوم، الطرق الموجودة في نطاق القاهرة الكبرى والإسكندرية، لكن في العام 2015 صدر تعديل ينص على أن الطرق المميزة التي توجد لها بدائل يمكن فرض رسوم على المرور منها، بقرار من مجلس الوزراء.

كما ذكر التعديل ذاته "فائض الإيرادات" على أن يتم ترحيله من عام إلى آخر، ما يعطي مؤشرًا إضافيًا على فكر الاستثمار في تلك الطرق لدى الدولة، قبل حتى تدشينها، إذ أنه في العام 2015، لم تكن خريطة الطرق تشهد الاتساع الموجود حاليًا، فقبل التعديل، تحديدًا خلال الفترة من 2014 وحتى 2015 قامت الهيئة العامة للطرق والكباري بإنشاء 14 طريقًا جديدًا بتكلفة 13 مليار جنيه، وهو ما يمثل أقل من 10% من الطرق والكباري التي تم إنشاؤها خلال العام التالي 2016، إذ بلغت 135 كوبريًا بتكلفة 30 مليار جنيه.

استطاعت الحكومة جني تكلفة توسيع وبناء تلك الطرق من خلال رسوم المرور على الكارتات، على سبيل المثال فإن تطوير وتوسيع طريق إسكندرية الصحراوي تكلف ملياري جنيه تقريبًا، وفق موقع شركة "المقاولون العرب"، إحدى منفذي المشروع، وتعبر منه 160 ألف رحلة مرورية يوميًا وفق فيديو معلوماتي للإدارة العامة للمرور، ورسوم المرور منه 10 جنيهات للملاكي، و20 للمركبات الأخرى في الذهاب ومثلهم في الإياب، وبحسبة بسيطة على القيمة الأقل للرسوم (10 جنيهات) لليوم الواحد، تحصل البوابات نحو مليون و600 ألف جنيهًا.

هل تعاقب الحكومة سكان المدن الجديدة؟

تتكرر أزمة بسمة كل يوم مع آلاف من سكان المدن الجديدة، مثل مدن بدر والشروق ومدينتي، ممن باتوا مطالبين بدفع رسوم نتيجة مرورهم على طريق السويس، والذي غيرت الحكومة مكان بواباته في نهاية العام 2019، ليشمل حدود تلك المدن. أحد هؤلاء المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة سامح نجم، الذي يقطن في مدينة بدر، ويُطالب بدفع عشرين جنيهًا ذهابًا وإيابًا، عند قصد عمله. 

لم يستسلم المحامي المتضرر أمام الأمر الواقع، وقرر في العام 2020 رفع دعوى حملت رقم 41980 لسنة 74، أمام الدائرة الأولى في المحكمة الدستورية العليا، أطلعت المنصة على أوراقها، ضد مجلس الوزارء ومحافظ القاهرة بصفتهما، بسبب كارتة طريق السويس، مطالبًا برفقة عدد من السكان بنقلها من حدود مدن بدر، مدينتي، القاهرة الجديدة، هليوبوليس الجديدة بسبب استخدام سكان تلك المدن طريق السويس يوميًا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، صدر حكم برفض الدعوى.

وكانت أزمة طريق السويس بدأت في نهايات العام 2019، وقتها أعلنت الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق (حكومية) أنه سيتم إعادة تعيين رسوم المرور من تلك الكارتة، وفي نفس الوقت تم غلق طريق السويس وتغيير موقع بواباته، وأصبحت على حدود عدد من المدن الجديدة والتي تتبع محافظة القاهرة، ما يجبرهم على دفع رسوم مالية يومية للعبور.

ويصل عدد سكان مدينة الشروق إلى 340 نسمة، بينما مدينة بدر تضم 45 ألف نسمة، أما سكان مدينتي يبلغ تعدادهم 300 ألف نسمة. حين تم تطوير طريق السويس كانت الكارتة تُطبق على سيارات النقل فقط وليس الملاكي، وفقًا للمحامي، وبعد فترة أصبح يُفرض على الملاكي والنقل "فرض كارتة على السيارات الملاكي التي تنتقل داخل المحافظة مُخالف لقانون الطرق العامة، لذلك تطالب الدعوى بوقف التحصيل ونقل الكارتة" يقول المحامي الذي جمع 8 آلاف توكيل من سكان الشروق وبدر، قبل رفع القضية. 

جدل قانوني

استند المحامي قاطن بدر، عند رفعه القضية على أن تلك "الكارتة" موقعها داخل القاهرة، ولذلك لا بد من نقلها خارج حدود المحافظة الإدارية، ولا يجوز فرض رسوم على المواطنين القاطنين بالقرب منها، ويمرون عليها يوميًا بحكم عملهم، أي أنه استند إلى المادة الثانية من قانون الطرق، فيما استند الحكم إلى المادة الثانية في التعديل الذي صدر عام 2015، وهو ما يضعنا أمام جدل قانوني. 

ويرى الخبير القانون والفقيه الدستوري الراحل شوقي السيد في مقال نشره موقع المصري اليوم أن إقرار كارتات الطرق العامة يتصادم مع نصوص قانونية عديدة، لأن الطرق هي ملكية عامة للدولة، كشخص اعتباري مقسم إلى محافظات ووحدات محلية، وأنها مخصصة للمنفعة العامة بغير تمييز وبغير رسوم.

ويقول "إقامة البوابات داخل دائرة محافظة القاهرة أو داخل أي محافظة أخرى، وفرض رسوم على السيارات العابرة بها دون توفر طرق أخرى بديلة، يتصادم مع نصوص القانون والدستور، والذي يضمن حرية التنقل للمواطنين"، لافتًا إلى أن الدستور ضمن حرية التنقل، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وعدم التمييز، والتزام الدولة بتوفير السكن الملائم وإدخال المرافق وأهمها الطرق، وهي كلها نصوص دستورية واجبة الاحترام من قبل الدولة والحكومة.

أدفع كي تعمل

على خلاف بسمة التي تتغرم عشرات الجنيهات لرؤية والدتها، فإن أحمد أبو رية مطالب بدفع عشرات الجنيهات مقابل "سفريات عمل"، لا تقوم شركته بتغطيتها. ويعمل أبو رية مهندسًا استشاريًا، فوجئ أثناء سفره في مأمورية عمل معتادة، قبل دخول محور روض الفرج بكارتة في بدايته، لا بد أن يدفع فيها رسم 20 جنيهًا.

توقع أحمد أن تكون كارتة إضافية وحيدة تابعة لمحور روض الفرج الجديد، إلى جانب كارتة عبور بوابات الإسكندرية المعتادة، إلا أن رحلته من القاهرة إلى الإسكندرية ذهابًا وإيابًا كلفته 80 جنيهًا ثمن رسوم كارتات فقط. وليس ذلك كل ما يتكلفه المهندس في عمله، فبخلاف تلك المأموريات المتباعدة، يتغرم يوميًا كارتة طريق السويس، فهو من سكان مدينتي. 

يقول المهندس الاستشاري للمنصة "هناك مبالغة شديدة في أسعار الكارتات وانتشارها في كل مكان، والرواتب لا تتحمل ذلك خاصة أنه عملي اليومي ولا يتحمل دفع تلك الرسوم للموظفين، إلى جانب إنني انتقل داخل نفس المحافظة، والمسافة ليست بعيدة من منزلي إلى مكان عملي".

حيل لخفض التكلفة 

أمام الأعباء المادية الكبيرة والمتزايدة، بدأ البعض في اللجوء لحيل تخفف عنهم، منهم ابتهال التي تقطن المدينة نفسها مع بسمة، الشيخ زايد، فيما تعمل في القرية الذكية، على بعد 10 دقائق فقط من منزلها، لكنها رغم ذلك مطالبة بدفع الكارتة 20 جنيه ذهابًا وإيابًا، كي تعبر بوابة طريق مصر إسكندرية الصحراوي بسيارتها.

تقول ابتهال للمنصة، في البداية كنت أعمل في منطقة مصر الجديدة، وأدفع 40 جنيهًا رسوم كارتات بين بوابة إسكندرية كي أصل إلى الطريق الصحراوي فقط، ثم محور الضبعة ثم كوبري روض الفرج، ومثلهم في الرجوع. 

تضيف "اﻵن أعمل في القرية الذكية، أترك سيارتي وأستقل مواصلات كي اتجنب دفع كارتة المرور، وسط تكدس وانتظار طويل للمواصلات".

وترى ابتهال أن الطرق والكباري تم إنشاؤها كي تخف الزحام عن المواصلات إلا أن فرض الكارتات والرسوم المتكررة يدفع المواطنين إلى التكدس من جديد على المواصلات، كما أنه يمثل عبئًا ماديًا عليهم "حتى إن كان هؤلاء المواطنون يقطنون في مناطق مثل الشيخ زايد ومدينتي، والمبرر أنهم طبقات غنية، فنحن ندفع من مرتباتنا ضرائب شهرية، يزداد عليهم رسوم الكارتات، فضلًا عن أننا لا ننتقل من محافظة إلى أخرى".

أين البرلمان؟

في مايو/ أيار من العام 2020، تقدم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بمذكرة إيضاحية، يرفض فيها وجود كارتات طرق على حدود المدن داخل المحافظة الواحدة، وفرض رسوم على مواطنيها أثناء ذهابهم للعمل، معتبرًا أن وجود بوابات في وضعها الحالي يشكل "تمييزًا سلبيًا ضد سكان المدن الجديدة الواقعة إداريًا داخل حدود محافظة القاهرة، ويعتبر عبئًا اقتصاديًا على سكان هذه المدن".

وأكد الحزب في مذكرته أن التجوال والطرق داخل العاصمة لا تعتبر طرق سفر يمكن فرض رسوم تحصيل عليها، وما سيتبعه من زيادة بأسعار المواصلات والنقل الجماعي وأسعار السلع بهذه المدن الجديدة مطالبًا بالتحرك والتقدم بطلبات إحاطة.

وحتى الآن، لم يحرك البرلمان ساكنًا. يقول رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي النائب إيهاب منصور، إن البرلمان في انتظار القضية المنظورة في الوقت الحالي دون جديد لحل تلك الأزمة "لا يوجد أي تحركات تمت إلى الآن من قبل البرلمان ومذكرة الرفض لم يتم فيها أي جديد، وننتظر سريان جلسات القضية التي رفعها المواطنون"، رغم أن القضية تم رفضها قبل شهور.

يوضح للمنصة أن الحزب أبدى اعتراضه أكثر من مرة على تلك الكارتات، "في حال وضع أي كارتة على أي طريق لا بد أن يتم مراعاة المواطنين، بحيث لا يتضرر السكان ماديًا من المرور اليومي على تلك الكارتة، والمعروف إنها تُفرض على الطرق السريعة فقط".

يشدد منصور على ضرورة عمل دراسة قبل وضع الكارتات على الطرق، بحيث لا تكن في الكتل السكنية التي يعيش فيها المواطنين، مضيفًا "ليس منطقي أن يدفع المواطن يوميًا كارتة أثناء ذهابه وإيابه من وإلى العمل لكونه يقطن على حدود المدينة".

لا تتعارض الكارتة مع القوانين الحالية بعد تعديلها، بحسب رئيس الهيئة البرلمانية، لكنه يرى في الوقت ذاته أنها تمثل عبئًا زائدًا على المواطنين، فمن يقطن في الهرم ويذهب إلى مدينة 6 أكتوبر لعمله يدفع كارتة بالرغم أن المسافة حوالي 40 كيلو فقط.


اقرأ أيضًا| لمن الطُرق اليوم؟

تصميم: يوسف أيمن - المنصة.

من جانبه، نفى وكيل لجنة المحليات في البرلمان النائب وفيق عزت علمه بوجود شكاوى من قبل المواطنين بخصوص كارتات الطرق، أو وصول الأمر إلى ساحات المحاكم، واكتفى بقوله للمنصة "اللجنة لم يصل لها أي شكاوى بخصوص الأمر ولم نقدم أي طلبات إحاطة عنه ولا نعرف شيئًا".

وأمام جهل البرلمان أو تغاضيه عن هموم المواطن، ستظل بسمة تقلص زيارتها لوالدتها، ولا تجد إجابة لصغيرها، وسط أوضاع من غير المرجح تغيرها، حتى يكبر، ويعاني نفسه كل تلك التكاليف.