عاصم الجزار ونيفين جامع ونائب وزيرة التخطيط وعماد حمودة رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب خلال فعاليات المنتدى

يوميات صحفية برلمانية| نواب الأغلبية يذهبون إلى الغردقة للإشفاق على الحكومة

منشور الأحد 27 مارس 2022

في كتابه الأشهر المستطرف في كل فن مستظرف، يورد بهاء الدين الأبشيهي، مثلًا بليغًا؛ نصه "راحت على جمل وجات على قطة. قال: ما لذي الشيلة إلا ذي الحطة"، كان يستخدمه المصريون من قبيل التهكم من نية أحدهم قضاء غرض ما، وحشد جهود كبيرة لأجله دون أن يدرك شيئًا في النهاية، وهو المثل الذي تحور مع الأيام إلى "يادي الشيلة يادي الحطة رحت على جمل وجيت على قطة"، ويصلح الآن لاستخدامه إذا أردتُ وصف المنتدى البرلماني الثاني الذي نظمه حزب مستقبل وطن في الغردقة منذ أيام.

في 20 مارس/آذار الجاري، اختتم المنتدى أعماله بعد أربعة أيام من الجلسات التي انتهت إلى لاشيء تقريبًا، فلم يخرج بأية توصيات، أو يتطرق لأي من الأسئلة الكثيرة التي تشغل المواطنين.

اختار حزب الأغلبية في مجلس النواب الغردقة بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي أرخت بظلالها على معدلات السياحة في الغردقة، بعد تراجع الأعداد الوافد من مواطني الدولتين الذين يمثلون الكتلة السياحية الأكبر هناك.

جمع مستقبل وطن خلال المنتدى الهيئات البرلمانية للأحزاب التي يمكن تصنيفها بـ"الموالية"، وشارك في جلساته أعضاء من حماة الوطن والشعب الجمهوري ومصر الحديثة وحزب الحرية المصري وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، التي مثلها وفد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وعلى مدار أربعة أيام، انتظرتُ كأحد المدعوين للحضور من الصحفيين، الخروج بإجابات للكثير من الأسئلة التي تشغل المواطنين، خاصة بعد الحرب التي لا نعرف مداها، وتأثر الوضع الاقتصادي بها، انتظرت سماع اقتراحات وتوصيات، أو نقاشات عميقة، بين ممثلي الحكومة والبرلمانيين الحاضرين. لكن انتهت الندوات بلا أي توصيات أو مخرجات تذكر، إلا من تقديم شباب التنسيقية درع لتكريم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، النائب أشرف رشاد.

حكومة غائبة

غاب عن التمثيل الحكومي عناصر مؤثرة، كنتُ أتصور ضرورة وجودها لبحث الأزمة "المفترض" مناقشتها، حيث غاب، مثلًا وزير المالية محمد معيط، ووزيرة التخطيط هالة السعيد، رغم إدراج اسمهيما في الجدول الرسمي، وأوفد كل منهما نائبه لإلقاء كلمة، فيما غاب وزير التموين علي المصيلحي، صاحب الملف الأهم، ولم يحضر إلا وزير الزراعة سيد القصير، ليكون الوزير الوحيد الذي يمثل ملفًا ملحًا يخص توفير القمح، الذي تأثر توريده بعد تحارب المصدرين الأساسين للحصول عليه من الخارج، ووزيرا الصناعة والإسكان اللذان انشغلا باستعراض إنجازات الدولة.

وبدلًا من استعراض التحديات وبحثها، تحولت جلسات المنتدى لساحة عرض خلالها ممثلو الحكومة ما يعتبرونه إنجازات في ملفات الاقتصاد والزراعة والصناعة والإسكان، وكذلك النواب وممثلي الهيئات البرلمانية المشاركة، الذين كرروا إشادتهم بقدرة النظام المصري على مقاومة الإرهاب، وإنجاز مشروعات الجمهورية الجديدة.

لا تضييع للوقت.. ولنتحدث عن الإنجازات

لم ينتظر القائمون على المنتدى الحاضرون ليبيتوا ليلتهم الأولى بعد رحلة من العاصمة لمحافظة البحر الأحمر، وإنما بدأت أعماله مساء يوم الوصول للغردقة، بندوة شارك فيها وزير الدولة للمجالس النيابية، المستشار علاء فؤاد، بعنوان آليات وأوجه التعاون بين الحكومة وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وهي جلسة لا ترتبط بقضايا جماهيرية بشكل مباشر، قدر ارتباطها بالعلاقة الديناميكية بين الحكومة والبرلمان.

تحدث فؤاد عن مشروعات القوانين التي مررها مجلس النواب مؤخرًا، التي بلغت نحو 45 مشروع قانون، من بين أكثر من مائة مشروع قدمته الحكومة، تتنوع بين اتفاقيات وقرارات ومشروعات قوانين موضوعية. أما مجلس الشيوخ فأشار فؤاد إلى أنه نظر خلال دور الانعقاد الحالي الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أربع مشروعات قوانين.

وبشأن الدور الرقابي لمجلس النواب، أوضح الوزير أن النواب وجههوا 1589 طلب إحاطة و314 سؤال و248 اقتراح برغبة، للحكومة. وكشف فؤاد عن خطة لرقمنة العلاقة بين الحكومة والنواب، يبدأ تفعيلها مع الانتقال للعاصمة الإدارية، لتصبح مدينة "بلا أوراق"، من خلال إنشاء تطبيق يتعامل به النواب مع الحكومة في تقديم طلباتهم للوزراء ومتابعة الطلب وما انتهى إليه.


اقرأ أيضًا| حرب أوكرانيا: لأن الخبز لا يُصنع من الفراولة

 

خبز بلدي. برخصة المشاع الإبداعي: sarahhsia- فليكر

.. ثم نشفق على وزارة المالية

في اليوم الثاني، حين اعتذر وزير المالية محمد معيط عن الحضور، وأوفد نائبه أحمد كجوك، فيما حضر وزير الزراعة، السيد القصير.

قال كجوك في كلمته في جلسة بعنوان التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة التحديات الحالية، إن الدولة تضع حوافز لجذب الإنتاج المحلي من القمح لمواجهة فكرة التوسع في الاستيراد لضمان أكبر قدر من الإنتاج، وتحقيق إتاحة فورية بسهولة ويسر.

ولفت إلى أن مشروع الموازنة الجديدة يتم إعداده في ظروف شديدة التعقيد، مشيرًا إلى التحديات التي يواجهها العالم من مشكلات في سلاسل الإمداد والأوضاع العالمية الجديدة التي تأثرت بأزمات متتالية بدءً من وباء كورونا، وحتى الأزمة الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار لم نشهده منذ 2008.

تطرق كجوك للحديث عن مشروع الموازنة للعام المالي 2022/2023، الذي قال إن الحكومة تعده في ظروف "شديدة التعقيد"، موضحًا أن الموازنة الجديدة هي الأكبر في تاريخ مصر.

لم يواجه النواب كجوك بأسئلة عميقة أو يشتبكوا مع السياسات المالية، فيما اكتفى النائب أحمد سمير، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، بتعليق عام قال فيه "لأول مرة مشفق على وزارة المالية خلال إعداد الموازنة".

أما رئيس لجنة الخطة والموازنة، النائب فخري الفقي، فتحدث عن الأزمة العالمية، وقال "إننا نعيش في عصر الأزمات"، مشيرًا إلى أزمة جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية على أوكرانيا. واعتبر أن "الجمهورية الجديدة تتمتع باقتصاد أكثر مرونة بحيث يتعافى بشكل سريع حينما يمر بأزمات بشكل أكثر ديناميكية".

سؤال وحيد هام ومحدد، وجهه وكيل لجنة الخطة والموازنة، مصطفى سالم، لنائب وزير المالية، تحدث خلاله عن التغيرات المالية والاقتصادية التي استجدت خلال الشهر الأخير، لافتًا إلى أن مشروع الموازنة بدأ إعداده منذ عدة أشهر، وتساءل عن كيفية التعامل معه في ظل التغيرات الأخيرة، لكن كجوك أجاب على سؤال النائب الذي طرحه قبل أيام قليلة من ارتفاع سعر الدولار، مؤكدًا "راعينا بقدر الإمكان التداعيات الأخيرة وأعددنا اجتماعات هامة مع عدد من الوزرات وأولها البترول، ومهما أخذنا من حيطة وحذر فإننا لا نعلم مدى وأثر هذه الحرب على الوضع المالي والاقتصادي بمعظم دول العالم ومنها بالطبع مصر".

ملف حيوي ونقاش باهت

وزير الزراعة، السيد القصير، مسؤول عن أحد أهم الملفات الحيوية سواء بعد الحرب على أوكرانيا، أو حتى قبلها، فالسياسات الزراعية تتبدل وتتغير مع إجراءات التكيف مع سد النهضة، والتغيرات المناخية.

وتزداد أهمية قطاع الزراعة بعد الحرب على أوكرانيا، حيث تستورد مصر كمية تصل إلى 13 مليون طن قمح سنويًا، وتعتمد على روسيا وأوكرانيا كمصدر أساس لهذه السلعة الاستراتيجية.

لكن خلال المنتدى، كرر القصير تصريحاته السابقة، التي قال فيها إن الدولة لديها مخزون استراتيجي من محصول القمح يكفي لمدة 4 شهور، وأن الوزارة تسعى لتقليل الفجوة فى السلع الاستراتيجية من خلال مشروعات التوسع الرأسي والأفقي وتفعيل الزراعات التعاقدية، وزيادة الصادرات وزيادة الفائض من المحصايل الزراعية ضمن رؤية التنمية الزراعية المستدامة.

لم يناقش النواب الوزير في السياسات التفصيلية التي تحقق تلك الأهداف، أو في طريقة تشجيع المزارعين، أو دعمهم للاتجاه لزراعات استراتيجية، وكانت معظم التعليقات تدور حول "مشاكل فرعية في الدوائر تتعلق بالحصول على الأسمدة من الجمعيات الزراعية"، وهي مشكلات تتفاوت من محافظة لأخرى نتيجة أداء الموظفين، لكن خلت النقاشات من السياسة.

ختامه: إنجازات

في الجلسة الثالثة والأخيرة من المنتدى، تحدث وزير الإسكان، عاصم الجزار عن إنجازات الدولة في العاصمة، وكرر تصريحاته السابقة التي يوضح فيها أن الدولة لا تهمل العاصمة الحالية، مشيرًا إلى مشروعات تطوير ماسبيرو ومجري العيون، ومؤكدًا أن الدولة تعتبر إنشاء العاصمة الإدارية الخطوة الأولى لتنمية سيناء من خلال تنمية طريق السويس والانتقال نحو الشرق، وبدء زحف العمران والتنمية ولسيناء.

وبالطبع كانت مبادرة حياة كريمة حاضرة في حديث الجزار، الذي أشار المشروعات التي بدأت لتنمية القرى وتطويرها في الريف والصعيد.

أما وزيرة الصناعة والتجارة نيفين جامع، فتحدثت عن حصيلة التصدير التي وصلت إلى 32.4 مليار دولار، وقالت "لدينا خطة لوصول معدلات التصدير لـ 100 مليار دولار"، وأوضحت أن بعض القرارات الخاصة بحظر تصدير بعض السلع يستهدف الحفاظ على السلع الاستراتيجية والاستفادة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحقيق المصلحة العليا للدولة، مشيرة إلى القرار الذي اتخذته الوزارة في مارس الجاري، بحظر تصدير عدد من السلع تضمنت الفول والعدس والمكرونة والقمح والدقيق بجميع أنواعه.

فضفضة عن الصمت

 

أشرف رشاد زعيم الأغلبية والمستشار علاء فؤاد وزير شؤون المجالس النيابية

رغم صمت النواب في الندوات الرسمية، لكن أزمة ارتفاع الأسعار كانت حاضرة في النقاشات الجانبية والدردشة الودية. يبدو أن الجميع مدرك للأزمة الاقتصادية التي يعانيها المواطنون، غير أن الصمت في الندوات الرسمية كان ملاذا أفضل للاحتماء من التعرض للمساءلة والتوبيخ.

في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه كثير من المواطنين، يكتفي النواب بتقديم الدعم العيني لأهالي دوائرهم، وتتفاوت مشاركتهم وفقًا لقدراتهم المالية ومدة اهتمامهم بتقديم هذه الخدمات. تتحدث نائبة عن مقاطع فيديو متداولة لمواطنين يشكون ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على إطعام أطفالهم، بينما تكتفي في إجابتها على سؤال "ما الحل؟"، بتوضيح تقديمها دعم مادي في موسم دخول المدارس، وموسم رمضان والأعياد.

الأسلوب نفسه يتبناه معظم النواب، الذين عادوا من المنتدى للمشاركة في معارض تقيمها الأحزاب في الأحياء والمراكز بالمحافظات المختلفة لتقديم سلع غذائية، بأسعار مخفضة. يؤكد نائب أن هذه الإجراءات قادرة على امتصاص القلق في الشارع في هذه اللحظة.

لا يعول ذلك النائب كثيرًا على سياسات جديدة تحد من الأزمة الاقتصادية، ولكنه يقول "ونحن على أعتاب شهر رمضان سيكون في دور كبير للجمعيات والمؤسسات والمجتمع المدني كله يجب أن يشارك، الأحزاب ليس دورها فقط العمل السياسي، نحن أيضًا نقوم بدور اجتماعي".

نائب آخر يؤكد أن الموازنة العامة الجديدة، وقرارات رفع الحد الأدنى للأجور ستمتص حالة الغضب، يتحدث عن زيادة في بند الأجور تقدر بنحو 40 مليار جنيه، كما يعول على دخول الآلاف من المواطنين في برنامج تكافل وكرامة للحصول على الدعم المادي.

لماذا المنتدى؟

انتهت أيام المنتدى، ولم تصدر أي توصيات أو مخرجات أو مقترحات أو تتشكل لجان لبحث ودراسة بعض المشكلات، رغم إصدار الحزب بيان ختامي، أكد فيه العمل على تنفيذ المخرجات.

 حاولت البحث عن إجابة لسؤالي "لماذا هذا المنتدى؟"، فجاءتني الإجابة من مصادر مختلفة تتلخص في التقارب بين الهيئات البرلمانية للكتل السياسية المختلفة من مجلسي النواب والشيوخ؛ قال أحد أعضاء مجلس الشيوخ "هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها أعضاء من مجلس النواب والشيوخ معًا"، يعتبر أن اجتماعات الهيئات البرلمانية للأحزاب غير كافية.

أما بشأن المضمون والمحتوى الخالي من نتائج تنعكس على المواطن وجودة حياته، فقال نائب "هذه المناقشات مكانها اللجان النوعية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ وليس مكانها المنتدى".

إجابة أخرى أكدتها مصادر مختلفة "الهدف الأساسي العمل المشترك بين الأحزاب والكتل السياسية في البرلمان"، وبشأن عدم تمثيل أعضاء الهيئات البرلمانية لأحزاب أخرى مثل المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والنور، قال نائب "هذه الأحزاب بعيدة عن توجهات الأحزاب الحاضرة في المنتدى ولا يمكن لحزب الأغلبية العمل معها".

الأمر نفسه أكده مصدر في الحزب المصري الديمقراطي "مستقبل وطن لم يوجه لنا الدعوة، وغير منطقي توجيهها لنا، نحن كنا في تحالف انتخابي في القائمة وانتهى التحالف بانتهاء الانتخابات، والطبيعي أن يجمع حزب مستقبل وطن أحزاب الموالاة ويستبعد المعارضة".

بعد أربعة أيام من الاستماع المتواصل للكلام الخالي من الأسئلة الصحيحة، عدتُ إلى القاهرة تطن في رأسي علامات استفهام عن المستقبل. كيف غاب الاشتباك مع هموم المواطن بشكل حقيقي بعيدًا عن البيانات والدعاية، اشتباك على الأقل في المساحات الآمنة التي أعتقد أنها لا تهدم نظام ولا تجعل الدولة خصمًا، ولكنها قد تؤدي للوصول لسبل تحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية، لم يتطرق النواب على الأقل لمستقبل السياحة في المدينة المضيفة التي تعتمد على أوكرانيا وروسيا، لم يتحدث أحد عن أسواق سياحية جديدة.

بعد أربعة أيام عدت إلى القاهرة معهم، على قطة.