خلال إحدى الندوات حول الرواية - المصدر: مكتبة البلد (فيسبوك)

الآن تأمن الملائكة: شخصيات محبوكة وبطل دون اسم

منشور الثلاثاء 3 مايو 2022

"الأمر كله بيد الله.. إلا أن بعضًا منه بيد الإسكندر أيضًا" بتلك العبارة القوية افتتح الكاتب محمد عبد الله سامي روايته الآن تأمن الملائكة. افتتاحية تشبه كاتبها الذي عودنا من خلال عمليه الأدبيين السابقين درب الإمبابي ونابليون والقرد، على هذا العبارات الصادمة. 

تحكي الرواية عن بطل يؤدي خدمته العسكرية في محافظة المنيا، وتتداخل قصته وتطوره مع عدة شخصيات يلتقي بهم خلال خدمته، كما تحضر الرواية التاريخية بقوة في الخلفية، وتساهم في تطور الأحداث الحالية عبر التغيرات التي تطرأ على البطل. أما الإسكندر والذي بدأ الكاتب روايته والبطل يطلق عبارته الصادمة عنه، فهو الصول المسؤول عن بعض العساكر في الجيش من بينهم البطل نفسه، وهو شخص حاد جدًا في تعامله، يخشاه العساكر، لا يسري شيء إلا بأمر منه".

والافتتاحية اللافتة للرواية أمر ذو حدين، فرغم أنها تجذب القارئ، قد تصبح نقطة ضعف إذا لم يتعدَّ دورها الصدمة، أو فقدت توظيفها الملائم في النص، لكن الكاتب نجح في اجتياز ذلك، وعنها يقول في حواره مع المنصة "أنا مُغرم بالافتتاحيات التي تُعيدنا لعالم الرواية، وكان هدفي من هذه العبارة الصادمة توضيح قوة الإسكندر، كما أن الجملة جاءت على لسان شخصية لا تفهم مدى فداحة العبارة، لكنها تخبرنا بتصورها الشخصي عن الإسكندر، وقناعته بأنه يتحكم في عالمه لدرجة كبيرة". 

شخصيات تاريخية وأساطير

يستدعي الكاتب في روايته أحداثًا تعود إلى الفراعنة، ومثَّل ذلك الاستدعاء للحكايات والأساطير والخرافات، سمة من سمات الكاتب عبد الله سامي، فهو لديه شخصية روائية ظهرت من خلال أعماله الأدبية الثلاث التي قدمها إلى الآن، دون أن تؤثر تلك الحكايات على ترابط قصته ولا تشعرك كقارئ بأي إقحام لمعلومة أو حدث، حيث يُضفر الأسطورة أو الخرافة مع خياله الخاص ككاتب فتخرج حكاية منضبطة وممتعة.

ويرد سامي تلك التوظيفات إلى "الصدفة"، قائلًا "خدمتني الصدفة كثيرًا في أن تكون الفكرة المُحركة للحدث الكبير في عملي الأدبي تعتمد على خرافة أو حكاية تاريخية أو من القصص الشعبي، وليس مهمًا بالنسبة لي أن تكون القصة حقيقية أو لا، لكن المهم ما وراء القصة، هذا ما يجعلني أقدم فكرة أعمق من مجرد كونها قصة مسلية، فتُطرح معلومة تجعل الناس تتأمل وتتفكر أكثر".

 

وفي روايته الأخيرة الآن تأمن الملائكة الصادرة عن دار المحروسة، تحل الأحلام كرابط بين العالم الحقيقي وما يرغب الكاتب في أن يقوله، حيث استطاع سامي أن يمزج الأحلام بالواقع، فكانت الأحلام وسيلة من الوسائل التي أعطاها الكاتب للبطل للتعبير عن نفسه، وسارت جنبًا إلى جنب مع الحكاية التاريخية الخاصة بزواج إخناتون من نفرتيتي.

يعلق الكاتب "اكتشفت سيطرة هذا النوع من القصص عليَّ، فحاولت استخدامه كي يعطي للقصة صبغة ساحرة أو صبغة أسطورية مسلية بصورة ما، وأول قصة قرأتها عن إخناتون كانت قصة العائش في الحقيقة لنجيب محفوظ، وجدت فيها تفاصيل واضحة عما حدث، لكن بعدها قرأت قصص أخرى تتحدث عن الأمر بشكل مختلف، وأزعم أن اللغط عندما يحدث حيال قصة ما ربما يكون أمرًا مزعجًا بالنسبة لباحث، لكن بالنسبة لكاتب يصبح أكثر إمتاعًا، فتضارب الحكايات يمكنني من تقديم شيء مختلف دون أن أقول أن لدي معلومة جديدة عن الأمر لأن هذا ليس حقيقي".

أما أكثر السمات وضوحًا وجمالًا في الآن تأمن الملائكة هي التأسيس الجيد للأحداث والشخصيات وكذلك المشاعر.

إبحار الشخصيات في مياه راويها

راوي الحكاية وشخصيتها الرئيسية بطل دون اسم، نعم لم يذكر الكاتب اسمه قط، وعندما كانت تسنح الفرصة لمناداة البطل باسمه كان الكاتب يتدخل، ويستبدل باسمه إما نقاطًا تؤكد إنه يقصد ذلك، أو لقبًا ما؛ فكان زميله عابد يناديه "ابن عمي"، وزميله سبيط "عم الناس"، ووالده "البطل"، لكنه في النهاية ظل شخصًا مجهول الاسم.

وهذا البطل الذي ينتمي إلى محافظة بني سويف، ويقضي مدة خدمته العسكرية في المنيا، أخذ الكاتب يستعرض شخصيته، وما يطرأ عليها من تغيرات على مدار ثلاثة فصول من خلال حكيه عن نفسه تارة، ومن خلال أحلامه تارة أخرى، وما يقع من أحداث مع زملاء الخدمة مرة ثالثة، والذين يتقاسمون معه البطولة بقوة.

ويبرر  سامي غياب اسم البطل قائلًا "عندما بدأت في كتابة الرواية لم تكن هناك سمات للبطل ترسم شخصيته، وتوضح طباعه وردود فعله على ما يجري من حوله، كما أني لدي جزء داخلي يميل لهذا النوع من الشخصيات التي ليست لديها شغف تجاه شيء، فهو شخص عادي جدًا ليس لديه شيء يوصف شخصيته، ففضلت البدء في القصة والبطل صفحة بيضاء تتضح شخصيته شيئًا فشيء مع الأحداث".

ويضيف "أول شخصية قابلها البطل عابد زميله في حراسة بوابة معبد التل، والذي جعله يكتسب أمورًا كان يفتقدها، ثم قابل زميله الثاني سبيط، الذي مثل بالنسبة إليه خبرة الأصدقاء بما تحمله من شجاعة وجرأة فشكل بداخله أشياء أخرى، ثم قابل الشخصية الثالثة والأخيرة البكري، فكانت التحدي الأكبر له حيث تحدى كل شيء تشكل بداخله واكتسبه من الشخصين الآخرين، إلى أن وصل للحظة صنع هو فيها الحدث بعد أن كان رد فعل طوال أحداث الرواية".

تتداخل الرواية بين الحدث التاريخي وحكايات الشخصيات التي يعتلي اسم كل منهم فصل من الفصول، فيصبح فيه هو البطل، وإلى جانبه يقف البطل الرئيسي وراويها، وكأنه بوابة العبور من حكاية بطل لآخر، بوابة لها حضور قوي، والسؤال هنا أين كانت نقطة انطلاق الرواية من بين هؤلاء الأبطال وذاك الحدث؟

يجيب الكاتب أنه عادة لا توجد لديه نقطة انطلاق لكنه ينتظر تكون الفكرة الرئيسية للرواية ثم يبني حولها بعض الخطوط العريضة، وبعدها يبدأ الكتابة، لكن في روايته الأخيرة تحديدًا "كان منطلق القصة الحادث الأخير في الرواية الذي يصنعه البطل، تلاها قصة إخناتون كملك فرعوني".

ويضيف "سألني أحد القراء ما الرابط بين قصة إخناتون وقصة البطل؟ لكني لم أجبه حتى أترك الباب مفتوحًا أمام تأويلات أخرى رغم وجود إجابة لدي وهي أن ما قرأته عن إخناتون يقول إنه كان شخصًا بلا هوية واضحة إلى أن أتت اللحظة التي تزوج فيها من نفرتيتي وأصبح الملك فأخذت تظهر له شخصية تمامًا مثل البطل لم يكن لديه شخصية واضحة حتى وصلنا إلى الحادثة الأخيرة التي غيرته لذا كانت نقطة انطلاقي هذه الحادثة".

أعطانا الكاتب على لسان البطل أوصافًا لشخصياته بقدر ما تستدعي الحالة والموقف، دون زيادة أو نقصان، كذلك منحتنا أوصافه للنساء في الرواية صورة عما في نفس البطل تجاه كل سيدة يوصفها، فهذه السيدة جميلة الجمال الذي أثار غرائزه أم هذه فجمالها أثار قلبه، أما تلك فهيئتها تركت أثرًا للارتياح في نفسه، فلا تُثير أوصافه حفيظة القارئ. وبدت الشخصيات كأنها تُكتب وتُجهز لتحيا على الشاشة، وليس فقط لتوضع على الورق.

ثراء في اللكنات

وبخصوص اللغة، دمج الكاتب بين العامية والفصحى، ووضع حوارات العامية مناسبة لثقافة كل شخصية، ما انعكس في التنويع بين اللكنات المصرية؛ فزميله عابد يتحدث بلسان نوبي، وزميله سبيط يتحدث بلكنة شرقاوية أصيلة، أما البكري فلسانه خليط بين اللهجة السوهاجية لمسقط رأسه، وبين اللهجة السكندرية للمدينة التي يعيش فيها الآن، مما أضاف طابع خاص لكل شخصية.

 ويشرح الكاتب سبب تفضيله للدمج بين العامية والفصحى "الحكاية والأسلوب هما أمران لا يمكنني فصلهما عن بعضهما البعض، وحينما تأتيني فكرة تأتي بأصواتها وطريقة حكيها، فلو جائتني حكاية ورأيت أن حوارها لابد أن يُكتب بالعامية وبدلًا من هذا كتبته بالفصحى لن أشعر أني تمكنت من إيصال فكرتي كما وغزتني، فمثلًا الحوار بين الشخصيات في قصة نابليون والقرد يدور في عصر المماليك ومن المنطقي أن يكون بالعربية الفصحى أما حوار بين اثنين أصدقاء في الجيش من المنطقي أن يكون بالعامية، فالفكرة عبارة عن إحساس وصورة وحوار لابد أن تصل للقارئ كما راودتني".

وإلى جانب الثراء اللغوي، ثمة ثراء جغرافي أيضًا، فبطل الحكاية من بني سويف ويقضي مدة خدمته في المنيا، وحضرت بعض المحافظات الأخرى التي سافر إليها البطل ومنها القاهرة.

حكاوي الجيش.. خبرة منقولة

 أجاد الكاتب في نقل الحالة النفسية لبطله في الرواية، وتحديدًا خلال الحدث الذي تدور فيه، وقت تأديته الخدمة العسكرية، واللافت أن سامي نفسه لم يختبر تلك اللحظات بنفسه، فهو لم يلتحق بالجيش من الأساس قائلًا للمنصة "الحكايات عن الجيش دائمًا موجودة في حياتنا، بدايةً من أصدقائنا الأكبر سنًا الذين التحقوا بالجيش وحكوا لنا، وحكايات الآباء، وكل حكاية سمعتها وعلقت معي كنت أسجلها حتى من قبل البدء في هذه الرواية، ودون أن أعلم في أي شيء سوف استخدمها فيما بعد، وبعد أن شرعت في كتابة الرواية كنت أركز أكثر في أي حكاية تخص الجيش، وفي النهاية جلست مع اثنين من أصدقائي التحقوا بالجيش ساعدتني معلوماتهما في كتابة الروتين اليومي الخاص بالعساكر".

وبالمثل، أجاد الكاتب في نقل المشاعر داخل الرواية، وثرائها، فكل شخص مر في الرواية يرتبط به البطل بمشاعر مختلفة، بدءً من والده الذي تركه وذهب ليعيش في محافظة أخرى فلم يره طيلة 10 سنوات، وكنا فقط نعرفه من بعض المشاهد القديمة التي حكاها لنا، من هذه المشاهد تكونت صورة عن علاقة بين ابن وأبيه تنبئ عن وحشة ولهفة وافتقاد، فتراكمت هذه المشاعر لتظهر في أول لقاء بينهما بعد فترة ابتعاد فكان من أكثر المشاهد صدقًا في الرواية. 

ثم تظهر مشاعر التعاطف والرعاية من خلال شخصية عابد (صديق البطل) والذي يبدو في الفصل الأول أنه البطل، وعن تلك الشخصية يقول سامي "عابد بالنسبة لي هو الشخص الذي يقال عليه صاحب صاحبه، يتحمل المسؤولية، استطاع أن يحتوي البطل، وأن يعطي له دون أن يدري جزء من الأمان الذي يفتقده، لذا أحببت عابد أكثر من الشخصيات الأخرى، لأنه رسم للبطل نقطة ارتكاز ينطلق منها فقلل من حالة التيه الذي كان يعيش فيها".

صدمة النهاية 

بعد التسلسل الممتع في الرواية، تأتي النهاية لتضيف صدمة جديدة إلى جانب صدمة البداية، إذ تشعر أنها جاءت فجأة، لكن هذا الأسلوب كان مقصودًا عند الكاتب، يقول  "بوجه عام تخضع النهاية في العمل الأدبي لآراء مختلفة، مثل أن أقرر أن تكون النهاية في اللحظة التي تلي كشف الكثير من الأمور، فتكون لحظة النهاية بالقوة التي لا أضمن أن أصل لها ثانية إذا واصلت الكتابة".

يتابع "أفضل النهاية التي تجعل القارئ يشعر أن كل المعلومات قد وصلته، وتكونت لديه مشاعر كثيرة تجاه الحكاية، وفي الآن تأمن الملائكة، هذه النهاية جعلتني أكسب شيء مهم وهو أن القارئ يشعر أن كل المعلومات وصلته مع حضور بعض الغموض بخصوص قصة إخناتون ونفرتيتي، وتساؤلات إنسانية لا توجد لدي إجابة لها، ولو كنت قررت أن استكمل الحكي بخصوصها ربما يخونني الوصف أو التعبير عنها، وأخسر نهايتي القوية". 


اقرأ أيضًا| جود ريدز: الكاتب قارئًا.. والقارئ ناقدًا

 


وبغض النظر عن الاختلاف حول النهاية، فإن الرواية بوجه عام تضيف إلى رصيد الكاتب الأدبي، والذي سبق وحاز في العام 2019 على المركز الثاني بجائزة ساويرس الثقافية فرع شباب الأدباء عن روايته درب الإمبابي، كما رُشحت للقائمة الطويلة للرواية بجائزة الشيخ زايد للكتاب في العام نفسه، كذلك حصلت مجموعته القصصية نابليون والقرد عمله الأدبي الثاني على المركز الثاني لأفضل مجموعة قصصية بجائزة ساويرس الثقافية فرع شباب الأدباء 2021.