صفحته على فيسبوك
أيمن هدهود

أيمن هدهود: رحلة البحث عن "ميت"

منشور الأحد 10 أبريل 2022

تناول أيمن وجبة العشاء مع شقيقه عمر مساء السبت 5 فبراير/ شباط 2022، وبعدها رحل متجهًا كعادته إلى منزله في مصر الجديدة. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي يراه فيها عمر، وكانت بداية رحلة طويلة من البحث انتهت بعبارة "أخوك مات تعالى استلم جثته".

بعد مرور 63 يومًا كاملة، تلقت أسرة الباحث والخبير الاقتصادي أيمن هدهود اتصالًا في 9 أبريل/ نيسان 2022 من أحد ضباط قسم شرطة مدينة نصر ثان يخبرهم أن أيمن توفي منذ عدة أيام، كانت الشرطة خلالها تحاول العثور على أسرته لتتسلم جثته من مستشفى العباسية للأمراض النفسية، وما بين تاريخ الاختفاء وتاريخ إعلامهم بالوفاة عدة روايات ومحاولات للبحث، رواها للمنصة شقيقه عمر هدهود، ومصدر مقرب من أسرته.

فيما نفت وزارة الداخلية تلك الرواية، وقالت إن هدهود لم يختف قسريًا، ولكنه ألقي القبض عليه إثر بلاغ بتاريخ 6 فبراير 2022 من حارس أحد العقارات بمنطقة الزمالك بالقاهرة، "بتواجد المذكور داخل العقار ومحاولته كسر باب إحدى الشقق وإتيانه بتصرفات غير مسؤولة.. وقد تم إتخاذ الإجراءات القانونية فى حينه وإيداعه بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة".

تخرج أيمن البالغ من العمر 42 سنة في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية، ثم حصل على ماجستير إدارة الأعمال من نفس الجامعة، وعمل ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في محاربة الفساد والرشوة، وحتى وفاته كان يعمل مراقبًا ماليًا في الجامعة الأمريكية.

"كان أيمن ليبرالي الفكر، مما دفعه للانضمام لحزب الإصلاح والتنمية برئاسة البرلماني السابق والعضو الحالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات، ليصبح أيمن واحدًا من مؤسسي الحزب. قرر خوض انتخابات البرلمان في 2010 بدائرة الزيتون أمام زكريا عزمي وخسر، واستمر في الحزب ليصبح واحدًا من الباحثين الذي أعدوا الأوراق والتقارير الخاصة بالقضية التي أثيرت عام 2017، بشأن قيام رئيس مجلس النواب علي عبد العال حينها، بشراء 3 سيارات بمبلغ يقدر بنحو 18 مليون جنيه، وهي القضية التي تسببت في الإطاحة بمحمد أنور السادات من المجلس"، وفقًا لمصدر مقرّب من أسرته.

"تمسُّك أيمن بالتغيير والإصلاح هو ما جمعه وقربه من السادات، طلب أيمن منه الترشح لانتخابات البرلمان الماضية، ولكن خلت قائمة مرشحي الحزب من اسمه، من هنا تخلى عن الحزب وأصيب بالإحباط، لأنه رأى عدم ترشيح الحزب له تخليًا عنه"، وفقًا لما ذكره المصدر للمنصة.

يقول شقيقه عمر إن أيمن كان مثل غيره الذين ينشرون آرائهم السياسية على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، تارة يدلي بآرائه حول الأوضاع الاقتصادية التي هي مجال دراسته واهتمامه، وأخرى يعلق على الأوضاع بشكل عام، ومثل الكثيرين أيضًا، كان مصابا بحالة من الإحباط بسبب ارتفاع الأسعار.

بعد وجبة العشاء الأخير التي جمعت الشقيقين، خرج أيمن للذهاب لشقته التي يسكن بها بمفرده في مصر الجديدة. وعلى غير العادة، لم يستقبل شقيقه منه أي اتصال في اليوم التالي، فظن أنه ربما انشغل بعمله وسيعاود الاتصال به لاحقًا، وهو ما لم يحدث. وعندما بادر عمر بالاتصال اصطدم برسالة "الهاتف ربما يكون مغلقًا".

"مجاش في بالي إنه يكون مختفي، كل اللي فكرت فيه إنه مشغول شوية، فكرة القبض عليه كانت مستبعدة لأنه لا إخوان ولا يمكن حسابه على الإخوان مطلقًا، هو بتاع اقتصاد" يقول عمر.

اهتمامات اقتصادية

كان الاقتصاد هو عصب برنامج أيمن الانتخابي الذي أعده في 2010، ومن بين أهدافه تكوين فريق اقتصادي تكون مهمته إيجاد فرص عمل مجزية للشباب، أو مساعدتهم في إقامة المشروعات الصغيرة والحصول على تمويلات لها، بجانب فريق للإسكان يساعد الراغبين في الحصول على مسكن سواء من حديثي الزواج أو المقيمين في مساكن متهالكة، بتكوين جمعيات إسكان تعاوني، تهدف للحصول على قطع أراضٍ بالمدن الجديدة إما بالمجان أو بتكلفة المرافق فقط، ومساعدتهم في الحصول على قروض طويلة الأجل لتنفيذ هذا المشروع، بحسب عمر. 

تعكس صفحة أيمن على فيسبوك ذات الاهتمامات، ومنها بوست منشور في 15 أغسطس/ آب 2021، حول قدرة مصر على التحول إلى نظام كامل للطاقة النظيفة، وخلق قطاع اقتصادي جديد ومستدام يعيش على تقنيات وحلول الطاقة النظيفة، طرح من خلاله نموذجًا لاستخدام أسطح المباني كمسطح لنشر الخلايا الشمسية.

"أخوكم في الأمن الوطني"

في اليوم الرابع من اختفاء أيمن، دق باب مسكن عمر وشقيقه عادل، ليجدا أحد رجال الأمن من قسم مدينة نصر، محل إقامة الأسرة، وهو نفس محل الإقامة المدون ببطاقة أيمن، "قالنا أخوكم في مقر الأمن الوطني في الأميرية، وتعالوا استلموه، راح مع أمين الشرطة أخويا عادل، وفي المقر قالوا له عاوزين منك شوية معلومات عن أيمن، سألوه عن شغله، وبيكتب إيه على فيسبوك، ولما جاوبهم سألهم أيمن هيروح معاه ولا لأ، ردوا بإنه يومين ولا تلاتة وهيروح". 

بعد يومين عاود عمر  السؤال عن أيمن في مقر الأمن الوطني الذي زاره عادل سابقًا "ردوا عليا إني مجيش هنا تاني وهما لو عازوا حد مننا هيطلبوه، ومفيش كلام اتقال أكتر من كده"، ليختفي الاطمئنان الذي شعرت به الأسرة مع عبارة "أخوكم موجود".

ورغم ما وصفه عمر بـ"المعاملة الوحشة" عاود السؤال على شقيقه مجددًا في مقر الأمن الوطني ولم يحصل على رد . "بدأنا نشوف معارف وأصدقاء يدوروا معانا، وبعد حوالي 10 أيام قالوا لنا إنه عليه قضية في محكمة زينهم، جبت معايا محامي ورحنا لقينا اسمه مش موجود في أي قضية في نيابات زينهم كلها".

المعارف والأصدقاء الذين يتحدث عنهم عمر، وصفهم بأصدقاء مقربين للأسرة، تجمعهم علاقات بلواءات سابقين، أو ضباط شرطة وجيش أو محامين، ليساعدوهم في الوصول لمعلومات من مصادر تخشى الحديث بشكل مباشر للأسرة.

لم يتجه الشقيقان للسوشيال ميديا للتدوين عن شقيقهما لأنهما كما قال عادل "ملناش فيه قوي"، ثم يعود ليبرر عدم النشر بأنه "نصيحة من أصدقاء ومعارف بلاش نكتب أو نقدم بلاغات عن اختفائه علشان يطلعوه". نفس الأصدقاء والمعارف التي تحدث عنهم عادل أخبروه في 16 فبراير الماضي أن شقيقه نُقل إلى مستشفى العباسية للصحة النفسية، لمعاناته من بعض الاضطرابات "كلنا عندنا اضطرابات نفسية وإحباطات وأيمن زينا، بسبب عدم التغيير وحال البلد والأسعار، بس مش اضطرابات تحتاج الحجز في مستشفى".

ذهب عمر لمستشفى العباسية في 17 فبراير يسأل عن شقيقه، ولكنه وجد الكشوفات خالية من اسمه. بدأ يبحث عن بدائل جديدة فتواصل مع مكتب محمد أنور السادات، الذي بجانب كونه عضوًا حاليًا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، ومنسق مجموعة الحوار الوطني التي تتوسط للإفراج عن المحبوسين، فهو أيضًا كان رئيس الحزب الذي انتمى له أيمن وكانا مقربين في وقت سابق "السادات ومديرين مكتبه قالوا لنا إنهم هيتواصلوا مع الأجهزة، وفعلًا هما عملوا مجهود كبير" ولكن هذا المجهود لم يؤتِ ثماره، فكانت الإجابات التي يتلقاها عمر أنه جاري العمل على الأمر ومتابعته، وهي نفس الإجابة التي تلقاها من السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس، التي أرسل لها استغاثة للبحث عن شقيقه.

وحاولت المنصة التواصل مع السادات للتعليق على القضية، لكنها لم تتلق ردًا حتى نشر هذه القصة.

عادت الأسرة للاستعانة بـ"المعارف والأصدقاء" مجددًا، فأخبروا عمر أن شقيقه في المستشفى بالفعل تحت الملاحظة. 

ويقول الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا، وطبيب الأمراض النفسية بمستشفى العباسية إن جميع نزلاء المستشفى يتم تسجيلهم بكشوفه، حتى المودعين منهم بقسم الطب الشرعي، وهم من يأتون من جهات أمنية لفحص قواهم العقلية، "أي شخص داخل المستشفى لازم يتسجل اسمه في الدفتر، حتى اللي جايين على قسم الطب الشرعي".

وفي الوقت ذاته يوضح أن "هذا القسم له خصوصية شديدة"، فمن الممكن ألا يخبر الأطباء الأسرة بوجود أحد ذويهم به، لأن الأمر يخضع لإذن من النيابة، ولكن في كل الأحوال لا بد من ثبوت دخول الشخص للمستشفى من خلال الدفاتر الرسمية.

مصدر آخر يعمل بمستشفى العباسية للصحة النفسية قال للمنصة إنه اطلع على الكشوفات بنفسه ورأى اسم أيمن هدهود بها. 

أما ما يطلق عليه فترة الملاحظة، وهي الفترة التي يعد خلالها الأطباء التقرير الخاص بالشخص، فهي 45 يومًا، يخرج بعدها الشخص ومعه التقرير للجهة الأمنية التي أحضرته لاستكمال التحقيقات معه في ضوء التقرير الذي أصدره الأطباء، بحسب الدكتور أحمد حسين.

رحلة البحث بين الأمن الوطني ومستشفى العباسية استمرت حتى منتصف مارس/ آذار، ليذهب عمر مجددًا للمستشفى ويسأل عن شقيقه، ليرد عليه أحد الأطباء بأنه مودع بالفعل تحت الملاحظة "الدكتور قالي إنه جاي من جهة أمنية معرفش إيه هي وإنه تحت الملاحظة، ومش مصرح ليا أطلب أي معلومات عنه إلا بتصريح من النائب العام".

ذهب عمر بصحبة أحد المحامين للنيابة العامة، في محاولة الحصول على تصريح والعودة به للمستشفى كما طلب منه الطبيب "اللي شغالين في النيابة قالوا لنا هنديكو تصريح على إيه، ومين قالكم إنه في المستشفى أصلًا، مفيش قضية وبالتالي مش هنطلع أي تصاريح".


اقرأ أيضًا| "تلاجة" الأمن الوطني: أو ما يحدث بعد ركوب ميكروباص الشرطة

 

تصميم: المنصة

عندما ذهب عمر للنيابة للحصول على تصريح استلام الجثمان من المستشفى ودفنه، وجد أن أيمن توفي في 5 مارس. أدرك أنه قضى شهرًا كاملا يبحث عن شقيقه وهو متوفٍ، بحسب قوله، "لولا إننا بدأنا نتكلم مع ناس كتير وندور عليه كان زمانهم دفنوه في مقابر الصدقة وخلاص ومكناش هنعرف حاجة".

بحسب عمر، صدر التصريح من نيابة مدينة نصر بدفن أيمن هدهود في مقابر الصدقة باعتباره مجهول الهوية، وهو ما لم يمكنه من الإطلاع على سبب الوفاة الصادر في التصريح، ليطلب تعديل التصريح لدفنه في مقابر الأسرة، وإصدار تصريح جديد "عادل أخويا قال في النيابة وقت الحصول على التصريح إن في فترة الاختفاء أيمن كان في الأمن الوطني، وبناء عليه صدر قرار بتشريح الجثمان". وتنتظر الأسرة تقرير الطب الشرعي عقب تشريح الجثمان لمعرفة سبب الوفاة.

محاولات الأسرة العثور على أيمن لم تنته إلا بخبر وفاته، لكن كيف مات أيمن هدهود ومتى؟ هذان السؤالان ما زال أصدقاؤه والمقربون يحاولون إجابتهما.