يوتيوب
لقطة من فيلم زوجة رجل مهم

من زوجة رجل مهم إلى زوجة الرائد نور

منشور الخميس 14 أبريل 2022

 

في كتابة وإخراج الفيلم السينمائي والدراما التلفزيونية يتأرجح الكاتب والسيناريست والمخرج بين مدرستين؛ محاكاة الحقيقة والواقع الذي نعيشه، وهي مدرسة، وتقديم تصور إيجابي وأحيانًا تحريضي، لما يتمنوه أن يكون، ويمكن اعتباره أحيانًا رؤية تقدمية متحررة، وهي مدرسة أخرى. 

وما بين صورة المرأة التي قدمها محمد خان في زوجة رجل مهم ولعبته الفنانة ميرفت أمين، والصورة النقيضة لزوجة الرائد نور التي لعبتها هند صبري في فيلم الممر لشريف عرفة، يبرز الاختلاف بين المدرستين اللتين تناولتا الشخصية نفسها؛ زوجة الضابط في طبيعة وسياقات مختلفة، كل منها يحمل رسالة ما. وبالمثل شخصية المرأة المطلقة التي قدمتها نيللي كريم في فاتن أمل حربي، والنموذج المقابل لها الذي قدمته هند صبري أيضًا في البحث عن علا

وهنا لا ننصب محاكمة لأيٍّ من المدرستين، فقط محاولة لفهم السياق، والاختلافات الناتجة عن العمل فيه، فتقديم العمل وفق أيٍّ من المدرستين، هاجس لكل المبدعين، وإشكالية حقيقية تنتهي باختيار فني بين الحالتين، و تأتي عاكسةً لوجهة نظر المبدع في بيئة اجتماعية وسياسية تحكم ظروف الإنتاج السينمائي والدرامي، وتعكس قدر الحريات المتاحة للمبدعين، والإرادة السياسية للتغيير وتقبّل النقد والدعوة للتطور.

الإبداع في زمن القلق

في زمن القلق والتوتر السياسي، تقبض القيادة السياسية وأجهزتها الأمنية بيد من حديد على كل ما يكتب أو ينتج، والأخص المنتج البصري الذي يصل لملايين المواطنين. تكون عين الرقيب على كل مقال أو رواية، لكن الأهم والأخطر هما المسلسلات و الأفلام.

يبدأ الرقيب بإخطار المنتجين بقائمة ممنوعات ومحاذير و يطالب المبدعين بالابتعاد عن مشاهد الفقر والبؤس وتعاطي المخدرات والأسر المفككة والطلاق إلخ إلخ .. فلا ترضى عنه القيادة السياسية، فيجود في الأداء، ويصدر قائمة من المواضيع المستحب تناولها وتأتي بطولات رجال الشرطة والجيش على رأس قائمة المواضيع المستحبة.

هنا يجد المبدع نفسه أمام أمر صريح بالكتابة عن بطولات رجال الشرطة والجيش؛ أغنياء و سعداء مع زوجاتهم الجميلات المحافظات على بيوتهم البرجوازية الجميلة، والمساندات لهم في أزماتهم و معاركهم ضد قوى الشر و أعداء الوطن. في هذا الإطار يأتي تناول المرأة في الدراما و السينما المصرية، ويتشكل اختيار المبدع لنموذج الشخصيات النسائية في الدراما التلفزيونية و الأفلام السينمائية.

في هذا الجو المشحون بالهموم و المخاوف و المحاذير و التوصيات، أشاهد أفلام و مسلسلات الأجهزة الأمنية، أعود بذاكرتي لسنين فيحضرني فيلم زوجة رجل مهم، و هو في رأيي المتواضع أجمل فيلم عن علاقة المرأة بالسلطة الأبوية الممثلة في رجل الأمن، أتوقف كثيرًا عند علاقة أحمد زكي بزوجته في الفيلم، و هوسه بها وحبه الشديد و غرامه وولعه، وأتذكر بكائي بحرقة في مشهد النهاية الذي يقتل فيه أباها، ثم يقتل نفسه بمسدسه.

أتذكر ذلك وأنا أشاهد مشهدًا باردًا يجمع بين هند صبري وأحمد عز في لحظة مفترض أنها حميمة وساخنة، في فيلم الممر، ثم منولوجًا وطنيًا يليق بكتاب تربية قومية تلقيه الزوجة على زوجها الرائد نور، و أشفق على هند صبري التي تحاول أن تجعله إنسانيًا، لكن من الصعب جدًا أو المستحيل أن تؤدي أي ممثلة هذا الدور و تنطق بجمل ذلك الحوار بشكلٍ إنساني، مع الحفاظ على هيبة الرائد نور، والالتزام بتوصيات ومحاذير جهة الإنتاج.

الآن، يجب أن تظهر زوجات الضباط وهن يقبلن رؤوس سيادة الضابط و يتحدثن معه باحترام، زوجات الضباط مكانهن في البيت، ومهمتهن الحفاظ على الأسرة و تربية الأولاد، لكن تلك البنت البدوية في سيناء والتي تقوم بدورها أسماء أبو اليزيد، ممكن أن تشارك في المعركة و تخاطر بحياتها، زوجات الضباط جميلات و مجتهدات لا يتعبن أبدًا، و لا يسألن أسئلة كثيرة، و لا يشككن أبدًا في أي شيء يقوله سيادته، بينما زوجات أو حبيبات "العدو" مثال حنان مطاوع حبيبة طارق لطفي الذي لعب دور الإرهابي في مسلسل القاهرة كابول للمخرج حسام علي في العام الماضي، تناقش و تحلل و تعارض الرجل الذي يعشقها بجنون و تتعاون مع الأجهزة الأمنية للإيقاع به.

عندما سئلت هند صبري عن دور زوجة الرائد نور قالت في حديث لصحيفة مصرية إن "مشاركتها فيه جاءت بدافع الانتصار لقضايا المرأة، وإبراز الدور الكبير الخفي الذي تلعبه النساء في الحروب، فرغم إنهن لا يكن في أرض المعركة، لكن معركتهن أكبر فى الحفاظ على البيت ورعاية الأبناء، ومؤازرة أزواجهن في الصعاب التي يمرون به".

 كما عبرت في لقاء تلفزيوني عن "سعادتها بتكريمها مع أبطال الفيلم أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية".

فاتن وعلا.. عودة للمدرستين

لم تختفِ الاختلافات وفق السياقات عند تناول قضية مهمة من قضايا المرأة مثل الطلاق. وفيها يجد المبدعون أنفسهم في مواجهة مع السلطة الأبوية من جديد، لكنها ليست ممثلة تلك المرة في بذلة الضابط، بل في رجال الدين و النخبة الحاكمة بكل فروعها، بل وأحيانًا في مواجهة مع القوى التقدمية والمثقفين.

واللافت في تلك القضية تبدل الأدوار، فنجد الرقيب الذي كان من قبل قابضًا على أن تخرج صورة زوجات الضباط منمقة، يطلق مساحة لإبراز معاناة المطلقات، في تمهيد لتغيرات قانونية متوقعة.

شاهدت منذ شهور على منصة نتفليكس مسلسل البحث عن علا، إخراج هادي الباجوري وبطولة هند صبري، التي قدمت فيه دور من ألطف وأهم أدوارها على الإطلاق، و أشاهد الآن مسلسل فاتن أمل حربي إخراج محمد العدل وبطولة نيللي كريم، التي أصبحت واحدة من أحسن ممثلات الدراما المصرية منذ أن قدمت ذات وسجن النسا، و مرورًا بمسلسل لأعلى سعر

في البحث عن علا، هذا المسلسل المثير لحفيظة التيار المحافظ في مجتمعنا، تقوم هند بدور زوجة برجوازية وأم لطفلين، يقرر زوجها الطبيب أن ينهي زيجتهما، فتجد نفسها وحيدة تواجه تحديات وظروف اجتماعية مخالفة تمامًا لما اعتادته أو تصورت أنه سوف يكون من نصيبها.

الانفصال يحدث بشكل متحضر، ويحافظ الزوجان على مصلحة أولادهما بالرغم من اضطرابهم العاطفي، والمتغيرات الكثيرة التي تطرأ عليهما. تمر علا بعدة علاقات باحثة عن الاستقرار و الكيان الاجتماعي المقبول، ولكنها تنتهي إلى العثور على ذاتها، وتتعرف على قدراتها وقوتها، ولا تحتاج أن ترتبط برجل ليكملها. المسلسل يصنف ترفيهًا خفيفًا (light entertainment)، وهو صالح للمشاهدة العائلية وجيد الصنع والتمثيل .

الكاتب والمخرج اختارا أن يقدما نموذجًا غير شائع ولا يسهل تحقيقه في مصر، لكنه نموذج راقٍ وجميل وجميعنا نتمناه، انتقده البعض بأنه غير واقعي ويخص شريحة صغيرة جدًا من مجتمعنا، وهذا حقيقي، ولكنه لا يعيب المسلسل، خصوصًا إذا نظرنا إليه وفق منظور المدرسة التي تكلمنا عنها في البداية "ما يتمنى صناع العمل أن يكون" أو "الرؤية التقدمية". 

هو بالفعل يقدم طبقة الكومباوند المقيمة على أطراف المدينة، ولكن الطلاق الودي المحترم ليس حكرًا على تلك الطبقة، ولا هو الأكثر حدوثًا بين أبنائها. لذا فهو ما نتمنى أن يحدث في كل الطبقات، و نموذج علا الذي قدمته هند صبري هو نموذج السيدة المعاصرة التي تعرف حقوقها وتحقق ذاتها وتدافع عن سعادة وحقوق أبنائها.

أما مسلسل فاتن أمل حربي، فيأتي على النقيض من رحم المدرسة الواقعية، فقد قدم في نصفه الأول (وهو يعرض الآن) قصة طلاق واقعية جدًا، يستعرض فيها الكاتب إبراهيم عيسى كل الألاعيب القانونية التي يلجأ لها محامو الرجل والمرأة في معركة الطلاق، ويكشف عوار القانون المنظم لـ "أبغض الحلال".

القصة تتناول الطبقة المتوسطة المقيمة في قلب المدينة، البطلة التي تقوم بدورها نيللي موظفة في الشهر العقاري، أم لطفلتين في المرحلة الابتدائية، تحملت في زيجتها كل أنواع القهر و المعاناة والإهانة، ثم قررت أن تتحرر من ذلك بالطلاق، إلا أن طليقها لا يريد أن يمنحها حريتها، ويمعن في إذلالها وإرهاقها.

القصة واقعية و يخرجها محمد العدل بقدر كبير من النضج الفني والحساسية. المسلسل ساهمت فيه بعض الجهات شبه الحكومية ومباركة حكوميًا، فيتوقع البعض أننا بصدد تغييرات في التشريع المنظم للأحوال الشخصية وحقوق المرأة، وإذا كان ذلك حقيقة، فتحية نضالية لكل من شارك في إنتاج وإنجاح ذلك العمل الدرامي.


اقرأ أيضًا| المرأة على الشاشة: تتوب أو يقتلها المجتمع

 


نحن بحاجة لكل إبداعات و مجهودات الأعمال السينمائية والدراما التلفزيونية للدفع بملف المرأة والدفاع عن حقوقها. نحن بحاجة للطرح التقدمي الطموح، والطرح الواقعي المشابه للحقيقة. نحن بحاجة لمجهودات المعارضة وتعاون النظام الحاكم، لكن الحاجة الحقيقية هي لمناخ حريات يسمح بمزيد من الإبداع، و تنوع في الطرح، وسجال ونقاش مجتمعي حقيقي يرتقي بفنوننا، ويتقدم بمجتمعاتنا.

عندما يسألوني عن النسوية و المرأة في السينما و الدراما المصرية أقول إن حقوق كل الأقليات والفئات تتحقق بمزيد من الحريات للجميع، والنضال النسوي لا ينفصل عن التغيير وحرية التعبير بالمعنى الأوسع. السينما المصرية قامت على أكتاف السيدات ولكن السيدات هن أول من يهمشن في صناعة و محتوى السينما والدراما، عندما تهدد وتحدد حرية الإبداع والتعبير .