برخصة المشاع الإبداعي: Jeff_Black، فليكر
إحدى ليالي رمضان في مصر

شنط رمضان هزيلة وقليلة مع ارتفاع الأسعار

منشور الخميس 21 أبريل 2022

تقف منال عبد الواحد، وهي ربة منزل، في مطبخها، تنقل عيناها بين عبوات الأرز والعدس والبقوليات، تستعد لوضعها في أكياس كما هو المعتاد كل عام، لكن الأمور لا تسير كما تتمنى أو كانت تتوقع، فغلاء الأسعار حال بينها وبين عدد "الشنط الرمضانية" التي استهدفت توزيعها، لتقع في حيرة "يا أقلل الشنط، أو أقلل الكميات اللي بتتوزع".

اعتادت منال منذ سنوات على إعداد الشنط الرمضانية لعدد من المحتاجين "ده زي طقس سنوي كده، الشنطة بيكون فيها مواد أساسية زي رز وعدس وفول وشاي وسكر، وفرخة أو لحمة، وحاجات من ياميش رمضان". وفي السابق، كانت تكلفة الشنطة الرمضانية التي تعدها منال بين 200 إلى 250 جنيهًا، قبل أن ترتفع هذا العام إلى الضعف، نحو 400 جنيه "كنت بوزع ما بين 4 لـ5 شنط تكلفتهم 1000 جنيه، بس السنة دي لقيت المبلغ ده مكفى 3 بالعافية". 

والوضع الذي تواجه منال انعكاس لحالة السوق الذي يعاني من التضخم، إذ أعلن جهاز التعبئة والاحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 10% خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، مسجلًا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019. وأرجع الجهاز الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20,1% وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.

وتأتي اللحوم على رأس السلع التي تأثرت بارتفاع الأسعار، وفقًا لاتحاد الغرف التجارية، حيث ارتفع متوسط أسعار اللحوم البلدية من 120 جنيهًا إلى أكثر من 170 جنيهًا، أما سعر كيلو الدجاج فقفز من 30 إلى 45 جنيهًا، وفق عدد من التجار تحدثت معهم المنصة، وبلغ سعر زجاجة زيت القلي بجودة متوسطة إلى 31 جنيهًا، بينما وصل متوسط سعر زيت الطهي والسمن الصناعي إلى نحو 40 جنيهًا، وهنا نتحدث عن السلع الأساسية بعيدًا عن المستوردة التي تتأثر بارتفاع العملة الخضراء.

ووصل سعر البيضة الواحدة لأكثر من جنيهين ونصف، كما ارتفع سعر كيلو السكر الحُر غير المدعوم، ليصل إلى 15 جنيهًا، بينما زاد سعر الأرز بنحو 5 جنيهات ليصل سعر الكيلو الواحد إلى 15 جنيهًا. وأشارت عدد من التقارير إلى أن سعر الكيلو الواحد من التمر، الذي تعتاد الأسر على وجوده على مائدة رمضان، بلغ 60 جنيهًا، بزيادة وصلت للنصف من العام الماضي.

حيرة مزدوجة

ارتفاع الأسعار لم يضع منال في حيرة حول شنط رمضان فقط، لكنه وضعها في حيرة حول نفقاتها المنزلية أيضًا "المشكلة إن الزياد كانت عليا برضه، أنا عندي 3 أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، وفي ميزانية بيتي لقتني أنا كمان بضطر أقلل فيها، بداية من العيش الفينو اللي زاد بنسبة 50% واللي هو يعتبر أساسي في ساندوتشات المدرسة، وكمان ياميش رمضان اللى المفروض نجيبه كل سنة".

بعد جولة بين الأسواق والأسعار، قررت منال التخلي عن شراء الياميش سواء لها أو للشنط الرمضانية "كنت بحط في الشنط بلح وتين وتمر، بس بصراحة لقيت مع غلاء الأسعار إنهم بقوا كماليات، وممكن أشيلهم ويبقى مكانهم فرخة، وأكياس عصير لو الأسرة تفطر عليهم بدل البلح والتمر، كمان قررت مجبش لا زبيب ولا جوز هند لينا ولا في الشنط أصل يعني المهم ناكل الأساسيات ومش مهم الحلو".

المتطوعون في مأزق

نجحت منال في إعداد 4 شنط "بالعافية" بحسب وصفها للمنصة، وتوزيعها، ورغم الصعوبة التي واجهتها غير أن حيرتها كانت أقل من حيرة ولاء وحيد مسؤولة فريق صناع الحياة في مدينة الإسماعيلية، فالفريق كعادة المجموعات التي تعمل في تلك الأنشطة يتابع مع عشرات بل مئات من الحالات.

اضطرت ولاء إلى تقليل الكميات في الشنط، وكذلك تقليل عدد الشنط تقول للمنصة "كان المستهدف بتاعي كل سنة 1000 شنطة، السنة دي عملت 500 شنطة بس، وكمان قللت في الكميات كنت بحط كيسين سكر وإزازتين زيت، حطيت كيس سكر وإزازة زيت بس".

كما تخلت ولاء هذا العام عن الكركدية والدقيق أيضًا "الدقيق كان غالي جدًا فلقينا إنه بقى من الرفاهيات زي الكركدية، والأولى نهتم بالأساسيات الرز والمكرونة واللحوم اللي طلعت مع 30% بس من الشنط، لأن الفلوس مكفتش أطلع لحوم مع كل الشنط".

 

وجبات السحور من فريق صناع الحياة بالإسماعيلية بإذن للمنصة

يعتمد الفريق على التبرعات والجهود الذاتية، التي تراجعت هي أيضًا هذا العام مع غلاء الأسعار، توضح ولاء "البيوت كمان بتتأثر ولو في حد كان بيتبرع بـ20 جنيه مثلا بقى بيخليها 10 لأنه بيته بيبقى محتاج فلوس أكتر، فالغلاء بيأثر عليه وعلينا، وفي النهاية أحنا مواردنا كلها تبرعات وجهود ذاتية، وبجانب الشنط الرمضانية، يوميًا بنطلع وجبات إفطار وسحور، وده كمان بيتأثر سواء في الكمية أو الأصناف يعني ممكن يبقى السحور فاكهة وزبادي بس، بعد مكان بيكون في جبن وفول مثلًا"، تقول ولاء.

يتكرر الوضع مع شروق مصطفى مسؤولة مبادرة مستورة، التي كانت تتوقع توزيع 700 شنطة رمضانية لكنها لم تتمكن من توزيع سوى 130 شنطة فقط "ده رقم قليل أوي الحقيقة، وجه بسبب قلة التبرعات، فبقينا بنلجأ للسوشيال ميديا ونكتب ونشوف عند مبادرات صديقة لو في شنط زيادة نوزعها، لأن الناس بتفضل طول الشهر تسأل على الشنط، أو نسأل على حد حابب يساهم معانا".

تتكون شنطة مستورة من "زيت، سمن، سكر، أرز، مكرونة، بقوليات عدس أو فاصوليا، فرخة، صلصة"، وتصل قيمتها لـ300 جنيهًا، تضيف "بيجي لنا شنط صغيرة بندي كل أسرة شنطتين، لأن أحنا الأسر اللي معانا عدد أفرادها كبير مش بيكفيهم الشنط الصغيرة، وطبعًا مفيش رفاهيات، لا زبيب ولا جوز هند، المهم الأكل الأساسي".

 

شنط رمضان من مبادرة مستورة بإذن للمنصة

زيادة فهجر لليميش

الأزمة التي واجهت ربة المنزل والمتطوعات، يؤكدها محمد الساعي أحد التجار بمنطقة السيدة زينب للمنصة، لافتًا إلى أن أسعار الياميش هذا العام زادت بنسبة تصل إلى 15% مقارنة بالعام الماضي، نظرًا لأنها تستورد من الخارج "الياميش بيجي من سوريا وإيران وتركيا والصين وأمريكا الشمالية، وفي تكاليف شحن، وتجار بتاخد من تجار، ففي النهاية لو هو سعره زاد 15%، ممكن يوصل المستهلك بزيادة 50% على ما يوصل من تاجر الجملة لتاجر التجزئة للمستهلك".

ومع الزيادة تقلصت القوة الشرائية وفقًا لحديث الساعي "السنة دي نسبة الشراء قلت جدًا، وخاصة على المكسرات والياميش، وبقي في اتجاه أكتر للأساسيات، لأن زيادة الأسعار جت قبل رمضان على طول".

يضيف "في فرق كمان بين المكسرات اللي الأسر ممكن تستغنى عنها زي اللوز والكاجو، لكن الياميش زي البلح والتين ده مهم لأسر كتير، وبرضه بقى في عزوف عنه، المشمشية مثلًا بقت من 140 لـ220 جنيه، والقراصيا وصل سعرها من 110 إلى 160 جنيه، والزبيب المصري من 40 إلى 65 جنيه، وجوز الهند وصل لـ90 جنيه بعد مكان بيتباع بـ40 جنيه".

لكن رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية متى بشاي، يرى، على عكس الساعي، أن الزيادة "طفيفة"، متابعًا خلال مداخلة في برنامج صالة التحرير المذاع على قناة صدى البلد أن إحساس التجار بوجود إقبال على المعروض يدفعهم إلى رفع الأسعار.

 انخفاض الثُلث

في غضون ذلك، يشير رئيس شعبة العطارة بالغرفة التجارية بالقاهرة  شادي الكومي للمنصة إلى تراجع حركة البيع والشراء في الأسواق المصرية بنسبة 30% مع زيادة الأسعار، مرجعًا الزيادة إلى ارتفاع تكلفة الشحن بنسبة وصلت إلى 20%، مدعمًا نظرية "تخلي قطاع كبير من الأسر عن الياميش واتجاهها للأساسيات"، وكذلك القائمين على توزيع شنط رمضان أيضًا، "الشخص بيشتري بنفس القيمة التي اعتاد عليها، فتصبح الأصناف أقل".

تتفق النتيجة التي وصل إليها رئيس شعبة العطارة في الغرف التجارية مع تجارب منال وولاء وشروق، فالثلاثة رغم اختلاف السياقات اللاتي يعملن فيها سلكن الطريق ذاته، بخفض عدد الشنط ومحتواها كأقل ضريبة ممكنة للهروب من مأزق الأسعار.

ولا تزال ولاء وشروق يبحثان يوميًا عن متبرعين أو أصدقاء لتكملة العدد المرجو من الشنط الرمضانية الهزيلة وقليلة العدد مقارنة بالسنوات الماضية، وهن يرفعن شعار  "لا وجود للرفاهيات" في مواجهة الغلاء الذي يزداد يومًا عن يوم.