الرئيس السيسي يتفقد أرضًا مستصلحة. الصورة: رئاسة مجلس الوزراء- فيسبوك

 الحكومة أم القطاع الخاص: من يتولى استصلاح الأراضي؟

في سبتمبر/ أيلول الماضي، ذكَر الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديث متلفَز، أثناء افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، أن تكلفة استصلاح فدان الأرض كي يُصبح قابلًا للزراعة تصل إلى 300 ألف جنيه، وواصل قائلًا "طب مين من المواطنين أو المستثمرين مستعد ينفق عشان الفدان هيجيبله كام؟".

لكن، وعبْر تتبُّع أرقام الأراضي التي تم استصلاحها خلال الفترة بين 2013/ 2014 إلى 2019/ 2020، نكتشف تراجع الدور الحكومي، مقابل ارتفاع دور القطاع الخاص ممثلًا في الشركات والجمعيات التعاونية، في عملية استصلاح الأراضي.

فخلال هذه الفترة استحوذ القطاع الخاص على أكثر من ثُلثي عمليات استصلاح الأراضي، مقابل الثلث للحكومة، وذلك على الرغم من إطلاق الحكومة وترويجها لمشروع يهدف لاستصلاح مليون ونصف فدان عام 2016، قسَّمته على ثلاث مراحل، تضم الأولى طرح نصف مليون فدان والمرحلة الثانية تشمل طرح 490 ألف فدان، على أن يتم طرح 510 ألف فدان خلال المرحلة الثالثة.

وتراجُع الدور الحكومي في عملية الاستصلاح خلال فترة السنوات الست الماضية، لم يكن الأول، إذ تكشف أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أنه بداية من عام 2000 تراجع الدور الحكومي في عملية الاستصلاح، بأقل مما كان عليه خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي.

وتكشف المنصة في هذا التقرير، أسباب تراجع الدور الحكومي في عملية استصلاح الأراضي، مقابل زيادة دور القطاع الخاص، وسبب لجوء المواطنين لتأسيس جمعيات تعاونية لعملية الاستصلاح، ومشاكل تقنين الأراضي المستصلحة.

استصلاح السنوات الست

تكشف مراجعات أجرتها المنصة على التقارير السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بدءا من العام الماضي 2013/ 2014 إلى 2019/ 2020، استُصلح نحو 370.4 ألف فدان، كان نصيب الحكومة منهم 86 ألف و536 فدان بنسبة 23.3%.

فيما استحوذ القطاع الخاص "شركات وجمعيات تعاونية" على نسبة 76.6%، بمساحة استصلاح بلغت 246 ألف و250 فدان، بحسب النشرة السنوية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021.

وكان سبب ارتفاع استصلاح الأراضي في مصر، والذي زاد بنسبة تُقدر بأربع أضعاف خلال فترة السنوات الست هو القطاع الخاص، ذلك أن المساحة المستصلحة ارتفعت من 22.6 ألف إلى 115.7 ألف فدان، بزيادة 93.1 ألف فدان، بحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتاريخيًا، شهدت مصر عملية استصلاح الأراضي قفزتين، الأولى خلال الفترة من عام 1952 إلى 1968 بمساحة مليون و278 ألف فدان، ثم تراجعت إلى 292 ألف فدان خلال الفترة من عام 1969 حتى 1984، والقفزة الثانية والتي بلغت أعلى مستوى لها خلال الفترة من 1985 إلى 1999 باستصلاح مليون و587.2 ألف فدان، بحسب مراجعات سنوية لأرقام نشرة استصلاح الأراضي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وخلال السنوات الست الماضية، احتلت محافظة البحيرة  المرتبة الأولى من حيث نسبة الاستصلاح بنحو 84 ألف و583 فدانًا، تليها بورسعيد بمساحة 41.04 ألف فدان، ثمَّ الوادي الجديد بمساحة 34 ألف و28 فدانًا، تلتها مطروح بمساحة 30 ألف و168 فدانًا.

خصخصة مع وقف التنفيذ

يُرجع أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة عين شمس، الدكتور حمدي سالم، أسباب تراجع الدور الحكومي إلى خصخصة معظم الشركات التي كانت تابعة لهيئة التعمير والاستصلاح الزراعي خلال الفترة الماضية.

ويُضيف للمنصة، أن الهيئة العامة للتعمير كانت تمتلك ثماني شركات عاملة في مجال استصلاح الأراضي، لكن مع بدء حقبة الخصخصة أوائل التسعينيات من القرن الماضي، تم التخلص من هذه الشركات وبيعها للقطاع الخاص.

ويُتابع، أن هذه الشركات الثمانية كانت تقوم بعملية الاستصلاح، ولكن كان يعيبها عدم توافر القدرة المالية اللازمة، لذا كان إجمالي الأراضي التي تستصلحها سنويًا لا يتجاوز 50 ألف فدان.

 

أرض مستصلحة. الصورة: رئاسة مجلس الوزراء- فيسبوك

وتنقلت تبعيات شركات استصلاح الأراضي من جهة إلى أخرى منذ أن تم تأميم أغلبها عام 1961، إذ نُقلت تبعيتها إلى قطاع استصلاح الأراضي وفقًا للقرار الجمهوري رقم 15 لسنة 1987، ثم خُصخصت عام 1995.

ثم وفي عام 2012، عادت ست شركات منها إلى القطاع مرة أخرى، بعد تأسيس الشركة القابضة لاستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية، طبقًا للقرار رقم 106، وهم الشركة العقارية المصرية لاستصلاح الأراضي، وشركة وادي كوم أمبو لاستصلاح الأراضي، والشركة العربية لاستصلاح الأراضي، وشركة مساهمة البحيرة لاستصلاح الأراضي، والشركة العامة لاستصلاح الأراضي والتنمية والتعمير، والشركة العامة للأبحاث والمياه الجوفية.

ونتيجة لهذا التأرجح القانوني، باتت تلك الشركات الست تُعامل على أنها خاصة وليست حكومية، وأُدرجت أربعٌ منها في البورصة المصرية، وهم الشركة العامة للأبحاث والمياه الجوفية، والشركة العربية لاستصلاح الأراضي، وشركة وادي كوم أمبو لاستصلاح الأراضي، والشركة العامة لاستصلاح الأراضي والتنمية والتعمير.

وهناك شركتان لم تُدرجا في البورصة وهما شركة مساهمة البحيرة والتي يعود تأسيسها إلى عام 1881، والشركة العقارية المصرية لاستصلاح الأراضي والتي تأسست عام 1896 بفرمان من الخديو عباس حلمي الثاني.

 

تصميم: المنصة

استصلاح بآلية وضع اليد

من إذًا سيستصلح الأراضي بعد عمليات الخصخصة؟ يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي الدكتور حمدي سالم، إن الدولة أجرت في عام 2006 تعديلات تشريعية منحت الحق لواضعي اليد من المزارعين في تقنين أوضاعهم.

ويشرح أن هذا القانون أعطى الحق للأفراد الطبيعيين تأسيس جمعية تعاونية أو شركة لاستصلاح الأراضي، وذلك عن طريق طلب تخصيص قطعة أرض معينة في النطاق الصحراوي، من وزارة الزراعة، وذلك بعد دفع قيمة شراء هذه الأراضي التي تكون غير مستصلَحة.

وكانت الحكومة عدلّت قانون المزايدات والمناقصات الصادر رقم 89 عام 1998، بموجب القانون 148 لعام 2006، إذ أضافت مادة أتاحت فيها أحقية الانتفاع للمواطنين واضعي اليد سواء لمن قاموا باستصلاح الأراضي واستزراعها، بحد أقصى 100 فدان للفرد في الأراضي الصحراوية والمستصلحة، و10 أفدنة للفرد في الأراضي الزراعية القديمة.

ويقول سالم، إنه منذ تلك اللحظة تحولت مسؤولية استصلاح الأراضي من الحكومة إلى الأفراد، وللتخلص من عبء تحديد الملكية بـ100 فدان، اتجه الأفراد لتكوين جمعيات تعاونية أو شركات لاستصلاح الأراضي.

وبلغ عدد الجمعيات التعاونية المنشأة لاستصلاح الأراضي في مصر 626 جمعية بعدد أعضاء 300 ألف عضو، فيما قُدر رأسمالها بنحو 140.6 مليون جنيه، وفقًا للنشرة السنوية للقطاع التعاوني الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ويُدلل على حديثه، بأن معظم أراضي الظهير الصحراوي تم استصلاحها بواسطة الجمعيات التعاونية، نيابة عن الحكومة. ومشروع الظهير الصحراوي طُرح عام 2007 من جانب حكومة أحمد نظيف (2005 إلى 2011)، وكان يهدف إلى توطين نحو 5 ملايين نسمة واستصلاح نحو 600 قرية في محافظات صعيد مصر.

ما هي الجمعيات التعاونية؟

يقول الباحثان بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، محمد حسن علي، وخالد عزيز عبد السلام، إن الجمعيات التعاونية المصرية حركة شعبية ديموقراطية تستهدف تحقيق احتياجات أعضائها.

ويُضيف الباحثان في دراسة منشورة بـ المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي عام 2020، أن أعضاء الجمعيات التعاونية يصلوا إلى نحو 12 مليون عضو ينضوون تحت قرابة الـ18 ألف منظمة تعاونية، يُشكلون غالبية المزارعين المصريين. 

ويُعاني القطاع التعاوني من أزمات تمويلية ضخمة، بسبب تدخلات الدولة وتقييد فرص التعاونيات التمويلية، وضعف القدرات التكوين المالي للجمعيات التعاونية وفقًا للباحثان؛ إلا إن ذلك لم يمنعهم من قيادة قطار استصلاح الأراضي في مصر خلال السنوات الـ5 الماضية.

وتُطالب الدراسة، برفع نسبة المشاركة مع القطاع الخاص في تمويل المشروعات التي تقوم بها الجمعيات التعاونية، وزيادة حجم حيازة الجمعيات بألا تقل عن 750 فدان، ورفع قيمة السهم إلى 1500 جنيه لزيادة التكوين الرأسمالي. 

استصلاح لصالح دول الخليج 

من جهته، يقول الباحث في مجال الاقتصاد الريفي، الدكتور صقر النور، إنه رغم ترويج الحكومة عن دورها المحوري في عملية الاستصلاح، فإن القطاع الخاص يلعب دورًا كبيرًا في العملية، حيث يتم تسليم الأراضي لمستثمرين أجانب أو مصريين، والذين يقومون بعملية الاستصلاح رغبة في الإنتاج لأجل التصدير.

ويُضيف للمنصة، أن مستثمري دول الخليج العربي تحديدًا يقومون بعمليات استصلاح للأراضي رغبة منهم في التصدير لبلدانهم.


اقرأ أيضًا| صراع أبناء النيل لإطعام أبقار الخليج

 


ويعتقد النور، أن زيادة مساحة الأراضي المستصلحة خلال الفترة الماضية مرتفعة مقارنة بالفترات التي سبقتها، وذلك يرجع عمليات التقنين التي تقوم بها الحكومة، حيث تُضيف الحكومة أرقام أراضي وضع اليد التي قننتها إلى الأرقام الرسمية لزيادتها، وغالبًا ما تكون تلك الأراضي المستصلحة مملوكة لجمعيات تعاونية أو مجموعة من الأفراد.

ويُتابع، أن مشكلة الحكومة في عملية الاستصلاح هو المبالغة في الأرقام المستهدفة، فضلًا عن وضع خطط غير قابلة للتنفيذ، إضافة للخطاب الإعلامي والسياسي الذي لايقدم حقيقة ما يحدث على الأرض.

ويُوضح الباحث في الاقتصاد الريفي، أن عملية استصلاح الأرض، لاتعني بالضرورة أن التربة باتت صالحة لإعطاء إنتاجية محصولية مرتفعة، إذ إن هذه العملية تحتاج لدراسة أعمق من كفاءة عمليات الاستصلاح، وقياس درجة الحد الأمثل لإنتاجية الفدان المستصلح.

مشكلة التقنين

إلى ذلك، يعاود الدكتور حمدي سالم الحديث قائلًا إن الأفراد المنتمين للجمعيات التعاونية تحديدًا، وبعض الشركات الخاصة ممن يقومون بعملية الاستصلاح، يُعانون من أزمة عدم تقنين الأراضي.

ويُقدر سالم، حجم الأراضي المستصلحة التي يُعاني أصحابها من أزمة التقنين بنحو نصف مليون فدان، موضحًا أن إجراءات تقنين الأراضي تم وقفها منذ 10 أعوام، وعانى المواطنين من ذلك سنوات، وحتى بعد إنشاء لجنة لتقنين الأراضي الزراعية عام 2016.

وكانت أصدرت الحكومة القانون رقم 144 لسنة 2017 الخاص بشأن بعض قواعد وإجراءات التصرف في أملاك الدولة الخاصة. ونص القانون على مواده على أنه في حالة طلب تقنين وضع اليد على الأراضي الزراعية أو المستصلحة، يجب اشتراك ممثل للوزارة المختصة بشئون الموارد المائية والري ليبدي رأيه في المقنن المائي المستخدم بالفعل في الزراعة ومدى إمكانية استمراره.

ويقول، إن تقنين الأراضي سيُضيف للحكومة موارد مالية من خلال الحصول على مقابل مالي، كاشفًا أن عدم ضم هذه المساحات المستصلحة لإجمالي الأرض الزراعية يخلق أزمة في السماد الكيماوي سنويًا، بسبب احتياج تلك المساحات المستصلحة إلى سماد، والذي يشتريه الأفراد من السوق الحر، مما يؤدي لرفع أسعار السماد.  

ويختم أستاذ الاقتصاد الزراعي بقوله "القطاع الخاص تحمل مسؤولية الاستصلاح نيابة عن الدولة، وبدل ما تساعده، فإنها قد تتسبب في هروبه بسبب أزمة تقنين الأراضي".