جانب من الجلسة - الصورة من موقع البرلمان الأوروبي

أمام البرلمان الأوروبي: نواب مصريون يبررون تراجع حقوق الإنسان بالفقر

منشور الخميس 12 مايو 2022

 

واجه عدد من أعضاء لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب هذا الأسبوع انتقادات حادة خلال حضورهم جلسة نقاش مع نظرائهم من أعضاء اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، تعلقت بغياب ضمانات المحاكمات العادلة في مصر وملف التعذيب والأوضاع السيئة داخل السجون واستمرار احتجاز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان لسنوات رهن الحبس الاحتياطي دون محاكمة، بالإضافة إلى عدم تعاون السلطات القضائية المصرية فيما يخص قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. 

واستهلت النائبة إيزابيل سانتوس التي تترأس لجنة العلاقات مع بلدان المشرق في البرلمان الأوروبي، الجلسة بكلمة أشارت فيها إلى أن البرلمان الأوروبي "يتابع الوضع في مصر عن كثب فيما يخص حالة حقوق الإنسان وغيرها من القضايا"، مرحّبةً بـ "الأخبار المتعلقة بإطلاق سراح حوالي 40 محتجزًا، بينهم صحفيين ونشطاء سياسيين"، في 24 إبريل/ نيسان الماضي، قبل أن تستدرك مشددةً على أن هذا "لا بد وأن يكون خطوة أولى فيما نتمنى أن يكون حوارًا مفتوحًا ورؤية أكثر انفتاحًا في التعامل مع النشطاء السياسيين والحقوقيين".

أما النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، واجه هذه الانتقادات بالحديث عن غياب "التعليم المناسب" و"الخدمات الصحية المناسبة"، دون أن يوضح في حديثه العلاقة بين استمرار حبس الآلاف دون محاكمة، وتردي التعليم والخدمات الصحية.

ولم يفت رضوان في معرض رده على الاتهامات الموجهة لمصر في ملف حقوق الإنسان، الإشارة إلى الدور المصري في وقف موجات الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، في تكرار للموقف الرسمي المصري الذي دأب على الإشارة إلى ما تقوم به مصر لتأمين أوروبا في هذا الصدد، كلما واجهت القاهرة انتقادات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.  

"لا يمكن السماح بالحديث"

رضوان، الذي تحدث "باسم لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري"، أشار إلى أنه "لطالما مثّل ملف حقوق الإنسان تحديًا كبيرًا، وهو يختلف من بلد إلى آخر. وما اختبرناه خلال السنوات العشر الأخيرة كان كافيًا لنعرف هذا الأمر. فأنا أتحدث عن بلد مرّ بثورتين، وشهد تغيير ثلاثة أنظمة سياسية وكتابة دستورين، وعاش حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني؛ فنحن نجابه مشكلات تتعلق بأمننا القومي".

وأضاف "وحين أتحدث عن الأمن القومي؛ فأنا أتحدث عن إرهاب في شمال سيناء، عن حدود مشتركة مع ليبيا. وأنتم تعلمون جيدًا الوضع المُضطرب في ليبيا حتى اليوم. عن تهديدات أمنية لحدودنا تتمثل في تهريب أسلحة عبر حدودنا الجنوبية مع السودان"، مُعقّبًا "لماذا أخص هذا بالذكر؟ لأننا لا نمتلك التمويل أو التكنولوجيا اللازمة لتأمين هذه الحدود. فأنا أتحدث عن بلد واجه العديد من التهديدات والتحديات الاقتصادية".

ولم ينفِ رئيس لجنة "حقوق الإنسان" في مجلس النواب المصري تقييد حقوق المواطنين في التعبير والممارسة السياسية، بل تحدث عن تدهور مستويات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، باعتبارها ظروفًا تحول دون "السماح" للمصريين بالحديث أو ممارسة حقوقهم السياسية، إذ قال "من أجل السماح لي بالحديث أو ممارسة الحقوق السياسية، فلا بد أن أكون متعلمًا. وأنا ليس لدي التعليم المناسب. لا بد وأن تكون لديَّ الرعاية الصحية المناسبة، وأنا ليس لديَّ الرعاية الصحية المناسبة. ليس لدي البنية التحتية الملائمة"، متسائلاً "لذا، كيف تتوقعون من هذا الشخص أن يتحدث عن حقوقه، بينما هو لا يتمتع بالحقوق الأساسية كأي إنسان طبيعي؟ وأنا هنا أتحدث نيابة عن 100 مليون، على الأقل، من 104 مليون شخص".

وذكّر رضوان في كلمته الأوروبيين بملف الهجرة غير النظامية، وقال "أريد أيضًا التركيز على ملف الهجرة غير الشرعية. وقد تم في سبتمبر (أيلول) 2016 إعلان مصر خالية من الهجرة غير الشرعي. وهذا ثمرة جهود جذرية وجدية من سلطتنا التنفيذية. وحين أتحدث عن هذا؛ فأحب أن استخدمه كمثال. لأني حين أتحدث عن أمن مصر، فأنا أتحدث عن أمن أوروبا أيضًا".

واستطرد في حديثه بالقول "هذا، لأن مصر لطالما كانت نقطة عبور سواء للهجرة غير الشرعية أو لهجرة الإرهاب. لأننا لا نمتلك ما نقدمه، اقتصادنا فقير. لذا؛ فالإرهاب ينمو ويتضخم في الدول التي لديها أموال لتقدمها. إذن، مصر- وأنا أركز وأؤكد على هذا الأمر- كانت نقطة لعبور الإرهاب إلى الشمال. ويجب أن أقول أننا بذلنا جهودًا جذرية ودراماتيكية في قتال كل من الإرهاب والهجرة غير الشرعية".

ولم يوضح رضوان في حديثه الصلة بين جهود السلطة التنفيذية في منع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، بالتوسع في إجراءات الحبس الاحتياطي دون محاكمة، أو غياب ضمانات المحاكمات العادلة للمتهمين في قضايا ذات طابع سياسي، أو حجب المواقع الصحفية المستقلة، وغيرها من مظاهر "عدم السماح" للمصريين بالحديث أو ممارسة حقوقهم السياسية.

ريجيني والسجون

عقب كلمة رضوان، وجّه عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي أسئلة لنظرائهم المصريين، وكانت البداية باليوناني ستيليوس كيمبوروبولوس، الذي تساءل عمّا "يمكن لمصر تقديمه في قمة المُناخ"، تلاه الفرنسي ذو الأصول المغربية، منير ساتوري، الذي تساءل بدوره عن ثلاثة أمور "أولها الوزارة التي وضعت استراتيجية حقوق الإنسان.. الخارجية أم الداخلية؟، والثاني عن تعامل اللجنة البرلمانية في ملفي الحبس الاحتياطي والتعذيب، والأخير حول المساحة الممنوحة من مصر للخبراء والصحفيين الأجانب وما حققته السلطات في قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني ومحاكمة الضباط المتهمين بقتله".

هذه القضية الأخيرة كانت محور سؤال استنكاري للبرلماني الإيطالي بيير فرانسيسكو مايورينو بشأن "كيفية الادعاء بالتزام مصر بمبادئ ومعايير حقوق الإنسان، بينما تبنى البرلمان الأوروبي قبل عامين قرارًا يؤكد ما هو عكس ذلك"، في إشارة منه إلى قرار البرلمان الأوروبي بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، الذي ينتقد أوضاع حقوق الإنسان "المتردية" في مصر، والصادر بأغلبية أصوات بلغت 434 من أعضائه.

وعلى مدار الأعوام الماضية، خضعت مصر لحالة الطوارئ التي تم فرضها في ظل إعلان السلطات مُحاربة الإرهاب، والذي تم سنّ تشريعات خاصة به، أدت في إبريل/ نيسان 2020، إلى أن حذّرت خبيرة من الأمم المتّحدة، من أنّها تشريعات "تقوّض إمكانية تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. إذ تؤدي إلى تآكل إضافيّ لحقوق الإنسان الأساسيّة، وقمع أوسع نطاق لحرية التعبير والفكر وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، واستفحال الاعتقال التعسّفي والاحتجاز القسري، وتفاقم خطر التعذيب، وغياب المراقبة القضائية والضمانات الإجرائية، وتقييد حرية التعبير، والحق في حرية تكوين الجمعيات والحق في حرية التجمع السلمي".

وضرب البرلماني الأوربي مثالاً على هذه الحالة "المتردّية"، بقضية الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الفردية باتريك جورج زكي الذي يدرس كذلك في إحدى الجامعات الإيطالية، بعد أن قضى نحو سنتين في الحبس الاحتياطي دون محاكمة، قبل الإفراج عنه نهاية العام الماضي، مطالبًا بـ"إيضاحات لما يحدث وما سيتم اتخاذه حيال محاكمته" التي ما زالت وقائع إجراءاتها مستمرة، وكذلك بتفسيرات حول وجود "عشرات الآلاف من المواطنين قيد الاعتقال والحبس السياسي".

أوضاع "تتحسّن"

بدأ رئيس الوفد المصري الإجابة عن الأسئلة، بتأكيد "مُراقبة" البرلمان لما يتم إنجازه، و"وجود محادثات بين وزارات مختلفة وكيانات تنفيذية مختلفة، بخصوص المحاكمات في إطار الاستراتيجية الحقوقية". قائلاً عن السجون "منذ أربع شهور مضت، كان لدينا تغييرات دراماتيكية في حالة السجون، وقد تم تعديل الوضع تشريعيًا كي يُصبح السجن مؤسسة للتأهيل والإشراك مع المجتمع".

وأعلن أن وزارة الداخلية "افتتحت سلسلة من هذه المراكز (السجون) في نوفمبر 2021 وفبراير 2022؛ منهية وضع السجون السابقة بنسبة 33%"، ضاربًا مثال عليها بسجن وادي النطرون، الذي قال إنه "معتمد بشكل كبير من قبل المنظمات الدولية، وبناؤه متوافق مع المعايير الدولية".

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي صدّق في 20 مارس/ آذار الماضي، على تعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون، بعد موافقة البرلمان عليه، تضمنت "تغيير مسمى السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل، وتغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز تأهيل.

أمام هذه التعديلات، ذكرت منظمات حقوقية أن هذا التغيير في المسميات "يُماثل ما سبق طرحه في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، والذي اعتبرته "لا يتخطى مجرد تعديل شكلي لإعطاء انطباع وهمي بأن ثمة إصلاح يحدث في ملف السجون، بعدما شهد تدهورًا غير مسبوق خلال السنوات الثمانية الماضية، لا سيما الممارسات الانتقامية غير القانونية شبه اليومية، والإهمال الطبي المتعمد، والتعذيب، وسوء المعاملة، والحرمان من التريض والزيارة".

وفي بيان مُشترك لها، أكدت هذه المنظمات، أن "التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية أصبحا نمطًا ممنهجًا وأداة قمعية تستخدمها أجهزة الأمن بحق كل من تقيد حريته. إذ بلغ عدد الوفيات في أماكن الاحتجاز، منذ يونيو 2013 وحتى 2022، أكثر من ألف سجين"، وقدمت للسلطات مُقترحات طالبتها بتبنيها من أجل "اتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة لتحسين أحوال السجناء وتقليل أعدادهم".

الحبس والتعذيب

عن الأسئلة المثارة حول "عدم الاحتكام لمعايير حقوق الإنسان"، وما ذكره البرلمانيون الأوروبيون عن حبس باحثين مثل زكي وأحمد سمير سنطاوي، قال عضو الوفد المصري محمد عبد العزيز، وهو أيضًا عضو في لجنة العفو الرئاسي "نبحث حاليًا في مسألة استبدال أنواع أخرى من الإجراءات بهذا التوقيف المؤقت" في إشارة إلى الحبس الاحتياطي، مشيرًا إلى قضية سنطاوي باختصار قائلًا إنه "ضمن الشباب السجناء. ونحن في اللجنة الرئاسية نتابع هذا الملف. مثلما نتابع ملفات بقية الشباب، ونأمل أن نبلغكم بأخبار جيدة قريبًا".

عبد العزيز نفى أن استخدام السلطات الحبس الاحتياطي "كعقوبة"، دون أن يفسر لماذا دأبت نيابة أمن الدولة العليا خلال السنوات الماضية على حبس آلاف المتهمين على ذمة قضايا تراوح عددها بين ألف إلى ألفي قضية سنويًا، منذ عام 2018 وحتى 2021، يحال منها إلى المحاكم نحو عشرون قضية سنويًا فقط.

وعندما انتقل النائب في حديثه من الحبس الاحتياطي إلى اتهامات تعذيب السجناء والمحتجزين، لم ينفِ وقوع حالات تعذيب بل اكتفى بالإشارة إلى أن "الدستور المصري يحظره (التعذيب) بجميع أنواعه. إن التعذيب بموجب دستورنا جريمة، وتصرّ لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب الإصرار على هذا الأمر.. فنحن نعمل من أجل دعم حقوق الإنسان"، مُختتمًا حديثه بإعلان "وجود محاولات لتحسين الإجراءات الجنائية حول الحبس الاحتياطي، وآمال بتوافر كل الضمانات للتمكين من محاكمة حرة وعادلة".

سلطات "مستقلة"

قبل انتهاء الجلسة، أجاب رضوان عن السؤال الخاص بقضية جوليو ريجيني، التي أكد أنها "كانت دائما تحت مظلة النظام القضائي وليس النظام التشريعي"، قائلاً "ومنذ بداية القضية، كان النظام القضائي المصري متعاونًا بشفافية تامة مع فريق التحقيقات الإيطالي"، وفق زعمه، ليطالب بعد هذا بـ"عدم تدخل البرلمان في النظام القضائي".

كذلك، أبدى البرلماني تحفّظه على أمر آخر له علاقة بريجيني، بقوله"كانت هناك بيانات صحفية من مصر وإيطاليا على المستوى القضائي بخصوص هذه القضية. وأعتقد أن المنصات الإعلامية ليست هي المناسبة للعمل في ظلها. أما نحن كمشرعين، فعلينا أن نقيم قنوات اتصال ونبني جسور تناغم بيننا؛ لنحصل على ما يرضينا".

وفي نهاية 2020 أصدر المدعي العام الإيطالي لائحة اتهام رسمية ضد أربعة ضباط في قطاع الأمن الوطني المصري، وهم اللواء طارق صابر، والعقيدان هشام حلمي وآسر كمال، والرائد شريف مجدي، بينما قرر النائب العام المصري غلق التحقيق في القضية "مؤقتًا" لعدم الاستدلال على الجاني.