ميشيل برونيه- بإذن للمنصة
أنا مصري وإن اُلغيَت أوراق الدواوين الدالة على هذا

ما بعد الحرية: حوار مع رامي شعث عن استقلال مصر وفلسطين

منشور الخميس 26 مايو 2022

يوم السبت 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، حين هبطت طائرته في العاصمة الفرنسية باريس، كان الناشط السياسي رامي شعث، يطوي صفحة رحلة تجاوزت السنتين ونصف، بدأها، قسريًا، في ليمان طره، ودفع كلفتها، فضلًا عن حريته، بالتخلي عن جنسيته المصرية.

رحل رامي عن مصر إلى فرنسا، كجزء من صفقة يراها "مُجحفة"، لذلك لا يتصور أنه قد يتراجع عن استرداد ما خسره فيها، أو يتوقف نضاله سواء ضد "الاحتلال" أو "الديكتاتورية". لأنه حسبما يقول "مصري" وإن اُلغيَت أوراق الدواوين الدالة على هذا، و"فلسطيني" وإن وضع الاحتلال حواجز بينه وبين بلاده. فبالنسبة لشعث، الانتماء لا يتطلب أوراق ثبوتية أو إقامة، فهو لم ينفصل عن البلدين، وكان حين تحدث إلى المنصة من مقر إقامته في فرنسا كأنه لم يبرحهما من الأساس.

ضد الصهيونية

في 11 مايو/ آيار الجاري، اهتز العالم بخبر اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، وانطلقت فعاليات منها ما شهدته مصر، كان رامي ليُشارك فيها لولا إبعاده إلى باريس.

لسنوات طويلة وعبر أنشطة عديدة ناصر شعث القضية الفلسطينية، أبرزها ما كان في إبريل/ نيسان 2015، بالتزامن مع الذكرى الخامسة والأربعين لمذبحة بحر البقر، حين كان بين مؤسسي الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل في مصر BDS، التي وإن أبعده عنها السجن ثم الترحيل؛ ما يزال على ولائه لمبادئها "أنا هفضل أنتمي للـ بي دي إس في العالم ككل، وللفكرة".

شعث، وعلى حد قوله، لم يعد قياديًا في الحركة بمصر، غير أن معاداة الاحتلال لا تتطلب انتماء لتنظيمات، فهو خصيم إسرائيل "ما حدث في حق شيرين أبو عاقلة جريمة صهيونية مستمرة في قتل كُل مَن يُظهر حقيقة اعتداءاتها. وشيرين دائمًا فدائية في موقع المعركة، تفضح انتهاكاتهم وتعرّيهم أمام العالم؛ وهو ما كان خطر دائم على هذا النوع من الاحتلال والأبارتيد".

 وبالتالي، والحديث لرامي "كان اغتيالها بهذا الشكل القميء. وللأسف، قوات الاحتلال منذ ذلك الوقت، وكعادتها، تحاول بث نوع من الشك حول قتلها، وهو الواضح للعيان، أنها قُتلت بدم بارد لقناص كرر استهدافه لها بعد سقوطها على الأرض، في جريمة صهيونية نكراء".

تحاول إسرائيل التي قتل جنودها شيرين في جنين نفي تُهمة الاغتيال كما بدا في إعلانها خلال الأسبوع الجاري، رفض إجراء تحقيق أمريكي في الحادث، الذي جاء بالتزامن مع مطالبة مقررة الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية بإجراء "تحقيق شفاف" في الواقعة، مع تأكيدها ما لإسرائيل من "سجل طويل في عدم إجراء أية تحقيقات مستقلة".

لهذا، وفيما يُمثّل تحذيرًا مما يمكن لتل أبيب فعله، يقول رامي "الهدف الإسرائيلي هو بث هذا النوع من الإرباك في اللحظات الأولى كي يمتص الصدمة. بوعي وإدراك لأنه قريبًا جدًا ستكشف الشهادات والتحقيقات أن القاتل إسرائيلي. لكن حينها سيكون الأثر خفّ والعالم نسي والهجمة انتهت. ولهذا، دورنا ألاّ ننسى أو نغفر".

عدم النسيان أو المغفرة الذي يوصي به شعث، لا يتعلق بواقعة أبو عاقلة فحسب، فالأمر مرتبط بالعدوان الإسرائيلي المستمر منذ عقود "وهذه هي فكرة بي دي إس"، يقول الناشط "كفى هذا التعاطف اللحظي مع الشعب الفلسطيني الذي نراه عقب كل مجزرة على غزة أو جنين أو لحظة اغتيال الشهيدة شيرين. ثم، ينسى الجميع ما كان. وهذا ما يعتمد عليه الاحتلال. أما بي دي إس، فهي عمل دائم ومنظّم لرفع الوعي وتوحيد الناس في حملات مقاطعة مستمرة، هدفها توعيتهم بالاحتلال والأبارتيد الإسرائيلي، وتوضيح الوقائع، وتخسيرهم سياسيًا واقتصاديًا وعزلهم دوليًا ومحليًا".

يدعو شعث الجموع إلى الانضمام للحملة، التي يحلم بأن تُشكّل عملًا منظمًا يوجع الاحتلال ويغير المعادلة، ولا يصبح مُجرد تعاطف لحظي. لكن حتى هذا الأخير، كانت له معادلاته وحساباته لدى السلطات، ومنها المصرية، التي وإن أدانت الاغتيال فإنها تنصّلت من الحديث عن قاتلها كما كان جليًا في بيان وزارة الخارجية المصرية.

هذا البيان كان محل انتقاد من عدو إسرائيل، الذي قال عنه "هو في الحقيقة بيان سخيف ومسيء. وللأسف، هذا خط سياسي نراه خلال السنوات السبع الماضية، فيه ابتعاد عن القضية والحقوق الفلسطينية. وهو أمر، للأسف، متوقع من نظام يقمع الشعب المصري؛ فيقمع الحقوق الفلسطينية، وتتوسع علاقاته بإسرائيل؛ فهو متحسس من إدانة حليفه. وهذا للأسف شيئ مسيء".


اقرأ أيضًا| رأيتُ شيرين: إلى جوار الموت كل يوم

 


وفي العموم، لا أهمية يراها شعث في الأمر "أعتقد أن قارئنا العربي والمصري صار مُدركًا أنه حتى بيانات الإدانة أصبح ليس لها قيمة. فما القيمة بينما التنسيق السياسي والعسكري والأمني والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ما زالت قائمة؟"، مُستدركًا "وإن كان في هذه الصياغة سماح للرواية الإسرائيلية المُشككة في القاتل بأن تنجح في امتصاص الغضبة حول الجريمة، ومنحها الفرصة والوقت والمساحة لتفويت الأزمة قبل ثبوت التهمة".

وهذا ما يجعل المصري- الفلسطيني يرى مستجدات على الوضع المصري، لكنها سلبية "هناك تراجع مرعب للسياسية الخارجية والتموقع السياسي المصري، وهو أمر مهين لنا وضد مصالحنا وأمننا القومي".

هذه مخاطر لم تغب عن شعث ورفاقه ممن كان لهم مطالب، رفعوها واضحة عقب الدعوة الرئاسية لحوار وطني، وكان منها ما يخصّ فلسطين صراحة "ذكرنا في بياننا الخاص بالحوار السياسي، أنه من النقاط المهم جدًا تناولها في أي حوار مستقبلي يُعيد بناء مصر هو تموضُعنا الإقليمي وأمننا القومي في أشياء مثل ملف سد النهضة والقضية الفلسطينية".

.. وضد القمع

يتحدث رامي، ورفاقه من أبناء يناير، عن التموضّع المصري باعتباره واحدًا من مستلزمات الحوار الوطني، الذي يرى أهم متطلباته "احترام حقوق الإنسان"، التي حاول نواب برلمانيون مصريون تبرير تراجعها للبرلمان الأوروبي، بينما كان له هو في فاعلية أخرى رأي مختلف بشأنها، بناه من واقع تجربة استمرت حوالي 900 يوم في السجن.

"أنا أدليت بشهادة في بروكسل أمام أعضاء برلمانات أوروبية، كانوا مهتمين بسماع كلمتي باعتباري شاهد عيان لما حدث معي وما رأيته في السجن"، يقول شعث الذي كان مصدومًا من النفي المصري لاستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة، سواء من ذلك الوفد، أو الرئيس السيسي من قبلهم.

ويتساءل "يعني إيه لا عقوبة بالحبس الاحتياطي؟ أنا اتحبست سنتين ونصف احتياطي قبل أن أخرج بإجراءات سخيفة. ومثلي تمامًا الجزء الأكبر من المعتقلين. هذا النظام ولا اسم له إلاّ احتجاز تعسفي. فماذا يعني حبس سنتين في معتقل سيئ الشكل والسمعة لمُجرد كونك ما زلت تبحث القضية؟ في كل العالم، الحبس أسبوع أو اثنين ربما بعض شهور. لكن سنتين لبحث توجيه اتهام والإحالة للمحاكمة من عدمه؟".

ألقي القبض على رامي في 5 يوليو/ تموز 2019 من منزله بالقاهرة، ووضع على ذمة القضية 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا والمعروفة إعلاميا بـ"خلية الأمل"، التي تضم البرلماني السابق زياد العليمي، والصحفيان هشام فؤاد وحسام ومؤنس، ووجهت لهم تهم "نشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون"، وتم ترحيل زوجته الفرنسية لبلدها عقب القبض عليه.

لم يصدر ضد شعث حكم بالسجن طوال مدة احتجازه، لذلك يرى أن الحبس الاحتياطي "يُستَخدم في مصر كأداة لإرهاب الشعب والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. والأمر نفسه ينطبق على ملفات التعذيب. فأنا، رغم اعتقالي من منزلي وتغميتي وكلبشتي وربطي في حائط أثناء إخفائي قسريًا بالأمن الوطني، إلاّ أنني أراها معاملة VIP مقارنة بما رأيته مع آخرين، فـ80% ممن رأيتهم من ضحايا الإخفاء القسري وعلى أجسادهم آثار تعذيب واعتداءات، وبنفسياتهم من اختلال توازن تظهر في كوابيس وصراخ".

وبعد ما رآه؛ يعتبر السجين أداء الوفد المصري أمام الأمم المتحدة نوعًا من "الإجرام"، ويقول "هذا الاجتماع الذي أرى هدفه تسويق الخطاب الجديد بوجود حوار ورغبة في التغيير. وهو ما أرد وسأظل أرد عليه، وسيكون لي جولة خلال الفترة المقبلة لأبلغهم بأن ما قيل غير حقيقي، وأننا قدمنا مقترح يوضح شروط الحوار الحقيقي، وما يجب أن يسبقه من إجراءات ثقة لا تتم".

غابت إجراءات الثقة كما يرى شعث، وله في هذا الرؤية أدلّة خصّ منها بالذكر إطلاق سراح السجناء "ما زال الأمر يتم بأعداد قليلة وصورة اعتباطية وعفو رئاسي، دون تغيير حقيقي"؛ وبناءً على هذا كان له رؤيته بشأن تحركات النظام "أراها ليست تغييرًا في الرؤية والسياسة، بل تموضعًا جديدًا لتسويق نفسه في ظل أزمته الاقتصادية والضغط الدولي عليه. وهذا غير مقبول؛ وسنفضحه عالميًا ما لم يتحول إلى تغيير حقيقي".

تحفّظات رامي طالت أيضًا واحدة من أهم الخطوات التي اتخذّها النظام المصري مؤخرًا، وهي إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي قال عنها في تشابه مع انتقادات حقوقية صدرت بحقّها "أنا مندهش من أن يضع مثل هذه الوثيقة وزارة الخارجية. فهذا يكشف الهدف، وهو التسويق للخارج وليس التطبيق في مصر. وها هي النتيجة واضحة، عدم تطبيق أي شيء منها. فقط احتفالية بشأنها وتصديرها للخارج عن طريق الوزارة والوفود".

ويخاطب شعث النظام المصري قائلًا "في البداية اقنع شعبك، واتخذ إجراءات ثقة حقيقية ومنطقية طلبناها، ومنها رفع اليد الأمنية عن الشعب والبلد؛ هذا مُقنع ويشجّع على حوار ويبدأ في تغيير البلاد. وبعدها خاطب العالم. لهذا، لا يُصدّق الأوروبيون الأمر، جزء بسبب شهادتي وآخرين حول الأوضاع الحالية، وجزء استنادًا إلى تقاريرهم والمنظمات الدولية التي ترصد الوضع في مصر. فنحن أمام كذبة لم تعد قابلة للتسويق، وهذا ما سنضمنه من خلال توضيح الصورة الحقيقية للعالم".

يحاول شعث توضيح "الصورة الحقيقية" للعالم، وهذا ما اتّخذ حياله إجراءات، كان منها مُشاركته في مؤتمر برعاية كل من الأمم المتحدة والحكومة الأسبانية، على أراضي الأخيرة، حول أثر مكافحة الإرهاب على حقوق الإنسان، والذي يعتبره بدأ منذ ما بعد أحدث 11 سبتمبر 2001.

 

مشاركة رامي شعث في المؤتمر


بناءً على ما تبنّاه في كلمته خلال هذا المؤتمر الذي انعقد في الفترة من 9 إلى 11 مايو الجاري، قال السياسي "للأسف طبعًا، العالم لم يتفق، وجزء منه بسوء نية، على تعريف واضح للإرهاب؛ ما سمح لكثير من الدول باستخدام مكافحة الإرهاب لقمع الناشطين المجتمع المدني وكل مُعارض. وهذا يحدث بكثافة في مصر ومن جانب الاحتلال الإسرائيلي، اللذين يستخدمان مكافحة الإرهاب بشكل مسيء وغير حقيقي".

ويشرح وجهة نظره، قائلاً "يستخدمون تهم الإرهاب، التي تتم استنادًا إلى معلومات سرية، لإهدار الحق في المحاكمات الحقيقية، ولاستهداف النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بهدف إسكات الكلمة المعارضة للديكتاتورية في مصر أو للاحتلال الصهيوني في فلسطين. فباعتباري كنت واحد من عشرات الآلاف السجناء في مصر، كانت رسالتي واضحة، وهي وجود مسؤولية على عاتق العالم فيما يحدث".

هذا كان "الدور" الذي أدّاه شعث في المؤتمر، والذي يؤكد أنه سيستمر في لعبه "كي أفضح تجربتي في السجون المصرية، ولتبني الدول علاقاتها مع النظام المصري بناءً على احترامه لمواثيق حقوق الإنسان وبالتالي احترامه لشعبه، وليدرك العالم أن منطقتنا بُليَت بثنائية الاحتلال الإسرائيلي والديكتاتوريات العربية، اللذين ينسّقون أمنيًا وسياسيًا، ويستغلون مكافحة الإرهاب في غير حقيقتها.علينا مواجهة هذا، وستظل هذه رسالتي".

ابن المصريين 

المصري- الفلسطيني المنتمي أيديولوجيًا إلى اليسار، هو صاحب حربين يرى بينهما أمور متشابهة "استقلال فلسطين، واستقلال مصر وحريتها". تتشابه الحربان مع معارك أخرى يؤمن رامي بأهميتها في تغيير العالم، يسردها تفصيليًا وتتمثل في "حرية المرأة وحرية الاعتقاد والعقيدة والأقليات".

لهذا، يُعرّف شعث نفسه فخورًا بأنه هذا الشخص "المساند لحقوق الإنسان عالميًا"؛ ويُشير إلى ما عاناه من صدمة حين وجّهت له السلطات المصرية هذه التُهمة، "الإرهاب"، التي ما يزال يتذكر ما اقترن بها من "عبث" لمسه في التحقيقات "حين قال لي المحقق أنني انتمي لجماعة إرهابية؛ ضحكت وسألته: ما هي الجماعة؟ فكان ردّه: (ماقدرش أقولك على اسمها)"، ويُعلّق ضاحكًا "يعني حاجة غريبة جدًا".

الحرب التي يخوضها شعث في مصر وما يتكبده من خسائر بسببها، ليست بالجديدة. فهي منذ عقود، وكان لها ثمن "أنا مُعتاد على هذا النوع من القمع منذ أيام مبارك. فمنذ 1991، اسمي على قوائم ترقب الوصول والمتابعة الأمنية بالمطارات، وتم سحب جواز سفري وحرموني منه 7 سنوات. وكنت أحصل على باسبور سنوي من جهاز أمن الدولة".

خسائر الرحلة

ربما اعتاد شعث على ما كان يتم بحقه من تضييقات في عهد مبارك. بل وضحك حين تم اتهامه بالإرهاب. لكن ما ترتب على هذا الاتهام لم يكن مُضحكًا بالمرّة. إذ أنه لم يتوقف عند خسارة 900 يوم خلف القضبان، لهذا، ورغم ما شمله زمن ما قبل يناير من قسوة، لكنه مقارنة بما يجري حاليًا، جعل شعث الذي يتحدث ضاحكًا "مُشتاقًا" للزمن الغابر الذي يقول عنه "حين كانت السخافة توقيف في مطار أو منع من السفر مرّة أو تعطيل إجراءات عمل. فالأمر لم يصل أبدًا إلى محاولة تشويهي، واعتقالي".

بعيدًا عن العمل السياسي وقريبًا منه في الوقت نفسه، فضل رامي شعث أن يكون رجل أعمال في مجال اختاره أيضًا بناءً على رؤية "كنت مُساهما لمدة 30 سنة في شركة برمجيات وأجهزة ومعدات، وكنت رئيس مجلس إدارتها حتى تم اعتقالي. كُنّا نتنج الأفكار بفريق عمل من المهندسين المصريين وبأدوات مصرية 100% بأدوات مصرية. لأني مؤمن بأنه وكي ننافس في العالم؛ فإننا نحتاج لخلق التكنولوجيا الخاصة بنا".

رغم هذه الفلسفة والهدف، لم يترك نشاط شعث السياسي مجال عمله "في السنوات الأخيرة تعرّضنا لمشاكل عديدة، جزء منها كان لاضطهاد الدولة والأجهزة الأمنية ليّ بسبب نشاطي السياسي؛ ما أدى إلى تصفية نشاط الشركة".

حديث رجل الأعمال عمّا تعرّض له من "خسائر واضطهاد" ليس مُرسلاً، فالوقائع ما زالت ماثلة في ذهنه حتى اليوم "بدأت الأجهزة الأمنية شيئًا فشيئًا توقف عقودنا مع شركات المرافق (المياه، والكهرباء، والغاز). هي لم تصدر قرارًا بمصادرة أو غلق الشركة، لكن ضيّقوا عليها في العقود ووضعوها تحت ضغوط وإرهاب أمني. ومع اعتقالي؛ بدأت الشركة فعليًا تصفي عقودها وتنتهي كشركة رائدة في التكنولوجيا".

بجانب الخسائر المادية، كانت الشخصية حاضرة، فرامي لم يكن ليودع عائلته لولا السجن، ومن بعده صفقة النجاة "عائلتي ما زالت موجودة في مصر، أختي وبنتي وعائلتي الكبرى بالعشرات. للأسف، أنا لم يُجر معي أي حديث عند خروجي، والحديث الوحيد كان: (لن تخرج إلاّ لو تنازلت عن الجنسية). واستمر الضغط إلى أن تم الأمر للأسف".

هذا كان العرض الوحيد ودون الخوض في أي تفاصيل "كان ابتزازي للتنازل عن جنسيتي. غير ذلك، لا شيئ. لا حديث عن أوراق أو شيكات أو أموال، كل شيء محجوز عليه باعتباري ما زلت على قوائم الإرهاب المزعومة. وهذا كله غير قانوني أو عادل أو شرعي. لكنها أدوات القمع".


اقرأ أيضًا| حوار مع نبيل شعث عن وطن وابن يدفعان ثمن إغضاب الإسرائيليين والأمريكان

 


تعرض الرجل لكل هذه الإجراءات والتي غالبًا ما يتم السمّاع عنها بحق فئة لا يرى نفسه من المنتمين إليها "يعني أنا في الحقيقة لست الشخص الذي يملك مالًا. أنا أعيش على راتب شهري. صحيح أنه يوفر لي حياة كريمة لكنني لست بالغنيّ. لهذا؛ أنا لا أملك ما يصادرونه بشكل حقيقي، فأملاكي هي دخلي وأسهمي في هذه الشركة؛ فأنا لست قلقًا على ثروة".

لا يقلق شعث على ثروة، لكنه تأثر بتلك القرارات حتى اليوم "هم وقفوا مصدر دخلي. وهذا أمر صعب عليّ وعائلتي، خاصة مع ترحيلي بهذا الشكل المجحف وغير القانوني إلى فرنسا التي لم أعمل فيها حتى الآن. مع العلم أنني رفضت التعامل بأي صورة بخلاف الفيزا. أنا مُقيم هنا بفيزا؛ ومن ثَم لا أتلقّى مساعدات بأي صورة، لا من الدولة الفرنسية ولا أي جهة أخرى".

وهذا الوضع على صعوبته، كان بمثابة دليل قاطع يردّ به شعث على أي اتهامات جديدة توّجه له "كلها اتهامات باطلة، لا دخل ولا مساعدات ولا دعم. بالعكس، أي حرّاك منّي للدفاع عن قيمي ومبادئي وزملائي السجناء وقضيتي العادلة في مصر وفلسطين؛ هو من وقتي وحياتي. ولا تشكل هذه الاتهامات أي فارق معي. لأنها على نفس النمط الباطل، في البداية كانت أنت إرهابي، والآن أنت تحاول أن (تسترزق) من الخارج".

وعن هذا الخارج يقول "بالعكس. أنا مستعد للعودة إلى مصر من الآن. وسأعود يومًا ما إلى مصر. ولن أتخلّى ابدًا عن جنسيتي. وليست إسرائيل هي مَن يُحدد كوني فلسطينيًا أم لا، وليس النظام الحاكم وأجهزته الأمنية في مصر مَن يُحدد كوني مصريًا أم لا. أنا بجنسيتي وهويتي وانتمائي سأظل مصريًا وفلسطينيًا، فخورًا بالجنسيتين، وسأسترجع أوراقهما وأعود إليهما. هذه عقيدة حياتي التي لن تتغير".

يحلم شعث بتغيير كامل، ويعمل على تحقيقه "هذا ما أسعى إليه، بأحاديثي البرلمانية ولقاءاتي المختلفة؛ للتأثير في رأي عام قادر يضغط على مؤسسات بلاده من أجل رؤية أوسع من مصالح ضيقة. فالدول الأوروبية، مصالحها ليست في الصفقات، بل في دول مستقرة ديمقراطية؛ ما سيضمن لها استثمارات طويلة المدى، ووقف للهجرة غير الشرعية، ونهاية لتعصب تنظيمات يخلقها قمع في ظل سكوت وتواطؤ بعض دول العالم".

هذه القائمة من المصالح الغربية، هي التي يراها محور رسائله "فسيظل هذا خطابي، مع تأكيد أننا لن نظل قابلين بشرق أوسط مبني على الاستعمار الإسرائيلي والديكتاتوريات. علينا تغيير هذا لمصلحة جميع الشعوب. مع العلم بأن معركتنا طويلة في سبيل التغيير، والذي لابد أن يأتي من الداخل. أما الخارج: فمطالب فقط باحترام القوانين وتحديد علاقاته بالدول بناءً على أوضاع حقوق الإنسان بها".

يوكل شعث مهمة التغيير إلى الداخل، مُختتمًا حديثه بتأكيد إيمانه التام بقدرة الداخل على هذا الأمر "أنا ليس لدي أي شك في أننا سنفعل هذا، أو أي شك في أننا سنغيّر واقعنا، سواء كان في فلسطين أو مصر. فهذه معركة لم أشك ولو للحظة في أننا- ورغم صعوبتها- سنفوز بها".