إحدى صيدليات 19011. صورة متداولة على تويتر

صيدليات 19011: قصة 318 شيكًا قادتها للإفلاس

منشور الأحد 12 يونيو 2022

 

لم تستغرق شركة ألفا لإدارة الصيدليات، المالكة لسلسلة 19011 سوى عامين فقط لتثبت عدم مناسبة سياسة الاحتكار والتوسع الملحوظ في الاستحواذ على الصيدليات مع سوق الدواء المصري، لتنتهي صلاحية الشركة القانونية بموجب حكم الإفلاس الصادر في 5 يونيو/ حزيران الجاري من محكمة القاهرة الاقتصادية على خلفية تراكم المديونيات المستحقة عليها لصالح شركات توزيع الأدوية والدعاية والإعلان وبعض الصيادلة الذين باعوا لها صيدلياتهم، التي تخطت 558 مليون جنيه، بموجب 318 شيكًا بنكيًا فشلت الشركة في سدادها، ما يضع ملاكها في ورطة حال صدور حكم نهائي، إذ قد تتخطى الآثار القانونية إعلان الإفلاس، فتطال مسؤولي الشركة حال ثبوت "الإفلاس بالتدليس".

الشركة التي صاحب ظهورها في أواخر عام 2019 زخمًا شديدًا، ارتبط بما أثير وقتها من شائعات عن وقوف أجهزة الدولة والقوات المسلحة ورائها، وتمثيل نجل الرئيس في مجلس إدارتها، على النحو الذي دفع الإعلامي عمرو أديب لاستضافة ثلاثة من مسؤولي الشركة في حلقة خاصة من برنامجه أذيعت في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، جرى التسويق لها على قدم وساق من وسائل الإعلام المملوكة لأجهزة الدولة، بالإعلان عن استضافة أديب لـ "محمود عبد الفتاح السيسي" المسؤول بمجلس إدارة الشركة، ليتضح بعدها أن مجرد تشابه في الأسماء بين اسم ذلك المسؤول واسم نجل رئيس الجمهورية كان وراء تلك الادعاءات.

أوفت حلقة أديب بهدفها المرتبط بنفي أي علاقة لنجل الرئيس بالشركة، واعتبرها المؤيدين لسياسات الحكم في مصر، لاسيما تلك المرتبطة بتوسع الجيش في السياسات الاقتصادية بمثابة هدفًا في مرمى المناهضين لذلك التوسع، على نحو جعل وسائل الإعلام المملوكة لأجهزة الدولة تصفها بأن عمرو أديب "ضحك" فيها على إعلام الإخوان، غير أن تلك الحلقة ظلت شاهدًا على ظروف وملابسات ازدهار تلك الشركة التي لم تدم طويلًا رغم الزخم الذي أحاط بنشأتها.

هنا نرصد من واقع مستندات حكم الإفلاس حجم الديون التي تراكمت على الشركة خلال عام واحد من العمل، وقائمة الدائنين المستحقين لتلك الديون بموجب شيكات بنكية محررة على شركة ألفا، ونكشف مصير سلسلة الصيدليات والآثار المترتبة على ذلك الحكم.

قائمة الدائنين بـ 318 شيكًا

في البداية تشير وثائق القضية إلى أن مراحل النزاع بدأت بتقديم شركتي مالتي تريد لتجارة مستحضرات التجميل، وشركة ترو أيز لتجارة العدسات اللاصقة تسعة شيكات بنكية مرفوضة السداد، صادرة عن شركة ألفا المالكة لسلسة صيدليات 19011، تثبت تعثرها في سداد المديونيات المستحقة عليها للشركتين، بواقع 7 مليون و63 ألفًا و303 جنيهات مستحقة بموجب 5 شيكات بنكية لشركة مالتي تريد للتجارة، ومبلغ مليون و563 ألفًا و681 جنيهًا مستحقة لشركة ترو أيز، محرر بها 4 شيكات.

كما تُظهر وثائق الحكم أن الشيكات التسعة كانت بمثابة كرة الثلج التي تفاقمت بعدها أزمة دائني سلسة الصيدليات، حيث انهالت على محكمة القاهرة الاقتصادية في أعقاب ذلك الشيكات البنكية المرفوضة الصادرة عن شركة ألفا المالكة للسلسة، لصالح شركات توزيع أدوية وشركات دعاية وإعلان، على نحو يشير إلى تعثر المركز المالي للشركة وتوقفها عن سداد مديونياتها بعد مرور أقل من شهر واحد على اللقاء التلفزيوني الشهير الذي جمع رئيس مجلس إدارة الشركة نعيم الصباغ مع الإعلامي عمرو أديب، والذي اعتبر فيه الصباغ أن المقاربة بين ملكية سلسلة الصيدليات والجيش هي " شائعات لا تستهدف سوى هدم تجربة مصرية يصعب تكرارها" على حد وصفه.

وعلى أثر الأزمة تقدمت شركة بايو ستريم المتخصصة في مجال مستحضرات التجميل للمحكمة لعدد 12 شيكًا بنكيًا منها 11 شيكًا مسحوبًا على بنك قطر الوطني والشيك الأخير مسحوب من البنك العربي الإفريقي، مرفقًا بها إشعارات رفض تلك الشيكات، حيث تضمنت تلك الشيكات دينًا تجاريًا مقداره 2 مليون و155 ألفًا و259 جنيه لصالح الشركة.

مديونيات الشركة. إنفوجراف: المنصة 


كما تضمنت قائمة الشركات الدائنة شركة مالتي فارما للأدوية والكيماويات، والتي تقدمت للمحكمة بـ 50 شيكًا بنكيًا مرفقًا بها إشعارات الرفض من البنوك، تتضمن دينًا تجاريًا مقداره 119 مليون و538 ألفًا و346 جنيهًا.

كما تُظهر وقائع النزاع أن الشركة لم تتعثر في سداد مديونياتها المستحقة لصالح شركات الأدوية والدعاية والإعلان فحسب، بل تعثرت أيضًا في سداد باقي مستحقات أحد الصيادلة يدعى ماريو ماهر بسطوروس، نظير شراء صيدليته الكائنة بكورنيش الميل ناحية منطقة روض الفرج بالقاهرة، حيث قدّم الأخير للمحكمة 9 شيكات بنكية مرفوضة تثبت أنه يدين سلسلة الصيدليات بمبلغ 450 ألف جنيه، وأرفق بالشيكات الإشعارات البنكية لرفضها بالإضافة إلى محاضر شرطية وأحكام جنائية وإنذارات رسمية.

وعلى صعيد الدائنين من شركات الدعاية والإعلان تلقت المحكمة عدد 14 شيكًا بنكيًا مرفوضًا محررة من شركة ألفا لصالح شركة الإسراء للإعلان، تتضمن دينًا مقداره 2 مليون و312 ألف جنيه.

كما تضمنت قائمة الدائنين أيضًا شركة لونا لصناعة العطور ومستحضرات التجميل، والتي قدمت للمحكمة شيكين بنكيين تضمنًا دينًا تجاريًا مقداره مليون و593 ألفًا و398 جنيهًا، بالإضافة إلى شركة إيسنشايل فارما إنترناشونال، والتي قدمت شيكين بنكيين هي الأخرى يثبتا استحقاقها لدين لدى شركة ألفا مقداره 406 ألف و465 جنيهًا.

كما اشتملت أوراق النزاع أمام المحكمة الاقتصادية 46 شيكًا بنكيًا مرفوضًا صادرة عن شركة ألفا لصالح الشركة المتحدة للتجارة والتوزيع للسلع الاستهلاكية، تثبت أن الأخيرة تداين السلسلة بمبلغ مقداره 88 مليون و152 ألف و954 جنيهًا.

وفي السياق ذاته جاءت الشيكات المحررة من الشركة المالكة للسلسلة لصالح الشركة المتحدة للصيادلة، وعددها 139 شيكًا تضمنت مبالغ مديونيات وصلت لـ 268 مليونًا و294 ألفًا و949 جنيهًا، وجميعها رفضت البنوك صرفها لعدم وجود رصيد، لتثبت أن شركة ألفا توقفت عن سداد مديونياتها للشركات الدائنة بداية من 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أي بعد 17 يومًا فقط من ظهور رئيس مجلس إدارة الشركة مع الإعلامي عمرو أديب على فضائية إم بي سي مصر، في اللقاء الشهير الذي استهدف وقتها نفي علاقة القوات المسلحة بالسلسلة.

ولم تتوقف أزمة الشيكات البنكية المحررة من الشركة دون وجود رصيد لسدادها في البنوك عند هذا الحد وحسب، بل تلقت المحكمة أيضًا عدد 35 شيكًا محررًا لصالح شركة الشرق الأوسط للكيماويات، بمبالغ بمديونيات وصلت إلى 57 مليون و766 ألف جنيه، فضلًا عن خمسة شيكات أخرى محررة لشركة كيميفارم ليمتد، تضمنت ديون مقدراها 6 مليون و577 ألفا و 908 جنيه، بالإضافة إلى مديونية مستحقة على الشركة لصالح المركز التجاري الدولي بواقع 2 مليون و291 ألف و800 جنيه، محرر بها 4 شيكات بنكية مرفوضة.

أربعة أسباب للإفلاس

محكمة القاهرة الاقتصادية قالت في حيثيات حكمها بإشهار إفلاس الشركة، إن قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصح الواقي للإفلاس، اشترط لشهر إفلاس التاجر عدة شروط تتمثل في أن يكون التاجر مدينًا بدين تجاري معين المقدار، وأن يكون الدين غير متنازع عليه وثابت في حق المدين للدائن، بالإضافة إلى ثبوت حلول أجل استحقاق الدين، وأخيرًا ثبوت توقف التاجر عن دفع ديونه إثر اضطراب أعماله المالية.

وأشارت المحكمة إلى أن محكمة النقض عرَّفت التوقف عن السداد، بأنه ذلك التوقف الذي ينبئ عن مركز مالي مضطرب وشائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر مما يعرض حقوق الدائنين للخطر.

وأضافت المحكمة أن شركة ألفا المالكة لسلسلة صيدليات 19011 مدينة لـ 17 شركة بموجب شيكات بنكية ناشئة عن عمليات تجارية، وكان الثابت أن تلك الديون معلومة المقدار وحلّ أوان سدادها، وغير متنازع عليها.

 

لقاء عمرو أديب مع أعضاء مجلس إدارة صيدليات 19011


ونوهت المحكمة إلى توثقها من توقف الشركة عن سداد تلك الشيكات نتيجة اضطراب مركزها المالي اضطربًا مستحكمًا يتزعزع معه الائتمان، ومرورها بضائقة مالية يُخشى معها على حقوق دائنيها، ما يحقق الشروط الواجبة لإشهار الإفلاس.

مصير الشركة المنتظر

وحول الآثار القانونية للحكم بإشهار إفلاس الشركة، قال الدكتور ياسر الشاذلي، المحامي بالنقض والمتخصص في قضايا الشركات إنه يجب التأكيد بداية على أن حكم الإفلاس الصادر ضد الشركة ابتدائي، ولا يصير نهائيًا على النحو الذي تتحقق معه الآثار القانونية لمفهوم الإفلاس، إلا بعد تأييده من قبل محكمة الاستئناف واستنفاذ الشركة المتضررة لمراحل التقاضي فيه.

وأوضح الشاذلي، أنه حال صدور حكم نهائي من محكمة الاستئناف بإشهار إفلاس الشركة، فأنه سيتم تعيين وكيل حكومي لإدارة أصول الشركة بما تتضمنه من مقرات وأصول أو أرصدة بالبنوك تم الحجز عليها ومنع مسؤولي الشركة من التصرف فيها، لافتًا إلى أن ذلك الوكيل سيبدأ على الفور في تلقي سندات الديون من الدائنين سواء كانت أحكامًا قضائية أم شيكات بنكية أو إيصالات أمانة، وذلك لإثبات مستحقاتهم لدى الشركة.

وأشار الشاذلي، للمنصَّة، إلى أن القانون وضع ضمانة للتأكد من ثبوت كافة الديون في حق الشركة المتضررة، بأن منح وكيل التفليسة المعين لإدارة المال الحق في الرجوع لقاضي يسمى "قاضي التفليسة"، وهو الذي يتولى البت في الديون غير الثابتة والمتنازع عليها، لافتًا إلى أن هناك نوع من الإفلاس يسمى "الإفلاس بالتدليس"، وهو الذي يسعى فيه المفلس إلى ادعاء وجود ديون غير واقعية عليه بموجب شيكات وإيصالات يحررها لأشخاص يتبعونه، حتى يتيح له ذلك الحصول على جزء من الأصول مع الدائنين، الذين ستقسم عليهم تلك الأصول أو ما يعرف بالتفليسة، ومن ثم يبت القاضي في كون هذه الديون مستحقة وحقيقية أم لا.

وتابع الشاذلي أنه بعد انتهاء مرحلة تصفية الديون وبيان الديون المستحقة بشكل كامل، يقدِّر وكيل التفليسة القيمة المالية للأصول والعقارات ويقارنها بحجم الديون، فإذا كانت الديون تكافئ قيمة الأصول فيتم توزيعها بالتساوي، أما في حالة عدم وفاء قيمة الأصول بحجم الديون يتم في تلك الحالة تقسيم الأصول على الدائنين بطريقة يسميها القانون "قسمة الغرماء" وهي التي يتم فيها تحميل الخسائر بنسب محددة على الدائنين، وفي أحيان أخرى ترى المحكمة أنه من الأفضل للدائنين تأجيل البيع، بحيث يتم إعادة تشغيل الصيدليات لتدر أرباح خلال مدة زمنية محددة، فتدر أرباح خدمةً للدائنين قبل بيعها. وحول الأثر الجنائي لحكم الإفلاس على مسؤولي الشركة وهل سيتم محاكمتهم جنائيًا أم لا، قال الشاذلي إن هناك نوعين من الإفلاس هما " الإفلاس بالتقصير" وهو الذي يترتب فيه إفلاس الشركة على إهمال المسؤول في إدارته له وعدم إمساك قوائم ودفاتر مالية صحيحة على نحو يؤدي إلى الخسارة، وفي هذا الحالة لا يترتب أي أثر جنائي على مسؤولي الشركة، ولا يكون لحكم الإفلاس أثرًا في إحالته للمحاكمة.

أما النوع الثاني فهو " الإفلاس بالتدليس" وهو الذي يثبت فيه للمحكمة أن مسؤول الشركة ارتكب جرائم استهدف من خلالها الإفلاس لاختلاس أموال الدائنين، وفي هذه الحالة يعتبر القانون مسألة الإفلاس جنحة ويعاقب عليها بالحبس.

الموقف الآن هو وجود حكم ابتدائي بإشهار إفلاس شركة ألفا المالكة لصيدليات 19011، وهو قابل للاستئناف، وفي حال صدر حكم نهائي ستوضع الشركة بكامل أصولها تحت الحراسة، كما قد تطول إجراءات التقاضي مالكيها.