من جلسة سابقة لمجلس النواب- الصورة: خالد مشعل بإذن للمنصة

موازنة الأمر الواقع: النواب يعصرون الليمون

منشور الأربعاء 22 يونيو 2022

 

يبدو أن أعضاء مجلس النواب لم يسأموا "عصر الليمون"، فهم رغم إجماعهم، تقريبًا، سواء المنتمين منهم إلى المعارضة أو الموالين للحكومة، على الاعتراض على مشروع موازنة العام المالي الجديد، وافقوا، أمس الثلاثاء، على موازنة 2022/ 2023، التي تعد الأكبر في تاريخ مصر بقيمة ثلاثة تريليونات و66 مليارًا و314 جنيهًا، مع نسبة عجز وصلت إلى 558.2 مليار جنيه، هي الأكبر أيضًا.

استغرق النواب ثلاثة أيام في مناقشات سيطر عليها الاعتراض من جانب المعارضة والموالاة، على أداء وزارة المالية والسياسات المالية والاقتصادية للحكومة، لكنها انتهت بالموافقة "اضطرارًا" على مشروع الموازنة، في استمرار لسياسة مصطلح "عصر الليمون" الذي يرفع غالبًا كحجة يتبعها المثول لأمر وخيم، مع تأكيد الأغلبية بانتفاء أي فرصة لعدم الموافقة وعدم وجود حلول أخرى سواها.

اللافت أيضًا أنه رغم اعتراض المجلس على السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، خصوصًا فيما يخص الاقتراض، فإن النواب وافقوا كذلك على قروض جديدة، منها قرض من صندوق النقد العربي، بقيمة تعادل نحو 373 دولارًا أمريكيًا، موجه لتداعيات التصدي لجائحة كورونا، وقرض آخر فرنسي بقيمة 776 مليون و900 ألف يورو، لتطوير الخط الأول لمترو الأنفاق.

ذلك الاضطراب بين إلقاء اللوم على أداء وزارة المالية والحكومة من جهة والقبول بما تفرضاه من حلول اقتصادية، خيم على أيام المناقشات الثلاثة التي خصصت للموازنة العامة وتقرير لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، الذي قدم للحكومة 52 توصية أحالها رئيس مجلس النواب إلى رئيس مجلس الوزراء.

جاء الرفض والموافقة متبوعين بتقرير للجنة الموازنة، يوصي بالالتزام بنظام الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر لدى الدولة، وإعادة النظر في نظام الاستعانة بالمستشارين والخبراء، وأن تكون في أضيق الحدود، حيث أشار التقرير إلى زيادة المخصصات المقدرة لهم، كذلك طالبت اللجنة بتنظيم الاقتراض الخارجي والحد منه والإدارة الجيدة لملف الدين العام، كما دعت لإجراء تعديلات على الاعتمادات المخصصة للاستحقاقات الدستورية لقطاعات التعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والصحة، وموافاة مجلس النواب بما تم في هذه القطاعات لتحقيق الاستحقاق الدستوري، مطالبة الحكومة، بالبحث عن مصادر أخرى للتمويل الذاتي، بشرط ألا تحمل المواطنين أي أعباء جديدة.

كيف توافق الأغلبية؟

بدا إبداء الاعتراض كفرض عين أو لازمة كلامية تسبق كلام غالبية الأعضاء في التعليق على مشروع الموازنة، قبل أن يلحقوه بلازمة أخرى مناقضة بالثناء على انحياز الرئيس للفئات الأكثر احتياجًا، حيث أعلن النائب، عاطف ناصر، موافقة الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن على مشروع الموازنة، لكنه وجه في الوقت نفسه للحكومة، قائلًا "المواطن لايشعر بتحسن في بعض القطاعات بالدولة"، وذلك قبل أن يختم كلامه بشكر الرئيس، مشيرًا إلى قراره بإرجاء زيادات الكهرباء لمدة ستة أشهر.

أما النائب أحمد سمير، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية لمجلس النواب، وعضو الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، فوافق على مشروع الموازنة، لكنه طالب الحكومة بالعمل على سد عجز الموازنة من خلال تعظيم إيرادات الدولة وتدبير موارد حقيقية، وطالب بالحد من الاقتراض، مشيرًا إلى تضخم الدين العام وزيادة الأعباء المالية المترتبة عليه، ودعا الحكومة لوضع خطة قصيرة ومتوسطة الأجل للخفض التدريجي لأعباء خدمة الدين.

وأكد سمير ضرورة تحفيز الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية الداعمة للنمو، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءة الانفاق العام لصالح الفئات المهمشة والأقل دخلًا، وقال "في ظل الظروف الراهنة أصبح لزامًا ضبط وترشيد النفقات العامة"، ودعا لمراجعة بنود المشتريات الحكومية.

... والمولاة؟

لم يختلف موقف أحزاب الموالاة كثيرًا عن الأغلبية، وإن وجهوا انتقادات أكثر مباشرة لأداء وزارة المالية والحكومة عمومًا، حيث انتقد النائب إيهاب رمزي، عضو الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أداء وزارة المالية التي تتجاهل تطبيق توصيات لجنة الخطة والموازنة عبر سنوات متتالية.

وتساءل عن جهود الحكومة لمواجهة أزمة ارتفاع سعر برميل البترول "الحكومة المصرية عملت إيه؟ هل الحكومة عدلت السيارات للغاز الطبيعي؟ سيارة الوزير تعمل بنزين أم غاز طبيعي والنقل العام والسيارات الخاصة والموظفين؟ هل عملت الدولة حملة للمواطن لتحويل الغاز الطبيعي؟ هل الحكومة بدأت بنفسها؟" معتبرًا أن تعديل السيارات الحكومة للغاز الطبيعي سيوفر على الدولة مليارات.

وطالب رمزي بتشكيل لجنة للتفاوض مع الدولة والحكومات الدائنة لإسقاط الديون، على غرار إسقاط ديون بعد مصر بعد حرب تحرير الكويت في مطلع التسعينات.

الموقف نفسه اتخذه حزب حماة وطن، إذن أعلن ممثل الهيئة البرلمانية النائب أحمد بهاء شلبي موافقته على الموازنة، للتكاتف في هذا الظرف الاقتصادي والخروج من الأزمة، مؤكدًا ثقته في "القيادة السياسية"، لكنه أبدى في الوقت نفسه عددًا من الملاحظات على أداء وزارة المالية مشيرًا إلى انخفاض نسبة الضرائب، موضحًا أنها تمثل 13% من إجمالي الناتج القومي، ووصفها بالنسبة "المتواضعة جداً"معتبرًا أن تعديل منظومة الضرائب وميكنتها قد يحقق نسبة 18% مما يساهم في سد عجز الموازنة. كما اعترض على نفقات الهيئات الاقتصادية المبالغ فيها التي لا تتناسب مع توجه الحكومة للتقشف.

كذلك تبنى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، سليمان وهدان، السياسة ذاته، إذ أعلن الموافقة على الموازنة العامة مضطرًا. وقال وهدان "أضطر للموافقة على الموازنة الجديدة، رغم أن الحكومة لم تستطع حل العديد من المشكلات التي ترد مرارًا وتكرارًا سنوات تلو الأخرى في ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات"، مشيرًا إلى التكلفة الهائلة لتعيين مستشارين وخبراء، وقال "يكلفوا الدولة أموالا طائلة، الأمر يحتاج إلى بحث وتقصي من الأجهزة الرقابية".

من جانبه أعلن النائب أحمد خليل خير الله، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور، موافقته على الموازنة وقال "نحن نعلم أن الظروف صعبة وهذه الموازنة ليست عادية بل فى ظرف عالمي مختلف"، مضيفًا "لا نريد كلاما يعمل على دغدغة مشاعر المواطنين، ونحن نجيد ذلك"، لكنه انتقد الحكومة وقال إن الرؤية غائبة عنها.

لكن النائب الذي ينتمي للتيار السلفي انتهز فرصة الكلام، للتعليق على شيء آخر يبتعد تمامًا عن موضوع المناقشة، حين قرر حث الدولة على العمل على ما وصفه بدعم صناعة الوعي وقال "إن الشذوذ أصبح له منصة خاصة للأطفال" مشيرًا إلى السياسات التي اتخذتها منصة ديزني لدعم مجتمع الميم.

.. ونواب التنسيقية لديهم ملاحظات

رغم تأكيدها أن الحكومة لم تسع بجدية إلى إزالة الأعباء عن كاهل الطبقة المتوسطة، أعلنت النائبة أميرة العادلي، عضو تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين موافقتها على الموازنة العامة، وقالت "المواطنون يعانون من قرارات أزمة اقتصادية طاحنة، وهناك عدة ملاحظات بشأن الموازنة العامة للدولة".

ولفتت لتدني نصيب الفرد من مخصصات السلع التموينية، موضحة أن الموازنة خصصت 90 مليار جنيه للسلع التموينية تغطي نحو 71 مليون مستهدف للتموين، وقالت "سنجد أن نصيب الفرد يوميًا 3 جنيهات ونصف فقط".

ووجه نائب التنسيقية محمد إسماعيل انتقادات للموازنة التي وافق عليها، مشيرًا إلى أن أعباء الدين بلغت 54% من الموازنة، متسائلًا عن دور اللجنة المشكلة بالقرار رقم 2003 لسنة 2018 لإدارة الدين العام، كما انتقد زيادة مخصصات المستشارين ومخالفة قانون الحد الأقصى للأجور.


اقرأ أيضًا| مجلس النواب: ينتقد السياسة الاقتصادية صباحًا ويزيد الأعباء المالية في المساء

 


كله مباح للانتقاد إلا "الوطنية"

خلال كلمته التي رفض فيها النائب ضياء الدين داود الموازنة العامة التي وصفها بـ "التعيسة"، والناتجة عن "سياسات حزينة"، قارن بين حجم الدين في الموازنة العامة للعام المالي 2010/2011، و2022/2023، مشيرًا إلى أن في موازنة 2010/2011 بلغت الأقساط والفوائد 167.3 مليار جنيه، تمثل 34% من الاستخدامات في الموازنة، بينما في مشروع موازنة 2022/2023 قال منفعلًا إنها أصبحت "1655.6 مليار جنيه، تمثل 54% من الاستخدامات"، مضيفًا "احنا بنشتغل لصاح الديان، شعب مصر كله يعمل تحت إيد الدين"، كما أشار إلى بنود لقروض جديدة في موازنة 2022/2023، بلغت ألف 523 مليار جنيه.

وانتقد داود زيادة نسب مخصصات المستشارين والخبراء في الموازنة التي من المفترض أن تكون "تقشفية"، واستعرض نموذج "الهيئة الوطنية للانتخابات، مشيرًا إلى حصول العضو على 30 ألف جنيه مكافأة جهود غير عادية كل ثلاثة أشهر، والحصول على 36 ألف جنيه كل ثلاثة أشهر عن جهود غير عادية، ومكافأة جهود غير عادية في شهر رمضان تبلغ قيمتها 36 ألف جنيه لكل عضو، بالإضافة إلى مكافأة جهود غير عادية في عيد الفطر 36 ألف جنيه لكل عضو، ومكافأة بدل مصيف في شهر يونيو 20 ألف جنيه، وقال " في شهر يوليو وأغسطس وسبتمبر 72 ألف عن كل شهر لكل عضو، 216 ألف في بلد تقترض بهذا الشكل".

لكن كلمة داود التي ألقاها في الواحدة والربع بجلسة الأحد الماضي ولاقت اعتراضات مختلفة، لم تثر ردود فعل في حينها، وكأن النواب الذين اعترضوا عليها بعد ساعتين تقريبًا انتظروا إلى من ينبههم إلى ما قاله داوود، حيث شكك عضو التنسيقية النائب أحمد مقلد في صحة الأرقام واعتبرها غير دقيقة إذ قال "لابد أن أعبر عن استيائي الشديد للتجريح في الهيئة الوطنية للانتخابات فكل من تحت تلك القبة وخارجها تعاملوا مع الهيئة الوطنية للانتخابات، وهم اللذين أدوا عملهم على أكمل وجه فى ظل ظرف ووضع صحي عالمي غاية فى الصعوبه نتيجة فيروس كورونا".

 أما النائبة غادة علي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، فقالت "لاحظنا عدم حوكمة لمستندات بنود تقدر بملايين علي سيبل المثال الهيئة العامة لتنمية الصادرات، وأيضًا زيادة في مخصصات المستشارين والخبراء في بعض الجهات دون أثر واستفادة ملموسة، بعكس ما وجدنا في جهات اخرى على سبيل المثال الهيئة الوطنية للانتخابات في مكافآت مستشاريها مصروف في محلها، وأثره جلياً فلولا وجود حوكمة وشفافية وضمان للنزاهة في العملية الانتخابية ما تحركت جموع الشباب والشعب للمشاركة الانتخابية، فطالما نادينا بالإشراف القضائي النزيه على الانتخابات".

وفي جلسة الاثنين ألقى نائب التنسيقية، نادر مصطفى كلمة دعم للهيئة الوطنية للانتخابات، وقال "ليس من الإنصاف التلاعب بمشاعر المواطنين تحت القبة بشأن من يحتكم إليهم الشعب عندما يختار من يمثله"، مضيفًا "لم يسبق للبرلمان أن تعرض لهيبة هذه الهيئة الموقرة، نواب الشعب يعبرون عن عميق تقديرهم للهيئة الوطنية للانتخابات، نحن كنواب أكثر من يعي وكلنا لدينا شهود عيان في دوائرنا الانتخابية، نعي دور الهيئة وعدالتها ونزاهتها".

وتابع "إن لم يكن للهيئة صوت يرد هيبتها فنحن نواب الشعب صوتها"، ودعا مصطفى النواب للوقوف تحية لقضاة الهيئة، قائلًا "اسمحوا استأذنكم في الوقوف لقضاة حكموا فعدلوا نقف جميعا إجلالًا وتقديرا لهذه الهيئة الموقر" إلا أن رئيس المجلس، حنفي جبالي قاطعه قائلًا "لا تأمر أحد بالوقوف أو قراءة الفاتحة أو ما شابه هذا تدخل من سيادتك في إدارة الجلسة".

وعلق جبالي عندما حاول نائب آخر الحديث عن الهيئة الوطنية والتعليق على كلمة داود قائلًا "إن لديك أرقام للحديث عن الموازنة تفضل بالحديث، أما غير ذلك فعليك بالجلوس"، مضيفًا "غير مسموح لأي نائب أن يعقب على زميل سبقه بالحديث، والنائب لم يمس هيبة ونزاهة الهيئة الوطنية للانتخابات".

أما داود فقال في تصريح للمنصة إن "الأرقام الخاصة بالهيئة مثلما قلتها وليس لدي رد آخر، ومن لديه أرقام أخرى موثقة يعلنها ويكذبني".

وزارة "تخطيط المصاطب"

لم يكن ما قاله داوود هو ما أثار وحده الجدل، حيث أثارت الانتقادات التي وجهها النائب فتحي قنديل لوزارة التخطيط أزمة خلال الجلسة العامة في يوم الأحد نفسه، حين قال إن "ما تقوم به وزارة التخطيط هو تخطيط مصاطب"، وهي العبارة التي اعترضت عليها وزيرة التخطيط هالة السعيد، وقالت "هذا تشبيه غير جائز ونطالب بحذفه من المضبطة".

وأضافت "أنا هنا لا أدافع عن الوزارة ولكن أدافع عن الدولة، لأننا نخطط للدولة بالكامل، ونقوم بدورنا وفقا لخطط مدروسة وعلمية".

ولأول مرة جادل رئيس الجلسة حينها المستشار أحمد سعد الدين، وكيل المجلس، الوزيرة محاولًا الاحتفاظ بالكلمة في المضبطة مؤكدًا حق النائب في انتقاد الحكومة، وقال "الكلمة لا يوجد فيها أي شيء مشين ليتم حذفها من المضبطة"، فيما تمسكت الوزيرة بموقفها رافضة اتهام الوزارة باتباع أساليب تخطيط غير علمية.

وأمام رفض رئيس الجلسة الحذف، قال وزير شؤون المجالس النيابية، علاء فؤاد "نحن مصممون على حذف الكلمة من المضبطة، نرفض أن يتم اتهام الدولة بأنها تقوم بتخطيط غير مدروس وغير علمي"، وانتهى الجدل بسحب النائب كلمته وقرار رئيس الجلسة بحذف الكلمة من المضبطة.

والحكومة تدافع عن نفسها

 ردًا على الهجوم على الحكومة من جانب الموافقين والرافضين للموازنة العامة، حاول وزير المالية محمد معيط، الدفاع عن السياسات المالية للحكومة، وقال إن "العجز السنة الماضية كان مقدرًا بـ487 مليار جنيه، والعجز السنة الحالية كان ممكن لا يكون هذا الرقم لولا أخذنا في الاعتبار أثر ارتفاع أسعار الفائدة على الفوائد، وبالتالي زودت باب الفوائد من 630 مليار إلى 690 مليار جنيه".

وبشأن الاقتراض، قال "نقترض الآن حوالي مليار و523 مليون دولار، ونسدد 956 مليون، والفرق بين حجم الاقتراض والسداد نفس قيمة السنة الماضية أو أقل"، مضيفًا "المشكلة فى احتياجات الدولة لتنطلق لنعبر التنمية أزود مرتبات وإنفاق على الاستثمارات وأستجيب لصناديق المعاشات، هل أحتوى مقدار العجز أم لا، لولا الظروف الاستثنائية كان قيمة العجز أقل من السنة الماضية".