"عزيزي دوني".. خريطة الطريق كما يرسمها الرئيس

منشور الأربعاء 24 مايو 2017

سيدي الرئيس:

طريق الثراء السياسي مرصوف بالأمانة، وانطلاقا من هذه الروح، رأيت أنه من المهم أن نتكلم معا بعيدا عن هذه الميكروفونات المُشرّعة وكاميرات الصحافة ذات النوايا السيئة.

تأسيسا على اجتماعينا السابقين، أعتقد انه من العدل أن نقول أننا حُماة المجرة المصرية الأمريكية. هذه مهمتنا، أن نجعل مصر وأمريكا تستعيدان العظمة، وهي مهمة تستلزم الصدق التام بعيدا عن أعباء الدبلوماسية.

ومن هنا، علينا أن ننأى بأنفسنا عن تعقيدات الديمقراطية، التي وإن بدت حلوة، إلا أنها تأتي من نحلة مؤذية ولزجة، يمكنها أن تشتت رجالا مثلنا عن مهامهم الجسام.

بينما تتطلع لثماني سنوات من الحكم، وأتطلع أنا لخمس سنوات (غمزة) أمامنا لنصل إلى أهدافنا، علينا أن نعترف، لبعضنا البعض على الأقل، أن الديكتاتورية وُصِمَت بما ليس فيها. وأنه ما دامت نوايانا طيبة، ونحن بالطبع لا غبار علينا، فيجب أن يخرس الجميع ويدعونا نولي كل اهتمامنا للمهام التي بين أيدينا.

ربما تتساءل لم يخصص صديقك عبر الأطلنطي بعض الوقت كي يعطيك بعض النصائح، يعود هذا يا صديقي إلى المثل القديم: معا ننجح وإذا تفرقنا نسقط. وكرجل أعمال خبير، لم تتخيل أبدًا في أسوأ كوابيسك كيف يمكن لمنصات الإعلام الكاذبة أن تصبح بهذه الشراسة، أو أنه كان عليك أن تعد نفسك لقذارة هؤلاء الديمقراطيين.

دعني أقل لك دونالد: لقد خضت في عرين الأسد. في البداية كنت في الجيش، ثم المخابرات وأخيرًا في الرئاسة. كل هذه الخبرة الكبيرة أضعها في خدمتك. هذه صفقة عظيمة، فكما تعلم كبار قادة وفلاسفة العالم ينتظرون ما أقول.

وبالحديث عما نقول؛ دعني أقل لك: كلانا يعرف أن لدينا تلك العادة السيئة التي يجب أن نقضي عليها: الكلام! لا تخطئ في فهمي، فالكلمات مهمة، وفي السياسة الكلمات أهم من الأفعال أحيانًا، لكني أخشى أنك تتعلم هذا الدرس بالطريقة الصعبة.

فأي الكلمات تقال؟ ومتى؟ وفي أي صيغة؟ هذا هو المهم، وهو مهم إلى درجة كبيرة. سأكون أول من يعترف أن لساني غالبا ما يكسب السباق مع عقلي. أنا واثق أنك سمعت مثلا عن تلك المرة التي عرضت فيها أن أبيع نفسي من أجل مصلحة مصر، فعلى شاشة والتلفزيون وأمام الجميع قلت: "والله العظيم لو ينفع أتباع.. لاتباع".

الآن لابد أنه قد خطر لك كما خطر لي، (أنا واثق من هذا أكثر حتى من ثقتي في محبتنا الأخوية) أن هذا يبدو أمرًا شديد الوطنية وكان يجب أن يتلقاه الجميع بالتقدير والإكبار، أليس كذلك؟ لكن يا صديقي، ليس للجميع نوايانا الطيبة. عندما يتولى عظماء الرجال تلك المهام الصعبة، يقبع الشر في الظلام على مقربة منهم، يتحين الفرصة للهجوم، وفجأة؛ تجد واحدًا من أهل الشر في الجماعة المحظورة يعرضني للبيع على موقع إي- باي Ebay ويصل ثمني إلى 100 ألف دولار فقط، هل تصدق؟!

لكن – وأنا أعرض كل ما لدي عليك بلا مواربة- أنت أيضًا عانيت مع فيروس التلقائية هذا. وإذا نحينا جانبًا مغامراتك اليومية على تويتر، وزلة اللسان التي تعرضت لها مع لافروف والسفير الروسي لديكم "كيسلياك"، عندما أشرت لرئيس المباحث الفيدرالية السابق "جيمس كومي" بلقب "المجنون" و"المُختل كليًا"؛ كان هذا التصرف كفيلاً بكسب صديقين مهمين جدا، لكنه يخلق 10 مليون عدو. دعني أقل لك كما نصحني مستشاريني مرات عديدة: لا تخرج من البيت بدون فرامل للكلام، وإلا ستتعرض لحوادث.

أعرف أنك رددت أغنية دي جي خالد All I do is win "كل ما أفعله هو المكسب"، وأنا نفسي ممن يكسبون طول الوقت، فأنا أحارب من أجل أمة فقيرة، ولكن العالم لا يرانا هكذا. مُحدثك في هذه الرسالة رجل قالت عنه "فورين بوليسي" Foreign Policy "رجل يتفوق في كونه ديكتاتور". لذا، ثق في إذ أقول لك: الصحافة، وقدرتك على السيطرة عليها أمران بالغا الأهمية.

يمكنك أن تستخدم قوتك في مواجهتهم، ولكن لا تفعل ذلك في العلن، بل قل: إن حرية التعبير "مقدسة" بينما ترسل قواتك الأمنية لتقتحم نقابة الصحفيين لأول مرة في تاريخ الدولة، افعل ذلك دون أن تترك وراءك دليلا يربطك بمثل تلك التصرفات، افعل هذا وستظل على الشاطئ الآمن يا دونالد.

لكن، لأكن صريحًا معك: أنا هنا أتحدث عن الصحفيين الأجانب الذين يمكنك أن تتفاداهم (بسهولة شديدة، انظر إليّ). لكن يا دونالد، لديك تلك العادة المزعجة في ملاحقة الصحافة الأمريكية، هذه ليست سياسة ناجحة يا صديقي، فعندما تدعو الصحافة الأمريكية بكونها "عدوة الشعب"؛ فأنت تخلق لنفسك عدوًا شرسًا خارج السيطرة بضربة واحدة. وكما أواجه أنا المشاكل هنا مع التضخم الذي يبدو كبالون ضخم ينفخ فيه الإخوان المسلمون كلما أرادوا؛ أنت تواجه لخبطة الفضيحة الروسية "روسيا-جيت" وبحاجة إلى كل الأصدقاء الذين يمكنك الحصول على دعمهم.

لو لم تبدأ في التصرف بلطف مع أمثال نيويورك تايمز وواشنطن بوست، أو على الأقل تتظاهر بذلك – كما أفعل أنا-؛ ربما تخسر ما هو أكثر من منصب الرئاسة يا صاحبي. هؤلاء الناس يتوهمون في عقولهم المريضة أنهم مكلفون بمهمة حماية الدستور والجمهورية.

عليك أن تريهم أن السيسي ليس وحده الـ"شخص رائع" قل "ليبارك الرب أمريكا" كلما لاحت الفرصة، كل كلاما كثيرا خاليا من أي معنى. هذه هي عوامل الفوز التي أعتمد عليها، وسترى أنها ستفيدك. اكسبهم في حرفة الأخبار الكاذبة بترويج أخبارك أنت الكاذبة يا دوني. ما دمت لا تتحكم افتراضيًا في كل صحيفة ومحطة تلفزيونية كما أفعل أنا؛ بما فيها المحطة التي يشاع أنها تُدار من قبل جهاز المخابرات، فعليك أن تغرقهم في العسل قبل أن يغرقوك.

إذا لعبت بالكروت التي بين يديك بحرفية، ستقدم نفسك للعالم باعتبارك المحارب الشرس ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حتى لو كنت تخسر حربك أمامهم فعليًا بشكل يومي بينما يتضاعف الإرهاب أمام عينيك ورغم أنفك! انس الحقائق. المنظور الذي تقدم من خلاله تلك الحقائق هو كل شيء، خذ هذا القرص كل صباح وسيختفي ذلك الحديث لسخيف عن عزلك من منصبك، ليس ذلك فقط، بل وستظهر منتصرًا على سلالم البيت الأبيض ثانية في 2020.

بينما تتعامل مع الصورة الكبيرة، باستخدام لصحافة المطيعة "بعد استخدام الاستراتيجية التي نصحتك بها"علينا أن نشتت رؤية مواطنيك في الداخل. ما الذي يتحدث عنه الجميع الآن في نيويورك وواشنطن العاصمة؟ إنهم يتحدثون عن فلين ومانافورت وكومي وكوشنر وبانون وروسيا والتواطؤ ضد مصلحة الدولة. انقل اهتمام الجميع إلى الرياض والـ350 مليار دولار التي استطعت الحصول عليها، لكن الأموال لن تحل مشكلتك نفسها.

في مصر لدينا مقولة تجب كل ما عداها: "بص العصفورة"، فبينما انتهك حقوق الإنسان وأصب عليها القار لأنهيها تمامًا، وقتلت مئات وسجنت عشرات الألوف، ظللت أروج للناس أنني أفعل كل شيء في إطار هدفين: تحقيق الأمن ومحاربة أهل الشر.

من اخترتهم لأسبغ عليهم لقب "أهل الشر" هم الإخوان المسلمين، ويمكنك أن تستخدم المصطلح نفسه لوصف أعداءك الديمقراطيين. لو استطعت تغيير الخطاب من الحديث عنك من التابع لروسيا إلى "دونالد، درعنا ضد المتآمرين الخاسرين الديمقراطيين" فستحقق هدفين: أولاً؛ عناوين الصحف التي تتحدث عن التسريبات وتراك "الماسورة الأم" لها، هذه العناوين ستتوقف، وثانيًا؛ سيعدك هذا لفترتك الرئاسية الثانية وحملتك للفوز بها، تلك الحملة التي بدأت في الواقع في اليوم الذي أصبحت فيه رئيسًا. الأخبار الكاذبة -في الواقع- صديقتك المخلصة، اصنعها، واضمن أن لديك أصدقاء جيدون يحققونها ويحولونها إلى واقع.

لكن الأصدقاء ليسوا افضل أسلحة الديكتاتور، بل الخوف. لذا فتعامل مع الخوف واقبله باعتباره أهم حلفاءك السياسيين، احقن به النقاش العام وراقب بينما يجرى الناس نحوك للاحتماء بك. أعرف أنك لا تحب التاريخ، لكن عندما نظرت لتاريخ مصر؛ تعلمت من مثلي الأعلى الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد أنور السادات أن "الخوف له قوة تدميرية هائلة في أذهان الناس. لو كان الخوف رجلاً لقتلته".

ورغم أن الله بعثني لهذا البلد؛ إلا أني لا أحيط علمًا بكل شيء، لا يمكنني أن اقول لك إن كان السادات يقصد ما قاله أم أنه كان يحاول تعزيز صورته كحاكم ديمقراطي، ما الذي كان في ذهنه هو على الأقل، لكنه كان رجلا ذكيًا على كل حال.

ورجال مثلنا بحاجة لفهم الحقيقة الصعبة: أن يخافك الآلاف أفضل من أن يحبوك. لدينا أهداف نود تحقيقها ونُظم لنغيرها. ودون عصا في اليد؛ لن نستحوذ على السلطة اللازمة لمحاربة الصحافة والقضاء والسلطة التشريعية. المظهر الديمقراطي الذي ربما يبدو جذابا لا يمكن أن يكون هو الواقع. اظهر أمام الجميع كجون كينيدي، ولكن كن في الحقيقة نيكسون القابع بداخلك يا دوني.

أعرف أن مائدتك حافلة بالمشاكل هذه الأيام، وكذلك مائدتي، فرمضان على الأبواب كما تعلم. لكن عندي طلب قبل أن أنهي رسالتي: في المرة القادمة عندما امتدح شخصيتك الفريدة؛ ممكن من فضلك أن تجد شيئًا آخر في يستحق المديح سوى حذائي؟