فريق طبي يقوم بتوليد أم حاملة لفيروس HIV قيصريًا في سيريلانكا - صحيفة ريبورتر - سريلانكا

"ممنوع الدخول".. الكذب وسيلة حاملات الإيدز الوحيدة نحو ولادة آمنة

منشور الأربعاء 23 أغسطس 2017

في مساء العاشر من فبراير/شباط 2011 كانت نور في طريقها إلى المستشفى لتضع مولودها المهدد بانتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) من والدته التي تمنّي نفسها بأن تكون ليلتها هذه هي الأخيرة في رحلة امتدت تسعة أشهر من الرفض والوصم ونصائح الأصدقاء بأن تلجأ إلى الكذب وتخفي حقيقة مرضها، وذلك من أجل أن تمنح طفلها حياة صحية، ليس أكثر. 

يداهم الخوف نور منذ أن علمت بأمر حملها، فإمكانية انتقال الفيروس إلى الطفل عند الولادة ليست قليلة "كانت مشكلة.. طيب هولد إزاي؟"، ورغم هذا استشبرت السيدة  خيرًا حين وعدتها طبيبة تعلم أنها متعايشة مع الإيدز بأن تجري لها عملية ولادة قيصرية في حال وفّر لها مستشفى حميات العباسية المستلزمات اللازمة وغرفة جراحة، لكن عاد الخوف من جديد عنوانًا للمشهد قبل الأخير لحملها. 

بحسب مُنظمة الصحة العالمية، فإن نسبة انتقال فيروس الإيدز من اﻷم الحاملة للمرض إلى طفلها خلال الحمل أو الرضاعة "الانتقال الرأسي"، تتراوح بين 15إلى 45 بالمئة، ولكن هذه النسبة تنخفض، بحسب الدكتور وليد كمال مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، إلى أقل من 1 بالمئة في حال التدخلات الطبية كالولادة القيصرية، وفقًا لما قاله لـ"المنصة"، مقدّرًا نسبة انتقال الفيروس رأسيًا من الأم للأبناء عادةً بما يتراوح بين 25 إلى 45 بالمئة.

كان هذا الجنين بالنسبة لنور حلم صعب التحقق، فأبيه متعايش إيدز مريض بالسرطان يمنعه من الإنجاب جرعات الكيماوي، وامه متعايشة تحتاج حقن مجهري "الدنيا بصراحة.... ماعرفش، هي كانت جاية كده بالبركة. كان عندي رغبة وخوف، نفسي ابقى أم، وفي نفس الوقت خايفة أجيب طفل يكون عنده (الإيدز)؛ فأكون أذيته" .

ولما تحقق الحلم، قضت نور تسعة أشهر تحاول أن تخفف احتمال إصابة مولودها بالمرض من 40 إلى واحدٍ بالمئة، ليس أكثر. 

ميلاد آمن

قبل أن تضع نور مولودها بنحو شهرٍ أو أقل، أبلغها مستشفى حميات العباسية بأن إجراء عمليتها سيكون متعذرًا بسبب تقاعد طبيب التخدير، ليظل الخوف ملازمًا لها "ساعة الولادة كنت بسأل وبدوّر عايزة أولد، خلاص الشهر التاسع جه ولازم أولد قيصري، طيب هروح فين؟"

سبع أعوام تفصل بين هذه السيدة وبين وقت عصيب، لا تنساه وتحكي عنه الآن لـ"المنصة" بعبارات مُغلّفة بتلعثم وقلة ترتيب "في العموم، حميات العباسية مابيولّدوش، بيفضلوا يعملوا المشاكل دي، وفي الآخر بتروح [الحامل] تولد مع نفسها"، هي تعتبر تقاعد الطبيب "حجة" للتهرب من توليدها.

 

إحدى المتعايشات مع فيروس HIV في حديثها للمنصة

 

"وهي دي الأزمة اﻷكبر"، تعلِّق الناشطة الحقوقية المعنية بمساعدة المتعايشين مع الإيدز أمينة عجمي "معظم اﻷماكن بترفض تولّدها [الأم المُتعايشة] قيصري. والدكاترة بيقولوا هيولّدوهم، [لكن] ساعة الولادة بيختفوا".

 

 

يعترف بصحة كلام نور وأمينة مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون، ومنهم الطبيبة حنان صالح مدير العلاقات العامة بمستشفى أم المصريين وأخصائية أمراض النساء والولادة التي تصف الشكوى بأنها "حقيقية"، وإن كانت لا تعلم لها سببًا، ﻷن المستشفى الذي تديره "يُقدم الخدمة الطبية [للمصابات بالفيروس] دون تمييز".

أما المُدير السابق لمستشفى السيد جلال للولادة، الدكتور عاصم أنور، فيرجع أسباب رفض "الغالبية العظمى من المستشفيات" التعامل مع المتعايشات إلى "غياب الدرجة القصوى من اﻷمان والتعقيم، وعدم إمكانية التخلص من الأدوات المُستخدمة، بسبب [تواضع] ميزانية المستشفي وخوف الفريق الطبي".

يمثل هذا الرفض "أكبر مُشكلة تواجه البرنامج الوطني" لمكافحة الإيدز، على حد تعبير مديره وليد كمال، أما وزارة الصحة فقد اعتبرت في رد مكتوب لـ"المنصة" أنه "ظاهرة تحدث في مستشفيات الوزارة والمستشفيات الجامعية بصور عديدة، خاصة الولادة القيصرية"، وإن أكدت تواصل البرنامج الوطني مع الرافضين "لحل المشكلات، والقيام بالإجراءات اللازمة للمرضى".

المساعي الحكومية التي تحدثت عنها الوزارة لم تعصم نور من رفض المستشفيات لمساعدتها، حتى بدأ العدّ التنازلي لموعد الولادة إذ تشرح "مابقيتش عارفة اتصرف. طيب هروح فين؟" لجأت في النهاية إلى مركز طبي خاص، وأخفت كونها حاملة للفيروس عن الطبيبة التي أجرت لها عملية الولادة "خُفت ترميني في الشارع وترفض تولّدني؛ وساعتها هوّلد طبيعي والطفل يتئذي".

عوضًا عن المُصارحة، قالت نور للطبيبة إنها مريضة بفيروس سي الكبدي، بناءً على نصيحة طبيب بوزارة الصحة، أكد لها وديًا أن الاحتياطات التي تتخذ للحيلولة دون انتقال العدوى لكلا الفيروسين واحدة "كنت خلاص على آخر لحظة، وماكنش قدامي غير القرار ده".

ومن إحدى المراكز الطبية بمحافظة الشرقية سُمعت أول صرخة لطفل نور، بعد ولادة تمت بشق الأنفس للسيدة ذات المستوى المادي المتواضع حد عدم امتلاك ألفي جنيه تكلفة العملية القيصرية، التي تكفلت بها إحدى الجمعيات الخيرية.

تلخص دكتورة حنان صالح اخصائية أمراض النساء والولادة بمستشفى-التي تقبل توليد الأمهات المتعايشات مع مرض الإيدز - تعميمات وزارة الصحة بشأن الوقاية من الفيروسات الكبدية المتبعة مع فيروس HIV: "التعقيم الجيد لغرف العمليات، وتوفير قفازات طبية تتمتع بقدر كبير من الجودة، وتعقيم أماكن وأدوات الكشف، والتخلص من أدوات علاج الأسنان والحقن وغيرها".

بحسب مذكرة طبية صادرة عن كلية الجراحة في جنوب إفريقيا -إحدى الدول التي تنتشر فيها العدوى بالفيروس- هناك خطوات محددة منسوبة لبروتوكول دولي للتعامل الجراحي مع المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المسبب لمرض الإيدز، وهي اعتبار كل السوائل الجسدية للمريض مصدر خطورة، والالتزام بعدم الاتصال بأي شكل مع جسد المريض إلا بعد ارتداء نظارات جراحية خاصة لحماية الأعين من التعرض لسوائل يُحتمل تطايرها، وارتداء قفازات عالية الجودة من مادة اللاتيكس تقدم طبقة إضافية من اللاتيكس عند السبابة اليسري التي تتعامل مع المحقن.

 وتنصح المذكرة بارتداء طبقتين من تلك القفازات، كما تنصح بالاعتماد بشكل أوسع على أدوات جراحية يمكن التخلص منها وعدم استخدامها مرات أخرى مع مرضى آخرين. 

                                            

فريق طبي يقوم بتوليد أم حاملة لفيروس HIV قيصريًا في سيريلانكا

 

درس الوصم

كذبت نور حرصًا على سلامة وحيدها، أما شيماء فلم تُخفِ أمر أصابتها بالفيروس وتعايشها معه إلا بعد درس لن تنساه، حين كانت تعالج ورمًا في رئتها بمُستشفى الدمرداش، وانكشف أمر تعايشها "كنت في البنج وعملولي تحليل HIV؛ وكانوا بيمشّوني [طردًا] من المستشفى الساعة 3 بالليل، وقفلوا الجرح على كده".

‬‬بلغ عدد المتعايشات المصريات مع فيروس HIV (نقص المناعة المكتسبة)، في سبتمبر/ أيلول 2016، حوالي 1226 سيدة، وفقًا لتقرير أعدته الجمعية المصرية لمكافحة الإيدز، بالتعاون مع البرنامج الوطني، الذي يُسجل عددهن بنسبة تترواح بين 17إلى 18% من إجمالي المتعايشين، ويتوقع مُديره وليد كمال رقمًا أعلى "بسبب عزوف السيدات عن إجراء الفحص، خوفًا من الوصم".

وتؤكد وزارة الصحة أن الإحجام عن تقديم الخدمات الطبية والجراحية لمرضى الإيدز "مخالف لآداب المهنة واللوائح المنظمة للعمل الطبي، ومخلّ بالحقوق الدستورية للمواطنين".

تقول شيماء التي يعلن هُزال المرضين عن نفسه عبر جسدها وملامحها "معنى إنك تقوليلهم أنا عندي HIV؛ كده إنتي ميكروب. مفيش مستشفى تعالجنا، وحميات العباسية بتروحي لأعراض الفيروس بس، مش إنك تعملي عملية، مفيش هناك أوضة عمليات".

حاولت "المنصة" التواصل مع مدير عام مستشفيات الحُميات بوزارة الصحة، الدكتور أشرف الإتربي، للتعرّف على سبب عدم تخصيص "كشك ولادة" وغرفة جراحات للمتعايشين والمتعايشات بمستشفى حميات العباسية؛ إلا إنه رفض التعليق وأحال أمر الردّ لوزارة الصحة.

ولم يتسن لـ"المنصة" التأكد من كيفية تعامل باقي مستشفيات الحميات في محافظات الجمهورية مع المصابين بالإيدز. 

ومستشفيات الحميات هي الجهة المخولة رسميًا بالتعامل مع المتعايشين مع فيروس HIV.

مستشفى خاص

حالة شيماء متكررة مع متعايشين آخرين، لدرجة دفعتهم وحقوقيين منذ سنوات للمطالبة بتخصيص أماكن لعلاجهم تحوي غرف جراحة. لكن البرنامج الوطني لا يوصي بهذا الحل، استنادًا لكون الإيدز  "يتشابه مع الفيروس الكبدي"؛ ولا يتطلب التعامل مع متعايشيه إلا "اتباع إجراءات مكافحة العدوى الروتينية".

دكتور وليد كمال مدير البرنامج يرى في تخصيص مستشفيات أو غرف جراحة خاصة للمتعايشين خطوة تزيد من الوصم والتمييز وتتنافى مع المعايير العالمية. مشيرًا إلى أن الضرر في هذه الحالة لن يقتصر على المتعايشين فقط وإنما سيمتد للأطباء، إذ تساءل "من سيذهب إلى عيادة خاصة لطبيب يعمل في مستشفى خاصة بمرضى الإيدز؟"

الناشطة في مجال حقوق المتعايشين مع الفيروس، أمينة عجمي، ترفض ما تدفع به وزارة الصحة من أن وجود مستشفى خاص بالمتعايشين مع الفيروس سيزيد من وصمهم والتمييز ضدهم، وتفسر رفض السلطات الصحية للإقدام على هذه الخطوة بتكلفتها العالية والأجور الكبيرة التي يطالب بها الأطباء للعمل بهذه النوعية من المستشفيات.

                                              

فريق طبي يقوم بتهيئة طفل وُلد لأم حاملة لفيروس HIV في سيريلانكا

بعد شهور من واقعة طردها من مستشفى "الدمرداش"، وجدت شيماء نفسها مُضطرة للتعامل مع إجهاضها منزليًا، مُتجنبة المستشفيات قدر المُستطاع "لحظة النزيف كنت في البيت ونزل [الجنين] لوحده فجأة؛ فرُحت لدكتورة قريبة مني، وكتبت لي على علاج. خدته وخلاص".

لم تخبر شيماء الطبيبة بتعايشها "إحنا دلوقتي أخدنا قرار إننا لما نروح مكان مانقولش. ما إحنا لما بنصارح الناس؛ بيموتونا"، لكّنها تؤكد أن سببها وقت الإجهاض كان منطقيًا "هي [الطبيبة] ادتني علاج تنضيف [للرحم]، لو عملية كنت هقول لها، لأني مش عايزة اللي أنا مريت بيه حد تاني يمرّ بيه".

ضريبة المُصارحة

التمييز الذي عانت منه شيماء، اختبرته مُنى بدورها، حين استخرجت شهادة وفاة زوجها وعاملها الجميع بحذر غير مفهوم، إلا موظف نهرها تقريبًا وهو يصارحها بما كانت تجهله "قال لي يا ماما جوزك مات عنده الإيدز؛ خُدي عيالك واعملي تحاليل"، تقول الأرملة التي كشفت التحاليل إصابتها وطفلها بالفيروس؛ فصارت تحصل على الرعاية الطبية بمشقة بدنية ومادية.

"مابحبش أخبّي، بالذات لو حاجة [جراحة أو فحص طبي] فيها دم، لازم أقول علشان مابقاش شايلة ذنب"، قبل عامين توجهت منى لإزالة وسيلة منع الحمل "حبيت اشيل الشريط [اللولب]، ومارضيتش أروح الصحة وروحت لدكتور خاص، قولت له للأمانة أنا متعايشة، وهجيلك طبعًا وأنا عندي الدورة الشهرية"، تحكي مُنى التي فاجأها الطبيب "ماطلبش مني حاجة زيادة، هو بس لبس جوانتيات أكتر وفَرَش مشمع تحت منّي، وقال لي استحملي علشان هجيب اللولب بجفت [ملقط]. ماستخدمش الجهاز واستخدمه هو [الجفت] علشان هيترمي".

خمسة آلاف عيادة ثابتة و525 أخرى متنقلة تابعة لقطاع الطب الوقائي، تُقدم عبرهم وزارة الصحة خدمات تنظيم اﻷسرة للمتعايشات، وعلى رأسها وسائل تنظيم الأسرة ، وفقًا لردّ كتابي على "المنصة" من قطاع السُكان وتنظيم الأسرة، الذي أكد أن فرق الإشراف التابعة للوزارة، لم ترصد حالات رفض تقديم الخدمة للمرضى.

إذن لماذا بادرت مُنى بتحمل جِفت حاد ومؤلم وقبلت بتحمل التكلفة؟ السبب -قالت- إنه خوفها من التسبب بأي أذى لسيدات أخريات إذا ما توجهت لمركز حكومي، بسبب أي تقصير محتمل في الاحتياطات المتبعة أو بسبب الإهمال. 

لأجل الرضيع

توصي منظمة الصحة العالمية، للوقاية من عدوى الإيدز، بتجنب الرضاعة الطبيعية لوليد الأم المتعايشة، واللجوء للألبان الصناعية، وهذا ما نصح به الأطباء نور، التي فعلتها غصبًا وتعاطت أدوية لوقف تدفق لبن سيؤذي صغيرها "كان صدري فيه لبن وماكنتش بقدر أرضع ابني، وأخدت أدوية علشان تنشف اللبن".

 

البريطانيان أماندا وعلي محمدوف يحملان طفلتهما

يوفر ألبان الرُضّع في مصر، 1066 مركزًا تابعين لقطاع الرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة، ﻷي أم يثبت عدم تمكّنها من إرضاع طفلها بسبب موانع قهرية "بسريّة تامّة، وبسعر خمسة جنيهات للعلبة"، حسبما ذكرت مديرة القطاع الدكتورة مُنى الناقة، لـ"المنصة".

ويقدّر مدير برنامج مكافحة الإيدز، عدد المُستفيدين من الحليب المدعوم، بحوالي 30 رضيعًا ﻷم متعايشة، لم تكن نور إحداهن، إذ اختارت الحصول على الحليب عبر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز، والذي "يضطلع بتقديم الدعم للمتعايشين، خاصة السيدات والأطفال"، وفقًا لما ذكره لـ"المنصة" مديره الدكتور أحمد خميس.

حين ولد طفل نور، سارعت السيدة التي لا يمكنها توفير ثمن عبوات حليب الأطفال باهظة الثمن إلى مكتب الأمم المتحدة، دون أن تضع بين خياراتها مكاتب الطفولة والأمومة، مدفوعة في قرارها هذا بخوف من تكرار تجربة مريرة تعرّضت لها عقب الولادة. فحين ولد ابنها كان عليه تعاطي الجرعات الوقائية لمدة 6 أسابيع. و تحكي نور كيف كان العلاج سلاحًا ذو حدين "استلمته [العلاج] من وزارة الصحة وأنا حامل" لكن كان وقت ولادة طفلها سيحل بعد شهر كامل من انتهاء صلاحية العلاج.

تفيد بيانات الوزارة بأن البرنامج الوطني، الذي يصرف علاج الإيدز مجانا لمُتعايشات بلغ عددهن 732 سيدة عام 2016، يُقدّم أيضًا وبالمجان جرعات وقائية لمواليد الأمهات المتعايشات، وأدوية لعلاج المُصابين من اﻷطفال البالغ عددهم 95 طفلا.

حين حاولت نور استبدال ذلك العلاج، وعدها مَن صرفوه بالمساعدة، لكنهم سرعان ما وضعوها أمام خيار صعب "قالولي الـexpire بتاعه [الصلاحية] يقعد 3 شهور كمان، ماتقلقيش. ولو قلقانة ممكن تجيبيه على حسابك، تكلفته ماتعديش 4 آلاف جنيه"بما يعني أن الدواء صالح للاستخدام حتى بعد ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء صلاحيته.

تتذكر السيدة كيف عادت من الوزارة فريسة للخوف والحيرة في تدبير الآلاف الأربعة، حتى أجبرها ضيق ذات اليد على الرضوخ : "اضطريت أديله منه، والحمدلله ماحصلش حاجة"، تقول نور هذه العبارة التي لم تتيقن منها إلا بعد قلق على الرضيع استمر 10 شهور كاملة حتى أجرت له تحليل HIV لتتأكد من سلامته، قبل أن تتبعه بآخر وهو في عمر العامين لتُغلق هذا الباب تمامًا.

الحلم المرفوض

"الميلاد، والإجهاض، واللولب" ليسوا كل مشكلات المتعايشات، فهن دائمًا ما يحتجن لرعاية طبية، سواء لمقاومة أمراض انتهازية مُرتبطة بالفيروس، أو أعراض عادية صار علاجها أمرًا عسيرًا كما تبين حكاية مُنى وما تبقى من أسنانها بعد أن أتى الإيدز على أغلبها.

اعتادت منى خلع أسنانها في "حميات العباسية"، حيث تطوع طبيب للتعامل مع المتعايشين "عامل لنا كُرسي لوحدنا ومعدات لينا في قسم الغسيل الكلوي، مش في قسم الأسنان".

 

إحدى الأمهات المتعايشات مع الإيدز في حديثها للمنصة-

أنقذ هذا الطبيب منى مرات عديدة من الألم؛ فأصبح لغيابه أثرًا على حافظة نقودها، وهي العائل الفقير لنفسها وطفليها من أعمال بسيطة للغاية: "مرّة عملتها في مستشفى كتشنر [شبرا العام]، وقولت [متعايشة]؛ فاشتريت المُعِدّات على حسابي واتكلفت 165 جنيه".

في تلك المرّة، اشترط طبيب "كتشنر" على منى إخفاء مرضها. تقلد منى لهجته الآمرة المُحذّرة " انتي سي [الفيروس الكبدي]. قلت له حاضر. وبدل الجوانتي الواحد لبس ثلاثة".

منى ونور وشيماء، اللاتي يُشبهن في الهيئة أي سيدة مصرية، لكن برتوش من إعياء وهزال لمس المرض أجسادهن بها، يُمثلن بعضًا مما تكابده المتعايشات، في سبيل الحصول على الخدمة الصحية، وثلاثتهن يتفقن في أن تجنيبهن العناء لن يكلّف الحكومة إلا تخصيص مستشفى للمتعايشين، لكن الدكتور وليد كمال يرى في توعية مُقدّمي الخدمة الطبية، حلاً كافيًا وناجعًا "بنسبة 99 ف المية".

أحيانًا ما يحدث بالفعل أن تنضم المتعايشات لطابور المرضى الآخرين في المستشفيات العامة، وهو ما يحدث في حالة الولادات بمستشفيي "أم المصريين" و"سيد جلال"، حيث اعتاد أطباء اتباع إجراءات يُلخصها دكتور النساء والولادة عاصم أنور  في "التعقيم المضاعف، واستخدام نوع مُعين من القفازات الطبية، والتخلص من كل الأدوات التي تختلط بدم وإفرازات المريضة".

ضد التمييز

أطلقت وزارة الصحة خلال إحياء اليوم العالمي لمُكافحة الإيدز 2016، "السياسة الوطنية لمكافحة الوصم في المرافق الصحية"، وأصدرت منشورات تُلزم المستفيات بعلاج متعايشيه، كما تخصص الرقم الهاتفي 105، لتلقي الشكاوى على مدار 24 ساعة.

وتُبشّر وزارة الصحة الآن بتنسيق جارٍ مع منظمة UNAIDS، "لإطلاق مشروع تجريبي لتقديم كافة الخدمات للمتعايشات، مع التواصل بين مستشفيات الحميات ومراكز تنظيم الأسرة، لمتابعة الحمل وإجراء الولادةالقيصرية والمساعدة بوسائل تنظيم الأسرة".

ويتوقع مدير مكتب اﻷمم المتحدة لمكافحة الإيدز، أن تشهد الأشهر المقبلة توقيع بروتوكول مع مصر "يتضمن تشديد العقوبات على من يرفض تقديم الخدمة الطبية المتكاملة للمتعايشين".

لكن، ولحين خروج المشروع الحكومي والبروتوكول الأممي للنور، ستظل متعايشات أكثر من منى ونور وشيماء يُمنين أنفسهن بمعاملة حسنة كمرضى الكبد، ويطالبن بمستشفى خاص بمرضى الإيدز، يجعل من نزع اللولب والإجهاض والولادة القيصرية أمورًا طبيعية لا تحتاج إلى كل هذا التحايل.


* تم تغيير اسمي اثنتين من المتعايشات، بناءً على طلبهما.