صفحة وزارة الداخلية- فيسبوك
سجن بدر

ما صنعته زيارات رمضان الاستثنائية بقلوب أمهات السجناء

كيف كانت الزيارة الأولى بعد سنوات الحرمان؟

منشور الثلاثاء 11 أبريل 2023

مرت سبع سنوات طوال، قبل أن يأتي الأول من رمضان هذا العام، فترى وفاء*، المرأة الستينية، ولدها محمد* ذا الأربعة وثلاثين عامًا، للمرة الأولى منذ زارته وهو في السجن حين كان ابن سبعة وعشرين سنة.

قضى محمد في سجن العقرب قرابة الثماني سنوات بدأها في يونيو/حزيران 2014 حين حُبس احتياطيًا على ذمة المحاكمة في قضية تعرف بـ"خلية الصواريخ". ظل مسموحًا له باستقبال الزيارات لمدة عامين تقريبًا "عشر دقائق بالتليفون ومافيش سلام بالإيد"، بحسب وفاء للمنصة.

ظل الأمر على حاله حتى صدر الحكم عليه بالسجن المؤبد في 2016، ومنذ ذلك الحين قرر مسؤولو سجن العقرب في أبريل/نيسان 2016 أن لا عشر دقائق ولا زيارات لسجناء العقرب. "هكذا أُغلق السجن على سجنائه لم نلمحهم ولم يلمحونا ست سنين"، وتستدرك "نص 2022 عرفنا أن محمد هيتنقل سجن جديد في بدر؛ فقلنا هنعرف نشوفه، بس الوضع في بدر طلع زيه زي العقرب ما فيش زيارات".

مضى على محمد في سجن بدر 3 ثمانية أشهر، قبل أن يُنقل نهاية مارس/آذار الماضي إلى سجن وادي النطرون، بعد حالة تمرد وإضرابات ومحاولات انتحار رصدتها منظمات حقوقية لسجناء ببدر 3 منذ فبراير/شباط الماضي؛ اعتراضًا على منع الزيارات. وكمحاولة من وزارة الداخلية على تفكيك التمرد داخل السجن، أقدمت على توزيع قطاع كبير من سجناء بدر 3 على سجون أخرى، "فكان نصيب محمد في وادي النطرون".

وفاء مثل ثريا والدة أحمد صاحب الخمسة وعشرين سنة، التي رأت ابنها في المرة الأخيرة من وراء قفص زجاجي قبل ست سنوات، "لما كان عنده 19 سنة وبيتحاكم كقائد خلية إرهابية" بحسب حديث شقيقته علياء للمنصة.

وتقول علياء ذات الواحدة والعشرين عامًا "من ساعة ما جلسات المحاكمة انتهت وخد حكم بـ15 سنة ماعرفناش نشوفه تاني".

المعرفة من فيسبوك

لم تُبلَّغ لا وفاء ولا ثريا رسميًا بفتح الزيارات، كما لم يصدر أي إعلان من وزارة الداخلية بهذا الشأن "عرفنا بفتح الزيارات من فيسبوك وواتساب"، بحسب علياء.

 وتضيف وفاء "بالصدفة الأهالي كانوا بيروحوا يقعدوا قدام السجن، وفجأة سمحوا لهم يدخلوا". وتتابع "أصريت أنا اللي أروح ما استناش رغم سني ومرضي؛ كنت خايفة الزيارة تتقفل تاني وما لحقش أشوفه".

مع كل صنف كانت تحضره وفاء لنجلها ليلة الزيارة، كانت تمزج معه شيئًا من حنين وخوف طازجين، يخبرانها أن محاولة رؤية ابنها قد لا تصيب هذه المرة أيضًا.

تروي "قضيت الليلة أجهز كل أصناف الأكل، مراعية أن تكون الكميات قليلة عشان ماعندهمش تلاجة"، مسترسلة "كمان قصدت أنوّع الأصناف، عشان ماشفش أكل من برا من زمان"، فجهزت "المكرونة والسمك والفراخ واللحمة والخضار والفاكهة، كل حاجة.. كل حاجة". الأمر كذلك امتد للأدوات الشخصية "جبت معجون أسنان وفوطة وشبشب وملاية".

ولخبرتها في مسألة الزيارات منذ أيام سجن العقرب، كانت تدرك وفاء الممنوع والمسموح بدخوله في الزيارة، قائلة "الرمان والشطة ممنوعين، أما المحشي فمابيدخلش بيخافوا يكون ملفوف فيه حاجة، وفرشة الشعر لازم تبقى كلها بلاستيك، أما البنطلون فلازم يبقى بدون أربطة تقريبًا عشان ماحدش يخنق نفسه".

في السابعة صباحًا، كانت وفاء الستينية تتحامل على قدمين مرهقتين أتعبهما السن ووقفة طوال الليل لتجهيز الطعام.

استغرق الطريق بين بيت وفاء بالهرم ووادي النطرون "حوالي ساعتين، وحوالي الساعة تسعة كنت قدام السجن ومعايا ابني الكبير بنسأل عن إيه المطلوب للتسجيل في الزيارات". وتتابع "كان فيه كشك بياخد بطايق الناس، بعدها بنستنى في برجولة لحد ما ينادوا علينا".

لم يكن ذلك هو الانتظار الوحيد، "نادولنا ودخلنا من البوابة إلى تفتيش بعدين صالة كبير مجهزة انتظرنا فيها تقريبًا ساعتين ونص تلاتة". أما الأكل فتقول "خدوه وفضوه في أكياس شفافة مكتوب عليها اسمه، الأكل اتبهدل بس مش مشكلة أحسن من مافيش".

من وراء زجاج

طوال التجهيز للزيارة والطريق، وحتى دخولها إلى صالة انتظار يفصلها عن نجلها ممرات، لم تثق وفاء في إنها سترى ابنها فعلًا "حصل معانا قبل كده لما كنا نزوره في العقرب، ينادوا علينا ويدخلونا وبعدين يقولولنا روحوا ابنكم مالوش زيارة".

من وراء لوح زجاجي لمحت وفاة ابنها آتٍ بجسدٍ نحيفٍ "ما كنتش مصدقة إني شايفاه، انهرت وقعدت مفتحة عيني دقائق عشان أشبع منه"، متابعة "سألته عن وزنه، هو في الأصل رفيع بس في الزيارة كان جسمه ضعيف عن العادي". وتوضح "قالي إنه من الصيام، بس أنا ظنيت إنه كده بسبب أيام العقرب وبدر". وتستدرك "هو كده زاد شوية، أيام العقرب كان نازل خالص".

مرت الزيارة بين سؤال عن الأهل وآخر الأخبار من الجانبين، مؤكدة عدم سؤاله عما جرى معه داخل السجن من عقرب أو بدر، وتبرر "كنت فاكرة الزيارة عشر دقايق زي في العقرب وماكنتش عايزة أضيع وقت".

قدَّرت وفاء الزيارة بـ"نص ساعة من خلال الكابينة، بعدين سمحولنا نحضنه ونقعد معاه ربع ساعة كمان من غير قزاز"، لافتة "أقصى ما كان يتعبني خلال الزيارة إن ماكنش فيها كراسي في الكابينة، ونص ساعة وقوف صعبة على حد في سني بس استحملت عشان أشوفه".

شكل آخر من الزيارة روت عنه علياء شقيقة أحمد، وتقول "الزيارة استمرت عشر دقايق من ورا قزاز وبعدين سمحولنا نحضنه ونقف معاه دقيقتين"، وتتابع "الضباط كانوا منتشرين حوالين السجناء في الزيارة، أعتقد دا كان ضاغطهم". أما حالته فقالت "كان تعبان نفسيًا وهزيل وعنده هزة لا إرادية في جسمه، دا غير اللبس اللي مبهدل".

زيارة بعد تعب

تضع وفاء سنوات غياب ابنها السبع في كفة، والشهرين الأخيرين، منذ انتشرت أخبار الانتحار وإضراب السجناء في سجن بدر 3، في كفة أخرى.

وتفسر "أول ما انتشرت أخبار سجن بدر أعصابي تعبت؛ كنت بتابع صفحات السجن ومجموعات أهالي السجناء ليل نهار على فيسبوك، وكان عيالي بيزعقولي عشان أقفلها". وتضيف "كانوا خايفين اسم محمد يجي في أي خبر من الأخبار اللي بتنتشر عن السجناء وتتجدد معايا الجلطة اللي جاتلي أول ما قبضوا عليه من تسع سنين".

ما كان يخشى أخوة محمد حدوثه، عاشته ثريا والدة أحمد لكن بشكل مختلف بحسب رواية علياء للمنصة، وتقول "نص مارس كان أحمد في سجن بدر لسه، جاتلنا مكالمة من حد مانعرفوش قالنا ابنكم كويس. كنت بجري في البيت وبعيط من الفرحة"، متابعة "قررنا يومها نعمل له زيارة طبلية فجبنا الأكل وجهزنا أصناف كتير، وستة الصبح تاني يوم اتحركنا من بيتنا في مصر الجديدة لسجن بدر".

أمام بوابات السجن لاحظت علياء ووالدتها حالة غير طبيعية، موضحة "قالولنا في سجين دخل المستشفى وقبل ما نسأل مين عرفنا إنه أخويا".

 تتابع "أمي انهارت والضباط رفضوا يدخلونا نطمن عليه ولا يقولولنا اتنقل ليه"، مرجحة "أظن إنه اتنقل لحالته النفسية، عشان قبل كده طلب مننا أدوية ولما دورنا طلعت أدوية اكتئاب".

أمام إلحاح علياء وأمها للسؤال عن شقيقها "واحد من الضباط قالنا تعالوا كل يوم يمكن يوافقوا يدخلوكم"، مؤكدة "فضلنا خمس أيام نروح ونيجي على السجن وفي اليوم الخامس، ضحك ضابط وهو بيقولنا دا اتنقل وادي النطرون". وتروي "بلغنا الخبر بكل قسوة، كان بيضحك وكأنه شمتان لتعبنا".

مضي أسبوعين تقريبًا على علياء وأسرتها في هذا القلق، حتى عرفوا بفتح الزيارات مع بداية رمضان، فجهزوا زيارتهم وذهبوا مع من ذهب طالبين رؤية ابن لم يلمحوه منذ ست سنوات.

وتقول علياء "الزيارة جددت الشوق ووجع القلب عليه"، أما وفاء فلا تزال في نشوة أم رأت ابنها بعد سبع سنوات غياب. نشوة تجعلها تتجاهل حقيقة إن هذه الزيارات استثنائية ولا أخبار مؤكدة حتى الآن عن الوضع بعد رمضان وعيد الفطر، هي أصلًا تتجاهل حقيقة إن ابنها يقضى حكمًا بالمؤبد، لذلك تكتفي بالتطلع لـ"عفو ينهي كابوسنا".


* جميع أسماء السجناء وأسرهم مستعارة بناءً على طلبهم.