تصميم: أحمد بلال- المنصة

التحرش بالرجل: المسألة التي لا نتحدث عنها

منشور الاثنين 5 يونيو 2023
  • هل تعلم أن هناك معادلة رياضية حول مؤخرتك؟
  • ماذا؟! لا!
  • مجموعة من الأشخاص الأذكياء عملوا على معادلة رياضية لمنحنيات مؤخرتك.
  • هل يمكن فعل ذلك حقًا؟

دار هذا الحوار بين الممثل الأمريكي جنسن آكلز وإحدى المعجبات في لقاء جماهيري، ونُشر الفيديو على يوتيوب وامتلأت التعليقات برفض تلك المداخلة، لأنهم وجدوا أن ملامح آكلز بدت غير مرتاحة، وكان أكثر سؤال طرحه المتابعون "ماذا لو وجَّه رجل هذا السؤال لممثلة؟ هل كان ليمر بسلام هكذا؟".

في الحقيقة غالبًا لا، التعليق الجنسي الموجه للرجال مقبول أكثر من التعليقات الموجهة للنساء، لكن ما الفرق؟ أليس التصرف واحد؟ هل هي ازدواجية معايير؟

تعمل النسويات في العالم على تغيير الخطاب الموجه للنساء، وأي تعليق له مغزى جنسي قد يجعل المرأة غير مرتاحة، أو يصل إلى مرحلة التحرش، خاصة بعد موجة MeToo في هوليوود، التي شجعت النساء في كافة المجالات على فضح المتحرشين جسديًا أو لفظيًا. تسببت هذه الموجة في حذر الرجال من إبداء أي تعليق قد يفسر على أنه تحرش.

ولكن ماذا عن الرجال الذين يتم التحرش بهم؟ تحدث أحد حراس المغنية الأمريكية ماريا كاري عن محاولتها لإغراءه ولبسها ملابس فاضحة أمامه بهدف الغواية، وهو ما اعتبره تحرشًا. الكثير من التعليقات التي وجهت له كانت "حقًا؟ يشتكي بأن ماريا كاري رغبت به؟"، "ما مشكلتك؟"، "سيشرفني أن تتحرش بي ملكة".

لم يكن هذا مستغربًا، فالعملية الجنسية في العقل الجمعي هي فاعل ومفعول به، قائمة على الفحولة وإبراز القوة وإثبات الرجولة، ولدى الطرف الثاني الأنوثة الطاغية والضعف والرغبة.

ثنائية الفاعل والمفعول به المتجذرة في العديد من المجتمعات، على اختلاف هوياتها، قائمة على القوة والضعف، الفاعل قوي والمفعول به ضعيف، والاثنين يستمتعان بذلك ويريدان إثباته. والرجل هنا، الفاعل بحسب الفكرة الاجتماعية، يجب أن يكون فحلًا، إذ لن يكون رجلًا بما يكفي إذا ما رفض ممارسة الجنس مع امرأة طاغية الأنوثة مثل ماريا كاري.

الرجل الحقيقي، بحسب المجتمع، هو من لا يستطيع أن يتحكم في نفسه أمام الجمال والرغبة. وإن قدمت المرأة نفسها للرجل بهذه الطريقة فرفضه لها يعني أنه غير كامل الرجولة.

يجد الرجل نفسه في بعض الأحيان مجبرًا على ممارسة الجنس لئلا يُنتقص من رجولته

تجذُّر هذه الفكرة في عقل الفرد رجلًا كان أم امرأة، هو جذر مشكلة التعاطي مع التحرش الجنسي بالرجال، إذ يميل الرجل لقبول التعليقات الجنسية حتى وإن لم يكن مرتاحًا لها. لن يصرخ ويعتبرها إهانه، أو يبدي بشكل علني عدم راحته، لأن لذلك تأثير سلبي على صورته الرجولية. 

لا نتحدث هنا عما إذا كان الرجل قابلًا لذلك أو شاعرًا بأنه مرغوب إذا ما تلقى مثل هذه التعليقات، بل حين تكون مثل هذه الكلمات غير لائقة بالنسبة له.

رفض الجنس كمضاد للرجولة

يصل الضغط على الرجال إلى العلاقة الزوجية. يجد الرجل نفسه في بعض الأحيان مجبرًا على ممارسة الجنس لئلا يُنتقص من رجولته، إذا لم يكن قادرًا جسديًا أو نفسيًا على الممارسة. بينما من المقبول اجتماعيًا أن ترفض المرأة، أو لا تكون جاهزة نفسيًا وجسديًا، فهي المفعول به، الطرف المستقبل. وحين يبدي هذا الطرف رغبته فالفاعل المعطي القوي ينفي هذه الصفات عنه إذا ما رفض.

وفي حين أن النسويات يطالبن بتجريم الاغتصاب الزوجي، الذي يشمل الابتزاز النفسي، ينسين أن الابتزاز والضغط النفسي يُمارَس على الرجل أيضًا.

يسمى هذا في الدراسات الاجتماعية بالرجولة السامة، التي يكون ضحيتها الرجال أيضًا، بسبب أفكار اجتماعية تضع على الرجل ضغوطات اجتماعية واقتصادية ونفسية وجسدية.

ما يجعل من التحرش بالمرأة مسألة ضخمة في مقابل عاديتها في حالة تعرض الرجل لها من امرأة، هو ما بناه النظام الاجتماعي الأبوي في تمييزه بين الأدوار الجندرية، واستخفافه برغبات المرأة.

في حكاية ليلى والذئب، تخيل كم سيكون كوميديًا لو كانت ليلى هي من رغبت أكل الذئب، رغم أن هجوم أي طرف على الآخر هو المشكلة.

خلق النظام الأبوي في النساء رعبًا تجاه أجسادهن؛ من أن يكنَّ ليلى، الخوف من التعرض لتعليق جنسي أو ابتزاز أو اغتصاب يؤدي لدمار نفسي عميق. هذا الدمار تسبب به النظام الأبوي حين جعل من الرجل ذئبًا، لا يثبت رجولته إلا من خلال جسد المرأة، وإن كانت ممارسة الفعل بالرضا أو الغصب ففي الحالتين هذا النظام خلق سمًا في فكرة الرجولة بأن هذا الفعل هو دليلها ووسيلة إثباتها، مما أنتج عادية التحرش بالرجل مقارنة بالمرأة.

بحسب الفكرة الاجتماعية السائدة، فإنه في العلاقات المثلية أنت رجل إن كنت الفاعل والآخر المفعول به هو الطرف الضعيف الموصوم بالعار وانعدام الرجولة، لأنه أخذ دور الأنثى في العملية.

لا يعي الكثير من الرجال كمية الدمار الذي يخلقه النظام الأبوي في حياتهم؛ الضغط النفسي لتكون رجلًا في المنزل، الضغط الاجتماعي لتتبع معايير مكتوبة مسبقًا قد لا توافق عليها، الضغط الجسدي الذي قد يرغمك على ممارسات لا ترغبها سوى لإثبات رجولتك.

الرجل لا يخاف ولا يعبر عن مشاعره، ولا يُسمح له بالبكاء إلا في حالات قصوى كالموت مثلًا، فالبكاء على مشهد حزين في فيلمك المفضل لا يجب أن يعرف به أحد. ستكون محط سخرية الجميع، أنت رجل، لا يجب أن تبكيك هذه الأمور، هذه للنساء.

ماذا إذًا عن ملاطفة رجل أو مجاملته؟ ليس الأمر مختلفًا فيما يخص القبول والارتياح

هل هذه مسائل ترفيّة في المجتمع ليس من المهم التطرق لها في مقابل ما تتعرض له النساء؟ لا، المسألة ليست ترفية مطلقًا. رغم أن معاناة النساء مضاعفة، فكلنا رجال ونساء ضحايا لنظام أبوي يدمر علاقتنا ببعضنا وبأنفسنا، المشاعر التي يجبر المجتمع الرجل على كبتها تنفجر في الأماكن الخطأ، في العنف والكراهية والقسوة، والضغوطات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي يتحملها فأثرها على العائلة والمجتمع مخيف.

خلال الموجة النسوية الأولى في أمريكا قررت مجموعة من النسويات النزول للشارع والتحرش اللفظي بالرجال، في ممارسة قصدن بها الاحتجاج على ما يفعله الرجال في الشوارع بهن، وليرى الرجال أثر ذلك عليهن من خلال التجربة بأنفسهم، بعض الرجال تلقوا التعليقات بضحك ومرح، وآخرون أبدوا عدم ارتياحهم.

في تلك الحقبة يمكن أن تكون هذه الطريقة في الاحتجاج مقبولة لدرجة معينة، كرد فعل على التحرش بالنساء في الشوارع. لكن من المرفوض بالنسبة لي على الأقل أن يكون التحرش بالرجل أمرًا عاديًا أو ردة فعل لما نواجهه نحن النساء، فمحاربة الشر لا يجب أن تجعل منك شريرًا، وسبيلنا لحل مشاكل التحرش بنا هو البحث عن جذر المشكلة نفسها، ثنائية الفاعل والمفعول به، الرجولة السامة، تقسيم الصفات الجندرية، وغيرها مما خلقها النظام الأبوي.

وبطبيعة الحال للتحرش أسباب وأبعاد أخرى كثيرة تجرى عليها دراسات مطولة لا تقتصر على ما طرح هنا.

في السنوات الماضية ومع صعود الحديث عن التحرش، طرح سؤال مهم وكبير "ما الفرق بين التحرش والمجاملة أو الملاطفة؟"، ومع موجة Me Too التي وصلت من أمريكا إلى عدة دول في العالم، رفضت العديد من الفرنسيات ما أسمينه بالتشدد وتحويل المجتمعات إلى محافظة، وبناء حواجز بين الرجال والنساء.

المجتمع الفرنسي المعروف بتحرره وجد أن الحساسية البالغة في اعتبار أي تعليق من رجل لامرأة حول شكلها تحرش، هو أمر يسيء للعلاقات بين الرجال والنساء ويخلق بينهم الخوف وعدم الراحة.

الفرق بين المجاملة والملاطفة والتحرش يختلف بين مجتمع وآخر، بحسب ثقافته ومعتقداته وعاداته الاجتماعية، ومدى الخوف المزروع في الفتيات منذ الطفولة، وهذا مبحث آخر يمكن التطرق له بشكل مفصل في كتابات أخرى.

لكن الأساس يكون بمعرفة مدى قبول الآخر لذلك، ونوعية العلاقة بين الطرفين، وعدم المضايقة أو التطفل أو التسبب بالخوف مثل الملاحقة في الشارع، وقبول الرفض باعتبار "لا تعني لا" التي ننساها كثيرًا.

ماذا إذًا عن ملاطفة رجل أو مجاملته؟ ليس الأمر مختلفًا فيما يخص القبول والارتياح ووجود المساحة بين الطرفين، فالتحرش هو تحرش مهما كان جنس الفاعل.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.