صورة منتجة عبر تقنية الذكاء الاصطناعي من Bing
الفساد المالي في اختبارات الناشئين

بيزنس أحلام السير على خُطى "الفرعون".. قصة سماسرة طريق محمد صلاح

منشور الأحد 24 سبتمبر 2023

كل هاو يمارس كرة القدم تزدحم رأسه بأحلام عريضة عن احتراف اللعبة الأشهر في العالم، فمن ناد صغير إلى آخر أكبر ثم إلى العالمية، على طريق محمد صلاح، مهما بلغ حجم موهبته من التواضع أو الفرادة.

وأحمد محمد عبد الله، الذي لم يجد فرصة سهلة في أي من أندية محافظته الشرقية، والموجودة بعضها في فئات مختلفة من مسابقة الدوري المصري، لم يكذب خبرًا عندما عرف باختبارات وشيكة يشرف عليها كشافو نادي الزمالك في محافظته.

توجه اللاعب الناشئ، الذي رأى أمامه فرصة ربما لن تتكرر، من فوره إلى بوابة النادي الذي سيشهد الاختبارات، يلح على أفراد الأمن أن يسمحوا له بمقابلة المسؤول. وبعد شد وجذب، ودعاء بالصحة، وحكايات كثيرة عن أحلامه ومهاراته، نجح أخيرًا في لقاء طارق يحيى، رئيس قطاع الناشئين الذي حضر بنفسه إلى الشرقية.

أكد يحيى لأحمد أنه سيحصل على فرصة عادلة في يوم الاختبارات التي سيشرف عليها بنفسه. مدفوعًا برسالة التطمين، إضافة إلى مهاراته، نجح الشاب في اجتياز الاختبارات التمهيدية، وصعد مع مجموعة صغيرة منتقاة إلى التصفيات النهائية التي ستعقد بمقر النادي بالجيزة.

عبد الله، الذي اضطر للسفر غير مرة صحبة والده أو أقرباء آخرين، لأن الجيزة تبعد عن قريته نحو 120 كيلومترًا على الأقل، ظل يتخطى الاختبار تلو الآخر، منتظرًا الانضمام إلى فئة سنه من فرق نادي الزمالك المختلفة، لكن المراحل بدت وكأنها لا نهاية لها!

أمام الذهاب والعودة بين محافظتين، التقطه أحد الإداريين في قطاع الناشئين، فأخبره أن هناك من هم أقرب للقيد منه، لأن آباءهم يشغلون وظائف مرموقة، أما هو فليس أمامه من فرصة إلا أن يدفع للمدربين مبلغًا ماليًا من "تحت الترابيزة" إذا أراد الانضمام حقًا لنادي الزمالك!

لم يكن أحمد عبد الله، وهو يجر قدميه خائبًا في طريق العودة إلى الشرقية، مهتمًا أو مدركًا لقيمة المبلغ المطلوب، ربما نسيه أو لم يسمعه من الأساس، فأي مبلغ مالي مهما تضاءلت قيمته سيكون عقبة أمام عائلته لتحقيق حلمه، الذي تبخر هكذا بكل بساطة.

بيزنس تضييع الأحلام

اعتادت الأندية الجماهيرية الكبرى بالقاهرة وضواحيها، عقد اختبارات للهواة من أبناء الوجهين القبلي والبحري في محافظات مثل الشرقية والدقهلية والقليوبية والإسكندرية وأسيوط والمنيا وسوهاج، لكن عن طريق وكلاء، تمنحهم ترخيصًا لإجراء الاختبارات تحت لواءها، وهم الذين اصطلح على تسميتهم في اللسان الدارج للعاملين بالحقل الرياضي "سماسرة".

يقول محمد عبد الله، المنسق الإعلامي لأكاديميات الناشئين بالمقاولون العرب، لـ المنصة إن أزمة "سماسرة" الاختبارات أصبحت كارثة تهدد قطاعات الناشئين. مضيفًا أن الآلية التي صارت تلجأ إليها "الكثير من الأندية" تحمل مشقة لأولياء الأمور، "الوكيل أو الشركة التي تقوم بالاختبارات في المحافظات نيابةً عن الأندية، تحصد مكاسب ضخمة، فعلى سبيل المثال لو كان سعر استمارة التقديم 100 جنيه، تُباع للناشئين وذويهم بـ 200 أو 300، هذا بجانب تأجير ملعب واستقدام لجنة فنية. ببساطة يتاجرون بأسماء الأندية لإغراء الأهالي واللاعبين".

وتابع "الوكيل يدفع 25 ألف جنيه من أجل إجراء الاختبار، ويجني أضعاف هذا المبلغ من جيوب ومدخرات أولياء الأمور. هذا نصب واحتيال بكل أسف، وبيع الوهم للأهالي"، كاشفًا أن بعض الأندية تجري اختبارات للاعبين دون أن تختار أي منهم، لأن لديهم قوام آخر بالفعل، ومن ثم لا يعدو الأمر كونه "سبوبة" لجلب أموال، سواء للوكيل أو النادي، علاوة على استقدام لجنة فنية تضم نجوم سابقين، يحصل كل نجم على ألف جنيه على الأقل في الاختبار.


وفي ظل صعوبة الحصول على فرصة بين آلاف المتقدمين، قد يلجأ بعض أولياء الأمور إلى الأكاديميات الخاصة التي يشرف على إدارتها لاعبون سابقون، على أمل أن تبزغ موهبة نجلهم فيجد لنفسه طريقًا صوب الأندية الكبرى.

لكن هذه الأكاديميات، ورغم تكلفتها العالية، لم تقدم إضافة حقيقية على مستوى الناشئين في مصر حتى الآن. وفي ذلك يرى محمد عبد الله أنها أضرت الكرة المصرية ولم تحقق استفادة حقيقية، كونها لا تقدم مواهب فعلية، ولا تساعد على تطوير اللاعبين، لأنها ببساطة تلعب باسم نادٍ مغمور أو مركز شباب، وعندما تخوض بطولات الجمهورية وتخسر يتم التخلي عن هؤلاء اللاعبين.

وأضاف عبد الله "لو أردت الاستفادة من تجربة الأكاديميات، عليك عمل دوري خاص لها، ومنه ستظهر المواهب. واتحاد الكرة لديه كوادر عديدة يمكن أن يعينها كلجان تشرف على هذه الأكاديميات". قائلًا "أزمات قطاعات الناشئين مثل عش الدبابير، الرابحون يريدون أن يستمر الحال بصرف النظر عن تقديم مواهب حقيقية للكرة المصرية من عدمه، والخاسر الأكبر هو الأهالي".

حاتم جمال الدين، والد أحد اللاعبين الذين سبق لهم الاختبار واللعب في فرق الناشئين بعدة أندية مثل الزمالك وبتروجت ونسيج حلوان، يقول إن تجربته كانت مريرة، فأي أب عليه رصد ميزانية شهرية لا تقل عن ألفي جنيه لنجله الذي يريد له النجاح في الاختبارات.

ويضيف لـ المنصة أنه من أجل مساندة حلم نجله، كان عليه السفر لأكثر من محافظة بسبب الاختبارات والتقديم في أكثر من نادٍ، على أمل أن يتم قيده، لكن تبقى هناك عقبات.

القبول في الاختبارات لا يعني أنك ضمنت لنجلك مكانًا في الأندية، فهناك مساومات تحدث من أجل قيده في قائمة فريق المرحلة السنية التابع لها، ويصل الأمر لطلب بضعة آلاف حتى يفوز الشاب بمكان في القائمة، خاصة مع وجود منافسين كُثر، بحسب حاتم.

وأشار إلى أن بعض السماسرة، الذين يعملون لحسابهم الخاص، يطلبون مبالغ تصل إلى 30 ألف جنيه من الأهالي بغية عرضهم على الأندية وضمان أن يحظوا باهتمام المسؤولين عن الاختبارات، وينالون لأنفسهم أماكن في القوائم.

غياب العين الخبيرة

يقول سعيد لطفي المنسق العام لقطاع الناشئين بالزمالك ومصر المقاصة سابقًا، إن واحدة من أكبر الأزمات التي تصادف الناشئين فيما يتعلق بالاختبارات في الأندية هي "كثرة المعروض مع قلة الطلب"، فالأندية في النهاية تحتاج لعدد محدد، في حين يتقدم المئات كل عام على أمل الحصول على فرصة.

وتابع لـ المنصة "الصعوبة الأكبر تتمثل في أن بعض المتقدمين يكونوا في أعمار أكبر من المطلوب، لأن الأندية دائمًا تنظر إلى السن الصغير كمعيار مهم من أجل اكتساب خبرات التدرب في النادي".


وينفي لطفي وجود محسوبية أو واسطة لقبول الناشئين "الملعب فضّاح.. فمن سيجامل لاعبًا في اختبار واحد لن يجامله مطولًا، وسيظهر سريعًا أنه دون موهبة حقيقية".

وأضاف متحدثًا عن أزمات اختبارات الناشئين "العين الخبيرة موجودة، لكن مع كثرة الأندية تزداد صعوبة انتقاء المواهب، خصوصًا مع دخول الاستثمار في الأندية بقطاعات الناشئين، فالأمر أصبح مُكلفًا على أن يتحمله نادٍ دون ميزانية كبرى أو تحديدًا الأندية الشعبية".

واستطرد قائلًا "لو تحدثنا عن قطاع ناشئين لنادٍ في أندية الممتاز، يمكن أن يتكلف في العام حوالي 10 مليون جنيه، مثل الأهلي والزمالك وغيرها.. أما باقي الأندية الجماهيرية الأقل فمكن الممكن أن تتكبد نحو مليون أو 1.5 مليون جنيه".

وواصل لطفي الذي يعمل حاليًا منسقًا عامًا لشركة بروسيا لتسويق الناشئين "الآن الأندية توكل مهمة الإنفاق على الناشئين لشركات خاصة أو مستثمرين، لتزيل عن كاهلها النفقات الكبيرة من جهة، ومن جهة أخرى تحتفظ بأفضل العناصر في القطاع". مؤكدًا أن "الأندية تحتاج لاهتمام أكبر بقطاعات الناشئين، وأن تكون هناك فرص حقيقة للاعبين الشباب مع الفريق الأول، حتى يعلو سقف الطموح".

يرى لطفي أنه من المهم أيضًا أن تسمح الأندية للاعبين الصغار بالاحتراف حال وجود عرض مناسب، من أجل أن تكون هناك مواهب أكبر في المستقبل. كذلك أن يكون هناك مدربون لديهم القدرة على التعامل مع الأعمار السنية المُختلفة، لأن الأمر يتطلب مواصفات خاصة في المدرب.

وغالبًا ما يشغل مهمة الإشراف على قطاعات الناشئين اللاعبون حديثو الاعتزال، وهي خطوة تعدها كثير من الأندية فرصة لتكريم اللاعبين، أو لإعداد كوادر منهم لقيادة الفريق الأول في المستقبل، وهو ما يعده لطفي "خطأً كبيرًا"، "لأن النجم في تلك الحالة لم يكتسب الخبرات الكافية للعمل في القطاع، بل إن البعض يمنحهم فرصة تدريب فريق أول أيضًا". مشيرًا إلى أنه يجب أولًا أن يحصلوا على الدورات التدريبية الكافية التي تخول لهم العمل.

مجاملات لا تثير الحرج!

لم يستشعر مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، المعزول حاليا بُحكم قضائي، الحرج عندما تحدث عن المجاملات الفجة في قطاعات الناشئين، لكنه نسبها لفترة غيابه عن القلعة البيضاء أثناء تنفيذ قرار وزارة الشباب والرياضة بإبعاده ومجلسه عن إدارة النادي، حيث قال إنه سيعود من أجل إرساء قواعد واضحة للاختيار في قطاعات الناشئين، وألا تكون هناك معايير لا أخلاقية مثل "حُسن مظهر والدة اللاعب".

ما قاله منصور على سبيل التشهير بإدارة نادي الزمالك السابقة عليه، يؤكده رغم ذلك محمد عبد الله المنسق الإعلامي لقطاعات الناشئين بالمقاولون عندما أشار إلى أن بعض الأندية "بها مدربون في القطاع يطلبون أرقام هواتف أمهات اللاعبين للتواصل معهن، وهو أمر لا علاقة له بتقييم مستوى الناشئ أو متابعته".

عندما حاز محمد صلاح على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي عام 2018، انتشرت على السوشيال ميديا قصصًا كثيرة عن مشوار الفتى الصغير الذي كان يتكبد الرحلة من نجريج في محافظة الغربية إلى الجبل الأصفر بشمال القاهرة يوميًا لخوض مرانه مع فريق المقاولون العرب، والتي أتت أكلها الآن بعد أن صار لاعب العام في إنجلترا التي تتربع مسابقتها على عرش الدوريات الكبرى في العالم.

ووفق حالة اختبارات الناشئين بالأندية الكبرى، فإن الرحلة التي ينتظرها أحمد محمد عبد الله من الشرقية، وأمثاله من الممتلئين بالأحلام، هي قسوة طريق العودة إلى قراهم، بعد الخيبة التي أدركوها، وإن ناموا بعدها فإن أحلامهم عليها أن تتغير.