صفحة المتحدث باسم رئاسة الجمهورية- فيسبوك
الرئيس السيسي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية 2018

التجني على المعارضة عشية الانتخابات الرئاسية

منشور الثلاثاء 12 سبتمبر 2023

خرج علينا الإعلامي عمرو أديب مؤخرًا في برنامجه التليفزيوني اليومي، بوصلة منفردة لنحو 25 دقيقة كاملة، يطالب فيها المعارضة المصرية بتجاوز ما وصفه بمرحلة "قلب الكوتشينة" على رؤوس الجميع، والاتفاق على مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، متهمًا إياها بالسعي وراء ما وصفه بـ"معادلة صفرية" تنتهي بإزاحة الطرف الآخر، والعودة لمرحلة جديدة من الفوضى، بعد أن تتم "طربقة" الوضع فوق رؤوس الجميع.

وتساءل أديب، الذي يحظى برنامجه المذاع على قناة سعودية تُبث من القاهرة بنسب مشاهدة مرتفعة، عن سبب تأخر المعارضة في اتخاذ تلك الخطوة، وكأنه لا يعيش معنا في مصر، ويعلم أن الجميع كان ينتظر منذ شهور تحديد جدول زمني محدد لإجراء تلك الانتخابات. كان كل من يعمل في المجال السياسي في مصر يتوقع أن تنعقد الانتخابات بحلول ربيع العام المقبل، وذلك اعتقادًا أن فترة الرئيس السيسي الثانية تنتهي في مطلع يونيو 2024.

ولكننا فوجئنا بعد ذلك بتغريدات للنائب البرلماني النافذ مصطفى بكري عن انتخابات مبكرة، وتصريح للأستاذ ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، أنه في ضوء التعديلات الدستورية التي جرت في مطلع 2019 ورفضتها المعارضة، وتم بمقتضاها تمديد فترة الرئاسة عامين إضافيين، ومنح الرئيس الحالي استثناءً شخصيًا بالترشح لفترة ثالثة مدتها ست سنوات، فإن الفترة الرئاسية الثانية للرئيس تنتهي في مطلع أبريل/نيسان 2024، وعليه فإن الانتخابات يجب أن تجرى قبل 120 يومًا من ذلك التاريخ وفقًا للدستور. ويجري الحديث الآن عن مواعيد محتملة للانتخابات تبدأ في ديسمبر/كانون الأول، وربما يناير/كانون الثاني.

حديث الإعلامي عمرو أديب عن الانتخابات الرئاسية المقبلة


كان الأستاذ أديب، بما لديه من مصادر مطلعة، سيفيدنا أكثر لو كشف عن الموعد المحدد لعقد الانتخابات، والأهم تقييمه إذا ما كانت هناك دولة أخرى في العالم، تُعرِّف قيادات أحزابها السياسية، وقبلهم المواطنين بالطبع، موعد الانتخابات قبلها بأسابيع فقط، وكأنها سر حربي أو أمر يُطبخ على نار هادئة ثم تُعلن تفاصيله وفق اعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية، لا بناء على ما يحدده القانون والدستور. يعلم العالم أجمع بعد إجراء أي انتخابات في تركيا أو فرنسا أو أمريكا الموعد المحدد للانتخابات التي تليها بالشهر والسنة، ولا تخضع الأمور للتقديرات السياسية للقائمين على الحكم.

تجاهل أديب الآثار المريرة لتجربة "استفتاء 2018"، والذي كان من المفترض أن يكون انتخابات حقيقية تنافسية كذلك، ولكن انتهى الأمر بمرشح وحيد هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومرشح إنقاذ الموقف في اللحظات الأخيرة من مؤيدي الرئيس. بعد تلك التجربة، كان من حق المعارضة أن تتساءل إذا ما كان السيناريو نفسه سيتكرر في انتخابات 2024، أم سيكون هناك تسامحًا وموافقة من قبل الأجهزة الأمنية المعنية، على إجراء انتخابات يتوفر فيها الحد الأدنى من التنافسية والنزاهة والمصداقية.

في النهاية الانتخابات ليست عملية انتحارية، بل يُفترض أن تكون منافسة سلمية في أجواء طبيعية من دون عواقب أو أثمان باهظة يدفعها من يقررون خوض تلك المنافسة. ولكن عندما يكون هناك احتمال للتضييق على أي مرشح محتمل؛ وربما اعتقاله شخصيًا أو استهداف أنصاره وأقاربه، فإن الأمر لا يصبح كذلك. وعندما يكون ثمن الترشح لمنافسة الرئيس، التعرض لحملة ضارية من التشويه والاستهزاء والخوض الحياة الشخصية، فـ"بلاها أحسن" كما يقول المثل الشعبي.

من توسيع الهامش إلى البحث عنه

ولكن ما أراه تجنيًا من قبل الأستاذ أديب على المعارضة التي تعمل من داخل مصر، هو اتهامها بالرغبة في العودة لمرحلة الفوضى والبدء مجددًا من نقطة الصفر، متجاهلًا كل ما تعرضت له أحزاب المعارضة الشرعية التي تعمل في إطار القانون والدستور؛ من قمع وتنكيل وتضييق على مدى السنوات التسع الماضية، رغم أن الأحزاب المنضوية حاليًا تحت يافطة "الحركة المدنية الديمقراطية"، كانت كلها في مقدمة صفوف المعارضة لحكم الإخوان، وتُعتبر امتدادًا لجبهة الإنقاذ الوطني.

وعندما جرت المظاهرات التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، كان الجميع يتحدث عن شراكة جديدة بين المعارضة المدنية والنظام بهدف الانتقال نحو تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يمكن فيها إجراء انتخابات نزيهة يتم من خلالها تداول السلطة، مقابل النموذج الذي عهدناه في مصر منذ ثورة 1952، حيث يبقى الرئيس في منصبه إلى أن يُجبر على الرحيل بالوفاة أو الاغتيال أو الثورة الشعبية.

وبالفعل شكلت جبهة الإنقاذ أول حكومة بعد 3 يوليو/تموز 2013، ولكن كان عمرها قصيرًا للغاية، ولم تدم أكثر من سبعة أشهر.

ماذا حدث بعد ذلك؟ عدنا لما هو أسوأ بكثير من مرحلة ما قبل يناير. كنا نتحدث في عهد الرئيس مبارك عن توسيع "هامش الحريات"، أما بعد 2014 لم يعد هناك ولو حتى هامش صغير للمعارضة، بزعم أن ذلك يضر بالأمن القومي ويساهم في خدمة أهداف جماعة الإخوان ورغبتها في زعزعة استقرار الوطن.

أصبح لدينا رئيس يتخذ منفردًا كل القرارات المتعلقة بكافة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومئات من المعارضين السلميين محبوسين، فيما أُمِّمت وسائل الإعلام ومنعت المنظمات غير الحكومية والنقابات المستقلة من ممارسة أي نشاط.

ورغم الظروف الصعبة والتضييق الذي عانت منه أحزاب المعارضة، فقد أكدت مجددًا أنها لا تنتمي للفصيل الساعي لقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وأنها لا تحمل ضغينة شخصية ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورحبت بدعوته للحوار الوطني قبل عام ونصف، أملًا في أن يفتح مدخلًا نحو استعادة حدٍّ أدنى من الحراك السياسي.

كما أكدت المعارضة استعدادها ورغبتها في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم رفضها تعديلات الدستور في 2019 لإطاحتها بأهم مكتسب لثورة 25 يناير، في أن يكون لدينا رئيس يلتزم بالاكتفاء بمدتيه الرئاسيتين في الدستور لثماني سنوات. ولكن من حق هذه المعارضة التي عانت كثيرًا، أن تطالب بضمانات تثق من خلالها أننا غير مقبلين على تكرار تجربة 2018.

المعارضة أكثر حرصًا على عقد انتخابات تنافسية حتى لو لم تتمتع بالضمانات المطلوبة

ومن ضمن الضمانات التي طالب بها عمرو أديب نفسه في برنامجه، أن تتوقف أجهزة الدولة عن العمل جميعًا لصالح دعم الرئيس الحالي، وإعادة انتخابه لفترة ثالثة، من أجل أن تكتسب الانتخابات المقبلة ولو حدًا أدنى من المصداقية.

ولكن ما نشهده الآن هو العكس تمامًا، وحتى قبل أن يعلن السيسي رسميًا عن ترشحه. لا أتحدث هنا عن إصدار الأحزاب المؤيدة للرئيس بيانات تطالبه بالترشح، فهذا حقها بالطبع. ولكن لا يكاد يخلو شارع أو كوبري الآن في مصر من صور بمختلف الأحجام للسيد الرئيس بعناوين من نمط "معك نكمل المشوار" و"نعم للاستقرار"، إلخ.

يعلم القاصي والداني أن هذه الصور والإعلانات ليست مجانية، بل تتكلف أموالًا طائلة، في وقت يفترض أن يلتزم الجميع بسقف قانوني للإنفاق الانتخابي تحدده اللجنة المشرفة على الانتخابات، الذي سيكون أوشك على النفاد بالفعل قبل انطلاق الحملة أو تحديد موعد الانتخابات بالأساس. 

ولم نكد نقول "بسم الله الرحمن الرحيم"، حتى بدأت الصحف الحكومية تفرد صفحاتها الأولى لعناوين مبدعة في شاعريتها من أجل الدعوة لإعادة انتخاب الرئيس من نمط "كمل مشوارك، الشعب اختارك". كما نقلت صحيفة حكومية يومية عن "خبراء عسكريين" قولهم إن "دعم الرئيس في الانتخابات واجب على كل مصري". ومع التصاعد المتوقع لحملة السيد الرئيس، نحن ننتظر قريبًا فتاوى رجال الدين وشيوخ وزارة الأوقاف في خطب الجمعة بتحريم دعم أي مرشح آخر سوى الرئيس الحالي.

كل المؤشرات سلبية

في إقرار عمرو أديب بأن نتيجة "الانتخابات" المقبلة معروفة سلفًا، ردٌّ على تساؤله عن سبب إحجام المعارضة عن اتخاذ قرار مبكر بخوض الانتخابات، وتفضيل الانتظار وقراءة المؤشرات للكشف عما إذا كانت السلطة الحالية تنوي حقًا تنظيم منافسة سياسية تحظى بالحد الأدنى من المصداقية.

وللأسف؛ فإن كل المؤشرات تبدو سلبية حتى الآن، سواء من ناحية استمرار حملات القبض على من يكتبون آراء معارضة على السوشيال ميديا، وسياسة التقطير البطيء في الإفراج عن السجناء الحاليين، واستغلال الإعلام وكل إمكانيات الدولة للدعاية للرئيس الحالي.

أستطيع أن أدعي وأؤكد أن المعارضة الشرعية أكثر حرصًا على عقد انتخابات تنافسية؛ حتى لو لم تتمتع بكل الشروط أو الضمانات المطلوبة التي تتطلع لها. أما أن تتم مطالبة المعارضة بأن تخوض الانتخابات في جميع الأحوال ورغم كل الظروف، حتى لو انتهى الأمر باستخدامها كديكور لتجميل الصورة ولعب دور الكومبارس، ففي هذا إجحاف وظلم كبير للمعارضة، وتجاهُل للواقع الصعب الذي نعيشه ونسعى لتغييره بكل السبل القانونية والدستورية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.