حساب سوزان ساراندون على انستجرام
سوزان ساراندون في مظاهرة لدعم غزة

هوليوود تحترق بنار الحرب على غزة!

منشور الأحد 17 ديسمبر 2023

للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تتحول قضية فلسطين إلى الشأن العالمي، وتصير الأحداث فيها الخبر الأول في معظم نشرات الأخبار، وتنتقل إلى شوارع العواصم والمدن الكبرى في مظاهرات لا تتوقف، بل تزداد أعداد المشاركين فيها أسبوعًا تلو الآخر.

وللمرة الأولى في تاريخ هذا الصراع، تشهد هوليوود ومراكز الصناعات الفنية والثقافية في أمريكا، لا أقول انحياز الغالبية لفلسطين، وإنما انقسامًا كبيرًا يتسع كل يوم بين المؤيدين لها في مواجهة المؤيدين لإسرائيل، وذلك، لو تعلمون، عظيم.

للمرة الأولى يلوح احتمال كسب هذه المعركة معنويًا، وهو الانتصار الأهم، في حرب غير متكافئة يشنها جيش غاشم مدعوم بحكومة وترسانة أكبر بلد غاشم عرفه الكوكب. وباستثناء هذين البلدين اللذين صارا كالأجرب وسط الأصحاء، تتخذ كل شعوب وبلاد العالم موقفًا مؤيدًا للفلسطينيين، إذا استثنينا قليلًا من الدول التي تحولت إلى تابع خادم للولايات المتحدة مثل بريطانيا، أو التي تعاني عقدة ذنب وبطحة على الرأس تجاه اليهود مثل ألمانيا.

قد يبدو من الغريب أن من يقود النضال ضد حرب الإبادة الإسرائيلية هي الأمم المتحدة، ودول لاتينية وأوروبية وإفريقية قطعت علاقاتها بإسرائيل، بينما لا تبارح جامعة الدول العربية ومعظم الدول العربية المنفردة، مكانها، مكتفية بالتصريحات البليدة، متلفعة بهوان الضعف وجشع المصالح الضيقة.

مع ذلك، فقد يكون هذا أفضل، لأن موقف البلاد والشخصيات التي ليس لديها ناقة أو جمل في الصراع أهم وشهادتها أكثر تأثيرًا. ومشاركة شخصية مشهورة أو حاخام يهودي في مظاهرة ضد إسرائيل أنجع من مشاركة مئات المسلمين العرب، ليس بالطبع لأن المشهورين أو اليهود أرقى، ولكن شهادتهم غير مجروحة باتهامات معاداة السامية أو بانتماءاتهم الدينية والعرقية.

ومن أكبر الضربات لرواية "معاداة السامية" الإسرائيلية والأمريكية أن يشارك يهود متدينون أو من عائلات ناجية من محرقة هتلر في المظاهرات الرافضة لمحرقة الفلسطينيين. ومن أكبر الضربات لإسرائيل أن يعلن مثقفون وفنانون ليبراليون، معروفون بمواقفهم المضادة للفاشية بأنواعها، عن تأييدهم لفلسطين، وذلك في عقر هوليوود، التي تعد، بشكل أو آخر، الداعم الأكبر لإسرائيل بعد الحكومة الأمريكية.

الانزعاج الهائل الذي أصاب جماعات الضغط اليهودية من مواقف بعض الفنانين إلى حد الهيستيريا واتخاذ إجراءات ضد هؤلاء الفنانين بفصلهم من أعمالهم وفسخ تعاقداتهم ومحاولة القضاء على مسيرتهم الفنية، لهو أكبر دليل على حجم التأثير الذي يمكن أن يحدثه هؤلاء.

ليس سرًا أن هوليوود لطالما كانت مناصرة لليهود وإسرائيل. عندما أُعلنت دولة إسرائيل أقامت هوليوود احتفالًا استمعوا فيه لتسجيل لكلمة بن جوريون، وفي 1967 نظموا مسيرة تأييدًا لإسرائيل شارك فيها كبار النجوم مثل فرانك سيناترا وبيتر سيلرز وباربارا سترايسند بين آخرين.

 هذا الدعم للكيان الصهيوني له أسباب يطول شرحها، منها أعداد اليهود الكبيرة وسط القائمين على صناعة السينما والترفيه، ومنها الوجه الذي قدمت به إسرائيل نفسها إلى العالم باعتبارها واحة للديمقراطية وسط صحراء من التخلف والهمجية، بالإضافة طبعًا إلى ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية من ألمانيا النازية ضد اليهود، وتقديم أمريكا لنفسها باعتبارها منقذتهم.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك اكتشاف بحر البترول الذي تعيش فوقه بلاد الخليج، واستخدام أمريكا لإسرائيل كمطواة بلطجي تبتز به العرب وتستولي على بترولهم وعائداته عن طريق إثارة القلاقل الدائمة في المنطقة، بجانب كون إسرائيل حليفها الأول، وسوق منتجاتها الأولى، وحقل تجارب أسلحتها الأول، في العالم (مع تابعها وخادمها الثاني بريطانيا، بالطبع).


كل ذلك معروف، لكنه ليس قضاءً وقدرًا لا مفر منه، وليس حقيقة مطلقة لا يمكن للمرء التشكيك فيها. وفيما يتعلق بهوليوود وشعبها، فقد شهد النهر مياهًا جديدة غزيرة خلال العقود القليلة الماضية. لم تعد صورة إسرائيل بلدًا علمانيًّا ديمقراطيًّا يساريًّا، بل نظامًا ديكتاتوريًّا مدعومًا من الولايات المتحدة يقمع الفلسطينيين، تقودها حاليًا أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخها. أما الوجه الأوروبي الأبيض الصهيوني في استوديوهات هوليوود، فقد بات وجهًا عجوزًا مجعدًا متعصبًا، ومكروهًا من قبل الوجوه المتعددة الكثيرة التي تستحوذ على مساحات جديدة كل يوم: إفريقية ولاتينية وآسيوية، بل وعربية أيضًا.

واحد من أكبر وأقدم الممثلين الأمريكيين المتعاطفين مع فلسطين هو ديفيد كلينون، الفائز بجائزة إيمي، الذي شارك في العديد من الأفلام المعروفة مثل فيلم العودة للوطن، المناهض لحرب فيتنام، ومفقود المناهض للتدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية، وسيريانا المناهض للحرب على العراق، وغيرها، كتب في رسالة عبر الإيميل إلى الجارديان، تعليقًا على التغير الحادث في هوليوود الآن "لطالما أجمعت هوليوود على إبداء إعجابها وولائها لإسرائيل، لكن الجيل الجديد من الفنانين بدأ يتحدى هذه الأيديولوجية المهيمنة. وبالطبع فإن الحرس القديم يفعلون كل شيء تحت سلطتهم لتخويف وتهديد المختلفين".

وقال كلينون، البالغ من العمر ثمانين سنة "لقد فكرت في عدم البوح باسمي في هذه الرسالة، ولكنني رجل كبير ليس لدي ما أخسره مثل الشباب الذين يشعرون بالتضامن والتعاطف مع الفلسطينيين. كثير من الممثلين والكتاب والفنانين فُصلوا من وظائفهم أو هُددوا بسبب انتقادهم للأيديولوجية والممارسات الصهيونية. ولكن هذه الانتقادات تأتي من الإسرائيليين أنفسهم؛ من المثقفين والناشطين السياسيين. ومن المثير للسخرية أن هناك جدلًا حول الصهيونية في إسرائيل أكثر مما هو مسموح به في هوليوود".

الحملة التي يشنها اللوبي الصهيوني في هوليوود لا تقل غشامة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وغالبًا سترتد على أصحابها مثلها.

واحدة من أوائل ضحايا هذه الحرب الممثلة المكسيكية ميلسا بيريرا التي فُسخ تعاقدها على بطولة الجزء السابع (المقبل) من سلسلة أفلام Scream بسبب بوستاتها المعادية للحرب على غزة، التي وصفت فيها ما يحدث بأنه "إبادة وتطهير عرقي". وتبريرًا لذلك كررت الشركة المنتجة للفيلم الجملة الببغائية الصهيونية "صفر تسامح مع معاداة السامية".

لكن ميلسا ردت على ما حدث باقتباس يقول "أن أُستبعَد لأنني أُقرِّب، أفضل من أن أُقَرَّب لأنني أَستبعِد"!

حتى النجمة الكبيرة سوزان ساراندون لم تنجُ من محاولة التنكيل الصهيوني، إذ أعلنت وكالة الفنانين المتعاقدة معها عن إلغاء التعاقد بعد مشاركتها في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين ألقت خلالها كلمة، ثم نشرت صورتها خلال المسيرة مع تعليق يقول "ليس من الضرورة أن تكون فلسطينيًا لكي تهتم بما يحدث في غزة. أنا أؤيد الفلسطينيين. لا يمكن لأحد أن يكون حرًا إلا إذا أصبح الجميع أحرارًا"!

النجم جون كوزاك شارك أيضًا في مسيرة وكتب على الإنستجرام كلامًا له دلالته "شاركت في مسيرة في شيكاجو. سأقول لكم ما لم أسمعه. لم أسمع الموت لإسرائيل. لم أسمع الموت لليهود. لم أسمع أحدًا يحتفل بقتل المدنيين الإسرائيليين. ما سمعته هو أن نحرر فلسطين من احتلال غشيم، الناس قلقون من أجل أحبائهم، في منطقة جحيم، محاصرون دون طعام أو ماء أو كهرباء. قلقون للغاية على الناس الذين يقال لهم ارحلوا، ثم يقصفون وهم راحلون".

أهمية كلام كوزاك أنه يضرب الرواية الإسرائيلية التي تصور المظاهرات المؤيدة لغزة باعتبارها كراهية لليهود ورغبة في إبادة إسرائيل. وهذا، للأسف، ما تصدره المظاهرات العربية كثيرًا، ما يضعف من تأثير هذه المظاهرات وقد ينتج رد فعل عكسيًا.

من أبرز المدافعين عن الفلسطينيين أيضًا الممثلة سينثيا نيكسون واحدة من بطلات مسلسلي "الجنس والمدينة" و"العصر المطلي بالذهب" وThe Gilded Age، التي شاركت في كثير من الفعاليات والمظاهرات، وأعلنت منذ بداية ديسمبر/كانون الأول الحالي إضرابًا عن الطعام لمدة ستة أيام من أجل إيقاف الحرب على غزة. سينثيا كانت محورًا للقاءات تليفزيونية وصحفية كثيرة خلال الأيام الماضية، منها تصريحات للجارديان البريطانية قالت فيها "الناس يعاقبون لأنهم يتكلمون، ولكن المزيد من الممثلين والفنانين يتجمعون رد فعل على ذلك المنع ويقولون: هذا خطأ. ربما لا نتفق حول كل شيء، وقد يكون البعض أكثر حرصًا في التعبير عن آرائه، ولكن ليس معنى ذلك أن يفقد الناس مصدر رزقهم بسبب رأيهم".

من الطريف أن نيكسون لديها ولدان يهوديان، ينتميان لأجداد ناجين من المحرقة النازية، ومع ذلك فأحدهما من أكبر الناشطين المؤيدين للفلسطينيين. وسبق أن قالت في حوار تليفزيوني إن ابنها بادر بالمجيء إليها وطلب منها أن تستخدم اسمها لمحاولة إيقاف هذه الحرب، قائلًا الجملة التي أصبحت شعارًا "لن يحدث ذلك مرة أخرى مطلقًا يعني أن لا يحدث ذلك مرة أخرى مطلقًا" (في إشارة لتكرار محرقة اليهود ولكن هذه المرة ضد الفلسطينيين).

من المؤثر جدًا أن يشارك يهود في هذه الفعاليات، خاصة إذا كانوا من أحفاد أو أبناء الناجين من المحرقة التي تستخدمها إسرائيل لعبةً على حد قول سينيثيا نيكسون، أو إذا كانوا يهودًا متدينين مثل رجل الدين راعي أبيلاه، الذي يعد من أبرز الناشطين ضد الممارسات الإسرائيلية والأمريكية الاستعمارية. أبيلاه سبق وقاطع كلمة كان يلقيها نتنياهو أمام الكونجرس في 2011، وكان من الناشطين ضد حرب أمريكا على العراق، وهو من الوجوه البارزة في المظاهرات المؤيدة لغزة الآن.

فيما مضى، لم يكن أحدٌ ينتقد أو يعلق على محاولات اللوبي الصهيوني إسكات الأصوات ومعاقبة من ينتقدون إسرائيل، ولكن هذه المرة لن تمر الأمور دون رد فعل. الكثيرون تضامنوا مع الفنانين الذين عوقبوا. النجمة الشابة جينا أورتيجا بطلة مسلسل وينسداي، تضامنت مع زميلتها ميلسا بيريرا وأعلنت انسحابها هي أيضًا من الجزء القادم من فيلم "الصرخة".

توم كروز أعلن تضامنه مع وكيلة الفنانين مها دخيل، بعد أن فُصلت من الوكالة بسبب ما كتبته على مواقع التواصل تضامنًا مع فلسطين. ورغم أن دخيل اعتذرت، للأسف، حفاظًا على مصدر رزقها، لم يتم قبول الاعتذار، ولكن كروز زارها وأعلن أنه متمسك بها وكيلة أعماله.

مرة ثانية: لا أقول إن هوليوود أصبحت فلسطينية، لكنها تشهد انقسامًا غير مسبوق تاريخيًا، وستكون له تداعيات كبيرة مستقبلًا.

ومقابل 700 شخصية هوليوودية وقعت على بيان مؤيد لإسرائيل في بداية الحرب، قام أكثر من 260 شخصية هوليوودية بتوقيع نداء لبايدن يطالبه بإيقاف الحرب، قبل الهدنة التي أعقبتها حرب أشرس، من بينهم واكيم فينيكس، كيت بلانشيت، أوسكار إيزاك، كوينتا برينسون، أيو إديبيري، برادلي كوبر، لوبيتا نيونج، ألفونسو كوارون، مارك رايلانس، مارك روفالو وغيرهم.

أخيرًا هناك أنجلينا جولي ومادونا ومايا خليفة.

النساء المتحررات هن أحيانًا أكثر النساء قوة وتقدمية وإنسانية، وأنجلينا جولي صاحبة المواقف والأفعال الإنسانية الكثيرة خير دليل على ذلك، اتخذت من خلال منصبها في الأمم المتحدة موقفًا حاسمًا رافضًا للحرب على غزة.


مادونا التي اشتهرت بالتعري وكسر التابوهات منذ التسعينيات أقامت حفلًا ضخمًا حضره عشرات الآلاف وتحدثت في بدايته لأكثر من ربع ساعة عما يحدث في غزة ودعت مستمعيها للهتاف تضامنًا مع الفلسطينيين. أما مايا خليفة بطلة أفلام البورنو التي طالب البعض بقتلها، فهي من أبرز الناشطات المؤيدات لفلسطين.

ولتستخلص ما تشاء من هذه العبر!