صراع "الأدوية" بين البيطريين والصيادلة.. ليست مجرد لقمة عيش

منشور الخميس 20 يوليو 2017

مع إعلان مجلس النواب عن اقتراب مناقشته لقانون الصيدلة الجديد في فبراير/ شباط 2016، بدأت نذر الأزمة بين الصيادلة والأطباء البيطريين في مصر، وتصاعدت الازمة سريعًا مع إصرار نقابة الصيادلة على المضي في التقدم بمشروع القانون دون الاستماع إلى الأطباء البيطريين أو نقابتهم ومناقشتهم في اعتراضاتهم على القانون، ثم بدء مناقشة القانون بالفعل داخل لجنة الصحة بمجلس النواب.

حاولت نقابة البيطريين وأطبائها فرادى التصدي لمشروع القانون الجديد، الذي ينص على قصر حق تصنيع وبيع الأدوية البيطرية على الصيادلة دون غيرهم، ما يحرم البيطريين من فرص عمل متعددة في إنشاء وإدارة الصيدليات البيطرية، والعمل في مصانع الأدوية البيطرية، وحتى العمل كمندوبي دعاية لدى شركات الأدوية المختلفة.

محاولات البيطريين لوقف تقدم المشروع تضمنت مناشدة لرئيس مجلس النواب بوقف مناقشة مشروع القانون، ثم مذكرة للمجلس برفض القانون، وبيانات من اتحادات طلاب كليات الطب البيطري ترفض المشروع وتطالب بوقف مناقشته واستثناء الأدوية البيطرية مما رأوه "احتكارًا" من الصيادلة لصناعة وتجارة الدواء في مصر، وقام البيطريون كذلك بإرسال ونشر استغاثة لرئاسة الجمهورية يتظلمون فيها من مشروع القانون.

من حملة ميدانية لأطباء مستشفى

 يبلغ عدد الأطباء البيطريين في مصر وفقًا للإحصاء النقابي الأخير: 77 ألف طبيب. وبحسب تصريحات نقيب البيطريين السابق محمد ناصر، يضاف إليهم سنويًا 4 آلاف بيطري يتخرجون من كليات الطب البيطري المنتشرة في مختلف المحافظات. ويعمل حوالي 11 ألف طبيب (بإحصاء 2014) في القطاع الحكومي، بوزارة الزراعة والعيادات البيطرية الحكومية التابعة لها. ويتوزع الباقون بين وحدات الإشراف البيطري أو العيادات والمستشفيات البيطرية الخاصة، أو العامة، بالإضافة للعمل كمندوبي بيع لدى شركات الدواء وفي مصانع وصيدليات الدواء البيطري.

هاتان الفئتان الأخيرتان، صارتا مهددتان بفقد مصدر رزقهما بسبب القانون الجديد لمزاولة مهنة الصيدلة، ما دفع نقابة البيطريين للانتفاض ضد القانون، ومعها عدة نقابات طبية أخرى، وإن لم تبد نُذر استجابة لمطالب البيطريين من زملائهم الصيادلة ولا المسؤولين في الدولة ومجلس النواب حتى الآن.

رؤية الصيادلة

حاول الطرفان، الصيادلة والبيطريين، إثبات أحقية كل منهما في موقفه من القانون، فتمسك الصيادلة بكونهم أصحاب حق وحيد في بيع وتصنيع الدواء البيطري، مستندين إلى قانون الصيدلة الصادر في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر والمعمول به حاليًا، ودفع الصيادلة بأنهم وحدهم القادرين على منع الغش و التلاعب في سوق الأدوية البيطرية، الذي ظهر "لغياب الرقابة من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية على المصانع و الصيدليات البيطرية" على حد قولهم، في الوقت الذي تخضع فيه الصيدليات لرقابة مزدوجة من نقابة الصيادلة ووزارة الصحة.

يرى الصيادلة أن القانون لم ينظم عمليات بيع الأدوية البيطرية، ما أتاح للبعض مزاولة بيعها دون أن يكون طبيبًا أو صيدلانيًا، ودون أن ينتمي لاتحاد المهن الطبية من الأساس، على عكس التنظيم الصارم لعملية بيع الأدوية البشرية، التي تخضع الصيدليات فيها لرقابة نقابة الصيادلة ووزارة الصحة.

ويقترح الصيادلة بيع الأدوية البيطرية في الصيدليات البشرية، على ألا تزيد نسبة الأدوية البيطرية على 10%  من إجمالى الأدوية الموجودة بالصيدلية. ورغم أن الصيادلة يقومون ببيع الأدوية البيطرية بالفعل في ظل القانون الحالي؛ إلا أنهم في قانونهم الجديد يسعون لقصر هذا الحق عليهم وحدهم، بالإضافة لانتزاع حق العمل في تصنيع الدواء البيطري واحتكاره، بدعوى ضمان تفرغ الطبيب البيطري للكشف ووصف الدواء ومتابعة الحالات، دون التدخل في تفاصيل بيع وتصنيع الدواء، كما هو الحال مع الطبيب البشري.

ويقف معظم الصيادلة في موقف مؤيد لنقابتهم ومشروع القانون الجديد، تقول الصيدلانية س.ف: "لا أستطيع إلا أن أؤيد نقيبنا ونقابتنا في مسعاهم. الشائعات تملأ الدنيا حول إلغاء تكليف الصيادلة، والقانون الجديد يوفر فرص عديدة للصيادلة عبر قصر العمل في سوق الدواء عليهم تصنيعًا وبيعًا أو كمندوبي دعاية للدواء، بالإضافة للعمل في الوحدات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة".

صديلي آخر رفض ذكر اسمه قال إن لديه صيدليتيان في إحدى القرى، وهو يؤيد القانون الجديد "لا سعيًا للمزيد من المكاسب، وإنما لأنه من حق الصيادلة أن يكونوا هم المسؤولين عن صناعة الدواء والعاملين الوحيدين فيها".

 

بيطريون من حملة لمستشفى

 

للبيطريين رأي آخر

 

على الجانب الآخر، يرى البيطريون أن الصيادلة غير جديرين حتى ببيع الأدوية البيطرية إلى جانب البيطريين. "م.أ" واحد من أطباء بيطريين عديدين، يرون أن الصيادلة لا يحق لهم التعامل في الدواء البيطري لكونهم لم يدرسوا تشريح الحيوان وأمراضه ولم يدرسوا الأدوية البيطرية تركيبًا وتصنيعًا على عكس الطبيب البيطري، ما يعني أن عملهم سيقتصر عملهم على بيع الدواء الجاهز كوكلاء لشركات الدواء: "كل ما درسوه فى كلية الصيدلة عن الصيدلة البيطرية تمثّل فى كتيب لا تتعدى ورقاته الثلاثين ورقة، تمت دراسته فى فصل دراسى واحد، كخيار بينه وبين منهج النباتات البحرية. أي أن هناك من الصيادلة من تخرج في كليته دون دراسة علم الصيدلة البيطرية الذي يقوم عليه تصنيع ووصف الأدوية البيطرية من الأساس".

 يرى البيطريون أن غياب الرقابة على الصيدلة البيطرية علاجه هو دعم الطبيب البيطري نفسه ببعض السلطة والضبطية القضائية على صيدليات ومحال بيع الأدوية البيطرية غير المرخصة، وأن يكون حق بيع الدواء البيطري قاصرًا على البيطريين في عيادات وصيدليات مرخصة وفقًا لشروط صارمة، أسوة بصيدليات الدواء البشري. لوا يكمن الحل - في نظرهم- في نزع حق التعامل في الدواء من البيطريين لصالح من يجهلون العلوم البيطرية بدعوى الرقابة.

ناهيك عن تضييق مجالات العمل أمام الطبيب البيطري. فبمجرد حظر بيع الأدوية البيطرية عليه، ستتراجع فرصه في العمل بالمصانع الدوائية والصيدليات البيطرية أو شركات الأدوية. وذلك رغم أن الدولة مستمرة في تكليف الصيادلة ما يضمن لهم فرص عمل ولو مؤقتة على عكس البيطريين الذين لا يخضعون للتكليف الحكومي. وبالتالي فاستمرار البيطريين في تصنيع وبيع الدواء البيطري لن يضر الصيادلة في شيء.  

يرى م. ع -طبيب بيطري أن مشروع القانون يأتي كرد فعل مبني على خوف الصيادلة من الاصطدم بالحكومة بعد تردد شائعات قوية داخل وزارة الصحة عن اتجاه الدولة لإلغاء تكليف الصيادلة، "فبدلا من أن يعمل نقيب الصيادلة على التأكد من صحة هذه الشائعات أو التوثُّق من خطأها، لجأ لإيجاد بديل يرضي الصيادلة ولو على حساب البيطريين، كي يضمن لخريجي الصيدلة الجدد فرص عمل في الوحدات البيطرية التابعة لهيئة العامة للخدمات البيطرية، التي سيجبرها القانون الجديد على تعيين خريجي الصيدلة في وحداتها بصرف النظر عن معرفتهم بهذا المجال".

تتفق معه طبيبة بيطرية أخرى رفضت ذكر اسمها، ترى أن القانون الجديد هو مجرد محاولة لخلق "سبوبة زيادة" لكبار الصيادلة واستكمالا لسيطرة "مافيا احتكار الأدوية" على حد قولها "هم لم يشبعوا من الأدوية البشرية ويتطلعون لمزيد من الربح عبر احتكار الادوية البيطرية كذلك، دون النظر لصالح البلاد".

بيطرية أخرى تعمل كمندوبة دعاية في إحدى شركات الأدوية تقول: "تخرجت ولم استطع أن أحصل على عمل حكومي نظرا لأنه لا يوجد تكليف للأطباء البيطريين. لو تم تطبيق هذا القانون فسأفقد عملي هذا أيضا، فمجال الأدوية فى هذه الحالة لن يعمل به إلا الصيادلة".

                                            

تجربة شخصية

عملت فى مجال الصيدلة البيطرية خلال فترة تدريبي في إجازة السنة الرابعة من دراستي فى كلية الطب البيطري، وكذلك من خلال فترة عملي التي لم تتجاوز السنة فى إحدى الصيدليات البيطرية كمديرة لها بعد تخرجي مباشرة، قبل أن أتركها للالتحاق  بالوظيفة الحكومية التي أتاحها لي تفوقي الدراسي.

ومن خلال ما أراه في عملي الآن وما شهدته خلال فترة عملي بالصيدلة البيطرية؛ وما نقلته من آراء زملاء المهنة، فإنني أرى في حرمان البيطريين من الرقابة والإشراف على تصنيع الدواء البيطري، وحرمانهم كذلك من حق بيعه –إلى جانب كونه تحركًا مجحفًا- فهو عبث واضح بمصير الثروة الحيوانية ومستقبل الطب البيطري في مصر. فبدلا من أن ننهض بمستوى مؤسسات الطب البيطري الحكومية المسؤولة عن جودة و مراقبة الدواء البيطري، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من مشكلات في نقص الثروة الحيوانية وانتشار الأمراض المتوطنة التي تنتقص من الثروة الحيوانية التي لا تكفي الاحتياجات المحلية بالفعل؛ تسعى نقابة الصيادلة ومن ورائها بعض مؤسسات الدولة لإسناد هذا الأمر الخطير برمته إلى من لا يملك فيه خبرة، ولا يتوفر لديه به علم أو دراسة، فأي منطق في هذا؟