لا يمكن الوصول لهذه الصفحة. صورة من محاولة تصفح أحد المواقع الصحفية المحجوبة

دراسة لـ"حرية الفكر والتعبير": حجب المواقع أحد وسائل تأميم المجال العام

منشور الخميس 25 يونيو 2020

خلصت دراسة أجرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أن ممارسة الحكومة الواسعة لسياسة حجب المواقع الصحفية أثرت بشكل بالغ على معدل الاستثمارات في مجال الصحافة الرقمية في مصر، وأضعفت فرص نجاح النموذج الاقتصادي لهذه المواقع، التي يعتمد نظامها الربحي على قدرتها على اجتذاب أكبر قطاع من الجمهور.

وكشفت الدراسة المنشورة اليوم الأربعاء تحت عنوان "ما لم يُرَ!" وتتناول آثار الحجب على المواقع الصحفية في 3 سنوات، إلى أن هذا الإجراء"أثَّر بشكل ملحوظ على المحتوى العربي على الإنترنت، وتسبب في غياب أرشيف يحتوي على ملايين الصفحات من المحتوى الصحفي والحقوقي".

وبالاعتماد على ما وثّقته المؤسسة، بالإضافة إلى مقابلات مع مسؤولين في أربعة مواقع صحفية تعرضت للحجب، من بينها المنصّة، وقراءة في أوراق ثلاث قضايا نظرتها محكمة القضاء الإداري بخصوص الحجب، أفادت الدراسة بأن "السياقات التي حُجبت فيها غالبية المواقع الصحفية؛ أظهرت أن السبب غالبًا هو السياسات التحريرية التي تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحاول عرض روايات أخرى غير التي تعمل الدولة على تسييدها.

حجب بالجُملة

ذكرت "حرية الفكر" أنه منذ عام 2017، طال الحجب مئات المواقع الإلكترونية، "وهدفت الحكومة من تنفيذه إلى السيطرة على المحتوى الذي يخرج للجمهور عبر هذه المواقع، خاصة تلك التي لا تخضع لرقابة الحكومة".

ورسمت المؤسسة الحقوقية خريطة لحجب المواقع وسياقاتها، وذكرت أن "ممارسات الحجب استهدفت في بداياتها عددًا من المواقع الصحفية والإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو المجموعات القريبة منها، ثم تطورت لتطال مواقع صحفية وإعلامية محلية مستقلة وكذلك التابعة لمؤسسات إعلامية دولية، وأخرى تابعة لمؤسسات حقوقية".

تقدِّر الدراسة عدد المواقع الصحفية والإعلامية المحجوبة بـ127 موقعًا "من بينها 7 مواقع محلية تتبع بشكل غير مباشر جماعة الإخوان، وتختص بتقديم محتوى إخباري يُغطي محافظات بعينها، و10 مواقع ناطقة باللغة الإنجليزية وموقعًا وحيدًا ناطقًا باللغة الصربية، بعضها لا يهتم بالشأن المصري فقط والبعض الآخر غير موجَّه للجمهور المصري بالأساس".

أضافت الدراسة أن قائمة المواقع الصحفية المحجوبة تضم أيضًا "6 مواقع أعلنت توقفها عن العمل لعدم قدرتها على تحمُّل آثار الحجب، و11 موقعًا لم يعُد النطاق الخاص بها يعمل، و6 مواقع تم عرض النطاق الخاص بها للبيع، و6 مدونات شخصية، و3 منصات للمدونات الجماعية، و12 موقعًا قَطريًّا و8 مواقع تركية، وموقعين لبنانيين، و3 مواقع اختلفت بين اﻹيراني والتونسي والفلسطيني، تهتم بالشأن المصري".

واستعرضت "حرية الفكر" السياقات التي ارتبطت بالحجب الذي اعتبرته "لم يكن ممارسة منفكة عن السياق العام لأوضاع الحقوق والحريات في مصر بشكل عام، وتحديدًا منذ صيف 2013، حين عمدت السلطات إلى تأميم المجال العام وإحكام السيطرة على مختلف منافذه"، مشيرة إلى أن "المجال الصحفي والإعلامي كان أول وأكبر المتضررين من تلك التوجهات الجديدة للسلطة".

ومن بين أوجه الضرر كان "حدوث احتكارات واسعة في سوق الصحافة والإعلام لصالح كيانات جديدة/ قديمة يُشتبه في تبعيتها لأجهزة أمنية سيادية، وتغيير البنية التشريعية والقانونية والمؤسساتية للمشهد الصحفي والإعلامي بالكامل، بما يسمح بفرض وصاية السلطة التنفيذية عليها وعلى ما تنتجه من محتوى؛ وهو ما انعكس على تهميش وإقصاء الرأي المعارض، بل قمعه وملاحقته والتضييق عليه أيضًا".

تعددت الأسباب

قسّمت الدراسة سياقات حجب المواقع الصحفية إلى تصنيفات، كان أولها "مواقع حُجبت بسبب سياساتها التحريرية، مثل موقعي البداية والبديل اللذين حُجبا في يونيو/ حزيران 2017، بعد أن نُشر على الأخير مقال منسوب للصحفي خالد البلشي بعنوان (مصر مش للبيع.. لازم ترحل)، وهو ما نفى الموقع والصحفي علاقتهما به في بيان أكد "تعرُّض الموقعها للاختراق".

الأمر نفسه تعرَّض له موقع بوابة يناير "بعد تعرُّضه للاختراق من قبل جهة غير معلومة في 12 يونيو 2017، ونشر مقال مزور منسوب إلى رئيس تحريره عمرو بدر الذي نفى معرفته بالمقال في منشور على حسابه الشخصي بفيسبوك، موضحًا أن الموقع قد تعرض للاختراق" وفقًا للدراسة التي لفتت إلى أن ذلك الموقع توقف عن نشر أي محتوى صحفي منذ نوفمبر/ تشرين اﻷول 2017.

سبق الموقعين إلى الحجب موقع آخر هو مصر العربية، الذي حُجب في مايو/ أيار 2017. وكان من بين المواقع التي طالها الحجب أيضًا موقع مصريات.

واستمرت سياسات الحجب حتى العام الجاري، وطالت موقع درب التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في 9 أبريل/ نيسان 2020، بعد شهر واحد من إطلاقه.

وتابعت الدراسة أن من بين المواقع المحجوبة "بسبب محتواها" كان الخليج الجديد في 17 يناير 2018 "بعد نشره خبرًا بعنوان (السيسي يقيل رئيس جهاز المخابرات العامة بعد فضيحة التسريبات)، وتناول في متنه أن الرئيس المصري أجرى عملية تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة"، وهو ما تكرر مع موقع آخر هو الأخبار اللبنانية "بسبب نشر الخبر نفسه".

سبب آخر ذكرته الدراسة الحقوقية وتمثل في "قرار المجلس الأعلى للإعلام، والذي طال 11 موقعًا صحفيًّا، 7 منها تابعة لشركة MO4، ومواقع الصباح والإخبارية والمشهد والشورى"، لافتة إلى أن هذا القرار جاء باعتبار أن هذه المواقع نشرت موادًا اختلفت بين "ما تضمن تجاوزات مهنية وأخلاقية".

وضربت الدراسة مثالًا على ما تعرض للحجب على هذا النمط وبموجب هذا القرار بموقع الفصلة، بعد نشره في 3 ديسمبر/ كانون اﻷول 2018 تقرير بعنوان "جواز السفر الإماراتي في المركز الأول عالميًّا"، واعتبره المجلس الأعلى للإعلام "إهانة لجواز السفر المصري"؛ فخاطب الهيئة العامة للاستثمار لوقف شركة MO4 المالكة لمواقع (كايرو تيم، كايرو زووم، والفصلة).

يُعد قرار الأعلى للإعلام بحجب المواقع التابعة لشركة MO4 Network، هو أول تطبيق لقانون تنظيم الصحافة والإعلام 180 لسنة 2018، وهي الشركة المالكة لموقع (السين)، الذي تعرض للحجب في 26 يونيو 2017 بعد نشره فيديو تحت عنوان "كعك الجيش".

التنوع لم يكن في أسباب الحجب فقط، بل وفي تقنيات تنفيذه، وفقًا للدراسة التي اكتشفت أنه "تم حجب المواقع التي تُمكِّن المستخدمين من تجاوز الحجب مثل proxy وVPN وآلاف غيرها، أثناء ملاحقة السلطات لمواقع حاولت استخدام نطاقات بديلة أو تغيير IP address الخاص بها لتمكين جمهورها من الوصول إليها، بالإضافة لحجب خدمة جوجل AMP الخاصة بتسريع تصفح المواقع عبر الهواتف الذكية".

توقف تام

من بين تصنيفات الدراسة للمواقع، كان تلك التي تعرضت للحجب بعد فترة قصيرة من إطلاقها، مثل موقع كاتب التابع للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان "وتم حجبه في 24 يونيو 2018، بعد 6 ساعات من إطلاقه؛ ما انتهى إلى قرار من القائمين عليه بتجميد العمل"، وموقع جيم التابع لمعهد جوته والمهتم بدراسات الجندر، وتم حجبه في 29 يوليو/ تموز 2018 "بعد أقل من شهر من إطلاقه".

لفتت الدراسة إلى وجود مواقع أعلنت توقفها عن العمل بسبب الحجب، مثل "إيجيبت دايلي نيوز" الصادر باللغة الإنجليزية منذ عام 2000، وتم حجبه في مايو 2017، ليعلن في 4 أبريل 2018 توقّفه عن العمل في بيان قال فيه "نحن لن نغلق الموقع لأنه تعرض للحجب، ولكن لأننا نراها كإهانة وتشويه للسمعة أن يتم وضعنا مع قائمة مواقع إرهابية ومواقع ضد مصر".


اقرأ أيضًا: تقرير حقوقي: 78 انتهاكًا لحرية التعبير في الربع الأول من 2017


وشملت قائمة المواقع التي أغلقت بسبب الحجب كل من "هافنجتون بوست عربي، وكورابيا الرياضي، ومدد"، وكذلك موقع البديل الذي أعلن توقّفه عن العمل في أبريل 2018 بسبب "استمرار حجب محتوى المؤسسة عن الوصول للجمهور".

حجب مؤقت

على العكس من المواقع السابقة التي أوقفها الحجب بشكل تام، هناك مواقع أخرى تعرّضت للحجب المؤقت، وهي القاهرة 24، وذلك في 28 يناير 2018 "بعد يوم من نشره خبرًا ضم صورًا للاعتداء على المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات"، وموقع في الفن الذي تم حجبه لمدة يومين "بعد نشره خبرًا في 19 مارس 2018 عن اعتداء تركي آل شيخ على الفنانة آمال ماهر، رغم حذف الخبر".

من بين ما انتهت إليه الدراسة، فيما يخص المواقع التي عادت للعمل بعد رفع الحجب عنها أن "القائمين عليها لا يعلمون، حتى هذه اللحظة، السبب الحقيقي وراء الحجب أو إيقافه".

من الفاعل؟

تقول الدراسة إن الحجب جاء "في إطار سعي السلطات المصرية لفرض الرقابة الشاملة على الإنترنت"، وكانت بعض القرارات بتطبيقه صادرة عن جهات معلومة، مثل "حجب لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين لـ33 موقعًا، وحجب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لـ11 موقعًا".

وترى الدراسة أن قرارت المجلس اﻷعلى ولجنة إدارة أموال الإخوان استثناءً فيما يتعلق بالكشف عن جهة صدورها، إذ أن الحجب "جاء عبر قرارات صادرة عن جهة غير معلومة في غالبية الأحيان".


اقرأ أيضًا: "بقرار أحيانًا".. حجب المواقع الإلكترونية مُستمر والفاعل "مجهول"


بخلاف كون الفاعل "مجهولاً"، ذكرت الدراسة أن قرارات الحجب "لم تستند في أول الأمر إلى أي نص دستوري أو قانوني، بل جاءت مُخالفة لنصوص الدستور؛ وهو دفع ثلاثة مواقع متضررة من آثار الحجب إلى إقامة دعاوى قضائية تطلب فيها رفع الحجب عن مواقعها والإفصاح عن الجهة القائمة على إصدار قرار الحجب وأسبابه، والجهة المسؤولة عن تنفيذه".

يخالف حجب المواقع الإلكترونية نصوص المواد 57 و65 و71 من الدستور المصري، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

ولفتت "حرية الفكر" إلى أنه "لتقنين تلك القرارات، صدر خلال العامين الماضيين عدة قوانين، منها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ لتمنح المجلس صلاحيات واسعة في إصدار قرارات حجب المواقع الصحفية واﻹعلامية حال ارتكابها طيفًا واسعًا من المخالفات التي يمتلك المجلس- وفقًا للقانون- سلطة كبيرة في تفسيرها، كما منحت جهات الضبط والتحري والتحقيق أيضًا سلطة الحجب".

وفقًا للدراسة، فإنه "ورغم صدور تلك التشريعات، فإن أحدًا لا يعرف حتى الآن الجهةَ القائمةَ على تنفيذ الحجب بشكل رسمي، والأدوات المستخدمة في ذلك".

لاعبون "معطلون"

تطرقت الدراسة إلى اللاعبين في المشهد الإعلامي بعد اكتماله على مدار السنوات الماضية، والذين استعرضتهم في الفصل الثالث منها، وعنوانه "أدوار الجهات الفاعلة في المجال الإعلامي في التفاعل مع حجب المواقع الصحفية".

الجهات التي ذكرتها الدراسة هي "المجلس الأعلى للإعلام، ونقابة الصحفيين، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، ونقابة الإعلاميين".

ذكرت "حرية الفكر" فيما يتعلق بدور المجلس الأعلى للإعلام، أنه "لم يحجب سوى عددًا محدودًا من المواقع الصحفية والإعلامية، وأغلبها بشكل مؤقت. لكنه أيضًا لم يتدخل لحل أزمة المواقع المحجوبة رغم أنها تحت مظلة حمايته، ولم يتخذ أي موقف تجاه شكاواها التي وعد بالنظر فيها بعد تأكيده أن المجلس ليس طرفًا فيها ولا يدري سبب حجبها أو الجهة القائمة عليه".

اعتبرت الدراسة أن المجلس ورئيسه مكرم محمد أحمد تبينا موقفًا "مؤيدًا للحجب"، واستدلت على ذلك بتصريحاته في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 وقال فيها "هناك حملة في الغرب ضد مصر تزعم بأن هناك انتهاكًا للحريات"، مؤكدًا أن المواقع المحجوبة "تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية"، مشيرة إلى أن مكرم "تجاهل عمدًا" الحديث عن المواقع المحلية المستقلة والتابعة لمؤسسات حقوقية.

على العكس من المجلس، ذكرت الدراسة عن نقابة الصحفيين أن "مجموعة من أعضاء مجلسها كان لهم مواقف جيدة تعبيرًا عن رفض الحجب، بينما مواقف رئيس المجلس ضياء رشوان وباقي الأعضاء لا تختلف كثيرًا عن مكرم؛ ما أدى ﻷن تظهر مواقف المجلس الرسمية والمعلنة شديدة الارتباك، بين مطرقة دوره الأصيل في حماية حقوق الصحفيين وسندان الخوف من مخالفة توجهات السلطة في ممارسة الحجب".

استرجعت الدراسة تصريحات رشوان، في نوفمبر 2019، التي نفى فيها علاقة النقابة بالحجب، وقال إنه "يأتي من جهات تانية"، وهي التصريحات التي سبقها موقف مغاير من مجلس النقابة حين أعلن في بيان تضامنه مع موقع "التحرير" الإلكتروني الذي أعلنت إدارته في يونيو 2019 رغبتها في إغلاقه، على خلفية تعرضه للحجب.

أشادت الدراسة بذلك البيان باعتباره كان "حريصًا على حماية حقوق الصحفيين"، لكنها استدركت بالقول إن موقف النقابة العملي "تضمن الكثير من الملاحظات التي تعكس تناقض الممارسة الحقيقية بمجلس النقابة ونقيب الصحفيين مع أزمة الحجب"، إذ أشارت إلى أن "تضامن المجلس جاء انتقائيًّا، ولم تحظ أغلبية المواقع المحجوبة بمثله، رغم أن عددًا منها تقدَّم بشكاوى رسمية له".

دلّلت الدراسة على هذه "الانتقائية في التضامن" بشهادات حصلت عليها من صحفيين، ومنهم خالد البلشي، الذي قال إن "أعضاء بمجلس النقابة أجهضوا محاولة صحفيين للاعتصام في النقابة لمواجهة الحجب وتقديم بلاغات، ومارست النقابة دورًا شديد السلبية في قضية حجب المواقع الصحفية"، مضيفًا أن "التصريحات الأولى للنقيب كانت تؤيد الحجب".


اقرأ أيضًا: حرية الصحافة في مصر: صحفيون في السجون ومواقع محجوبة


أما موقع المنصّة ففضل عدم التواصل "نظرًا لانعدام الجدوى"، وفقًا لما ذكره رئيس تحريره التنفيذي سيد تركي بقوله "لو مجلس النقابة بكامله اتخذ موقفًا ضد الحجب، فما الأدوات التي يمكن أن يضغط بها على الدولة؟ تكاد تكون معدومة، وهو لم يستطع فعل شيء في ملف الصحفيين المحبوسين"، وهي الرؤية التي اتفق معه فيها حسن عباس، رئيس التحرير المشارك بموقع رصيف 22.

ثالث الجهات التي تناولتها الدراسة هي الهيئة الوطنية للصحافة، والمعنية بادارة وتنظيم شؤون المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، واعتبرت موقفها بشأن الحجب "مرتبكًا" بسبب اختلاف مواقف رئيسها كرم جبر عن موقف وكيلها وبعض أعضائها "؛ ما تسبب في "عدم وجود موقف رسمي من جانبها".

قال جبر، خلال حوار إعلامي في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن "علاج أخطاء الديمقراطية يكون بحلول ديمقراطية وليس بالغلق والحجب"، بينما قال عبد الله حسن، وكيل أول الهيئة في يوليو 2017 ، وعلى خلفية حجب مواقع تابعة للإخوان إن "القرار لا يتعارض مع حرية النشر، بل لا بد أن تكون حرية الإعلام مسؤولة".

الطرف الرابع في بنية المؤسسات الإعلامية هو الهيئة الوطنية للإعلام، والتي قالت الدراسة الحقوقية عنها إنها ورغم أن الحجب طال 8 مواقع إعلامية (تابعة لقنوات تلفزيونية) فإنها "اكتفت بالتعليق على حجب مواقع قرصنة الأعمال الفنية، إذ أشاد بالقرار عضو مجلسها، الإعلامى جمال عنايت، لعدم مراعاتها حقوق النشر الخاصة بالجهات المنتجة.

أما الجهة الخامسة والأخيرة، نقابة الإعلاميين، فقالت "حرية الفكر" عنها إنها "رغم تأسيسها حديثًا لتكون مظلة حماية لحقوق المشتغلين بالإعلام في مصر، فإن موقفها من الحجب كان شبيها بمثل الجهات السابقة"، واستدلت على ذلك بتصريحات نقيبها حمدي الكنيسي، وأكد فيها تأييد الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية بحجب "عدد من المواقع التي تهدد الأمن القومي المصري، وأن هذا الإجراء ليس بدعة أو تقييدًا للحرية".

خلصت الدراسة، فيما يتعلق بهذه الجزئية إلى أن مواقف الجهات الفاعلة في المجال الإعلامي "وضّحت أنه لم يكن لها دور يذكر ولم يبدر من جانبها ثمة سعي للضغط على أجهزة الدولة المعنية الحجب، كما تجاهلت هذه الجهات كافة الشكاوى التي تقدمت بها المواقع المتضررة منه".

آثار متعددة

كما تعددت أسباب وآليات الحجب وطبيعة المواقع التي طالها، تعددت الآثار التي ترتبت عليه، وفق ما أظهرته الدراسة وكان أوله "الأثر التقني، إذ حاولت بعض المواقع المحجوبة تبني تقنيات لتجاوز الحجب مثل خدمة المقالات الفورية من فيسبوك أو استخدام روابط بديلة من خلال الخواديم الوكيلة Proxy Server، أو تغيير نطاقها Domain Name، إلا أنه في أغلب الحالات حُجبت النطاقات البديلة".

بحسب شهادة رئيسة تحرير المنصّة، نورا يونس، فإن الموقع تعامل بموجب "ميكانيزمات للتعايش مع الحجب"، وذلك من خلال "سيرفرات معمّاة بشكل ما، مع عمل نسخ احتياطية للموقع بشكل دوري"، فيما أشار مدير مجتمع الوِب بالموقع، أحمد بلال إلى أنه "تم الاعتماد على أكثر من Domain".

تشير الدراسة الحقوقية إلى أن موقع مدى مصر، الذي تعرض للحجب أول مرة في مايو 2017، "استخدم أكثر من 22 رابطًا بديلًا (مرآة)، تعرض جميعها للحجب".

على عكس موقعي المنصة والبداية، لم يرغب أحمد عبد الجواد، المدير العام لموقع مصر العربية، الذي حجب في منتصف مايو 2017، في استخدان روابط بديلة، وقال في شهادته "اعتبرنا هذا اﻷمر نوع من التصعيد، وركزنا بشكل رئيسي على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى فيسبوك وتويتر ويوتيوب لنشر إنتاجنا".

كشفت "حرية الفكر" أنه "لم تكن إدارات المواقع وحدها هي المهمومة بتقنيات تخطي الحجب، فوفقًا لبيانات Google trends، هناك زيادة ملحوظة في عدد المصريين الذين بحثوا عن طرق تجاوز حجب المواقع في الفترة التي بدأ فيها الحجب"، واستدركت "لكن السلطات فطنت سريعًا إلى تلك الخطوات؛ فاتخذت اتجاهًا آخر في الرقابة على الإنترنت، لتحجب مواقع مقدمي خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية VPN والخوادم الوكيلة Proxy servers، وTOR وخدمةAMP".

وعلى الرغم من تحركات السلطات، خلصت الدراسة إلى أن "الجمهور مازال ينجح أحيانًا في الوصول لمواقع محجوبة، وذلك، على الأرجح، بسبب حدوث مشكلات تقنية في الآليات المستخدمة في الحجب".

ثاني الآثار التي ترتبت على الحجب كان الاقتصادي، إذ ذكرت الدراسة أن الاستثمارات التي انتقلت قبل سنوات من الصحافة الورقية إلى الإنترنت تأثرت بالحجب الذي يعتبر "سياسة طاردة للاستثمار".

تقول مؤسسة موقع المنصة، نورا يونس، عن هذا الأثر "كان من المفترض أن يشهد عام 2018 انطلاقة مختلفة للموقع، تجذب مستثمرين ويوفر دخلًا له، لكن الحجب أوقف اﻷمر. كيف ستعلن عن موقع يدخله الناس من أبواب خلفية؟"، فيما أشار مدير مجتمع الويب أحمد بلال إلى أن "معدل نمو الموقع تأثر بشكل كبير جدًا، بسبب نقص عدد الزيارات بعد الحجب".

في السياق نفسه، أشار خالد البلشي، إلى أن حجب موقع البداية "أثّر على إمكانيات تطويره"، قائلاً "عندما أعدنا إصداره مرة أخرى في مارس 2014، كان الإنفاق على الموقع بالتعاون مع مستثمرين، وكنا في طريقنا للتوسُّع عبر تطوير الموقع وإطلاق تليفزيون. إلا أن كل هذا تم اجهاضه بمجرد حجب الموقع، فقد انسحب المستثمرون.. ولهم الحق".

تعقب الدراسة "بعد حجب الموقع، أخبر البلشي العاملين معه، وكانوا يتراوحون بين 15 إلى 20 شخصًا، أن ما لديه من أموال يكفي لاستمرار الموقع ثلاثة شهور على أقصى تقدير؛ فبدأوا في البحث عن أماكن أخرى، ولم يتبقَ سوى أربعة أفراد مع حلول شهر ديسمبر 2017".

الأثر السلبي للحجب عانى منه أيضًا موقع مصر العربية، إذ يقول مديره العام أحمد عبد الجواد "قبل الحجب وصلنا إلى 40 مليون زيارة شهريًا. بعد الحجب أصبح عدد الزيارات 2 مليون شهريًا على أقصى تقدير؛ وهو ما أثّر على عوائد الإعلانات التي يعتمد الموقع عليها بنسبة 60 إلى 70%، أما النسبة الباقية فكانت من إنتاج محتوى للغير، وقد تأثر أيضًا نتيجة تقليص فريق العمل بنسبة 70%، بالإضافة لخفض رواتب مَن تبقوا".

عن فرص استمرار المواقع في مثل هذه الظروف، يقول عبد الجواد "بمنطق اقتصادي بحت، ما يحدث جنون واستنزاف على كل المستويات".

تشير الدراسة إلى مواقع تعتمد في تمويلها على مصادر أخرى، بالقول إنها "وإن لم تتأثر كثيرًا من الناحية الاقتصادية نتيجة للحجب، مثل موقع رصيف 22، الذي يعتمد تمويل الناشر ومنظمات غير حكومية، إلاّ أنه "تضرر بشدة فيما يتعلق بخططه للتحوَّل بعد فترة إلى موقع يغطي تكاليفه بنفسه من خلال الإعلانات"، لاسيما وأنه "خسر ما يقارب الـ20% من الزيارات نتيجة للحجب"، وفقًا لشهادة مديره.


اقرأ أيضًا| تحركات جديدة في الإعلام: تنقلات للمذيعين.. وإلغاء "الإعداد المركزي"


أثر آخر للحجب هو تسريح صحفيين، لم تتمكن المؤسسة من إحصاء عددهم، نتيجة وقف العمل بعدد من المواقع الصحفية أو تخفيض الرواتب بالباقي، في محاولة من تلك المؤسسات لتلافي آثار الحجب، وفقًا للدراسة التي ذكرت أن هؤلاء الصحفيين الشباب "يواجهون تحديات كبيرة، حيث لا يتمتع أغلبهم بعضوية نقابة الصحفيين، نتيجة لشروط القيد التعسفية في قانون النقابة".

من بين آثار الحجب التي رصدتها الدراسة كان الأثر على المحتوى كمًا وكيفًا، وذلك ﻷن "المنصات المحجوبة خشيت أن تتعرض لما هو أبعد من الحجب؛ أما غير المحجوبة فخشيت الوقوع في فخ الحجب إذا تجاوزت الخطوط الحمراء؛ وهو ما تسبب في تنامي معدلات الرقابة داخل المؤسسات الصحفية بشكل كبير، بالاضافة إلى تزايد رقابة الصحفيين الذاتية على أعمالهم".

يعلّق سيد تركي، رئيس التحرير التنفيذي للمنصّة على هذا اﻷمر بقوله "السؤال عن الرقابة الذاتية دفعنا للتفكير لماذا أطلقنا المنصة؟ فنحن ندّعي أن لديها سقف أعلى من مواقع أخرى موجودة على الساحة، فإذا توقفنا عن كوننا نمثل هذا النموذج؛ سنفقد الميزة النسبية لوجودنا. ما نفكر فيه دائمًا أن نكون تحت سقف القانون، فلو هناك مادة حساسة بعض الشيء أو لدينا شكوك ناحيتها نرسلها للمستشار القانوني لمراجعتها".

أما الاختلاف الذي حدث بعد حجب الموقع وكذلك بعد صدور قانون الجريمة الإلكترونية، وفقًا لتركي، هو أن "نسبة المواد المرسلة إلى المستشار القانوني ارتفعت".

بسبب الحجب، كانت المنصّة من بين مواقع اتجهت للنشر على منصات التواصل الاجتماعي، إذ لجأت للأمر مع بداية الحجب ولعدة أيام، لكن تم التوقف عن اﻷمر ﻷنه "كان بلا عائد" وفقًا لمدير مجتمع الويب بالموقع الذي تقول رئيسة تحريره نورا يونس "أدركنا أن هذا ليس حلًّا، والفيسبوك وسيط يصلح لأمور أخرى ليس من بينها نشر محتوى صحفي".

تضيف الدراسة أن الحجب كان له أثر كمّي "ملحوظ" على المحتوى العربي على الإنترنت "والذي يُعاني من ندرته مقارنةً بالمحتوى المتاح بلغات أخرى"، حيث أدى حجب عدد من المواقع بعينها إلى حجب أرشيف يحتوي على ملايين الصفحات من المحتوى العربي، ومنها موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذي كان يعمل على أرشفة إصدارات مئات المنظمات الحقوقية منذ 2003 وحتى 2014.

تأميم الإعلام

أنهت مؤسسة حرية الفكر والتعبير دراستها بالإشارة إلى أن السلطات التي تولت زمام الحكم بعد إزاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وبعد 4 أعوام من هذا التحرك "قوضت فرص أي حركة شعبية في الشارع، وأجهضت إي إمكانية للتحرك بالجامعات، وعملت على تأميم شبه كامل للإعلام الخاص بعمليات واسعة من نقل الملكية والاستحواذ، وأطلقت عددًا من الهيئات لتتحكم بشكل كامل في الإعلام".

وتابعت المؤسسة "خلافًا لهذا كله، كان الإنترنت هو المساحة الأخيرة للمواطنين للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، وكانت المواقع الصحفية المستقلة هي المتنفس الوحيد لعرض رواية غير تلك التي تروجها الدولة. لذا توسعت الأخيرة، منذ منتصف مايو 2017، في ممارسة الحجب حتى وصل إلى 547 موقعًا على الأقل، من بينها 127 موقعًا صحفيًّا على الأقل".

وأنهت "حرية الفكر والتعبير" دراستها بالمطالبة بـ"تجديد النقاش العام حول ممارسات الرقابة على الإنترنت وتأثيراتها شديدة السلبية على وضع الصحافة الرقمية المستقلة في مصر"، داعية جميع الجهات المعنية للتحرك "من أجل وقف ممارسات الرقابة على الإنترنت وتمكين مستخدميه من الوصول إلى المواقع الإلكترونية، دون قيود".


اقرأ أيضًا| تقرير حقوقي لـ 2016: مئات الانتهاكات لحرية الصحافة.. وأشكال متنوعة من القمع