بهي الدين حسن مع اﻷمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون. الصورة: حساب الحقوقي على تويتر 

بهي الدين حسن عن "السخرية من العدالة" والاستقواء بالخارج والسجن 15 عامًا

منشور الثلاثاء 1 سبتمبر 2020

قال بهي الدين حسن، مؤسس ورئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن الحكم القضائي الذي صدر ضده الأسبوع الماضي بالسجن 15 عامًا على خلفية اتهامه بـ"إهانة القضاء"، هو جزء من الوضع العام واستمرار "لاستهداف الحقوقيين" الذي بلغ حد "تهديده بالقتل"، وأن ذلك كله نتيجة تراكمية لـ"عملية تجريف متواصل لعقل مصر منذ يوليو 1952".

الحكم بسجن حسن في القضية 5370 لسنة 2020 (أمن دولة) ليس اﻷول ضده إذ سبقه حكم غيابي آخر عام 2018، بالسجن 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه بتهمة "إهانة النيابة العامة"، على خلفية تدوينة كتبها بحسابه على تويتر تضامنًا مع الأديب علاء الأسواني عقب تعرّضه للتوقيف في مطار القاهرة.

في حواره مع المنصّة، يقول بهي الدين حسن "ليس لدي ما أضيفه سوى تذكير المسؤولين والرأي العام بأن تقييم العفو الدولية للحكم الأخير ليس سوى تكرار للتقييم الذي أعلنته الأمم المتحدة منذ عدة سنوات في مناسبات سابقة، حين وصفت أحد الأحكام القضائية التي صدرت في مصر بأنه (يسخر من العدالة)".

استهزاء بالعدالة

"الاستهزاء بالعدالة"، هو الأمر الذي أشار إليه بهي حسن، تعليقًا على كل ما يواجهه من اتهامات، لاسيما "الاستقواء بالخارج" التي قال عنها "لا يوجد في القانون المصري تهمة اسمها الاستقواء بالخارج، ولكنها عبارة فبركها بعض الإعلاميين الأمنيين للاستهلاك المحلي فقط".

حكم الـ15 عامًا، الذي قوبل بإدانة فورية من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ليس اﻷول ضد بهي، إذ سبقه حكم غيابي آخر عام 2018، بالسجن 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه بتهمة "إهانة النيابة العامة"، على خلفية تدوينة كتبها بحسابه على تويتر تضامنًا مع الأديب علاء الأسواني عقب تعرّضه للتوقيف في مطار القاهرة.

عن طبيعة الاتهامات الموجهة إليه في القضيتين، والتي ترتب عليها صدور الحكمين، قال حسن المقيم خارج مصر منذ أعوام، إنها "تتعلق بآراء، كان يجب أن يُرَد عليها برأي آخر أو بمعلومات أخرى مغايرة، وليس بخلق هراوات إضافية للقمع".  وأضاف أن من عملوا من أجل إصدار هذا الحكم القضائي توهموا أنهم بذلك سيمنعون انتقاد نزاهة القضاء في مصر، ولكن الحكم أتى بنتائج عكسية، إذ أدى إلى انتقادات أكثر حدة للقضاء المصري باللغات الرئيسية في العالم على لسان مسؤولين كبار من دول مختلفة وفي الأمم المتحدة ومنظمات شعبية وشخصيات عامة".

وواجهت السلطات المصرية انتقادات حقوقية بعد الحكمين القضائيين ضد حسن، كان منها بيان صادر عن منظمة العفو الدولية، اعتبرت فيه الحكم الأخير "استهزاء بالعدالة ويبعث برسالة تقشعر لها الأبدان بشأن محاصرة حقوق الإنسان في مصر".

يتفق حسن مع هذه الرؤية، ويقول "ليس لدي ما أضيفه سوى تذكير المسؤولين والرأي العام بأن تقييم العفو الدولية للحكم الأخير ليس سوى تكرارًا للتقييم الذي أعلنته الأمم المتحدة منذ عدة سنوات في مناسبات سابقة، حين وصفت أحد الأحكام القضائية التي صدرت في مصر بأنه (يسخر من العدالة)".

ويتابع "وهذا تقريبًا هو التعليق نفسه الذي صدر منذ أيام من جانب السفير المسؤول عن حقوق الإنسان بوزارة الخارجية الفرنسية، فرانسوا كروكيت، إذ وصفه بأنه (استهزاء بالعدالة)".

 

تعليق سفير حقوق الانسان بوزارة الخارجية الفرنسية على الحكم ضد حسن- صورة ضوئية من صفحته على فيسبوك

على مدار الأعوام الماضية، شهدت المحاكم المصرية قضايا تتعلق بمنظمات ونشطاء حقوق الإنسان، دارت أغلب اتهاماتها حول "الاستقواء بالخارج، وتلقي تمويلات من جهات أجنبية بغرض الإساءة لسُمعة مصر" والأخيرة هي التُهمة التي واجهتها عدّة مراكز حقوقية في القضية 173 لسنة 2011، والمعروفة باسم "قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني".


اقرأ أيضًا| بعد 7 سنوات في المحاكم: "نصف" القضية 173 ينتهي بالبراءة


يوضح الحقوقي الدولي الذي يشارك في جلسات منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بالاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي "المقصود بالاستقواء بالخارج هو استخدام الحقوقيين للآليات الدولية لحقوق الإنسان، وهي منصوص عليها ضمن اتفاقيات دولية صادرة من الأمم المتحدة، ووقعت عليها الحكومة المصرية، وبالتالي ملزمة لها".

يستدرك حسن "ولكن، نظرًا لأن الحكومة تعتبر المصريين جهلة يمكن استغفالهم، فإن رجالها في الإعلام وغيره يلجأون لاستخدام مثل هذه العبارات "الاسبايسي" (المثيرة)، لكنها لا تجرؤ على إدانة دولية لاستخدام الحقوقيين لهذه الآليات، وإلا فعليها أن تسحب توقيعها من هذه الاتفاقيات، بينما هي تحتاج دائمًا لاستخدام رطانة حقوق الإنسان من أجل غسيل سمعتها السيئة في هذا المجال".

وتعدّ مصر واحدة من 193 دولة، تلتزم بما وضعه المجلس الدولي لحقوق الإنسان من آليات لاستعراض وتقييم أوضاع حقوق الإنسان بها؛ والتي في أعقابها تصبح ملتزمة أمام المجلس والمجتمع الدولي بتنفيذ ما يوجه لها من توصيات.

واستقبلت مصر في الاستعراض الدوري لعام 2019 الذي انعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني، 372 توصية بشأن الأوضاع الحقوقية بها، وأعلنت في مارس/ أذار 2020 قبولها كليًا لتنفيذ 270 توصية وجزئيًا لـ31 توصية، فيما ذكرت أن 24 توصية منفذة بالفعل، ورفضت 30 توصية، بينها ما وصفته بأنه "يتضمن ادعاءات مسيسة وغير صحيحة"، وما تعدّ "غير دقيقة وخاطئة".

.. واستهداف شخصي

يواصل بهي الدين حسن منذ أعوام ممارسة دوره في التركيز على التزامات مصر الحقوقية، وأمام عمله تعرّض الرجل لهجوم كان منه ما صدر حتى عن المحكمة التي كانت تنظر قضيته الأخيرة، فقبيل النطق بالحكم، قال القاضي عن حسن إنه "من رؤوس الفتنة التي تستهدف القضاء".

أمام هذا الهجوم يقول الحقوقي "ليست بيني وبين أي شخص أو طرف مصري خصومة، باستثناء ما يتعلق بحقوق الإنسان، والتي يفترض أنها تجمع أكثر مما تفرق، لأنها عابرة للأيدولوجيات والمصالح السياسية وللأديان. ولكن من يضع نفسه أيا كانت صفته مدافعا عن الجلادين، هو بالتأكيد سيتعامل معي كخصم ويستبيح لنفسه استخدام أقسى الاتهامات المرسلة".

يقول الحقوقي بنظرة أعم "هناك عدد هائل من الضحايا لإضعاف مرفق العدالة لن أكون آخرهم، ولكن الضحية الأعظم هي مرفق العدالة نفسه، والذي كان مفخرة الدولة والمصريين أمام العالم، على الأقل حتى انقلاب يوليو 1952".

بجانب الأحكام، كان للخصومة مع حسن عدّة أوجه على مدار الأعوام الماضية، عدّدها بقوله "صدر ضدي حكم بالتحفظ على أموالي، ثم حكمين قضائيين بـ18 عام سجنًا في قضيتي رأي. ولسنوات قبل وأثناء وبعد صدور هذه التهديدات والأحكام صرت هدفًا لحملات تشهير بذيئة ورخيصة تحظى بحماية ذات الأطراف التي تزعم حرصها على قيم الأسرة المصرية وإصلاح الخطاب الديني"

تهديدات بالقتل

عن تعرّضه لـ"حملات التشويه" تلك، يقول حسن "لست الوحيد المستهدف، فكل الحقوقيين المصريين مستهدفين بطرق ووسائل متعددة، نصيبي منها قد يكون أقل من غيري. وهناك آلاف من الأبرياء في السجون أو اضطروا لمغادرة مصر أو اختفوا ربما للأبد. بل ربما كنت محظوظا عن غيري".

ويدلل الحقوقي على حسن حظه النسبي بقوله "ففي اللحظة التي سمعت بها الحكم الأخير، تذكرت البرلماني السابق دكتور مصطفي النجار الذي أدانته محكمة بنفس الاتهام "إهانة القضاء" الذي كان من نصيبي، رغم أنه كان يتمتع وقتها بحصانة برلمانية، ثم اختفي تمامًا ولا يعرف أحد مصيره. آمل أن يكون مازال على قيد الحياة".

حديث مؤسس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن حسن حظه وتذكره للنجار، ربما يكون مردّه أمر آخر وهو أن الخصومة معه بلغت حد تهديد حياته، وفق ما يذكره الآن "لقد تعرضت لتهديد بالقتل عندما كنت مازلت بمصر، ثم تحريض علني في التليفزيون على الهواء مرتين على قتلي خارج مصر".


اقرأ أيضًا| "مصطفى النجار فين؟".. بلاغات وتدوين لاستجلاء مصير برلماني سابق


في عام 2019، هاجم الإعلامي نشأت الديهي في إحدى حلقات برنامجه بالورقة والقلم، بهي الدين حسن، وطالب السلطات بأن "تقتله بالسم كمعاملة روسيا مع الجواسيس (في إشارة إلى الإعدام)، وهو ما لاقى آنذاك انتقادات حقوقية محلية ودولية ومطالبات بـ"اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان داخليًا وخارجيًا"، وقدم حسن بلاغًا للنائب العام، لكنه حفظ البلاغ، ثم صدر قرار حكومي بتعيين الديهي في منصب إعلامي رسمي كبير. وهو ما دفع الديهي الآن للاحتفال بالحكم القضائي ضد حسن، وقول إنه كان "أول من دق مسمارًا في نعشه".

 

تهديد 2018 لم يكن الأول ضد حسن، الذي يكشف الآن عما تعرض له وهو في مصر "علمت في يونيو 2014 بأنني مهدد بالقتل. لم أصدق بالطبع أن تصل الأمور في ذلك الوقت إلى ذلك، ومع حقوقي لا يملك جيشًا ولا حزبًا أو صحيفة، وسلاحه الوحيد هو الكلمة".

يسترجع حسن تفاصيل ما بعد التهديد بقوله "لكن كانت صدمتي كبيرة بعد ذلك حين بدأت استشارة بعض الدبلوماسيين الأجانب في مصر ثم مسؤولين كبار جدًا في الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك، وكان تقديرهم دون تردد بأن التهديد جدّي، ونصيحتهم لي كانت أن أغادر مصر فورًا قبل أن أقتل أو يصدر قرار بمنعي من السفر. وبعد تردد واستشارات مع أصدقاء مصريين وعرب،  وغادرت".

اليوم، وباستعادته هذه اللحظات التي عاشها قبل أعوام، يعقّب حسن عليها بالقول "للأسف، برهن الزمن علي أن الأجانب يدركون مهالك السياسة في مصر أكثر مما كنت أدركها ويدركها المصريين. وجائت أسطع البراهين عندما جرى حفظ بلاغي ضد التحريض على قتلي".

يعيش بهي الدين حسن منذ عام 2014 في فرنسا، التي كان لها إجراءات لحمايته بعد التهديدات وحفظ بلاغاته ضدها، وفقًا لما يذكره للمنصّة "تعرف الحكومة الفرنسية وبعض حكومات الدول الأجنبية التي أتردد عليها لظروف العمل بأنني مهدد بالقتل؛ لهذا بادر بعضها بترتيب حماية أمنية خاصة لي خلال وجودي فيها".

تركة يوليو 52

يرى بهي الدين حسن أن ما يتعرض له من "خصومة وتصعيدات أمنية" ليست وليدة اليوم "بل منذ ٦ سنوات مضت"، وهي الرؤية التي تنطبق منه أيضًا على الوضع العام الذي يراه نتاج ما تعرضت له مصر اعتبارًا من منتصف القرن الماضي.

عن ذلك يقول الحقوقي "مصر تعرضت لعملية تجريف متواصل لعقلها منذ يوليو 1952، وهو سبب الاستسلام الحالي لهذا الوضع المأسوي، وقبل ذلك بتعليق آمال علي حكم الإخوان المسلمين، هو بالأساس فقر عقلي وفكري يجد جذوره في محاربة حرية الفكر والمفكرين منذ 1952، وفي بؤس النظام التعليمي وانعكاساته في الفكر والثقافة".

يضرب حسن مثالًا على وجهة نظره بالقول "لذلك لم تنتج مصر مفكرًا واحدًا ذي قيمة تلقى تعليمه بعد 1952. وعلى هذه الأرضية أمكن تقديم دجال للرأي العام باعتباره عالمًا في الطب تمكن من اكتشاف علاج عالمي للإيدز استحق به رتبة لواء فخري. وهذه الضحالة الفكرية والبؤس الثقافي هي التي سمحت لوزيرة مسؤولة عن صحة المصريين بأن تطالب علنا بعزف النشيد الوطني في المستشفيات، لرفع معنويات المرضى وشفائهم، وتظل في موقعها حتى اليوم".

ويرى حال الحقوق والحريات وأوضاع المؤسسات في مصر اليوم على قدر من "السوء" رفض معه مجرد عقد مقارنة بين الآن ووقت حكم نظام آخر كان على خصومة معه، وهو نظام حسني مبارك، مؤكدًا أنه "ليس هناك مجال للمقارنة بين النظامين في أغلب الأمور الأساسية، برغم أن كلاهما هو نتاج النظام الناصري".

ويوضح الحقوقي "بصرف النظر عن حقوق اﻹنسان، كان عهد مبارك حريصًا على حد أدنى من عمل مؤسسات الدولة، بما في ذلك مرفق العدالة. بينما جرى خلال السنوات الأخيرة فرمتة (تعطيل) كل مؤسسات الدولة لصالح فرد واحد".


اقرأ أيضًا| سجن طرة "الوردي": كيف تتعامل مصر مع الانتقادات الدولية؟


وعن تبعات هذه الممارسات يقول حسن "حقوق الإنسان هي أحد أبرز الضحايا لذلك التحول المأساوي، لكن الضحية الأكبر هي الدولة ذاتها كدولة، لذلك فإن علينا أن نعد أنفسنا لمآسي أخري غير مسبوقة، مهما كانت حجم المعاناة الحالية الفردية والجماعية والمؤسسية".

تلك هي نظرة الرجل الحقوقي إلى الشأن العام حاليًا ومستقبلًا، والتي لخصها بقوله إن "مأساة مستقبل مصر كدولة وشعب أكثر هولًا من كل جرائم حقوق الإنسان" وأن هذه الأخيرة هي "أحد مظاهر عمق الأزمة، وأحد (وليس كل) مداخل التغلب عليها".

ذلك على المستوى العام، أما على المستوى الشخصي وفيما يتعلق بالخصومات، يختتم بهي الدين حسن حواره للمنصّة بإعلان عدم الالتفات لما يحدث معه، بقوله "عندما يتحسن وضع النظام القضائي في مصر ربما أسعى لذلك. وأظن أنه عندما يوجد هذا النظام، سيجد المسؤولون عنه الوسيلة المناسبة للتبرؤ من هذه الوصمة وشبيهاتها الكثيرة".