الصفحة الرسمية للجامعة على فيسبوك
طلاب من جامعة القاهرة

رحلتي من "السباكة" إلى الفلسفة: الجامعة بعد الثلاثين

منشور الخميس 4 فبراير 2021

قبة الجامعة ودقات جرسها وما يشكلانه من صورة ذهنية رسختها الدراما لطلبة يحتضنون كتبهم مبتسمين للمستقبل بينما يخرجون من المدرجات؛ تلك الصورة النمطية التي مر بها أغلبكم كانت مجهولة تمامًا بالنسبة لي ولذلك قصة؛ رحلة طويلة خضتها من العمل في السباكة إلى دراسة الفلسفة. لكن دعني أسألك، قبل أن أبدأ، إن قدر لك استخدام آلة زمن تعيدك إلى الماضي هل كنت تختار القرارات نفسها التي اتخذتها في مراهقتك؟

وحش يهزمني

هناك مُعلم يجعلك تحب المادة التي يُدَّرسها وآخر ينفرّك منها، وكان حظي عاثرًا مع معلمة الحساب الأولى في حياتي، التي تركت بداخلي رفضًا تامًا لفهم العمليات الحسابية وفروع الرياضيات بشكل عام.

لم أكن أفهم شيئا من تلك الأرقام التي ترسمها إلى جوار بعضها البعض أمامنا على السبورة، وظلت الأرقام بالنسبة لي عالمًا غامضًا ومخيفًا حتى أن تعلم الهيروغليفية بدا أسهل من فهم العمليات الحسابية.

عبارة هيروغليفية بخط الكاتب من بردية نجاة الملاح - عصر الدولة الوسطى

على النقيض من علاقتي بالأرقام كانت علاقتي باللغة، أحببت اللغات للغاية وقد ساعدني هذا الحب على تعلم الإنجليزية من خلال برنامجًا إذاعيًا تقدمه البي بي سي العربية، كنت متلهفًا لهذه الدروس الأسبوعية عبر الأثير، ودعمت تلك الدروس بقراءة ما تيسر لنا من الجرائد الإنجليزية التي كانت تصل إلى نويبع حيث كنت أعيش.

ومكبات النفايات كانت هي الأخرى مواقع ممتازة للحصول على كتب بلغات مختلفة من ضمنها الإنجليزية بطبيعة الحال، وكان هناك أصدقاء أوفياء يحضرون لي عربات نصف نقل محملة كلها بكتب لا يعرفون بأي لغة كتبت، إنما تحركهم الصداقة لحملها إليَّ من محرقة القمامة في شرم الشيخ، تخيل أن يقود أحدهم مسافة أربع أو خمس ساعات ليحضر لك كتبًا من القمامة؛ لطالما كان حب الأصدقاء غامرًا بالنسبة لي.

 

كان أغلب ما وصلني من كتب عبارة عن روايات صيفية خفيفة يمكنك أن تقرأها في الإجازة، ولم أكن بحاجة لأكثر من ذلك لتعلم اللغة، فلم أطمح، وقتها مثلا، لقراءة أعمال همنجواي بالإنجليزية، ورغم ذلك وجدت الإخوة كارمازوف طبعة دار بنجوين لكلاسيكيات الأدب العالمي، وقصة مدينيتن لتشالرز ديكنز، والصخب والعنف لفوكنر، وكم كنت سعيدًا بهذه الأخيرة حتى أن أحداها لا تزال راسخة في ذهني إلى اليوم.

حمستني القراءة لأكتب بطبيعة الحال، وأخذت في تقليد أشعار نزار قباني وتغزله بالمرأة، حتى كتبت بالقلم الرصاص وعلى صفحات كراس الموسيقى الأخضر ديوانًا "أسميته سيدتي الجميلة"، ثم بعد ذلك وأنا في عمر السادسة أو السابعة عشر أصدرت ديوانًا بالفعل بعنوان "الملائكة تموت أحيانًا"، على نفقتي الخاصة، بعد أن بعت في سبيل ذلك هاتفًا مستوردًا وحديثًا آنذاك بمبلغ 1500 جنيهًا.

وفي المرحلة الثانوية، أمضيت سنتي الأولى في قراءة محمومة داخل مكتبة المدرسة، تعرفت خلالها على ألبير كامو للمرة الأولى عبر روايته الغريب، حتى أن الأستاذ سيد أمين المكتبة كتب لي شهادة بخطه المنمق، وكان أستاذًا لمادة الخط أيضًا، بأنني قد قرأت كتب المكتبة المدرسية كلها، ثم منحها لي، ورغم صغر محتويات هذه المكتبة إذ نظرت بعيني إليها اليوم، لكنه كان أول إنجاز أستحقه وأحصل عليه.

سباك نهارًا.. قارىء نهم ليلًا

وذلك كله قبل أن تأتي امتحانات الثانوية العامة ينتظرني على باب لجنتها وحش الرياضيات، فلم أجرؤ على الاقتراب أو دخول امتحان تلك المادة من الأساس، واختبأت في بيت جدتي أقرأ كتاب "الموت والوجود.. دراسة في تصورات الفناء الإنساني"، ورسبت بكل تأكيد، ولم تنجح جهود أمي المضنية لمساعدتي في اجتيازها عندما دخلت الاختبار للمرة الثانية التي تركت فيها ورقة الإجابة فارغة، لتكتب تلك الحادثة نهاية علاقتي بالثانوية العامة.

بعد ذلك عشت دون عمل يذكر سوى بعض الوظائف البسيطة قصيرة العمر في البازارات السياحية والفنادق في نويبع، ثم جاءت "فرصة ذهبية" كما تسميها أمي، عندما أعلنت شركة مياه الشرب والصرف الصحي بجنوب سيناء عن وظائف شاغرة، وبما أن الأولوية لأبناء المحافظة فقد سعت أمي لتعييني بالشهادة الإعدادية، وهكذا التحقتُ بقسم الصيانة المختص بالتعامل مع محطات معالجة الصرف الصحي.

كانت واجبات الوظيفة محددة، أولها الحفاظ على نظافة القفص المعدني الخاص بماسورة الصرف الرئيسية لكل محطة عن طريق تنظيفه بشكل دوري، لأنه يقوم بتجميع الشوائب الكبيرة حتى لا تنسد المواسير، وكذلك التأكد من تفريغ البيارات الكبيرة على الأقل ثلاث مرات يوميًا حتى لا تحدث مشكلة في الصرف.

 

شهادة الثانوية الصناعية الخاصة بكاتب المقال

كان ذلك العمل مثاليا لشاب حاصل على الإعدادية أو الدبلوم، فأنت تعمل لخمسة عشر يومًا متصلة شهريًا وتحصل على مثلهم إجازة حتى نهاية الشهر، ولم يكن ثمة منغص في هذه المحطات سوى جحافل الناموس الذي تجذبه الأحواض الكبيرة المليئة بالصرف، خصوصًا في أثناء الليل مما يصعب مهمة النوم كثيرًا، فقد كنا نبيت داخل تلك المحطات فيما يشبه الخفارة أو الحراسة.

كان من المفترض أن تكون عملية التفريغ تلك آلية، ولكن لعطب بعض العوامات التي من شأنها تشغيل الطلمبة أوتوماتيكيا حين يصل ارتفاع المياه للحد المطلوب، كان عليك أن تقوم بتشغيل وإيقاف الطلمبة التي تسحب الصرف وتوجهه إلى ما يشبه أحواض السباحة الكبيرة في عمق الصحراء يدويًا، وبسبب هذا العطب كان على عامل الصيانة منا أن يراقب هذه البيارات عن كثب خصوصا أثناء عمل طلمبة الشفط والرفع، لكنني لم أسمح لتلك العملية المقززة التي كانت تشدني إلى أسفل قاع الحياة، أن تسلب مني أهم ما تبقي لي: خيالي.

كانت لياليَّ الطويلة مليئة بالقراءة والكتب التي أحضرها معي إلى المحطة وأضعها بجوار مرتبتي الأرضية، فلم نكن ننام على سرير إنما على البلاط مباشرة.

في تلك المحطات تعرفت على أوريجون السكندري وغيره من فلاسفة الإسكندرية القديمة في عصرها الذهبي، وقرأت موسوعة قصة الحضارة كاملة، ولشد ما اهتممت بتاريخ المسيحية في العصور الأولى ثم أخذني ذلك لدراسة التراث اليهودي لأنهما لا ينفصلان بشكل أو بآخر، وأخذت أقرأ كل ما يتوفر لدي من كتب عن الفلسفة أو حولها، لكنني نفرت من الفلاسفة المتشائمين أمثال شوبنهاور ونيتشه، فلم أكن في مزاج يسمح لي بتقبل اليأس والبؤس هكذا بهدوء، وفي المقابل أحببت فلاسفة الترانسندنس أو فلسفة العلو؛ أي شيء كان سيحدثني عن الطفو على الواقع أو تجاوزه لواقع أسمى في ذلك الوقت كان بمثابة طوق النجاة لغريق يتشبث بالحياة، كما أحببت فكرة أن لكل شيء فلسفة، هذا الإغراق في التأمل والتحليل كان ممتعا للغاية بالنسبة لي، وهنا في لحظة ما أدركت أنني أرغب في دراسة الفلسفة وأن أكون فيلسوفًا! لكن كان علي البحث عن كيفية تحقيق ذلك.

مورفين

ساعدتني الطبيعة الهادئة لتلك المحطات وموقعها البعيد في عمق الصحراء على التأمل والقراءة، كما أنجزت خلال تلك الفترة روايتي الأولى "مورفين"، التي كتبتها في عام 2007 كوسيلة للتعافي من تجربة وجدانية مررت بها، وقتها أدركت كيف يمكن للكتابة أن تخرجني ولو بعقلي من مستنقع الروائح العفنة الذي أعمل إلى جواره.

غلاف رواية مورفين

وقد تقدمت بها لمسابقتين في الوقت نفسه عسى أن تصيب في إحداهما قبل الأخرى، وفازت فعلا بالمركز الثاني في مسابقة المجلس الأعلى للثقافة عام 2013 ، وكانت جائزته تتضمن مبلغًا ماليًا رمزيًا، فيما كان نشر العمل الفائز من نصيب المركز الأول فقط، لكن "الفقي لما يسعد"؛ فازت الرواية أيضًا بالجائزة الأخرى التي تقدمت لها بعد شهر واحد من الأولى، وكانت الجائزة المقدمة من دار الحضارة للنشر والتوزيع في مسابقتها هي نشر العمل الفائز، وهكذا صدرت روايتي الأولى.

الكاتب أثناء استلامه جائزة المجلس الأعلى للثقافة

كان يمكنني أن أكتفي بما وصلت إليه في ذلك العام الذي كتبته في روايتي، عام 2007،؛ موظف ذو مستقبل مضمون، ومثقف يهوى القراءة والكتابة، ويُشهد له بالتميز بين أقرانه من الحاصلين على الإعدادية، وينقصه فقط البحث عن عروس وتكوين أسرة، في ظل ما تضمنه الوظيفة من عائد مادي معقول بفضل اعتبار نويبع مدينة نائية مما يزيد من الحوافز والمكافآت والبدلات، فماذا أريد أكثر من ذلك؟

أريد التعلم؛ علمًا حقيقيًا والسعي ورائه، واكتفيت لنفسي بالسؤال وإجابتي عليه دون أن أشغلها بمشاركته الآخرين.

وقرأت خبرًا عن ما عرف وقتها بالتعليم المفتوح، فعرفت أنه يمكنني التقدم للالتحاق به إن حصلت على مؤهل متوسط، ولكي أهرب من عفريت الرياضيات التحقت بالمدرسة الثانوية الفنية الصناعية، وحصلت على دبلومها بعد ثلاث سنوات متخرجًا في قسم شبكات المياه والأعمال الصحية، السباكة بمعنى آخر، بمجبم " السباكة"، بمجموع 85%، وعلى خلاف ما تتوقعه أمي بأنني سأسعى للترقي في عملي بعد حصولي على شهادة الدبلوم، قدمت استقالتي!

الهروب الكبير

كان يملؤني الطموح بعد أن ظننت في نفسي القدرة على الالتحاق بكلية الآداب في جامعة القاهرة عن طريق التعليم المفتوح، ولفقت حكاية عن حاجتي الملحة للسفر إلى القاهرة دون أن أخبر أمي بالحقيقة.

ومتسلحًا بحقيبة فيها ملابسي كلها وبعض كتبي، و500 جنيه ادخرتهم من عملي، توجهت إلى العاصمة التي لا أعرف فيها سوى "عزت" أبي الروحي الذي تعرفت إليه أثناء عملي في بازارات سيناء، وعوضني وفاة أبي الحقيقي وأنا بعد طفل صغير، وسمح لي متفضلا بالمكوث في شقته لحين ترتيب أمور الدراسة و العمل.

وعندما توجهت إلى الجامعة كانت المفاجأة أكبر من الطموح الذي ملأني؛ ينص القانون بضرورة مرور خمس سنوات على تاريخ حصول المتقدم على شهادته الثانوية أو المتوسطة، وقد حصلت على شهادة الدبلوم في 2012 الأمر الذي يعني انتظاري إلى عام 2017.

مكتبة كونها الكاتب في غرفته بالقاهرة

على كل حال كان عليَّ أن أجد وظيفة في القاهرة إلى جانب دراستي إن التحقت بالجامعة، وبعد أن قررت الانتظار خمسة سنوات، صار البحث عن عمل أكثر إلحاحًا، وقد عرفت من أحد الأصدقاء أن شركة أمريكية تعمل في مجال السياحة والطيران تطلب موظفين خدمة عملاء و كُتاب محتوى لموقعها، وهو المجال نفسه الذي سبق وأن عملت به في نويبع.

وفي يوم الذهاب للمقابلة، سرقني سائق التاكسي، أخذ الحقيبة وما تحتويه من لابتوب وأوراق وما تبقى معي من نقود قليلة وهرب، الغريب أنني حين أراجع الموقف الآن أشعر أنه قد حذرني أو بدا كذلك، لكن على كل حال عوضني الله بمدير عطوف ورحيم، عندما أخبرته بما حدث قبل بتوظيفي دون الأوراق الأساسية على أن أستكملها أثناء العمل.

شهادة إتمام دورة تحقيق المخطوطات ببيت السناري

وحش أهزمه

خلال تلك السنين، مارست إلى جانب العمل أنشطة أخرى أتاحتها لي فرصة العيش في القاهرة؛ أبرزها فضيلة التعلم، كما أحب أن أصفها، من خلال الاشتراك في الدورات التدريبية التي يتيحها بيت السناري، فشاركت في دورة لتعلم اللغة المصرية القديمة، لتنمية رغبتي الداخلية في تعلم قراءة النقوش المصرية القديمة، ودورة أخرى في الديانة المصرية القديمة، وثالثة عن الحضارة المصرية القديمة، وجميعهم كان يحاضر فيهم أستاذ الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة، الدكتور ميسرة عبد الله حسين، ولشد ما أبهرني وأثر في روحي ما تعلمته عن تاريخ وحضارة مصر القديمة من رجل رأيت في بريق عينيه حبه لعمله وإخلاصه لمهمته في الحياة، وأدركت أن هناك معلم قد يحطم طموحك، وآخر يمنحك أسس التعليم السليم.

كما حرصت على المشاركة في دورة تدريبية لتحقيق النصوص مقدمة من معهد المخطوطات العربية لإشباع شغفي بالمخطوطات وعلم تحقيقها.

ومرت السنوات الخمس وأنا أعمل استنادا إلى اللغة الإنجليزية التي أحببتها منذ الطفولة وتمكنت منها، دون أن أحمل شهادة تفيد تحصلي على دراستها، ولا يسعني هنا سوى أن أشكر معلمي الأول للغة الإنجليزية: الراديو.

وكأني يجب أن أعلم نفسي بنفسي، وصلت إلى عام 2017 وكلي أمل في الالتحاق بالتعليم المفتوح، لكن وزارة التعليم العالي علقته في ذلك العام، وأجلت الالتحاق به للعام التالي، وانتظرت تلك السنة لتنته وينتهي معها النظام التعليمي نفسه، ويتم إلغاء التعليم المفتوح وإنشاء برنامجًا تعليميًا آخر محله اسمه "التعليم الإلكتروني المدمج"، الذي يتطلب الانضمام إليه شروطًا مختلفة، فضلا على أنه لم يعد يتضمن كلية الآداب التي كنت أحلم بالانضمام إليها.

ورغم ذلك لم أتخل عن حلمي، أو ربما كان علي إذا أردت إدراكه أن أهزم وحشي القديم، لم يكن أمامي سوى التقدم للحصول على شهادة الثانوية العامة بنظام المنازل، ولأنني اجتزت الصف الأول من المرحلة الثانوية قبل أن أكرر تركها، التحقت بالصف الثاني مباشرة، كنت أستيقظ كل يوم فى السادسة صباحًا أتناول فنجانًا من القهوة ثم أبدأ المذاكرة حتى العاشرة، ثم أستريح لمدة نصف ساعة قبل أن أكمل الاستذكار حتى الثانية عشرة ظهرًا، ثم أعود للنوم مرة أخرى لأتمكن من الذهاب للعمل ليلًا، فقد كنا نعمل بمواعيد الساحل الشرقي الأمريكى، وهو ما يعنى فرق ست ساعات تقريبا عن التوقيت المحلي لمصر، ولم يكن لدى سوى إجازة ثابتة يومًا واحدً أسبوعيا.

لم ألجئ إلى الدروس الخصوصية في أي مادة سوى الألماني، التي كانت المادة الوحيدة الجديدة بالنسبة إليَّ، أما بقية المواد فاستطعت مذاكرتها بمفردي، لكنني رسبت في الرياضيات للمرة الثالثة، قبل أن أتمكن من اجتيازها أخيرًا في امتحان الملحق، ثم اجتياز الثانوية العامة كلها بعد ذلك بمجموع 80%.

وحتى تكون مسيرتي الدراسية أكثر غرابة، جاء التحاقي بالجامعة في عام الكورونا 2019-2020.

شهادة الثانوية العامة لكاتب المقال

التحقت بجامعة الفيوم، كلية الآداب، قسم الفلسفة لأدرس علمًا لطالما شغفت به وقرأت فيه وعنه؛ الفلسفة أم العلوم، ذلك العالم الذي أحببت فيه أفلاطون ودهشت من نزوعه الصوفي المبكر، وقرأت فيه كتب المتصوفة الكبار وتجلياتهم وشطحاتهم، فقد أصابني منذ المراهقة ولع خاص بالتصوف وتراث الفلسفة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري، وهو تراث طويل ومشرق ومليء بالأشياء العظيمة والفريدة وبالنهايات المأساوية كذلك.

إن دراسة الفلسفة تفتح الأفق و توسع الذهن لتقبل ومناقشة كل الأفكار، ما أحبه بشدة عن الفلسفة أنها تزودك بالنسق المنظم، صحيح أن تجربة التواجد بين من هم أصغر منك سنًا بكثير تجربة مختلفة، لكنني أستمتع بها كما أستمتع بصحبتهم وبما أتعلمه على يدي أساتذتي الذين لمست فيهم اهتمامهم بعملهم وبتعليمنا ورغبتهم في رؤية نتيجة مرضية لمجهوداتهم، دائما ما كنت شغوفا بالعلم على إطلاقه لإشباع ذلك الفضول الإنساني الخالد، أحسبه كذلك، داخل كل منا بالمعرفة.

الآن وبينما أستلقي على الحشائش الخضراء في الجامعة، أتأمل على وقع دقات الساعة، صور رحتلي الطويلة من السباكة للفلسفة، من رائحة العفن والفضلات الآدمية لرائحة الحشائش النضرة والكتب، وأقول لنفسي: هل انتهت رحلة التعلم بحياتي؟ أظنها بدأت للتو.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.