فليكر برخصة المشاع الإبداعي
Vegan

"هوجة النباتية": موضة جديدة أم نظام غذائي يغزو العالم؟

منشور الخميس 18 فبراير 2021

ضوء القمر المنعكس على صفحة مياه البحر الأحمر، ينير الكامب الذي أقيم به في سيناء، وأرتقي معه إلى حالة من النشوة يضاعف منها جرعة الـ LSD التي تناولتها منذ ثلاث ساعات، وقتها وضع الشاب الذي يعمل في المكان دجاجة مشوية أمامي، نظرتُ إليها وشعرت بالرعب، تخيلتها تتحرك، تخيلتها في هيئة قطة وفي كل الصور التي تمنعني من تناولها، لأبدأ مع تلك اللحظة رحلة استمرت ثلاثة سنوات من الالتزام بالنباتية كنظام غذائي.

عرفتُ النباتية عن قرب للمرة الأولى في عام 2009 عن طريق صديقة سويدية كانت نباتية لأسباب صحية، فلم تكن قادرة على هضم اللحوم هضمًا صحيًا، ولكنني لا أدري وقتها لماذا جذبتني تلك الفكرة "النباتية"، وشعرت أنها "شيك" وراقية، فكوّنت فكرة إيجابية عنها، ومن بعدها توالت التجارب أمامي لأشخاص يتجهون إلى ذلك النظام الغذائي، وكلهم كانوا أشخاص إيجابيين في نظري ما عزز من إيجابية الفكرة في ذهني.

من أجل الصحة أم الشياكة؟

جاءت قراءاتي عن الطاقة والروحانيات خاصة في الثقافات الشرقية، إلى جانب القراءة عن المخدرات التي يستخدمها البعض للارتقاء بحالتهم المزاجية، التي دفعتني إلى تجربة الـLSD في تلك اللحظة سالفة الذكر، بابًا للتحول إلى النباتية في العام 2014، غير أنني لم أستمر وفق نظامها سوى ثلاثة سنوات فقط.

الانغماس في النباتية ثم التخلي عنها لم تكن تجربة تخصني وحدي، بل لاحظت تمثلات واضحة لها داخل دائرة علاقاتي الشخصية، رغم اختلاف أسباب التخلي عن نظامها الغذائي.

لم يلجأ كمال، مخرج (37 سنة)، على سبيل المثال للنباتية لأسباب فكرية مثلي، بل لأسباب صحية، بعد أن عانى من صعوبة في هضم اللحوم، بجانب أن اللحم كان يسبب له نوعًا من الحساسية تظهر عبر انتفاخ في الرقبة، واستمر نباتيًا لسبعة سنين كاملة، لكنه رجع عنها في العام 2018، مقررًا العودة تناول اللحوم مع عقار للحساسية التي تسببها، مؤكدًا لي أن رغم عودته لتناول اللحوم فإن النباتية كانت نظامًا صحيًا أفضل له من حيث الهضم، خاصة وأنه كان يعوض ما يفتقده من عناصر غذائية تقدمها اللحوم، بتناول فيتامين B12.

ترك كمال النباتية من أجل مشاركة حبيبته الطعام، عندما وجد صعوبة في مشاركتها كل طقوس الأكل التي يمكن أن تجمعهما، لذلك قرر العودة لتناول اللحوم ولكن بحذر، وحاليًا صار يتأرجح بين فترات من الالتزام بالنباتية، وفترات من تناول لحوم قليلة دون أن يضع نظامًا صارمًا لذلك.

في المقابل، عندما زارتني صديقتي السويدية كرستين في السنة الماضية، وجدتها لا تزال متمسكة بذلك النظام الغذائي رغم مرور تلك السنوات كلها، ليس فقط بسبب مشاكلها الغذائية بل لأنها أدركت أنه نظامًا يساعدها على أن تمتلك صحة جيدة في سنها البالغ 44 سنة، خاصة وأنها عندما حظيت بطفل وطفلة (ثمان سنوات وأربعة سنوات) جعلت ذلك النظام الغذائي أساسي لهما حتى الآن.

وجبة نباتية- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

"فكرة أن النباتية لا توفر جميع العناصر الغذائية للإنسان، خاصة الطفل في طور النمو؛ مجرد وهم"، توضح كرستين، التي ترى أن صحتها وصحة أطفالها في أفضل حال وفق هذا النظام الغذائي، ولكن هذا يتطلب عناية وتركيز في تكوين الوجبات اليومية، وقد يبدو الأمر صعب في البداية ولكن التنظيم هو مفتاحه، كرستين على سبيل المثال لديها طلبات شهرية ثابتة تصلها أول كل شهر من المتجر، كما أن لديها جدول مُعلق على الحائط للوجبات التي يمكن طهيها وفق تلك المكونات النباتية التي توفر جميع العناصر الغذائية لها ولأطفالها.

"بمجرد أن يكون هناك نظام ثابت للطعام؛ لن تكون النباتية عبئًا أو أمرًا مكلفًا"، بجانب أنها تتناول فيتامين B12 هي وأبناءها بشكل منتظم. تؤكد كريستين أن النباتية تجعلهم أكثر نشاطًا، وتجعل تركيز أبنائها أكثر حدة، فهي مقتنعة تمامًا أن طاقة الجسم التي تُبذل في هضم اللحوم، تستهلك الدماء التي يجب أن يستأثر بها المخ لمزيد من التركيز والذكاء.

وعلى الرغم من أن كرستين من أكثر المدافعين عن النباتية كنظام غذائي، لكنها لا تروّج لأي أفكار فلسفية خاصة بذلك النظام، على عكس سالي التي قابلتها في العام 2010، وكانت لها فلسفة واضحة فيما يخص هذا الأمر.

تؤمن سالي، مهندسة ديكور (32 سنة)،  أن الإنسان يمتص طاقة الطعام الذي يتناوله، وأن لكل طعام طاقة تختلف عن الأخرى، وطاقة الأطعمة المُحملة بالقتل والذبح في نظرها من أسوء الطاقات التي يمكن أن تدخل جسد الإنسان، لأنها محملة بالإحساس بالأفضلية تجاه الكائنات الحية الأخرى، "ليس من حقي قتل كائن حي آخر حتى أتناول طعامي"، هكذا تخبرني سالي موضحة أن الأمر قد يبدو مثاليًا، لكن الواقع أنها تبحث عن مصلحتها الشخصية، فهي تريد أن تحمي جسدها وروحها من الطاقات العنيفة والدموية، خاصة وأنها تؤمن أن طاقة النباتات والعناصر الغذائية البعيدة عن اللحوم من أفضل الطاقات التي يمكن للإنسان أن يمد بها جسده.

نظام غذائي جديد يغزو العالم؟

إن لم تكن متعمقًا في عالم النباتية، فربما يختلط عليك الأمر بين كلمتي Vegetarian وvegan ظنًا أنهما يحملان المعنى نفسه، لكن النباتية في بداية الأمر بالمفردة الأولى وكانت تعبر عن الامتناع عن قتل الكائنات الحية بغرض تناولها، ثم قرر دونالد واتسون في عام 1944، وهو أحد مؤسسي فلسفية النباتية طوير تلك الفكرة لتكون أشمل، ومن هنا جاء لفظ Vegan الذي يقصد به الامتناع عن استخدام الكائنات الحية والاستغناء عن جميع المنتجات المشتقة كليًا من الحيوانات، وأسس جمعية The Vegan Society التي تُعرف النباتية على أنها فلسفة وأسلوب حياة يسعى إلى استبعاد جميع أشكال الاستغلال والقسوة ضد الحيوانات من أجل الغذاء أو الملابس أو أي غرض آخر، والتشجيع على استخدام البدائل الخالية من مشتقاتها، فبدلًا من استخدام الزبد في طهي الكيك مثلا يستخدم ذلك الفرع من النباتيين الجزر المسلوق أو أي بديل آخر، وهكذا.

تملك هبة، صحافية (50 سنة)، تجربة من نوع آخر بدأتها عام 2018، حيث اتجهت لذلك النظام في ظل ما وصفته بانجذابها وراء "هوجة" النباتية على المواقع التواصل الاجتماعي، التي انتشرت بقوة في السنوات الأخيرة، وسيطر عليها مجموعة عامة على فيسبوك تضم ألاف المشتركين، وهي منهم، وإن انضمت إليها بغرض إنقاص الوزن.

 

حلويات نباتية- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

اتبعت هبة كل التعليمات المعقدة للغاية للصفحة التي تجعل الأمر شبه مستحيلًا، ومع ذلك لم تفقد سوى بضعة كيلوجرامات تُعد على أصابع اليد في البداية، ولكنها استمرت على النظام لتسعة أشهر استطاعت خلالهم فقدان 16 كيلوجراما.

 ولكن النظام كان أكثر تعقيدًا من إتباعه فترة أطول من ذلك، خاصة وأنه لم يكن يمنع اللحوم فقط بل كان يمنع كل ما هو مضر للجسم مثل الملح والسكر والألبان بكل مشتقاتها حتى الحلويات كان يجب صنعها دون استخدام الدقيق الأبيض أو السكر أو البيض أو السمنة أو الزيت، ويُسمح فقط في ذلك النظام باستخدام بدائل مثل الموز والبلح الطري، والعجوة، وهو، تخبرني هبة، كان فوق طاقتها على تنفيذه لفترة طويلة، ولكنها أيضًا لا تنكر أنها خرجت من تلك التجربة ببعض العادات الصحية الجيدة في الطعام، مثل تناول المشروبات بدون سكر، وعدم تناول كميات كبيرة من الملح.

أما ندى، مُدخلة بيانات(36 سنة)،  فكانت عاشقة للحوم قبل أن تقرر إتباع النباتية، وهو قرار اتخذته تعاطفًا مع الكائنات الحية الأخرى "أنا لا أتخيل نفسي أتناول كلبًا على الغداء، فلماذا أمنح نفسي الحق لتناول بقرة"، وتوضح أن إتباع نظام النباتية قد يبدو صعبًا في البداية، ولكن بمجرد أن يغير الفرد عاداته الشرائية، وصورته الذهنية عن الطعام المغذي المفيد، لأننا تربينا في مجتمع يظن أن الوجبة "أورديحي" أو ليس لها فائدة إن لم يكن اللحم من مكوناتها، ولكنها ترفض أن يُقتل حيوان آخر لتأكل هي وجبة تحبها، " كلما افتقدك الهامبرجر أو الشاورما؛ أذكر نفسي بالحيوان مقطوع الرأس الذي تسيل دماءه على الأرض حتى تصل ليدي هذه الساندوتش".

وفقًا دراسة نُشرت عام 2012 في مجلة Brain Structure and Function تحت عنوان "الذهن النباتي: محادثة مع القرود والخنازير" لعالم الأعصاب الإيطالي ماسيمو فيليبي من جامعة سان رافاييل، تبين أن النباتيين أكثر تعاطفًا بالفعل مع الحيوانات من آكلي اللحوم، ووضحت الدراسة أن الشخص النباتي وإن لم يتبع ذلك النظام تعاطفًا مع الحيوانات، فإنه مع الاستمرار عليه يطوّر مشاعر جديدة تجاه الحيوانات، مؤكدًا أن هؤلاء البشر تجمعهم بالفعل علاقة أفضل مع الحيوانات، وارتباط عاطفي أقوى من الآخرين.

مجموعة صحية.. أم شرطة نباتية؟

هذا الانتشار السريع عالميًا للنباتية كنظام غذائي وجد طريقه للعالم العربي في السنوات العشر الأخيرة، وتجلى بوضوح في إطار مجموعة الفيسبوك Planet based diet التي انضم لها عشرات الآلاف من المواطنين العرب.

ولا ينكر خالد، مطور مواقع إليكترونية(30 سنة)، وهو واحد من الذين جذبتهم تلك المجموعة في البداية، وانضم لها بغرض إنقاص الوزن قبل أن يكون الغرض الأساسي هو الاقتناع بالنباتية كفر فلسفي في الحياة، أنه وجد ضالته في البداية في ذلك الجروب، وشعر بالامتنان تجاهه، لذلك بدأ بتلقائية مشاركة تجاربه بصور من الطعام الذي يطهوه لنفسه، الذي يؤكد أنه كان يلتزم في طهيه بـ90% من المعايير التي وضعها الجروب للطعام النباتي، ولكن تلك الـ10% التي كان يجد صعوبة في تنفيذها، فتحت عليه "أبواب الجحيم" كما يصفه، وكأن أعضاء الجروب هم "بوليس النباتية"، وتعرض لهجوم شديد من معظم الأعضاء في التعليقات لعدم التزامه بقواعد الجروب كاملة.

 

اثنان من مروجي النباتية- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

"لم تكن هناك أي مرونة، وكأنهم يتبعون دينًا جديدًا"، يوضح خالد مؤكدًا أنه كان يرى هجومًا متطرفًا في حالة إن وضع أحد الأعضاء صورة لدجاجة مطبوخة حتى على سبيل المزاح، ما جعله يترك الجروب، ومع الوقت ترك النباتية كنظام غذائي لحياته.

حالة العنف في الدفاع عن النباتية التي وصفها لي خالد، التي سادت ذلك الجروب، لم أشعر تجاهها بالدهشة خاصة وأنني كنت على دراية بما يطلق عليه "الإرهاب البيئي".

يوصف بعض المتبعين والمتبنين للنباتية كمروجين لما يعرف بالـ"راديكالية البيئية"، لما يستخدمونه من وسائل عنيفة ومتطرفة أحيانًا لتمرير تلك الأفكار لباقي المجتمع، بغض النظر عن رغبتهم الشخصية أو ظروفهم الصحية، ونحن لا نتحدث هنا عن تعليقات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي.

إنجلترا هي الأرض الخصبة لانتشار ذلك النظام الغذائي، حيث يعيش على أرضها ما يقرب من أربعة ملايين شخص نباتي، بعضهم يمارس حريته في سلام، ولكن البعض الآخر يستخدم العنف ضد البشر لمنع العنف ضد الحيوانات، هذا النوع من النباتيين يحولون حياة المزارعين ورعاة الماشية في إنجلترا إلى جحيم، بسبب إشعال الحرائق وسرقة الماشية التي تعد رأس المال الوحيد لهؤلاء المزارعين، واستطاعت السلطات القبض على بعضهم بتهمة تخريب الممتلكات العامة، ويطلق على تلك الممارسات وأصحابها في إنجلترا "مافيا النباتية".

في المقابل، يتعرض النباتيين للهجوم أيضًا، سواء الذين يتبعون النظام بتطرف، أو في مساحتهم الشخصية، فخط السخرية من النباتيين هو خط عالمي، وهناك الكثير من المعارضين له تحت مبدأ احترام الحرية الشخصية لكل شخص فيما يتناوله من طعام، وعادة ما يأتي تجسيد شخصية النباتي خاصة في الدراما الأمريكية متطرف أو ساخر، ويعد المسلسل الكوميدي الأمريكي How I Met Your Mother من المسلسلات التي جسدت شخصية النباتي متطرفًا أكثر من مرة في أكثر من مشهد.

 

وتلك الحرب الفكرية، كما أسميها، تزداد بتزايد النباتيين، وهو الأمر الذي وصفته الدراسات بأنه تزايد "مذهل"، وقدرت دراسة أمريكية زيادة أعداد المتبعين للنباتية خلال السنوات من 2014 إلى 2017 بـ600%، ومن وجهة نظري أن هذا التزايد الكبير في إتباع النباتية هو السبب الرئيسي في تراجع البعض عن ذلك النظام، ووفقًا لما رصدته من خلال مناقشتي مع الكثير من الأصدقاء الذين انضموا للنباتية وتركوها، فإن في أحيان كثيرة كان سبب إتباع ذلك النظام مواكبة "الموضة" العالمية المنتشرة.

"آسف أنا متعالي"

"آسفة لا آكل اللحوم"؛ مهما أنكرت فتلك الجملة كنت أقولها بفخر كلما تناولت الطعام مع أي شخص آخر، وكأن جزءًا من ذهني يود التعبير عن تميزي عنهم، وعن توفر التعاطف بداخلي تجاه كل الكائنات الحية عكسهم، شعور بالتميز وأتجرأ أن أقول "بالتعالي" سيطر على ذهني مدة الثلاثة سنوات التي اتبعت فيها النباتية.

 مع العلم أن نظامي الغذائي لم يكن صحيًا بنسبة 100%، وذلك بسبب ظروف عملي وعدم توفر الوقت الكافي لطهي طعام صحي وفقًا للمعايير النباتية، فكنت اعتمد في كثير من الوقت على النشويات مثل البطاطس والمعجنات، خاصة وأنني كنت أتبع نظام النباتية المعتدل ليس الـVegan، فوجدت وزني يزيد، ونسبة السكر في دمي أصبحت عالية للمرة الأولى في حياتي، وشخصت بأني Prediabtec ما قبل السكري.

هذا الشعور الدفين بالتعالي داخل نفسي، لم يكن حالة فردية وهناك أكثر من إشارة في علم النفس على أن المتبعين لهذا النظام يسيطر عليهم ذلك الشعور بدرجات متفاوتة، وهو ما يدفع البعض بالهجوم على متاجر اللحوم وتدميرها أو حتى التظاهر أمامها والتأثير على اقتصادها سلبًا، وتشير الدراسات النفسية كذلك إلى أن هذا النظام الغذائي يتحول في ذهن البعض إلى مبدأ أخلاقي كامل، وطالما تواجد المبدأ الأخلاقي تواجدت احتمالية التطرف في التعبير عنه.

الإعلامي والطبيب باسم يوسف، واحد من أشهر المروجين للنباتية في العالم سواء عربيًا أو عالميًا، ومن خلال موقعه المخصص لذلك الغرض يوضح أنه أكتشف على مدار الثلاثين سنة الماضية، أن الأغذية السريعة الضارة سيطرت على موائد الطعام في العالم، بينما تراجعت "الأطعمة المغذية والرائعة التي أمدتنا بها الطبيعة"، مؤكدًا أن سيطرة الخضروات والفاكهة المعدلة وراثيًا والسكر والدهون والملح على أغذيتنا قد تتسبب في ازدياد معدلات السمنة في الشرق الأوسط بنسب 75% وانتشار مرض السكري بنسبة 9% وارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بأمراض القلب بنسبة 50%، من وجهة نظر باسم الاتجاه للنباتية هو الحل، ولذلك تزعم تلك الحملة العالمية.

ولذلك فإن النسبة الأكبر للمتبعين لهذا النظام كان بغرض الحفاظ على صحتهم، لا الدفاع عن الحيوانات أو ما شابه، ولكن حتى هذا الشعور بالاعتناء بالنفس يمكن أن يولد شعورًا بالتعالي تجاه الآخرين الذين يهملون في صحتهم، والتعامل معه باعتباره نوع من أنواع الارتقاء الروحي والعقلي.

فلسفة النباتية

الفيلسوف الأسترالي بيتر سينجر صاحب كتاب تحرير الحيوان، الذي نشر عام 1975، يعد واحدًا من أهم العاملين في مجال حقوق الحيوان في أستراليا، ووراء هذا فلسفة روّج لها كثيرًا من خلال برنامج تليفزيوني عن الحيوانات أيضًا، يرى بيتر أن للحيوانات حقوق يجب أن تكون مساوية لحقوق البشر، وطالما أن البشر يؤمنون أن إلحاق الأذى بالبشر الآخرين يعد أمرًا خاطئًا، فالأمر يجب أن ينطبق على الحيوانات كذلك.

يدرك بيتر أن تلك الحجة ليست مقنعة للكثيرين خاصة لما يتجلى من اختلافات فكرية وقدرات عقلية بين الإنسان والحيوان، لكنه يرى أن البشر الأذكياء لا يأكلون الأقل ذكاءً منهم، خاصة وأن هناك بعض البشر يعانون من قصور ذهني قد يجعلهم أقل ذكاءً من الحيوانات؛ فهل معنى هذا أنهم متاحون للأكل؟

 

بقرة- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

وإلى جانب الأفكار الأخلاقية الفلسفية، أشار بيتر وغيره من المدافعين عن النباتية في العالم، إلى أنه بعيدًا عن الجوانب الأخلاقية في الأمر، فالاقتصاد في تناول اللحوم أصبح أمرًا ضروريًا في حالة إن كان البشر يسعون بالفعل لمواجهة التغير المناخي، موضحين أن الأمر لا يتوقف فقط على أن تناول اللحوم قد يكون مضرًا للبشر والحيوان، ولكن الطرق المتبعة في تربية الحيوانات وتصنيع اللحوم تشكل خطرًا كبيرًا على البيئة.

"كُل اللي يريحك" حرفيًا

هل النظام الغذائي النباتي صحي؟ نعم هو كذلك إن سرت على قواعده الصارمة، مثله مثل الطعام غير النباتي إذا اتبعت نظامًا غذائيًا صحيًا من حيث الكميات التي تتناولها وأساليب طهيها ومواعيد تناولها، ولذلك اقتنعت تمامًا بعد رحلة طويلة في عوالم النباتية أن الالتزام بنظام غذائي صحي لا يعتمد على النباتية أو تناول اللحوم، بل على ذهنية من يتناول الطعام، بدليل أن صحتي ساءت أثناء اتباعي للنباتية، أما إذا كان الهدف من اللجوء للنباتية كأسلوب حياة بشكل عام بغرض التعاطف مع الحيوانات وتجريم العنف ضدها، فمن وجهة نظري العنف والتطرف في التعبير عن هذه الفكرة ليس الطريق الأفضل لتمريرها، ولكن أيضًا السخرية من النباتيين لا تخلق سوى صراع فكري في زمن نحن في أمس الحاجة فيه للتواصل والتفاهم، لا لخلق المزيد من المعارك والتحزبات الفكرية.

أما عني وبعد سنوات من النباتية والعودة لأكل اللحوم، ومشاكل الهضم التي عادة ما تواجهني بسبب قولوني العصبي، فما توصلت إليه في التعامل مع ذلك هو العودة إلى المثل الشعبي الشهير "كل اللي يعجبك"، ولكن بعد تطويره إلى "كل اللي يريحك"، فالنظام الغذائي الجيد أيًا كانت طبيعته يكون الأفضل عندما يشعر جسدك معه بالراحة، وخلال الشهور الأخيرة، وبعد عودتي لتناول جميع أنواع الطعام، اخترت الصيام المتقطع نظامًا غذائيًا، وهو ما أراح جسدي، فما هو النظام الغذائي الذي تتذكر معه زيزي القارئ، أن جسدك كان في أفضل أوقات شعوره بالراحة والخفة؟ إذا كنت قد وجدته فاستمر عليه.