تصميم أيمن يوسف- المنصة

الطلاق للضرر: حق يعرقله القانون

منشور الأحد 21 أغسطس 2022 - آخر تحديث الثلاثاء 21 مارس 2023

"جوزي كان دايمًا بيضربني، وكلّ مرة تفضل آثار الضرب مَعلمة في جسمي أيام، ولا استجريت أروح القسم ولا مرة، لحد ما زهقت ورفعت قضية طلاق للضرر"، هكذا بدأت حنان عبد السلام تروي رحلتها مع الطلاق ومحاولاتها إثبات الضرر الواقع عليها.

الطلاق للضرر طريق قانوني لإنهاء الزواج لكنّه ليس اﻷسهل، فالمشوار مملوء بالعراقيل التي تجعل من الخُلع الذي تتنازل فيه النساء عن حقوقهن المادية أفضل حالًا من التطليق الذي قد يحفظ هذه الحقوق.

حنان السيدة الثلاثينية التي تعمل مشرفة في مدرسة خاصة قررت الطلاق وأخبرت زوجها برغبتها، فما كان منه إلا أن سخر من حديثها ورفض طلبها، فتركت المنزل وعادت لبيت أهلها، الذين بدورهم لم يساندوها في مطلبها، باستثناء والدتها، وبعد ثلاث جلسات تقاضٍ طلبت المحكمة منها شهودًا على واقع الضرب، غير أن شقيقها رفض الإدلاء بشهادته "مش هشارك في خراب البيت".

رُفضتْ الدعوى بعد خمسة أشهر، لفشل حنان في إحضار شهود، لتعيد رفع دعوى جديدة، لكن هذه المرة كانت خُلعًا.

الطريق الصعب

كشف تقرير إحصائي، عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن إجمالي حالات الطلاق خلال عام 2020، بلغت 222 ألفًا و36 حالة طلاق متنوعة ما بين طلاق وطلاق نهائي وخلع، مع ارتفاع نسبة الخلع عن الطلاق للضرر.

وعلى الرغم من أن الخُلع تتنازل فيه الزوجة عن معظم مستحقاتها المادية، فإن النسبة الأكبر من النساء تلجأن إليه. وهنا ترى المديرة العامة لمؤسسة القاهرة للتنمية والقانون المحامية، انتصار السعيد، أن درجات تقاضي الخلع واحدة، فالحكم الأول نهائي وبات ونافذ ولا استئناف عليه، أما الطلاق للضرر فتطول فترة التقاضي فيه ويمكن الاستئناف ضده، و"هو ما يكون صعبًا على بعض النساء اللائي يطلبن الطلاق للحصول على معاش والدها أو والدتها أو حتى معاش الضمان الاجتماعي".

وبيّنت السعيد للمنصة أن الطلاق للضرر يوجب على المرأة أن تثبت الضرر المادي الواقع عليها، سواء كان ضربًا أو عدم إنفاق، ما يعني وجود شهود عيان، فيما لا يعترف القانون بالضرر المعنوي من وجود "ضُرة"، وينص القانون على وجوب رفع الدعوة خلال عام من علمها بالزواج الثاني، أمّا "ادعاء الخيانة الزوجية فلا بد من إثباته بقضية أو محضر رسمي يثبت وقوع الخيانة في شقة الزوجية، أنا لو خانها برا البيت فلا تعترف المحكمة بأي ضرر"، تقول السعيد. 

وتختم السعيد حديثها قائلة "هناك حالات يتم إثبات الضرر فيها بسهولة مثل سجن الزوج أو العنة (العجز الجنسي)، كذلك الضرب أحيانًا لا تعترف به المحكمة كضرر واقع على الزوجة نظرًا لنص القانون على حق التأديب".

وتنص المادة رقم 60 من قانون العقوبات على أنه لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة، فيما ترى محكمة النقض أن للزوج حق تأديب زوجته بشرط ألا يُحدث أثرًا بجسمها.

حق ضائع

على خطى وفاء خاضت أماني تجربتها مع الطلاق للضرر وفشلت أيضًا في إثبات الضرر الواقع وهو ما جعلها تيأس لتنتهي رحلتها بتحويل القضية من ضرر إلى خلع بعد أشهر.

"اتجوزت سنتين وبعدين اكتشفت أنه نصاب واختفى 5 شهور ما أعرفش عنه أي حاجة، ودورت عليه وحاولت أعرف مكانه، بسْ فص ملح وداب، فرفعت قضية طلاق للضرر، ومع ذلك ما أخدتش حقي"، تقول أماني التي تعيش بدأت عقدها الرابع بالتنقل بين قاعات المحاكم.

ظلت جلسات قضية أماني تؤجل سبعة أشهر دون حُكم، والسبب هو عدم حضور الزوج إلى جلسات التسوية ومن ثم التغيُّب عن جلسات الدعوى، ولذا طالبتها المحكمة بشهود يفيدوا بتغيب الزوج! “يأست فقررت أرفع قضية خلع، ويادوب شهرين أخدت الحكم، بس تنازلت عن مستحقاتي المالية".

وتنص المادة رقم 25 لسنة 1929 أحوال شخصية، أن "هجر الرجل لزوجته يعتبر من الأضرار الموجبة للتفريق، إذا لم ترض الزوجة بغياب زوجها أكثر من ستة أشهر رفعت أمرها إلى القاضي ليراسل زوجها وإلزامه بالعودة، فإن لم يرجع حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ، والضرر الذي يجيز التطليق هو الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثال الزوجين، ومعيار هذا الضرر يختلف باختلاف البيئة والثقافة ومكانة المضرور فى المجتمع والظروف المحيطة به، وإنما يترك تقدير تحقق الضرر من جرائها ومدى احتمال الزوجة المقام مع توافر الضرر بها لقاضى الموضوع، وذلك لما له من سلطة تقدير الواقع".

100 سنة قانون

"أزمة ثقة" العبارة التي بدأت بها رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة نيفين عبيد حديثها للمنصة "النساء لا يثقن في القانون"، قبل أن تستدرك "صحيح هناك بعض الخطوات التي اتخذت أخيرًا لتبسيط الإجراءات ورقمنة بعضها، لكن هذا لا يكفينا، إذ أن القانون هو الإشكالية ونحتاج لآخر جديد يراعي مبدأ المساواة".

الإشكالية ذاتها تشير إليها الناشطة النسوية والباحثة إلهام عيداروس "لدينا مشكلة كبيرة في قوانين الأحوال الشخصية، وتقسم الأدوار بين الجنسين بطريقة غير واقعية، فعلى الرجل الإنفاق والإعالة وعلى المرأة الطاعة والخدمة في منزل الزوجية". وترى أننا "في حاجة لقانون عادل ومنصف وينظر للرجل والمرأة نظرة متساوية من حيث الحقوق والواجبات، لا بنظرة الطاعة والإعالة".

أماني أيضًا تتمنى أن يجري تعديل القانون ويحقق مبدأ الإنصاف مع تقصير مدة التقاضي. وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، طالب نشطاء ومنظمات نسوية بإقرار قانون أحوال شخصية جديد، نظرًا لأن القانون المعمول به في البلاد منذ العام 1920 وتعديلاته (1929،1985، 2000)، فيما تقدمت النائبة نشوى الديب بمشروع قانون الأحوال الشخصية إلى الأمانة العامة للمجلس، ويحتوي المشروع على 180 مادة فيما يخص مراحل التقاضي لحصول الزوجة على حقها عقب طلاقها أو ترك زوجها لها والأسرة.

سألنا الديب عن مشروع القانون، فأوضحت أنه مُعد من قبل مؤسسة قضايا المرأة المصرية، لتتبناه بصفتها التشريعية، ولا يزال مشروعًا مقدمًا للنواب.

وأوضحت الديب أن المادة 81 من مشروع القانون تنص على أن "الزوجين إذا ادعى أحدهما ضررًا من الآخر بما لا يستطاع معه دوام العشرة أن يطلب من القاضي التفريق، ويكون له ذلك إذا ثبت الضرر أيًا كان نوعه ماديًا أو معنويًا وعجزت المحكمة عن الإصلاح بين الطرفين، ويثبت هذا الضرر بكافة طرق الإثبات، ويعد من صور الضرر الإخلال بشرط من شروط عقد الزواج، أو تصرف مشين يلحق بأحدهما، أو إساءة مادية أو معنوية تجعل الطرف الآخر غير قادر على الاستمرار في العلاقة الزوجية".

أماني وحنان سيدتان تعيشان حاليًا وهما تعتقدان أن القانون أضاع حقوقهما، ومع تأكيدها تضررهما نفسيًا وماديًا وضعهما القانون في مأزق الإثبات، لتتساءل اﻷولى "هل هناك دليل على تغيبه أكثر من عدم حضور أي جلسة؟"، وتردد حنان "آثار الضرب ما كانتش دليل كفاية عند القانون".