تصميم: يوسف أيمن - المنصة

في انتظار تحرك البلاغ: قصة ابتزاز مكررة تبحث عن "العدالة الناجزة"

منشور الأحد 3 أبريل 2022

 

سبعة أشهر قضتها أميرة في القاهرة قادمةً من المنصورة، لتشق طريقها في العمل بمجال التسويق والمبيعات، لكنها لم تكن تتصور حينها أنها ستعود إلى منزل أسرتها بعد أقل من سنة، دون ميراثها، ضحيةً لابتزاز "صديقتها" في جريمة ما زالت فصولها مستمرة رغم وجود بلاغ في مباحث الإنترنت منذ شهر.

المباحث الإلكترونية أحالت بلاغ أميرة إلى مباحث المنصورة، باعتبارها العنوان الرسمي للمتهمة، وخلال انتظار أميرة إجراء الشرطة تحقيقاتها في البلاغ، وإحالة المتهمة للمحاكمة لتكتب نهاية للقصة التي جعلتها تفضل الانعزال عن العالم وتجلس حبيسة منزل أسرتها، تعرضت للكثير من التهديدات والمضايقات لدفعها للتنازل عن بلاغها.

وتكررت حوادث ابتزاز الفتيات على نحو مطرد خلال الأشهر الماضية، ولكن انتحار الطالبة بسنت التي يبلغ عمرها 17 سنة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسبب تعرضها لتهديدات مشابهة أعاد إلى السطح الحديث عن جرائم التحرش الإلكتروني بالنساء.

وتتنوع المبادرات الشعبية لمقاومة هذه الجريمة مثل مبادرة قاوم التي انطلقت عام 2020 وقال مؤسسها محمد اليماني للمنصة في وقت سابق إنها تعاملت آلاف الحالات منذ ذلك التاريخ، بعضها انتهى بحلول ودية، وفي أحيان أخرى في المحاكم بصدور أحكام على المجرمين الذين مارسوا الابتزاز، في النصف الثاني من عام 2021 استقبلت المبادرة أكثر من 600 بلاغ، بينما استقبلت 15 حالة في العشرة أيام الأولى من شهر يناير 2022.

بدأت رحلة أميرة في القاهرة أغسطس/ آب الماضي، عندما بدأت عملها في مجال المبيعات "كنت مقيمة في بيت مغتربات، اشتغلت في شركة وبعدها اشتغلت في شركة تانية للتأمينات في شهر أكتوبر"، تقول للمنصة. وهناك التقت خريجة كلية الآداب بجامعة المنصورة بزميلة دراستها، لتبدأ رحلة من الصداقة والتقارب بين الشابتين، انتهت ببلاغات في أقسام الشرطة والنيابة وقضايا في المحاكم، "اتعرفت على البنت اللي ابتزتني في الكلية واتقابلنا في القاهرة تاني كنا بنشتغل في نفس الشركة، بدأت تقول إننا زي بعض وحالنا من بعض وقربنا من بعض".

السقوط في الدائرة

استغلت الصديقة نقطة التلاقي التي تشكل نقطة ضعف أميرة، كلتاهما فقدت الأب قبل سنوات "أنا والدي توفي من 10 سنين بمرض السرطان وهي كمان والدها متوفي، وبعد كده قالت لي إن عندها بوادر سرطانية في المعدة ولازم تبدأ علاج".

تستكمل أميرة رواية قصتها "قالت لي عندها أرض ورث من أبوها لكن بيعها ياخد وقت، قالت لي إنها مش عارفة تتصرف، افتكرت أبويا وافتكرت إننا ممكن نحتاج حد يساعدنا ونتحط في الموقف ده، أنا أبويا مات بسرطان المريء والمعدة"، سقطت أميرة في دائرة الاستغلال والابتزاز عندما فتحت بوابة الحصول على المال من ميراثها "بدأت تسحب مني مبالغ في البداية مبالغ بسيطة وبعدين مبالغ كبيرة وتقولي قربت أبيع الأرض وخلاص هردهم لك. سحبت مني فلوس لغاية ما بقاش معايا أي حاجة، اديتها تقريبًا 200 ألف جنيه ده ميراثي من والدي".

غيّرت المبتزة سلوكها مع أميرة "الموضوع اتغير، اتحول من طلب مساعدة لابتزاز لأنها لقت البنك قفل، كانت بتطلب مني لو عندي دهب أبيعه، أو آخد قرض وأديهولها".

تراجعت الصداقة القوية والعلاقة الوطيدة بين الصديقتين "لما بدأت ألح في طلب فلوسي ما بقتش تكلمني كتير. ممكن مرة في الأسبوع أسأل على فلوسي وتقولي حاضر وبرضه مافيش فايدة، 3 شهور تسويف تقولي حاضر وماباخدش منها حاجة، لغاية ما اتحول الموضوع لابتزاز مباشر وصريح".

تستطرد أميرة "كلمتني قالت لي لازم أقابلك ضروري. قالت لي إن تليفونها اتسرق واللي سرقه طالب 100 ألف جنيه كل واحدة فينا تدفع له 50 ألف، علشان عليه صور لينا، قالت لي إنها كانت بتصورني من غير ما أعرف، ولما رفضت أدفع وقلت لها دي قصتك لوحدك قالت لي لو عايزة تتفضحي إنتي حرة".

اقترحت أميرة على صديقتها الذهاب لمباحث الإنترنت "قلت لها لو في حد بيبتزك اطلعي مباحث الإنترنت وقدمي بلاغ"، ومع عدم تصديقها روايتها "قلت لها وريني اللي بيبتزك ده وفيسبوك بتاعه ورسايله، كانت بتتحجج وتقولي مش عارفة".

وصلت أميرة إلى الحقيقة وواجهت صديقتها "أنا ما حدش بيبتزني غيرك"، اكتشفت هذه الحقيقة بعد ستة أشهر من الخضوع لصديقتها وتصديقها.

حكاية أميرة واحدة من عشرات القصص التي تتعرض لها فتيات يوميًا مع جريمة الابتزاز التي مازال القانون المصري به بعض العوار في التعامل معها، ومواكبة التطور التكنولوجي الذي يستخدم في هذه الجرائم.

مسارات القوة

اتخذت أميرة عدة مسارات، ساعدتها على الوقوف في مواجهة الابتزاز، اتجهت إلى مباحث الإنترنت بما يثبت صحة أقوالها "أثبت رسائل ومكالمات، رغم إنها كانت حريصة جدًا كانت بتبعت لي رسايل على الماسنجر وتمسحها بس أنا لما بدأت أحس إن فيه مشكلة كنت باخد الرسايل سكرين شوت، كانت حريصة معظم الوقت ما يكونش في شات بيني وبينها".

أدركت أميرة أنها بحاجة لمساعدة، بدأت تسترجع ملفاتها القديمة "كنت من فترة ناشطة حملات ضد التحرش، افتكرت إن ممكن مؤسسة تساعدني، أنا كنت منهارة تمامًا، دخلت أشوف جهات تقدر تساعدني وتقدم لي دعم نفسي، ولقيت رقم محاميات مصريات في قائمة الجهات الداعمة وتواصلت معهم".

هبة عادل، مديرة مؤسسة محاميات مصريات، التي تتولى قضية أميرة ومساندتها، قالت للمنصة إن الفتاة المُدعى عليها ليست بمفردها ولكن معها آخرين ويتقاسمون الأدوار، تؤكد هبة وجود متهم أساسي مع المتهمة "بينهما علاقة زواج عرفي ومعها باستمرار".

كان الطلب الأول للمؤسسة ضرورة مصارحة أهل أميرة بالوضع "بلغت أختي وبعدين بلغت أمي، وكانت داعمة ليا جدًا،  وقالت لي أي حد يقرب لك آكله بسناني ولا يهمك حاجة". طلبت الأم من أميرة العودة للمنصورة مرة أخرى ترك القاهرة ومشاكلها. تقاطع الأم حديثنا "قلت لها كفاية اللي حصل تعالي يا بنتي وسطنا".

كان رد فعل الأم والأخت الداعم لأميرة أثر كبير في الحد من الأثر النفسي الذي تعرضت له أميرة، لكن عادل تؤكد "كان يجب الإسراع في المسار القانوني لمنع تطور الأحداث ووصول الأمر للتعدي على أميرة ووالدتها منزلهما".

عادت أميرة للمنصورة بعد يومين من تقديم البلاغ ضد صديقتها "عملت البلاغ يوم 28 فبراير، رجعت المنصورة يوم 2 مارس بعتت لي من حساب مزيف قالت لي لو ما نفذتيش المطلوب منك هنروح نشرب شاي مع والدتك، يوم 3 مارس كانت في بيتنا".

مناورة جديدة للضغط

تأخر المسار القانوني والتقاعس عن ضبط المتهمة بعد تحرير المحضر، منحها مساحة جديدة لابتزاز أميرة والضغط عليها بشكل أكبر؛ بعد دقائق من خروجها من المنزل تلقت أميرة اتصالًا من والدتها يخبرها بحضور صديقتها "جات البت فعلا أنا كنت لسة قريبة رجعت البيت لقتها بتزعق لماما، قالت لي إنتي لسة شفتي زعيق".

تقاطع الأم حديثنا "كان معاها بلطجية دول عصابة هي مش لوحدها، كان معاها رجالة على أول الشارع".

تستكمل أميرة "مدت إيدها على والدتي وقعتها عى الأرض"، بعد سقوط الأم على الأرض اكتشفت خطة لدس سجائر حشيش في المنزل "لما وقعت لقيت على الأرض جنب الكنبة سيجارة ملفولة، قالت لنا انتوا لسة شفتوا حاجة أنا حاطة لكم حشيش في كل حتة"، تستطرد الأم "سبحان من ألهمني أدور في المكان لقيت عند الكنبة والمكتبة وعند البلكونة".

مع تصاعد الخلاف والمشادات اتجهت "المبتزة" للبلكونة وبدأت وصلات من السباب "شتمتنا بكل الألفاظ اللي ممكن تتخيليها، قفلنا البلكونة وطلبنا النجدة، وقعدت تقول خاطفني وحابسيني وتشتم فينا، الناس اللي معاها جم زعقوا تحت البيت وقعدوا يقولوا افتحوا لها، تقريبًا هم دول العصابة ومتفقين مع بعض".

مع حضور النجدة، ادعت صديقة أميرة أنها حضرت لاستلام مفاتيح العمل منها، توضح أميرة "هي أصلًا مرفودة من الشركة من شهر  12 وما كانتش بتحضر ولا بيتجي ولا مهتمة".

في القسم وجدت الشرطة نفسها أمام بلاغين وتمسك الطرفان بعدم التنازل "الجمعة مافيش نيابة بيتنا في الحجز ليلتين، طول ما أنا قاعدة تقولي بعلمك الأدب، يوم النيابة كنا في نفس الكلابش طول النهار تستفز فيا من الصبح لغاية ما رجعنا مع آذان العشاء متكلبشين في بعض، وطول الليل بترازي فيا وتخلي الحجز كله يقنعني إني أتنازل".

أمام النيابة أوضحت أميرة أنها سبق وحررت محضر ابتزاز برقم 5 أحوال بتاريخ 28 فبراير/ شباط "في النيابة قلت إن فيه مشاكل بيننا وإني قدمت بلاغ وعملت محضر ابتزاز وقلت إن لها سبب للتهجم عليا في بيتي، النيابة أمرت باخلاء سبيلنا إحنا الاتنين والموضوع اتحول قضية، أنا اتهمتها بالسب والقذف والاعتداء والتشهير، وهي اتهمتني بالاعتداء بالضرب والشتم".

طوال هذه الفترة لم يتحرك المحضر الذي حررته ضد الفتاة التي تحاول ابتزازها "هي بعتت الصور لأصدقاء ليا، كان نفسي نلحق ده قبل ما تبعت الصور، أصحابي بدأوا يسألوني عن الصور قلت لهم إني عاملة بلاغات ومحضر ابتزاز وبينا قضية".

تعتقد أميرة أن تأخر اتخاذ إجراءات ضد صديقتها في محضر الابتزاز الرسمي أوقعها في مزيد من الضغوط والاعتداءات التي مارستها ضدها في منزلها "أنا حاليًا في المنصورة مش عايزة أرجع القاهرة"، تقاطع الأم حديثنا مرة أخرى "حاجتها في القاهرة وخايفة أخليها تروح تجيبها تتعرض لمشكلة تانية".

واعتبرت هبة في حديثها مع المنصة أن سرعة التحقيق والقبض على الجناة في هذا النوع من القضايا، كان من الممكن أن يوقف نزيف الابتزاز الذي تعرضت له أميرة، والضغوط التي مارستها المتهمة عليها، دون أن تفوتها الإشارة إلى الاضطراب الذي واجهته أميرة بعد تهديدها وابتزازها والأثر النفسي الذي مازالت تعاني منه "البنت حاولت تنتحر مرتين قبل اللجوء لنا، حياتها اتدمرت تركت عملها وتركت السكن وفلوسها خلصت، لجأت لنا وبدأنا نحاول نشوف رد فعل الأهل هيكون داعم لها والا هيتخلوا عنها".

تتحدث أميرة عن مشاعرها ومخاوفها "أنا شخصيًا مش عارفة أشوف بني آدمين لا أشوف الشارع، ومش عارفة أنام، اللي مخليني مش عارفة أنام إن أهلي ما يستاهلوش كل ده وأنا ما استاهلش كل اللي حصلي ده، مش عارفة دماع البنت دي فيها ايه تاني".

جرس التليفون وجرس الباب أصبح مصدر للفزع لأميرة "بسمع جرس التليفون بتفزع مش عارفة إيه تاني ممكن يتعمل فيا أو في أهلي أنا مش عارفة أقوم من على السرير بعد اللي حصل ده".


اقرأ أيضًا| كسر الطوق: فتيات انتصرن على الابتزاز الإلكتروني

تصميم: هشام عبد الحميد - المنصة

الأم التي قررت دعم ابنتها أيًا كان محتوى الصور تقول "بنتي طلعت تدور على باب رزق ده مش غلط، ومش كل بنت تطلع تشتغل يستولوا عليها مادي ومعنوي، أبوها اللي شايلها حاجة للزمن راحت ما سابتناش جت آذتنا نفسيًا ومعنويًا".

ورغم تأكيد مديرة مؤسسة المحاميات المصريات على دور مباحث الإنترنت في عدد من قضايا الابتزاز، أكدت في الوقت نفسه "وجود عوار في التنفيذ" منتقدة البطء في التحرك لإجراء التحقيقات وضبط المتهمين.

تقول عادل "الموضوع ليس قضية ابتزاز أميرة فقط، نحن نتلقى أسبوعيًا 3 حالات تقريبًا، هذه النوعية من الجرائم تحتاج تحرك سريع وضبط المتهمين قبل حدوث الفضيحة وتنفيذ التهديد ونشر الصور أو الفيديوهات التي تتعرض الضحايا لضغوط بسببهم".

وتابعت "مش لازم ننتظر لما لمشكلة تبقى تريند علشان يتم التحرك السريع، أو رئيس الجمهورية يتكلم علشان نقبض على المتهمين، العدالة يجب أن تتحقق للجميع على السواء".