صفحة رئيس الوزراء المصري الأسبق هشام قنديل - فيسبوك
صورة أرشيفية من عام 2012 لرئيس الوزراء المصري الأسبق هشام قنديل ورئيس حكومة حماس إسماعيل هنية في مجمع الشفاء الطبي لزيارة مصابي القصف الإسرائيلي

احذر الدخول إلى غزة بديلًا عن الدبابة الإسرائيلية

منشور الأربعاء 22 نوفمبر 2023 - آخر تحديث الأربعاء 22 نوفمبر 2023

في مثل هذا الشهر من 11 سنة، وبعد مرور أيام على بداية الحرب بين الجيش الإسرائيلي بطائراته ومدفعيته، ومقاتلي القسام بصواريخهم، دخل رئيس الوزراء المصري هشام قنديل على رأس وفد رفيع المستوى إلى قطاع غزة، وكان في استقباله رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية.

لم تجرِ هذه الزيارة بتنسيق سياسي مع إسرائيل، حيث سبقها بأيام استدعاء القاهرة سفيرها في تل أبيب، احتجاجًا على اغتيال دولة الاحتلال قائد كتائب القسام أحمد الجعبري. ولكن سبقتها ترتيبات أمنية بعقد هدنة لست ساعات، اشترطت حكومة نتنياهو فقط أن تلتزم بها حماس، التي خرقتها إسرائيل بعد عشر دقائق من وصول قنديل، واستأنفت قصفها الجوي والمدفعي.

هل كانت إسرائيل وقتها، بسماحها لقنديل بدخول غزة، أكثر عقلانيةً أو ميلًا للسلام من اليوم؟ هل جمعت رئيس وزرائها نتنياهو بالرئيس الراحل مرسي علاقة أكثر ودًا من علاقته بالرئيس السيسي، الذي كان وقتها وزير دفاع، وبمقدوره العمل على إيقاف الزيارة لو كانت ستورط مصر في حرب مع إسرائيل، أخذًا في الاعتبار أنَّ الجيش المصري آنذاك كان أقلَّ تسليحًا وعتادًا من وضعه الحالي، بعد سنوات التوسع في الإنفاق على التسليح؟

اليوم، يرى كثيرون عدم إصرار مصر على إيصال مساعدات غذائية وطبية ووقود إلى غزة رغمًا عن إسرائيل ودون موافقتها خطرًا على الأمن القومي، يورِّط مصر في حرب ليست مستعدة لها. غير أنَّ ذلك السيناريو، الذي لم يحدث في 2012، يبدو أقلَّ خطورة من آخر تطرحه دول غربية الآن بجدية، تدخل فيه مصر إلى القطاع بعد الحرب، لإدارته منفردة أو ضمن قوات دولية.

غصَّة في حلق غزة

ينطلق البعض من منطق أمني، بأن دخول مصر إلى غزة بعد انتهاء الحرب للمشاركة في إدارة دولية للقطاع وملء الفراغ الأمني خلال فترة انتقالية يضمن بقاء الغزاويين في أرضهم، أو ما قد يتبقى منها جنوب القطاع، مع خشية من تدهور الأوضاع في غزة بعد توقف الاعتداءات الإسرائيلية، إلى حدِّ يدفع موجات الجماهير الفارَّة من الموت البطيء إلى الحدود المصرية، فيُفرض التهجير والتوطين بشكل إنساني، بعد فشل الحكومة الإسرائيلية في تنفيذه جبرًا.

هناك مخاوف من فرض التهجير بشكل إنساني بعد فشل فرضه بالقوة

غير أنَّ علاقة مصر بغزة اليوم تختلف عمَّا كانت عليه أثناء إدارتها للقطاع بعد نكبة 1948. في ذلك الوقت، وعلى الرغم من انفرادها بالحكم هناك دون التفكير في منح أهله حقَّ إدارته، لم ينسَ الفلسطينيون أن الجيش المصري حارب معهم وعنهم في العمليات الفدائية التي قُتل فيها عشرات الجنود المصريين على حدود مخيماتها، خلال النصف الأول من الخمسينيات، وحتى حرب 1956.

ولكن بعد احتلال قطاع غزة مع سيناء عام 1967، لم تهتم مصر باستعادته أثناء مفاوضاتها مع إسرائيل، وتركته خاضعًا للاحتلال حتى 2005. بعدها بسنتين، بدأ حصار إسرائيل للقطاع، وحمل معه غصَّة في حلق أهله نحو مصر بسبب التضييق عليهم، والمعاناة التي يواجهونها عند مرورهم بمعبر رفح من وإلى سيناء قبل الحرب، ثم عدم نجدتهم مبكرًا أو متأخرًا مع اندلاعها، ولو بالماء والدواء والطعام والوقود، بسبب الرفض الإسرائيلي.

المصافحات الدبلوماسية وتقبيل اللحى العربية المتبادلة بين مسؤولي حماس ومسؤولي الأمن المصريين، أمر لازم لمصلحة كل طرف، بعد اضطرارهما لاستعادة العلاقات في 2017. ولكنها لا تعني أن العلاقات عادت إلى ما كانت عليه منذ ثورة يناير وحتى الإطاحة بمرسي.

اليوم، لن يستقبل الغزاويون أيَّ إدارة مصرية بالزهور والأحضان، وربما أيضًا لن يتركوها في حالها.

يزيد من تعقيد الصورة توتر العلاقة بين حماس والسلطة الوطنية في رام الله، التي تتحدث الولايات المتحدة عن منحها دورًا في إدارة القطاع بعد الحرب، هذا بافتراض هزيمة حماس، ونجاة السلطة من نقمة فلسطينيي الضفة بعد خذلانهم وقمعهم لحساب إسرائيل.

يعني ذلك السيناريو أنَّ السلطة ستجد مقاومة مع دخولها القطاع لحكمه بعد 16 سنة من طردها منه. سيعدها الغزاويون قادمة لحكمهم على ظهر دبابة إسرائيلية تسير فوق أشلاء فلسطينية، وسيتعاملون معها مندوبًا للاحتلال الغاشم الوحشي الذي أباد شعبهم ودكَّ مدنهم.

المشاركة المصرية في إدارة غزة ضمن هذا السياق ستورطها مجددًا في نزاع أهلي عربي، وهو الخطأ الذي تعلمت ألا تنجرَّ إليه مجددًا، بعد انخراطها في الستينيات في حرب مشابهة أنهكتها قبل النكسة، حرب اليمن، وللمفارقة كادت مصر تجد نفسها في مواجهة طرف يمني آخر، هو الحوثيون هذه المرة، لو أنَّ القوات البحرية المصرية ظلت تتولى قيادة "القوة البحرية 153" التي شكلتها أمريكا في أبريل/نيسان من العام الماضي، لحماية الملاحة في البحر الأحمر من باب المندب حتى قناة السويس. 

أهل غزة حانقون ومن حقهم كلُّ الغضب فلا تكونوا ضحيته ولا تقفوا في مرماه

تسلَّمت مصر قيادة تلك القوة من القيادة البحرية للأسطول الخامس الأمريكي ومقرها البحرين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولحسن الحظ أنها أعادت تسليم القيادة للأمريكيين في يونيو/حزيران الماضي، قبل عملية الإنزال التي نفذها الحوثيون فوق سفينة الشحن المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي.

فرص مصر في غزة

من المؤكد أن مصر ستجد في إعادة إعمار غزة بتمويل عربي ودولي سخي فرصة لإنعاش اقتصادها المحتضر، كما أنها ستفتح الباب بعد نهاية الحرب وموافقة إسرائيل لآلاف المصابين والمرضى، إلى جانب عدد محدود من العائلات للم شملها، بأعداد لا تمثل أكثر 1% من سكان غزة، وهو ما كان مطلوبًا وقت الحرب ولم يحدث، باستخدام فزّاعة التهجير والتوطين لتبرير الإغلاق الكامل لتوافقات سياسية.

خلاصة القول أن مصر بإمكانها مساعدة الفلسطينيين في غزة من داخل حدودها، سياسيًا وصحيًا وإنسانيًا، دون دخول القطاع بعد الحرب بإذن من إسرائيل، وحدها أو معها سلطة رام الله، سواء أمنيًا أو عسكريًا ولو بشكل محدود، إلا في وجود إدارة فلسطينية ذاتية يقبلها أهل غزة، ترحب هي بمن يريدون الدخول للإعمار أو التجارة، دون التورط لصالح طرف سياسي على حساب آخر، أو القيام بالاحتلال من الباطن، نيابة عن المحتل الإسرائيلي.

أهل غزة حانقون ومن حقهم كلُّ الغضب، فلا تكونوا ضحية هذا الغضب ولا تقفوا في مرماه!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.